علمانيون وملحدون يسعون لصياغة برنامج ضد الخطر الديني

يلتقي في العاصمة الفرنسية باريس الاسبوع القادم لفيف من اللادينيين والملحدين من الشرق والغرب لصياغة برنامج ضد ما يرونه خطرا متناميا تشكله الديانات والساسة المتدينيون على الدول العلمانية في أنحاء المعمورة.

تحدد موعد اجتماعهم اجتماع (المؤتمر العالمي للادينيين) ليتزامن مع الاحتفال بمرور مئة عام على صدور قانون الفصل بين الدين والدولة الفرنسي وهو وثيقة هامة تضع فرنسا الى جانب الولايات المتحدة كحصنين للعلمانية.

يقول روي براون رئيس الاتحاد الدولي اللاديني والاخلاقي "مع انزلاق المجتمع الامريكي نحو الدولة الدينية ومع تزايد التدين بل والاصولية في كل القارات لا بد وأن نتخذ موقفا."

والاتحاد الدولي اللاديني والاخلاقي الذي يشترك مع هيئة فرنسية أخرى هي (التفكير الليبرالي) والتي تضم مفكرين ليبراليين هو مظلة عالمية للادينيين والعلمانيين والملحدين تضم في عضويتها 95 منظمة من 35 دولة.

وقال المدير التنفيذي للاتحاد بابو جوجينيني وهو من الهند لرويترز ان قيم التنوير في القرن الثامن عشر التي جسدها فلاسفة فرنسيون مثل فولتير وديدرو وفلاسفة بريطانيون مثل توم بين وديفيد هيوم تتعرض لهجوم متزايد.

واستطرد يقول "موضوع المؤتمر وهو الفصل بين الدين والدولة هو قضية مهمة لحرية الضمير في كل مكان."

وأضاف "لكننا شهدنا في السنوات الاخيرة تغلغلا بطيئا للدين في الحياة العامة في عشرات الدول في الهند ونيجيريا وروسيا وسلوفاكيا وباكستان وبنجلادش وبريطانيا وأيضا في الولايات المتحدة."

وصدم ما وصفه كثيرون بأنه "جنون اعلامي" في تغطية وفاة البابا يوحنا بولس الثاني اللادينيين الاوروبيين لكنهم شعروا بسعادة لنجاح حملتهم لتجنب أي اشارة للدين في دستور الاتحاد الاوروبي المتعثر.

وقالوا في رسائل احتجاج أرسلوها للصحف وهيئات الاذاعة ان التغطية الكثيفة لجنازة بابا الفاتيكان وتنصيب خليفته ترقى الى حد الدعاية المجانية للكاثوليكية على حساب التفكير العقلاني.

وأشار اللادينيون الى أن خليفته البابا بنديكت أعلن أن التنوير "واحد من أكبر الشرور التي سقط فيها البشر" وتعهد بمحاربة العلمانية.

وعلى الضفة الاخرى من المحيط الاطلسي يرى اللادينيون والملحدون الامريكيون أن الاصوليين المسيحيين الذين يساندون الرئيس الامريكي جورج بوش "الذي تعمد من جديد" يوسعون نفوذهم ليشمل المدارس والمختبرات العلمية بل والمتاحف الشهيرة.

ويرون في هذا تهديدا للتناغم الاجتماعي لا في وجه غير المؤمنين فحسب وانما في وجه الديانات الاخرى. قال بول كيرتز رئيس تحرير مجلة البحث الحر "لا شك أننا على شفا تحزبات دينية."

ويقول اللادينيون ان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير المتحالف مع بوش في حرب العراق وهو رئيس الوزراء الاكثر تدينا منذ قرن يشجع المدارس الدينية ويسمح لبعضها بأن تقول ان نظرية تشارلز داروين عن النشوء والارتقاء خاطئة.

واللادينيون هم حديثو العهد نسبيا في أفريقيا وان كان بعض مفكري وكتاب القارة الكبار مثل وول سوينكا النيجيري والكيني نجوجي وا ثيونجو من الاتباع الملتزمين بالفلسفة الانسانية.

