التحدي الدستوري

ثمة مبادئ ضرورية لقيام دستور دائم في العراق

 رياض مهدي عبد الكاظم الحطاب*

  تواجه الدول على مختلف أشكالها وأنواعها مجموعة من التحديات والمشاكل والعراقيل التي تعيق تقدمها ونموها، لذلك فهي تسعى للتغلب على هذه التحديات بمختلف الطرق، وبأقصى الإمكانيات. وإذا ما سحبنا هذا الكلام على الواقع العراقي، نجد أن الساحة العراقية قد تواجه في الحال الحاضر، إشكالات جديدة من التحديات لم تألفها باقي الدول، مما يدلل على صعوبة وخطورة المرحلة التي يعيشها هذا البلد.

  ومن بين ابرز التحديات الحالية هو التحدي الدستوري، فبالرغم من أن العراقيين قد خطو خطوة جبارة، تمثلت في يوم الانتخابات الذي لم يصوتوا فيه فقط لقائمة أو لحزب معين، وإنما صوتوا فيه للعراق وبناءه، إلا أن هذا غير كافي بحد ذاته؛ فبالرغم من النصر العراقي الكبير في ذلك اليوم، فانه لابد من مراجعة وتقييم لتلك الخطوة، لكي ننتقل بصوره تدريجية ومترابطة الى ما بعدها من خطوات، وفي إطار هذا التقييم لابد من القول إن هناك سعي عراقي وحرص دائم للبناء والانتقال نحو صيغة المؤسسة الدائمة.

   ومن هنا يتضح لنا مدى حساسية وخطورة التحدي الذي تواجهه الجمعية الوطنية المنتخبة عموما، ولجنة كتابة الدستور خصوصا، حيث أن تحديد مصير العراق ومستقبل أجياله القادمة يعتمد على مدى كفايته، وقدرة هذه اللجنة على الاستجابة والتعامل مع هذا التحدي، ذلك لان أي خطأ في عمل هذه اللجنة يؤدي الى جناية على المجتمع ككل، وعلى سبيل المثال فأننا نجد أن الطبيب أذا اخطأ في علاج مريضة، فانه يجني عليه، وان القائد العسكري إذا اخطأ في حساباته الإستراتيجية فانه يجني على جنوده.

 أما خطأ لجنة كتابة الدستور فانه يعني الجناية على شعب كامل، ومن هنا نجد تبلور حقيقة أساسية في وعي الغالبية العظمى من العراقيين، ولدى لجنة كتابة الدستور، وهي السعي الى تغليب أسلوب الحوار والتوافق، ونبذ العنف والسعي الى إشراك كل فرد في بناء مستقبل العراق وإشاعة ثقافة الحوار والتشارك بين المكونات العراقية المتعددة، لان ذلك هو الطريق الوحيد الذي يخلص العراق من الانزلاق في وادي الطائفية والتقسيم والتفكك.

  من هنا لابد أن تكون صورة التفاهم والحوار والانتقال الجاد في الأفكار وتبادل وجهات النظر هي الصورة الشاخصة أمام لجنة كتابة الدستور عند كتابتها له، ذلك لان الدستور يعني مجموعة قواعد متفق عليها تصف تنظيم حكومة لبلد ما، وهو يعكس طبيعة العلاقة بين الشعب والدولة ومدى توافقهما.

 وفي هذا المجال يرى الإمام الشيرازي (قدس) أن الدستور يمثل الضمان والمرجع الوحيد الذي يمكن لكافة مكونات الشعب وأديانه وقومياته وأطيافه المتنوعة الاحتكام إليه. ومن هنا نجد أن هناك مجموعة مبادئ لابد للجنة كتابة الدستور الأخذ بها عند كتابتها للدستور الجديد وهي:-

1- الحفاظ على الهوية العامة للدولة: وبقدر تعلق الأمر بالعراق، فيجب الحفاظ على الهوية الإسلامية، ذلك أن الدين الإسلامي يشكل دين الغالبية العظمى من سكان العراق، مع عدم الانتقاص من أهمية الأديان الأخرى. ويرى الإمام الشيرازي (قدس) ضرورة الأخذ بالشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، وذلك لقدرتها على مواكبة التطورات الحاصلة على مختلف الأصعدة، وكذلك لقدرتها على التصدي لمشاكل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإيجاد الحلول لها، وهذا المطلب قد نص عليه قانون إدارة الدولة في المادة (6) حيث نص على ( أن الإسلام دين الدولة الرسمي ويعتبر مصدرا أساسيا من مصادر التشريع ويحترم هذا القانون الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، ويضمن كذلك وبشكل كامل حرية الأديان وممارسة شعائرها) .

