في ندوة للنبأ عن الفيدرالية في الدستور العراقي القادم.. أحزاب ومنظمات مجتمع مدني:

الفيدرالية أساس بناء المستقبل وكركوك ليست ربحا لأحد على حساب خسارة الآخر

 

علي كمونة : نريد ترسيخ مبادئ الفيدرالية لتكون حقا اتحادية

ناصرالياسري : الفيدرالية على أساس إداري لا تمس بوحدة العراق

طامي عباس : قانون إدارة الدولة منع كركوك وبغداد الاشتراك بأي إقليم الا بموافقة الجمعية الوطنية

 

أدار الندوة – علي لفتة سعيد:

بعد سقوط التمثال وانتهاء عصر الظلام والطغاة والانفتاح على عالم جديد كان العراقيون يريدون أن تبدأ حياة جديدة ليكون التغيير مع الثمن الذي قدموه هو الثمرة اليانعة التي سيقطفون ثمارها ليكون المستقبل أكثر إشراقا..

 ومن هذه المعادلة ما بين التضحيات إن كانت في الزمن السابق زمن الدكتاتورية والزمن الحالي زمن الاحتلال وفوهات البنادق والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة وغياب الأمن والأمان وما بين ما يطمح إليه الشعب تكمن نقطة واحدة رغم تشعبها ألا وهي المستقبل بكل ما يحمل من معاني هذه الكلمة.

ولان التغيير صاحبه الكثير من المفاهيم الجديدة التي لم تكن متداولة على السنة المواطنين مثل الديمقراطية وإرادة الشعب وحكم الشعب وأيضا الفيدرالية التي تسمى أحيانا عند بعض الساسة الاتحاد وما بين قضية كركوك التي طفحت على سطح الذاكرة الشعبية على الرغم من تداولها عند السياسيين منذ زمن الاتفاق على إسقاط النظام السابق تشعبت الحوارات بين طبقات الشعب العراقي حول هاتين النقطتين حتى باتا هما المهيمنان على كل المفاهيم الأخرى..

ولان الأمر يحتاج إلى تداولات كثيرة وإيضاحات أكثر وضوحا من قبل من يعنيهم الأمر لذلك ضيفت النبأ عددا من مسؤولي المنظمات المجتمع المدني والأحزاب في كربلاء للوقوف على هاتين القضيتين للوصول إلى مفهوم مشترك بين ما يحمله المثقفون وما يبغيه المواطن من إدراك لكل أوجه الاختلاف للوصول إلى منطقة واضحة لإزالة المنطقة المظلمة.

فكان الحوار مع السيد ناصر الياسري مدير مكتب التيار الإسلامي الديمقراطي في كربلاء والشيخ علي عبد الحسين كومنة الأمين العام لمجلس أهالي كربلاء والسيد طامي هراطة عباس رئيس لجنة الثقافة والإعلام في منظمة من اجل المجتمع المدني والديمقراطي فرع كربلاء .

الفيدرالية مفهوم وتطبيق ومستقبل

في بداية الحوار طرحت النبأ سؤالا عن مفهوم الفيدرالية أو الاتحاد وما يشكله من ضمانة أو عدمها في مستقبل العراق.؟

