دراسة إستراتيجية: العالم العربي يعيش فجوة تاريخية حضارية

أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية بجامعة الكويت كتابا بعنوان «الاصلاحات السياسية في العالم العربي» حرره وراجعه الدكتور شملان العيسى والدكتور امين المشاقبة، وكان موضوع الكتاب من ضمن الندوات التي اقيمت بالتعاون مع الجمعية الاردنية للعلوم السياسية.

قال د.فايز الطراونة في احد فصول الكتاب: يحتل موضوع ندوتنا هذه حيزا واسعا من تفكير الساسة والمثقفين العرب باختلاف انظمتهم واتجاهات معتقداتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولعل القاسم المشترك الاعظم بين الجميع ـ الحاكم والمحكوم والعامة والخاصة ـ هو قبول مبدأ التغيير في منظومة الادارة السياسية وفي النظم الاقتصادية وفي جملة الحقوق الانسانية والحريات، ومرد هذا القاسم الاعظم في الفهم العربي المشترك يعود الى ضرورة تحصين الذات حيال حجم التحديات العظام غير المسبوقة التي تواجه الامة العربية من المشرق الى المغرب، والى تغيير نمط العلاقات الدولية التي خلفتها العولمة ضمن القرية الدولية الواحدة، وأخيرا، وليس آخرا الى ظهور ظاهرة الارهاب، والحرب على الارهاب بعد احداث 11 سبتمبر دون هوادة او تمييز.

وأود ان ابدأ بوجهة نظري حول عنوان هذا الموضوع المهم، فأبدأ بالسؤال التالي: هل المطلوب منا هو الاصلاحات السياسية في العالم العربي او أننا نهدف الى اعادة هيكلة المنظومة السياسية القائمة بهدف احداث التغييرات نحو الاحسن لتتواءم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين ولتتكيف مع المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية؟ لقد جاءتنا دعوات التغيير من الغرب من خلال ما أسموه بـ «Reform» فعانينا من سوء الترجمة لأن الترجمة الحرفية لهذه الكلمة ليس الاصلاح «Repair» بل اعادة التشكيل او الهيكلة بادخال مزيد من الديموقراطية وتوسيع هوامش الحريات والمشاركة الشعبية والانفتاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وحكم القانون.

وأضاف د.الطراونة: منذ ان اطلقت هذه الدعوة للتغيير الشامل في نهج الحياة السائد، وبخاصة منذ مبادرة الشرق الاوسط الاوسع (Greater Middle East) وليس الشرق الاوسط الواسع وهو سوء ترجمة اخرى كسوء ترجمتنا لبريطانيا العظمى Great Britain بدلا من بريطانيا الكبرى لضمها (انجلترا وويلز واسكتلندا) منذ ذلك الحين ونحن في الوطن العربي من مراكش والرباط الى اليمن مرورا بتونس ودبي وسائر الاقطار وها نحن هنا اليوم في الكويت في حالة موصولة من الحوار والنقاش تمخضت في معظمها عن تباين في المواقف لاسباب هي نفسها متباينة.

وفي فصل اخر من الكتاب قال د. محمد المقداد ان الامة العربية بواقعها الحالي تفقد مكانتها الدولية حيث تعيش اليوم فجوة تاريخية حضارية جعلتها وراء المسيرة العالمية - فالتجزئة والقصور الفكري والاستلاب الثقافي وبالتالي تخلف الانظمة والهيمنة السياسية والاقتصادية الغربية وما لازمها من اختراقات اجتماعية - كلها عوامل اورثت الواقع السياسي العام في الامة حالة من الضعف والتشتت، الامر الذي غيب عنها صورة الامة التي يطمح الجميع لرؤيتها.

واضاف في ظل غياب مشروع الامة الحضاري وتخلفها عن المسيرة الانسانية الفاعلة في التقدم، والعطاء العلمي، وواقع الحياة المعاشة، وما تعانيه من وهن ينخر في جسم الامة بكاملها - فان ذلك يخلص الى تهديد لوجود الامة قبل حدودها وباعاقة لنهوضها قد يكلفها قرنا من الزمن او اكثر يـؤدي الى تدمير ما تبقى من معالم حضارتها وفكرها وتراثها.

واصبح واضحا لابناء الامة العربية - بغض النظر عن مراكزهم - حكاما ومحكومين - ان ايجاد برنامج موضوعي لتغيير واقع الحال بات مسألة تبحث فيها كافة الاطراف بشقيها الشعبي والرسمي فيذهب البعض بالقول ان المدخل الصحيح لتغيير الواقع العربي، هو الحوار المتكافىء بين النظام والفرد والنظام ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة، لان بذلك يكون الاصلاح الديموقراطي الحقيقي. واخرون يرون بان ترسيخ القانون والمساءلة واقامة دولة المؤسسات وان تكون الادارة قريبة من المواطنين وفي خدمتهم، وبالتالي فصل حقيقي بين السلطات جميعها - هي الادوات الحقيقية للنهوض بواقع الامة - لتسلك المسار الصحيح نحو التقدم.

