بغض النظر عن ما قيل من التدخل في الانتخابات الرئاسية الايرانية
الاخيرة لحسم النتيجة لصالح احمد نجاد، وما يقال عن التخطيط المسبق
لها، ومدى تأثيرذالك في النسبة التي حصل عليها نجاد من اصوات المقترعين
ثمة رسالة هامة، وخطيرة تبعثها نتيجة الانتخابات المذكورة إلى دعاة
الاصلاح والديمقراطية في ايران والعالم من جهة، والى المسؤولين
الايرانين من جهة ثانية، وتكاد الرسالة أن تكون مشابهة من جوانب عديدة
لرسالة الـ (لا) الفرنسية في الاستفتاء على دستور الاتحاد الاوروبي،
ورسالة البريطانين في الانتخابات التي فاز بها طوني بلير مع خسارة حزبه
لكثير من مقاعده، والرسائل التي تعبر عنها إستطلاعات الرأي الحالية عن
تدني تأييد شعبية الرئيس الأمريكي جورج بوش.
ففي فرنسا المؤسسة للاتحاد الاوروبى قالت الاكثرية
(لا)للدستورالاوروبي، لان الأحوال الاقتصادية لم تكن بالجيدة، والبطالة
بلغت ارقاماً قياسية بفرنسا، و.........، فوضعت الاتحاد الاوروبي في
مأزق، وأسقطت الحكومة الفرنسية على الرغم من المعارضة القوية الصارخة
الفرنسية المتواصلة للحرب ضد صدام ونظامه في بغداد.
اما في بريطانيا فمع كون طوني بلير كان من دعاة الحرب ضد صدام،
واشترك في هذه الحرب المذكوة، وله قوات ضمن القوات متعددة الجنسيات في
العراق، وضحايا،فلأن المؤشرات الاقتصادية الداخلية التي تهمّ المواطن
كانت إيجابية فاز مرة أخرى بلير برئاسة الوزراء مع بعض الخسارة في
المقاعد البرلمانية، وتمكّن من تجاوز خطر ٍكبير كان يتهدده فيما يرتبط
بمتداخلات مشاركته في الحرب ضّد صدام.
وربما الحال هو كذلك في الولايات المتحدة الأمريكية مع اقتراب
انتخابات الكونغرس وذلك قيما يرتبط بتدني مستوى شعبية جورج بوش، طبعاً
إلى جانب الإرتفاع النسبّي في عدد ضحايا الأمريكين من الإرهاب في
العراق، للاخطاء التكتيكية والستراتيجية المرتكبة المتواصلة لحداثة
التعامل مع المنطقة وبإيحاءات أوروبية وعربية صديقة لامريكا. هذا عن
فرنسا التي عارضت الحرب على صدام، ولم تزل معارضة للتحوّل في العراق،
وذاك عن بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية اللتين كانتا على الطرف
الآخر تماماً، مع إختلاف في الوسائل والمصالح واللهجة و......
امّا في إيران، وفي ظلّ ديمقراطيتها الخاصة بها، ونظامها الإنتخابي،
والإدارة الإنتخابية وجد الناخب الإيراني في الجولة الأولى من
الإنتخابات الرئاسية امام مرشحين من الإصلاحيين الذين أهملوا قصورًااو
تقصيراً التنمية الاقتصادية المواطنيّة، وبالتالي الإصلاح الاقتصادي
والمصداقية و....ناهيك عن التعّثر في مجالات الإصلاح الأخرى المتوازية
المتلازمة، وآخر هو هاشمي رفسنجاني الذي حاول أن يقف على مسافة متساوية
بين الإصلاحين والمحافظين، أو يصوّر نفسه كذلك، لكّن رفسنجاني أيضاً لم
يتمكّن في السنوات الثمان من رئاسته من تحقيق تنمية اقتصادية مواطنيّة
عامة،رغم البصمات التي تركها على الإقتصاد والسياسة ولا سيما السياسية
الخارجية.لكّن في الإنتخابات غالباً إن لم يكن دائماًـ الشأن الداخلي
يتصدّر إهتمام الناخب، وللعامل الإقتصادي كلمته، أو كلمة الفصل
عادةً،ولامجال لتجربة المجّرب،وذاكرة الشعوب ليست بضعيفة،ولأن الإصلاح