لكن ليو ايجوي السكرتير التنفيذي للحركة اللادينية في نيجيريا يقول ان غير المؤمنين هناك "يواجهون استبعادا وتمييزا منهجيا وانتهاكا لحقوق الانسان... بينما يتصارع المتعصبون الاسلاميون والمسيحيون على السلطة والنفوذ."

وقال لرويترز "الأساس العلماني لنيجيريا تاكل بالفعل وسقطت البلاد بأسرها في ظلام اجتماعي وسياسي وفكري وأخلاقي."

وتشير دورية (فوكاس أون أفريكا) (Focus On Africa) الصادرة في لندن أن الحركات المسيحية الانجيلية التي ترعاها الولايات المتحدة منتشرة في كثير من أنحاء القارة وأنها تحل محل الكنائس الكاثوليكية والاسقفية كما تفعل في أمريكا اللاتينية.

وقال كوامي اوكونور الغاني المولد من معهد التنمية الافريقية ومقره في نيويورك للمجلة التي تصدرها هيئة الاذاعة البريطانية بي.بي.سي. "ليس هذا احتلال للارض بقدر ما هو احتلال للعقل."

ويقول اينايا ناريستي من الاتحاد اللاديني الراديكالي ان زعماء الحكومة العلمانية من الناحية الرسمية في الهند وهي دولة تتصارع فيها الجماعات الهندوسية والمسلمة غالبا ما يبرزون الشخصيات الدينية ويشركونها في احتفالات الدولة.

ويضيف ناريستي أنه حتى الحكومات الشيوعية في بعض الولايات مثل كيرالا تدعم ماليا الاحتفالات الدينية وتقول ان هذا يشجع السياحة.

ويقول اللادينيون انه حتى في روسيا والتي أخضع الحكم الشيوعي السابق فيها الدين لرقابة صارمة جرت استمالة الكنيسة الارثوذكسية في النظام الجديد.

وكثيرا ما يظهر البطريرك ألكسي زعيم الكنيسة الى جوار الرئيس فلاديمير بوتين الذي كثيرا ما يتباهى بنفسه بالتراث المسيحي لبلاده. ويجري الان تدريس مباديء الارثوذكسية بما في ذلك الصلوات في مدارس الدولة.

ويقول فاليري كوفاكين رئيس الجمعية اللادينية الروسية واستاذ الفلسفة في جامعة موسكو ان منظمته تشن حملة لم تحقق نجاحا لادخال الفلسفة الانسانية كبديل.

ويقول ابن وراق والذي نشأ كمسلم في الهند وهو كاتب متخصص في ديانات الشرق الاوسط واسيا ان غير المؤمنين منبوذون في بعض الدول الاسلامية بوصفهم كفارا ويمكن أن يواجهوا في كثير من الاماكن محاكمة رسمية بل والاعدام.

ونتيجة لذلك لا يفصح اللادينيون عن ارائهم أو يجدون أنفسهم مستهدفين بتهمة "التجديف" مثلما حدث مع الطبيبة والروائية تسليمة نسرين في بنجلادش وينتهي بهم الحال في السجن أو الهرب للخارج مثلما فعلت.

وفي العراق في عهد الرئيس السابق صدام حسين ومن سبقوه في حزب البعث كانت الدولة علمانية الى حد كبير ولا تسمح للزعامات الدينية الا بممارسة قدر محدود من النفوذ خلافا للوضع في كثير من الدول المجاورة.

وبعد مرور عامين على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للاطاحة بصدام يحكم بغداد حكومة يقودها الشيعة بينما فاز اسلامي متشدد في انتخابات الرئاسة في ايران المجاورة.

وتطرح هذه القضايا كلها على جدول أعمال مؤتمر باريس الذي يعقد فيما بين الرابع والسابع من يوليو تموز القادم كما تعقد جلسات في مقر منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) وجامعة السوربون.

ويقول جوجينيني "بغض النظر عما سيتمخض نتوقع أن يستمد اللادينيون في أنحاء العالم القوة من معرفة أن هناك ملايين كثيرة منا متحدون في دفاعهم عن المثل العقلانية والعلمانية."

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد  3/ تموز/2005 - 25/ جمادى الأولى/1426