2- التركيز على مبدأ إطلاق الحريات والحقوق العامة والخاصة منها: وذلك ضمن الإطار العام للمجتمع وهويته الإسلامية، وبما لا يتنافى ونظام القيم في المجتمع. ويرى الإمام الشيرازي (قدس) في هذا المجال أن على الدولة أن تطلق كافة الحريات للناس في كل الإبعاد - ضمن الإطار الإسلامي - من حرية المعتقد والدين والرأي والاكتساب والتجارة والسفر والإقامة وحيازة المباحات، ونصب محطات الراديو والتلفزيون والمطابع، وانتشار الأحزاب والمنظمات، وإصدار الصحف والجرائد، لما لهذا المبدأ من أهمية حيوية وفعالة في تفجير طاقات الفرد والمجتمع.

 3- التركيز على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات: حيث يرى الأمام الشيرازي (قدس) أن الدستور يجب أن يلتزم بالمساواة في القضايا العامة كإيجاد فرص العمل، و توفير الضمان الاجتماعي والصحي، والامتثال للقضاء، وما الى ذلك. وهذا يسري على كل مواطن عراقي بغض النظر عن انتمائه القومي أو الديني أو المذهبي، وهذا يساعد على جعل الانتماءات الفرعية تشكل نسيجا" توافقيا" ضمن الإطار العام للدولة، وجعل المواطنة هي الانتماء الأساس ، وفي نفس النطاق ضرورة العمل بمبدأ العدالة الذي يعني عند الإمام الشيرازي (قدس) وضع الشيء في موضعه أي أن العدالة تقتضي إعطاء كل بقدر حاجته.

 4- جعل نظام الحكم في العراق نظاما فدراليا: أي تقسيم السلطات بين الحكومة المركزية والأقاليم التابعة لها، وكما نص عليه قانون إدارة الدولة في المادة (3) (نظام الحكم في العراق فدرالي ... ويقوم النظام الفدرالي الحكومي على أساس مبادئ جغرافية والحكم الصالح والفصل بين السلطات، وليس على أساس العرق أو الاثنية أو القومية ) أي أننا نريد فدرالية إدارية، وليست قومية أو دينية أو مذهبية تؤدي الى تقسيم العراق وتفتيته.

 5- الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية كل سلطة عن غيرها: كما منصوص عليه في قانون إدارة الدولة في المادة (59/ ج)، ( تثبيت مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ) وذلك لجعل كل واحدة رقيبة على عمل الأخرى وعدم السماح لإحدى السلطات كالتنفيذية مثلا" بالسيطرة على باقي السلطات، وبالتالي تكريس الدكتاتورية من جديد في حين إننا نسعى لإقامة دولة المؤسسات والقانون من خلال دستور يجسد بناء ديمقراطي ونظام قيمي يقوم على أساس الحرية والديمقراطية.

 ومن خلال ما تقدم نقترح الآتي:

- ضرورة ضمان المشاركة الفعلية لممثلي جميع الشرائح الاجتماعية العراقية في كتابة مسودة الدستور، دون الاعتماد على أعضاء اللجنة المنتخبين فقط، لتعلق كتابة الدستور بالاستحقاق الوطني العام مضافا للاستحقاق الانتخابي.  

- ضرورة النص التفصيلي على الحقوق والواجبات العامة والخاصة بما يكفل عدم تحريفها أو تأويلها لمصلحة فئة دون فئة.

- ضرورة التأكيد على حقوق الأكثرية مع ضمان حقوق الأقلية.

-ضرورة تحديد طبيعة النظام السياسي الحاكم في العراق مع تأكيد مبدأ الفصل بين السلطات.

- ضرورة التأكيد على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، وأن الإسلام مصدر التشريع.

-  ضرورة إصدار قانون من لدن الجمعية الوطنية المنتخبة يعرف بقانون الاستفتاء يحدد فيه طبيعة الاستفتاء وكيفية عرضه على الشعب والجهات المستفتية، وغيرها من المسائل المتعلقة بالاستفتاء.

- ضرورة تأكيد الضمانات العملية لتطبيق مواد الدستور تطبيقا يتلاءم مع المعايير النظرية له.

*مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

www.shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد  3/ تموز/2005 - 25/ جمادى الأولى/1426