تمّ حصره ومحاصرته على عهد رفسنجاني وخاتمي في بعض الحريات التنفيسيّة
الضيفة العامة وبعض الحريات الفردية في المرافق العامة و المتعارضة مع
بعض القيم والتقاليد أو العادات التي تحترمها غالبية الإيرانين فتم
ّتسويق الإصلاح شعبياً بأنه معارض للقيم، ولهذا السبب وغيره مما تقدّم
خسر الإصلاحيون جزء من قاعدتهم الشعبية، مما ساهم إلى جانب النظام
الإنتخابي والإدارة الإنتخابية إلى صعود رفسنجاني وأحمدي نجاد إلى
الجولة الثانية وجهاً لوجه :ـ
في ظلّ كل ذلك وفي دائرة الخيارات المتاحة للناخب الإيراني :ـ
لماذا إنتخب المشتركون في الإنتخابات أحمدي نجاد دون رفسنجاني ؟
الشأن المحّلي وعلى رأسه العامل الإقتصادي المتمثل با لفقر والبطالة
و.....، إضافةً إلى ما تقدّم عن تجربتي رفسنجاني وخاتمي بجوار التجربة
المحدودة الناجحة الأحدثُ لأحمدي نجاد في بلدية طهران المعروفة بمحاربة
الفساد المالي والإداري والتركيز في تسويق ذلك بكفاءة دعائية عالية مع
مخاطبة المتعطشين للسياسات المواطنيّة والنزاهة و.............
في تصوّري هذه بعض أهم العوامل التي أجبرت أكثرية الناخبين في
الجولة الثانية من الإنتخابات الإيرانية للتصويت لصالح أحمدي نجاد
بنسبة تقارب ال ( 62) في المائة، هذا عن التحليل أمّا رسالة الإنتخابات
الإخيرة لدعاة الإصلاح والديقراطية في إيران والعالم من جهة والى
المسؤولين الإيرانين من جهة ثانية :ـ
1ـ الشأن الداخلي المحلّي يستأثر بالقسط الأكبر والأهم من إهتمامات
الرأي العام أو الناخب أمريكياً كان أو فرنسياًأوبريطانياًأو إيرانياً.
2ـ العامل الإقتصادي يحتلّ موقعاًهاماً ومصيرياً في الشأن المحلّي.
3ـ هناك تلازم بين أنواع الإصلاح المختلفة، ولا تراتبيّة في البين،
فلا يمكن فصل الإصلاح الإقتصادي عن الإصلاح بمعناه الأعم الذي يشمل
الإصلاح السياسي ولإجتماعي والثقافي و.......بشقّيه الفردي والاجتماعي
العام.
4ـ من العبث فصل الديمقراطية عن الحرية لحصر الأخيرة في بعض الحريات
الفردية أو الإجتماعية التنفيسيّة، كما من الخطورة بمكان دفع الإصلاح
والدمقرطة في إتجاهات متعارضة، أو تبدو متعارضة مع قيم الغالبية في
المجتمع، فالطرق إلى الديمقراطية عديدة وكثيرة، ولابدّ للإ صلاح من
خطة ومرحلية ومؤسسات وبنى تحتية و.......
5ـ هناك سلبيات للعولمة ينبغي إحتوائها للحدّ مما يجعلها متعارضة مع
التحرك نحو الديمقراطية في العالم.
فالإصلاح الشامل المرحلي المبرمج الذي يتضمن سياسات مواطنيّة ملموسة
تحقق الرفاه والأمن إلى جانب الحرية والمشاركة السياسية والإقتصادية
و...... للمواطن، هو الذي يمكن أن ينقذ الإصلاح في إيران والعالم،
ولابدّ أن تكون القرارات العالمية عادلة وأخلاقية تحت مظلّة الأمم
المتحدة بعد إصلاحها، ومن دون ذلك فالانهيارات تتوالى ولاسيما مع
بقاءالأزمة العراقية في مكانها داخليا واقتصاديا و... منذ الانتخابات
العراقية التي منحت الاصلاح عراقيا وأقليميا وعالميا زخما كبيرا :
فهل رسالة الانتخابات الايرانية تستوعب ايرانيا وعالميا ؟
ربما، و تفاؤلا فقط، لانه لامعطيات ميدانية تدل على اكثر من ذلك.
معهد الامام الشيرازي الدولي للدراسات -
واشنطن
Siironline.org |