أجاب الشيخ علي كمونة أولا..نحن نفهم الفيدرالية بأنها حق المواطن بتنظيم أموره وشؤونه المحلية بمعنى آخر إن نظام الفيدرالية يعطي الحق للمحافظات بان تشكل إدارات محلية تنظم شؤونها وتدير أعمالها باعتبار إن هذا النوع من الإدارات يكون اقرب إلى احتياجات المواطنين ويكون المواطن أكثر تفهما لهذا النوع عندما تكون عوامل الفيدرالية قد نضجت لتكون على مقربة من إدراك المفهوم ليكون العمل في صالح المجتمع ككل.. وأضاف كمونة.. نحن عندما نتحدث عن الفيدرالية فإننا نقصد الفيدرالية الإدارية حصرا لان هذا النوع من الفيدراليات يعطي صلاحيات واسعة للإدارات أو الحكومات المحلية إن جاز التعبير لان تدير قضايا مناطقها من دون الرجوع في كل شيء إلى الحكومة المركزية ولا أنسى إن هذا الأمر يحدده الدستور على ألا يمس من وحدة الوطن بل على العكس يزيد من تماسكه.. وأكد كمونة نحن في العراق وعلى الرغم من حداثة المفهوم لدى المواطن نأمل أن نبدأ أولا بترسيخ مبادئ الفيدرالية لتكون حقا اتحادية وان يخرج المفهوم من جب الدستور الجديد وذلك لعدة أسباب.. أولها إن الفيدرالية تحد من نفوذ وهيمنة وسيطرة الحكومة المركزية لكي نخلص الشعب من المعاناة السابقة التي بات يكرهها لأنها قد تؤدي إلى هيمنة جديدة تولد دكتاتورية جديدة بلون جديد.

وثانيا إن الفيدرالية تحتاج بالنتيجة إلى انتخابات يختار بموجبه الشعب في هذه المنطقة أو تلك من يراه مسؤولا عنه بدلا من أن يكون معينا من قبل السلطات المركزية ..

وثالثا إن انتخاب قادة لإدارة شؤون المناطق من الوسط المعروف بتاريخه ونزاهته وقدرته على العمل فان هذا يولد حالة من التواصل المستمر بين حكومة الإدارة المحلية والمواطنين باعتبارهم أبناء محافظة واحدة أو إقليم واحد مما يساعد على تقديم أفضل الخدمات الأمر الذي يصعب تحقيقه فيما لو كانت الإدارة مركزية.

وقال السيد ناصر الياسري ..قبل الحديث عن الفيدرالية مفهوما أو تطبيقا لا بد من القول إن الشعب العراقي يتألف من عدة قوميات تجمعت وتزاوجت واندمجت وتقاربت لتشكل خليطا متجانسا هو الشعب العراقي.. وبما إن هذا هو واقع الحال فان التجارب الماضية أرادت نسف هذا التجانس والتالف على الرغم من إقرارنا جميعا بفشل هذا المحاولات بعد أن ركزت جميع السلطات بيدها لتكون حالة المركزية المقيتة.. وأضاف الياسري..لذلك وبما إن مهمة الدولة هي خدمة الشعب فان الحكومة كلما اقتربت من المواطن كلما كان تنفيذها لمهمتها أفضل عن طريق اللامركزية..

وهذا يؤدي إلى فيدرالية إدارية بمعنى إن مفهوم اللامركزية هي الأساس السليم لبناء العراق الجديد وعليه فانا أؤيد قيام فيدراليات على أساس إداري مع توسيع من صلاحيات مجالس المحافظات لتقليل العبء على الجهاز الإداري للدولة المركزية..

وأشار الياسري إن ما يطرح الآن من فيدرالية متصل جزء منه بقضية الإخوة الأكراد مما طغى هذا المفهوم على جميع الطروحات الأخرى..لذلك فان المطالبة إذا كانت على أساس قومي أو جغرافي فان هذا يمس بشكل أو بآخر بوحدة العراق ككيان سياسي وقوة اقتصادية مستقبلية في المنطقة .

