للمرة الأولى في تاريخ الدولة العراقية يجد العراقيون أنفسهم أصحاب
قرار حقيقيين يؤثرون في تأسيس ملامح مرحلة مقبلة من دولتهم، فحديث
العراقيين هذه الأيام ينصب على أهم الركائز السياسية في تأسيس الأنظمة..
ألا وهو الدستور لذلك انتشرت اليافطات التي تحمل دلالات سياسية تعبر عن
رغبة بعض العراقيين في اتجاهات معينة وكل حسب رؤيته ومتبناه السياسي.
وإذا كانت الأحزاب والحركات السياسية تعبر عن أهدافها بأساليب دعائية
وإعلامية واضحة، يبقى الموقف الحقيقي للمواطن العراقي رهنا بسبل
الاستنطاق والاستبيان..
دستور حضاري..
السيد" مرتضى البصري" وهو كاتب ومحلل سياسي شدد على " أهمية بلوغ
الدستور العراقي المرتقب مراتب
الدساتير العريقة والمتحضرة، لأن العراق الذي علم البشرية كيف تكتب،
وأهداها أعرق الشرائع القانونية حري به أن يتواصل مع إرثه الحضاري
والثقافي والقانوني هذا بما يليق به.
"السيدة" نوال جاسم" وهي موظفة في قطاع المواصلات رأت في الدستور
العراقي" فرصة حقيقية يعرف من خلالها العراقيون ماذا يريدون، وما الذي
لا يريدونه" واعتبرت هذه العملية ـ كتابة الدستور ـ " إنجازا وطنيا يجب
أن يستثمر بشكل جيد ضمانا لمستقبل العراق وبصورة تمنع تكرار ما حدث في
السابق"..
تجدر الإشارة إلى أن العراق قد عاش سنوات طويلة تحت سطوة الدساتير
المؤقتة التي كانت عرضة للتغيير والاختراق السلطوي، فجاءت أغلب
القوانين التي صدرت في الثلاثين سنة الماضية على الأقل بناء على مزاج
الحاكم الذي اعتبر القانون" جرة قلم" وليس استنادا إلى مواد الدستور..
السيد " أبو ألفت" من جهته عبر عن عملية كتابة الدستور بـ"التاريخية"
وأراد" أن تعبر هذه العملية عن الوجه
الحقيقي للعراق الجديد الذي يبشر كثيرون به نموذجا رائعا يقود المنطقة
المملوءة بالاستبداد والدكتاتورية نحو التحرر والانعتاق" ولا يختلف رأي
السيد " أبو ألفت" عن رأي كثير من مواطنيه الذين يعتقدون بوجوب نص
الدستور العراقي على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، ولكنه لا يصر
كما آخرون على اعتبار الدين الإسلامي المصدر الأوحد للدستور.. وهو رأي
كبار علماء الشيعة أيضا الذين أكدوا على أهمية المفهوم الإنساني في
صياغة المادة الدستورية، فالسيد آية الله العظمى محمد تقي المدرسي قد
صرح مؤخرا لوسائل إعلام دولية أن المهم في الدستور أن ينص على احترام
الحقوق والحريات العامة ويكفل حرية التعبير وحرية الإعلام والصحافة،
ولعل اللافت في هذا التصريح انسجامه مع المواثيق والمقررات الدولية..
ويعتبر العراق من بين الدول الأكثر تلونا من الناحية الأثنية
والدينية والطائفية، وهي المشكلة التي ظلت على الدوام سببا رئيسيا في
أغلب أزماته والحروب التي خاضها حكامه..
المرأة وحصتها من الدستور!
من جهة أخرى يبدو أن المرأة العراقية تندفع بحماس لا يقل عن اندفاع
الرجل باتجاه تفعيل دورها في العملية
السياسية، فالسيدة " بتول الموسوي" مسؤولة الرابطة النسوية رأت " ضرورة
نص الدستور على حقوق المرأة كاملة، والتعامل مع تلك الحقوق من الناحية
القانونية باعتبارها جزءا من القانون لاينفصل عنه، وليست هامشا له يرجع
له عند الحاجة".. وترى المرأة العراقية حسبما عبرن أخريات أن التفريق
بين المرأة والرجل في الحقوق ليس له قيمة، وطالبن بدستور يكفل حقوق
الجميع وينص على احترام الحق بما هو حق سواء كان ذكرا أم أنثى..