واوضح ان المطلب الاساسي لتحقيق الاصلاح بمحاوره المختلفة «السياسية، الاقتصادية، الثقافية، والاجتماعية» لا يمكن ان يتم الا من خلال ترسيخ مفاهيم التنمية الشاملة ومن خلال التنمية السياسية القائمة على التعددية السياسية بشراكة الافراد ومؤسسات المجتمع المدني حتى يتسنى للجميع المشاركة الفاعلة، والمرسخة بديموقراطية قائمة على العدالة والمساواة كما ان احلال سلطة القانون محل اجهزة الامن في تنظيم الحياة السياسية بات مطلبا جامعا لابناء الامة العربية اضافة الى مسؤولية التطوير الحكومي في الوسائل الذي يعتبر روح الاصلاح وبالتالي التغيير من اجل التطوير - هو الاخذ بمبدأ المسؤولية ومن كافة الافراد ومع اختلاف مراكزهم - بهدف الاحساس بالواجب الوطني والقومي وبعيدا عن معايير الولاء الفردي ولارضاء العشائرية والحزبية.

وقال: تهدف هذه الدراسة الى توضيح الاسس الرئيسية التي تساعد النظم السياسية العربية في وضع الخطط المناسبة، لتحقيق الاصلاح الشامل، بما يتلاءم مع متطلبات شعوبها للوصول الى وضع امثل، في ظل ظروف اقليمية ودولية باتت تؤثر بشكل مباشر في واقع ومستقبل طموحات وآمال ابناء المجتمع العربي.

وضمن اوجه التغيير المطلوب لاحداث الاصلاح من خلال التنمية السياسية، وبالتالي التنمية الشاملة المرغوب فيها، تناقش هذه الدراسة النقاط الرئيسية التي تخلق الحركة الاصلاحية والتي تقع على عاتق النظام السياسي الرسمي وعلى النظام الاجتماعي.

واضاف: تبرز اهمية الدراسة لانها تأتي في و قت اصبحت مطالب الجماهير العربية تزداد لتغيير السياسات الحكومية لتكون اكثر توافقا وانسجاما مع تفسير بعض القوانين والسلوكيات عند الانظمة السياسية ولتتلاءم مع قدرة الانسان العربي على التكيف مع مفاهيم التغيير التي تخدم مصالحه دون الانتظار من قوى خارجية لتضع املاءات عليه لانها لن تكون الا في مصلحة منظريها، كما تتمثل اهميتها في وقت يحرص النظام السياسي العربي على مشاركة اجتماعية في الوقوف معا لمواجهة المخاطر الداخلية التي تعيق حركة الاصلاح.

واوضح ان التنمية السياسية التي تعتبر وسيلة لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، لا يمكن ان تتم الا من خلال قناعات النظم في طرحها وتبنيها غاية لا وسيلة او شعارا يرفع دون تنفيذ وتطبيق، فالتنمية السياسية التي تعني المشاركة الفاعلة عند الفرد في بناء بلده مما ينعكس على امته، تتم من خلال قناعات لدى الحاكم والمحكوم، بان الانتماء لتراب وطنه وعالمه العربي، وهو انتماء ذاتي وشعار مقدس، يجب ان يزداد يوما بعد يوم ليكبر كل من الوطن والمواطن بالاخر، والولاء للنظام والدستور والسلطات ومؤسسات الوطن من العوامل الاساسية للوصول الى مجتمع عربي متقدم، والتفاعل بين افراد المجتمع هو الطريق الصحيح نحو العمل المثمر الذي يصب في غاية الاصلاح المنشودة من اجله ومن اجل وطنه وامته كلما انعكس ذلك ايجابا في حل كافة المشاكل المختلفة سواء الاقتصادية، ام الاجتماعية، ام الثقافية، كما ان المجتمع العربي بما يمتلكه من قواسم مشتركة عند ابنائه، وما يحتويه من مكانة جيوبولوتكية، قادر على الوصول الى وضع أفضل، وانه اصبح من اليقين بمكان ان تولي القيادات السياسية العربية اهتمامها بقدراتها الذاتية في عملية الاعتماد على الذات دون الانحراف الملموس لسياسات الخارج.

واشار الى ان الدراسة استخدمت منهج صنع القرار لانه الاكثر ملاءمة من المناهج الاخرى، ولان الدراسة تناقش طبيعة الاصلاح السياسي المطلوبة عند صناع القرار العربي، حيث ستركز الدراسة على المؤثرات الداخلية والخارجية والاسس الملائمة في اليات الاصلاح المطلوبة التي تقع على عاتق المراكز العليا في صنع القرار السياسي العربي، كما تستخدم الدراسة كلا من المنهج التاريخي والتحليلي للوقوف على الملامح العامة للنظم السياسية العربية المعاصرة من خلال دراسة المتغيرات الرئيسية التي اثرت في واقع هذه النظم كالعامل الجغرافي، والحكم العثماني وظهور التيارات الفكرية الاصلاحية وبالتالي اثر السيطرة الاستعمارية على بروز النظم السياسية العربية الحالية التي جزأت الوطن العربي ليكون متعددا في الانظمة السياسية.

شبكة النبأ المعلوماتية - الإثنين 27/ حزيران/2005 - 20/ جمادى الأولى/1426