وتحدث السيد طامي هراطة عباس قائلا: يجري تداول مصطلح الفدرالية بشكل واسع منذ سقوط النظام .. ولم يعد ثمة لبس كبير في فهم هذا المصطلح ‘ فالنظام الفدرالي هو نظام قائم على توزيع الصلاحيات بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم .. سواء كانت تلك الأقاليم محددة وفق اعتبارات جغرافية أو إدارية.. ففي ظل النظم الفدرالية العالمية تتمتع الحكومة المركزية بالسيطرة على الشؤون الخارجية ( الولايات المتحدة ) مثلا وبصلاحيات خاصة بعمل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المصنفة ضمن الدرجة ( أ ) وغيرها من الصلاحيات التي منحها الدستور للحكومة المركزية ..وأضاف فيما ينحصر عمل الحكومات المحلية في تسيير شؤون المحلية للإقليم .. وبشكل لا يتعارض مع صلاحيات الحكومة المركزية .. ومع إن الأمر يبدو ظاهريا شديد البساطة .. إلا إنه يميل للتعقيد عندما تفضي عدم الدقة في منح الصلاحيات وتعارضها مع أهداف الحكومتين ‘ وانبثاق حاجات متوازية ومتداخلة في عمل الحكومة المركزية ومثيلاتها المحلية ‘ وغالبا ما تحل هذه النزاعات بالعودة إلى الدستور أو المحاكم المختصة .وأضاف عباس.ومع إننا لا يمكن أن نستبق الإحداث قبل قيام نظام فدرالي في العراق ‘ لكننا يمكن أ ن نشير بصورة عامة وافتراضية إلى موضوع توزيع الثروات الوطنية والنظام الضريبي والسماحات الممنوحة للشركات والمستثمرين والفوارق الناتجة عن التطبيق بين هذا الإقليم أو ذاك والتي يمكن أن تكون موضع نزاع بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم الأخرى.

وأكد إن واضعو الدستور الأمريكي كانوا مدركين لاحتمال نشوء صراع بين مستويات الحكم وخاصة في مجال استخدام الصلاحيات المتزامنة فتبنوا بعض الستراتيجيات لتحاشي ذلك ‘ عندما أعطي دستور الولايات المتحدة صلاحيات أعلى من تلك التي تتمتع بها الولايات الأخرى .. ومع إنني لا أميل مطلقا للترويج لدستور معين عند الحديث عن الفدرالية .. لكن الأمر محتمل في سياق تجربة لم تكتمل معالمها بعد ..أخذين بنظر الاعتبار التكوين المتنوع للمجتمع العراقي وتشكليته الجغرافية والإدارية .

كركوك الوحدة والحوار

طرحت النبأ سؤالا ما إذا كانت قضية كركوك من القضايا التي من الممكن أن تعيق بناء الفيدرالية الصحيحة أو إنها ستكون كما الحجر الذي لا يمكن التغافل عن وجوده..كيف يرى مملثو التنظيمات المجتمعية والأحزاب قضية كركوك وما تشكله من أزمة في طريق حل القضايا الأخرى؟.

الأمين العام لمجلس أهالي كربلاء أجاب..ابتداء أتمنى على كافة القوى الوطنية أن تنظر إلى هذه القضية من منظار وطني عام بعيدا عن الخصوصية واضعين نصب أعينهم وحدة العراق ووحدة الصف الوطني.. وأضاف كمونة إن قضية كركوك من القضايا الصعبة التي تواجه أية حكومة قادمة وباعتقادي إن حل هذه القضية لا يأتي دفعة واحدة بل يجب أن يكون على مراحل وأولى هذه المراحل هو إعادة الاقضية والنواحي التي ألحقت بمحافظة كركوك في نهاية الثمانينيات إلى تابعيتها الأصلية ومن ثم يمكننا الاحتكام إلى التعدادات السكانية التي أجريت في السابق وكذلك يمكن الاحتكام إلى آراء السكان الحاليين عن طريق الاستفتاء الشعبي وهناك الكثير من الحلول ولكن ما هو مهم هو الجلوس من اجل التحاور والحوار لوصول إلى نقطة مركزية هي وحدة العراق لان هذا هو أهم مكسب لجميع القوى فلا يمكن أن يربح الأكراد على حساب الوطن ولا يمكن أن يخسر العرب والتركمان هذه القضية على حساب السلطة أو التوافقات السياسية لان جميع هذه المكاسب هي آنية وقد تجر العراق إلى مشاكل جديدة سيقول بعدها المواطن إن ما كان سابقا أفضل من الآن وستقال هذه الكلمة من قبل جميع الأطياف بما فيها الأكراد أنفسهم.