دستور ثابت
فيما رأت مواطنة أخرى وتدعى" أزهار" وهي تعمل في مجال الصحافة أن"
يكتب الدستور بعيدا عن دائرة
الانتماء الحزبي، وأن يكفل حقوق الجميع".. كما رأت السيدة " أزهار"
ضرورة ثبات الدستور ووضع قيود مهمة وصعبة على أي محاولة للتلاعب به
وتغييره"..
ومثل ذلك كان رأي السيد" أبو نورا" وهو موظف في دوائر الدولة، الذي
رأى أهمية الدستور" فيما ينص عليه من حقوق" وأبدى مخاوفه من " احتمال
مصادرة الدستور من جهات لاتريد للعراق أن يستقر إلا حين يحكم من قبلها"
وأضاف" لابد من وجود هيئة أو قوة قضائة أو مسلحة( لا أعرف) بالضبط تحرس
الدستور وتحميه من أي تلاعب أو اغتيال"!
آراء أخرى..
السيد" عبد الأمير جواد" 47 عاما، ويعمل في المهن الحرة له تصور عن
الدستور لا يختلف عن تصورات العراقيين الذين عانوا من الظلم والاستبداد،
ويرى كما الآخرون" ضرورة أن يقف النص الدستوري حائلا أمام أي تلاعب
بالقانون من أي جهة كانت".. ولكنه يضيف مستنكرا الإذلال الذي تعرض له
العراقيون في بلدهم، فضلا عن البلدان العربية الأخرى قائلا" حين كنا
نسافر إلى بعض البلدان العربية لا نجد من التقدير ما يجده غيرنا"
ويعتقد السيد " عبد الأمير" أن سبب ذلك هو نظام صدام" حين لا تحترم
الحكومة مواطنيها، فلن يجد هؤلاء المواطنون احتراما وتقديرا عند الدول
الأخرى" ويضيف" في العراق كان العراقي مستباحا من قبل ميليشيات حزب
البعث، ومن قبل ميليشيات أخرى غير عراقية، فهناك الفلسطينيون والسوريون
وجماعات غيرهم.. كل هؤلاء وقفوا مع صدام في مواجهة الشعب العراقي.. لذا
لابد أن ينظم الدستور وجودهم في العراق، ولابد أن لا يسمح لأي تنظيم
سياسي معارض لأي دولة من استغلال أراضي العراق لتهديد الدول الأخرى"..
ويشكو معظم العراقيين من سطوة العناصر غير العراقية على السلطة
وتحكمها برقاب العراقيين، في ظل نظام صدام الذي كان يرفع الشعارات
القومية حتى بات العراق في ظل نظامه دولة تنعم على الجميع إلا على
العراقيين الذي عاشوا الحرمان، وإلى الحد الذي جعل كثير من العرب
يعتقدون أن ثروات العراق وخيراته ليست ملكا للعراقيين بل هي ملك مشاع
للعرب، ويستذكر العراقيون بمرارة تلك الفترة المظلمة من حياتهم التي
كان فيها جلادو السجون ومشرفو المقاصل التي تقطع رقابهم..
ولم يختلف رأي السيدة" نضال الجواهري" عن رأي سابقها السيد" عبد
الأمير" في" وجوب نص الدستور على بند ينظم اللجوء السياسي في العراق"
وهي ترى أن هذه الفقرة تقطع الطريق على أي محاولة لتوتير علاقات العراق
بجيرانه، كما هي تمنع الجماعات الإرهابية من أي فرصة لاستغلال الأجواء
الديمقراطية" وترى السيدة" نضال" أن بعض الجماعات تستحق المحاكمة وليس
الطرد فقط لأنها بحسب رأيها " كانت تتبع فرق الحرس الجمهوري وأذاقت
العراقيين ألوان العذابات ونكلت بهم وبأبنائهم ومنعتهم في أكثر الأحيان
من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي وكانت تسألهم على الطرقات عن الوجهة التي
يقصدونها حين سفرهم وهو أمر ليس له سابقة، فالغريب يسأل ابن البلد: أين
أنت ذاهب ولماذا"!!
أخيرا يبقى على اللجنة الدستورية العراقية أن تنظر إلى أمنيات
العراقيين نظرة جادة وتأخذها بنظر الاعتبار كي يمكن للدستور المنتظر أن
يمر بنجاح من خلال الاستفتاء الشعبي العام.. |