بمناسبة المناقشات الساخنة حول الدستور المنتظر اود ان اشير الى
موضوع يتعلق بالاسرة اتمنى ان ينال حظه في مجال النقاش من قبل اعضاء
لجنة الدستور.
سكن الزوجة في فترة العدة عند الطلاق
الأسرة نواة المجتمع ويكون كيفما تكون عليه من صلاح وفساد لذلك
اهتمت بها شرائع السماء ونواميس الأرض، كما إنها كانت محور بحث وتنظير
الفقهاء والعلماء في شتى الاختصاصات وفي كل المجتمعات، فلم نجد مجتمع
من مجتمعات العالم يخلو من فقيه أو باحث في مجال الأسرة، وفي الشريعة
الإسلامية نرى الاهتمام اكثر وضوحا، فوضعت لها القواعد التنظيمية على
احسن تكوين وأولاها القرآن الكريم عناية بالغة باعتبارها حصن الفرد
والمجتمع والمدرسة التي تربي الجيل.
وقد تحسب الشارع الكريم إلى كل احتمالات النتائج التي تظهر من خلال
دوام العلاقة فيما بين ركني الأسرة والرجل والمرأة ونظمها بتنظيم دقيق
وحكيم، ومن أهم ما تحسب له تكدر صفو العلاقة وانعدام الانسجام الذي
يؤدي إلى تفكك الأسرة، فأوجد له الطلاق ذلك العلاج الذي اقترن بتغليظ
شروطه وأركانه باتجاه يجعل منه صعبً الحصول سعياً للحفاظ على رابطة
الزواج المقدسة وهذا لم يكن في شريعة الإسلام السمحة فحسب، بل حتى في
الشريعة المسيحية التي ذهبت إلى ابعد من ذلك، فحرمت حتى الطلاق، وان
كان هذا الموضوع عليه ملاحظات ومأخذ كثيرة مما دعا أهل هذا الدين إلى
التذكير باللجوء إلى الحلول التي اقرها الإسلام الحنيف.
ومن هذه المقدمة البسيطة نرى الاهتمام الكبير والواضح تجاه الأسرة.
مما يدعونا ذلك الى الاهتمام بشكل اكبر بالقواعد القانونية الوضعية
المنظمة لتلك الحالة.
لذلك فأن من أهم الآثار التي يرتبها الطلاق مسألة العدة الشرعية
التي على المرأة الالتزام بها على وفق الأوصاف والمدد التي أشار إليها
القانون أو التي وردت في الأحكام الشرعية والفقهية.
ففي قانون الأحوال الشخصية رقم (18 لسنة 1959 المعدل نرى إن المشرع
العراقي أشار إلى العدة وأحكامها بموجب المواد (السابعة والأربعون –
الخمسون )، وفي هذه المواد لم نجد ما يشير إلى تنظيم وضع المرأة أثناء
عدتها من حيث السكن هل تبقى مع زوجها في السكن أم إنها تترك دار الزوجة،
وما الأثر الذي يترتب على تركها لدار الزوجية إن كان بقائها واجب شرعي
عليها الالتزام به ؟. وعند اللجوء إلى القواعد التي تبين مصادر القانون
والتي أشارت إليها المادة الأولى من قانون الأحوال الشخصية والتي نصت
على الرجوع إلى حكم الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لهذا القانون والى
أحكام القضاء والفقه الإسلامي في العراق والبلاد الإسلامية، لذلك وعند
الرجوع إلى أحكام الشريعة وشروحات الفقهاء نرى إن على المرأة المعتدة
أن تلزم دار زوجها و تساكنه عملاً بحكم الآية (1) من سورة الطلاق ((
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ
لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن
يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ
اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا )).
وقد أشار معظم مفسري المسلمين إلى إن شرط البقاء مع الزوجة خلال
فترة العدة أمر لازم لها، لانه جاء على صيغة النهي عن الترك، واعتبر
البعض هذا الفعل يدخل في منطوق الجزء اللاحق من الآية المتمثل بارتكاب
الفاحشة.
كما إن نص الآية يهدينا إلى أن المرأة لا تنفصل كلياً عن الرجل
بمجرد أن تنطلق من لسانه صيغة الطلاق الأولى لتكون حرة في اختيار غيره
مثلاً، وإنما تبقى في داره وتحت مسئوليته أثناء عدتها وليس لها أن
تمنعه من الرجوع بها، فإذا انتهت العدة مع ملاحظة ما ندب إليه الإسلام
من التبرج والتزين للزوج من اثر كبير في صلاح الحال من خلال شد بعضهم
لبعض ويعيدهم إلى الجوانب الإنسانية والعاطفية التي كانت بينهم، وقد
ذكر بعض المفسرين إن هذا من دلالات تلك الآية في شقها المتمثل (( لعل
الله يحدث بعد ذلك أمرا )) أي لعلها تقع في نفسه فيراجعها، إذن الأمر
لم يحسمه القانون ويبقى غير ذي إلزام بموجب القواعد الوضعية وان كان
أمرا ملزما على وفق الأحكام الشرعية، مما قد يوحي بالتقاطع بين القواعد
الوضعية والأحكام الشرعية.
ومن هذا المنطلق ندعو علماء وفقهاء الشريعة والقانون إلى دراسة
الأمر وبيان الحكم التوفيقي في شأنه حفاظاً على كيان الأسرة وسعياً
لدوام الحياة.
[email protected] |