فيما أجاب مدير مكتب التيار الإسلامي قائلا..كركوك هي فسيفساء العراق الموحد ومن خلالها تبرز وحدة العراق ومن يريد أن يحافظ على وحدتها عليه أن لا يفرط بهذا الفسيفساء الجميل الذي تنفرد به هذه المدينة التي تعلن إنها عراقية وإنها الأجمل حين حملت على أكتافها ومن خلال الطيف الجميل وحدة التنوع العراقي والتعايش ما بين الجميع تحت خيمة كركوك كما هي بغداد.. وأضاف الياسري..إن كركوك لا يمكن لها أن تكون حكرا لقومية أو لطائفة لأنها عراقية حد النخاع وعربية كردية تركمانية الهوى وإسلامية مسيحية صابئية وازدية الهوى.. وأضاف إن كركوك خط احمر لا يمكن لأحد أن يتجاوزه لان ما سيأتي بعدها سيمس بوحدة العراق ومستقبله وستحل الكارثة وستحرق نارها الأزلية من يريدها له وحده لأنها وبكلمة أخيرة للعراق ولا غير ذلك.فيما قال عضو المجتمع المدني والديمقراطي..من المعروف إن الساسة العراقيين وخصوصا الأخوة الكرد لديهم مخاوفهم وطموحاتهم السياسية الخاصة فيما يتعلق بموضوع مدينة كركوك ؛ هذا الموضوع وغيره كان من الأسباب التي حالت دون انعقاد الجمعية الوطنية بوقت مبكر حيث كانت مفاوضات قائمة الإتلاف شاقة وعسيرة مع قائمة الأحزاب الكردية ، فيما يتعلق بترحيل ملف كركوك إلى الجمعية الوطنية والتي يبدو إنها لم تعقد جلساتها الأولى إلا تحت ضغوطات شعبية وزيارات سرية وعلنية لمسؤولين وموفدين بارزين في التحالف ، هذه الأمور هي التي جعلت ملف المفاوضات الكردية مع قائمة الإتلاف العراقي الموحد متخمة بملفات غير واقعية ومثقلة بمواضيع حساسة وساخنة ، ويدرك الإخوة الكرد أنها لا يمكن أن تقر إلا من قبل الجمعية الوطنية لاسيما موضوع (قوات البيشمركة) حيث أشارة المادة السابعة والعشرون من قانون إدارة الدولة الفقرة ( أ ) إلى أن القوات المسلحة العراقية تتألف من عناصر من الوحدات العاملة وحدات الاحتياط ، وغرض هذه القوات الدفاع عن العراق ، وقوات البيشمركة هي ميليشيات كردية مسلحة تشكلت عبر الكفاح التأريخي للحركة الكردية ، كما أن الفقرة (ب) من المادة أعلاه منعت تشكيل قوات مسلحة وميليشيات ليست خاضعة لقيادة الحكومة العراقية ، وينطبق الأمر ذاته على مدينة كركوك فالمادة الثالثة والخمسون الفقرة (ج) منعت إشراك مدينتي بغداد وكركوك في أي إقليم يزمع تأسيسه إلا بموافقة الجمعية الوطنية.وأكد إن الإدراك الواعي للمخاطر الجدية التي تحيط بالوضع السياسي بالعراق وضرورة دفعه إلى مدارات أمنة ومستقرة والتي تعبر دون شك عن فهم دقيق للإخوة الأكراد لملابسات الوضع السياسي هي التي مكنت الجمعية الوطنية من الانعقاد في السادس عشر من آذار..هذا اليوم بدلالته الرمزية المرتبطة بمأساة مدينة حلبجة يحمل بين جوانبه أكثر من إشارة واعدة تعمق روح التضامن بين الشعب العراقي المتنوع الأعراق والطوائف.    

شبكة النبأ المعلوماتية - الاربعاء  29/ حزيران/2005 - 22/ جمادى الأولى/1426