يرفع
دانيال ماشفا جوال الكرنب (الملفوف) والبطاطا الحلوة على سيارة أجرة
مشتركة مكدسة ويسافر تسع ساعات تحت شمس حارقة للسوق في جوهانسبرج.
وعندما يصل يكون نصف محصوله قد تلف ويعود ماشفا (48 عاما) وهو أب لخمسة
لقريته الفقيرة لا يحمل سوى بضعة قروش اضافية.
لكن
ذلك كان قبل ان تغير تكنولوجيا الهاتف المحمول حياته.
يتصل
ماشفا الان مباشرة بمنصة تعامل حقيقية من هاتفه الجديد عالى التقنية
ويبيع انتاجه مباشرة من كوخه الصغير المسقوف بالقش على مشارف حديقة
كروجر العامة الضخمة.
وقال
لرويترز من قريته في أقصى الشمال الشرقي لجنوب افريقيا "أعرف اسعار
اليوم عن طريق هاتفي المحمول وعندما يكون السعر جيدا أبيع ... يمكنني
كذلك محاولة طلب سعر أعلى اذا كان هناك اقبال كبير من المشترين."
وماشفا واحد من مئات المزارعين في ماكوليكي الذين جربوا تكنولوجيا
الهاتف المحمول التي تعطي صغار المزارعين مدخلا للسوق الوطنية عبر
الانترنت مثل كبار المزارعين مما يزيد ارباحهم بنحو 30 بالمئة على
الاقل.
وقال
مثوبي تيامزاشي مدير الاتصالات بشركة فوداكوم لخدمة الهاتف المحمول في
جنوب افريقيا التي ترعى المشروع "المزارعون الرئيسيون لديهم حرية دخول
على معلومات السوق مما يمكنهم من التفاوض على أسعار أفضل. وهذا الهاتف
المحمول يمكن المزارعين الفقراء من الحصول على المعلومات نفسها."
وقال
احد جيران ماشفا انه زاد دخله الشهري الى أربعة أمثاله باستخدام الهاتف
اذ انه يتمكن الان من الاستغناء عن الوسطاء الذين كانوا يدفعون له أقل
بكثير من سعر السوق مقابل محصوله من القطن.
وقال
جيريميا تشوكي لرويترز "العام الماضي كان مأساويا حقيقة كنت اكسب نحو
800 راند (120 دولارا) في الشهر وأجد صعوبة في اطعام أسرتي... لكن
الشهر الماضي كسبت اربعة الاف راند وهذا مال كثير."
واستثمر تشوكي جزءا من هذا المال في زراعة الخضروات في قطعة أرض صغيرة
بالقرب من منزله يبيعها كذلك باستخدام الهاتف.
ومثل
نحو نصف الافارقة لم يكن لتشوكي أو ماشفا اجراء اتصال هاتفي واحد ناهيك
عن الدخول على الانترنت قبل ان يحصلا على هذا الهاتف الجديد. وكلاهما
الان يمسك بجهازه عالي التقنية بفخر كبير طوال الوقت.
وزاد
استخدام الهاتف المحمول بنسبة مئة بالمئة في أفقر قارات العالم منذ عام
2000 والبرنامج المطبق في ماكوليكي واحد من العديد من الاساليب التي
تستخدم فيها التكنولوجيا لمكافحة الفقر.
ويقول
الخبراء ان تكنولوجيا اللاسلكي هي أفضل سبيل كذلك لتوصيل الانترنت
للفقراء فيما يرجع أساسا الى أن تناثر التكتلات السكانية على نطاق كبير
من الاراضي يجعل مد خطوط أرضية غير مجد اقتصاديا.
وكانت
شركة مانوبي السنغالية التي تدير نظم الانترنت لرجال الاعمال في الدول
النامية أول من وفر منصة تعامل للمزارعين والصيادين في هذا البلد في
غرب افريقيا وتقول انه اصبح لديها 40 الف عميل.
وقال
دانييل انيروزي الرئيس التنفيذي لمانوبي "انها منصة تداول ومكان
للاعمال... صغار المزارعين السنغاليين اتصلوا بالجيش الفرنسي العام
الماضي واتفقوا على تموين احدى سفنه عندما رست في داكار."
واشتركت مانوبي مع شركتي الهاتف المحمول الفرنسيتين الكاتيل وفوداكوم
في طرح المشروع في جنوب افريقيا حيث تأمل في اجتذاب مئة ألف مزارع
لاستخدام النظام اذا نجح مشروع ماكوليكي التجريبي.
وبعد
ذلك يريدون التوسع في مختلف ارجاء القارة وصولا الى الشرق الاوسط.
وفي
السنغال يجمع فريق العمل في مانوبي 80 الف معلومة من عشرة اسواق يوميا
ويعرضونها على الانترنت خلال ثوان في حين أنه في الاسواق الاكثر نضجا
في جنوب افريقيا لا يفعلون سوى تحميل البيانات المتاحة على النظام.
ويمكن
للمزارعين الوصول الى المعلومات على منصة تعامل على الانترنت عبر هواتف
قادرة على الدخول على الشبكة الدولية أو يمكنهم طلب الاسعار واجراء
المبادلات التجارية باستخدام الرسائل النصية على الهاتف.
والاعمال المحلية مثل المطاعم والفنادق الصغيرة تتصل كذلك بمنصات تعامل
لتطلب احتياجاتها من المزارعين بشكل مباشر.
وتعترف فوداكوم والكاتيل بانهما لا ترعيان مشروعات مثل هذه بدافع عمل
الخير بل الهدف هو توسعة الشبكة لتشمل المناطق الريفية وادراج عملاء
جدد في سوق مفعم بمنافسة ضارية.
وقال
تيامزاشي من فوداكوم "الفكرة أن العملاء اذا بدأوا بمنتج معين سيحتفظون
به عندما يصبحون أكثر قدرة على تحقيق أرباح."
وقدمت
فوداكوم 360 خطا واتصالات مجانية قيمتها 300 راند لكل خط في حين قدمت
الكاتيل 200 جهاز محمول.
لكن
السؤال المهم هو هل يستطيع مزارع يعيش على أقل من دولار في اليوم أن
يدفع ثمن الخدمة عندما تنتهي الاتصالات المجانية.
يقول
الخبراء ان مشروعا مثل هذا عادة ما يعتمد على أسلوب التجربة والخطأ وفي
حالة ماكوليكي قد لا يستمر لكن من المهم الاستمرار في تجربة اساليب
تحسين الاتصالات في المناطق الريفية في افريقيا.
لكن
ماشفا يبدو متفائلا من ان هاتفه سيوفر له المال الكافي لدفع ثمن
المكالمات فيما بعد. ويقول "سأحصل على المال لدفع قيمة الاشتراك عندما
أبيع منتجاتي." |