الدكتور نبيل ياسين في لقاء خاص مع النبأ حول الدستور: الدساتير ليست نصوصا وانما مؤسسات متحركة..

* الدستور القادم يحظى بالاهتمام الكبير ويشكل احد القضايا المركزية في التفكير السياسي والاجتماعي العراقي لدى النخب والراي العام.

*التقاليد البرلمانية ورسوخ مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والصحافة الحرة وقوة الاحزاب وشجاعتها ايضا وقدرتها على مجابهة العسكريين الانقلابيين هي ضمانات.

*  في العراق اغلبية مسلمة  وان الدستور سيكون لبلد له هذه الاغلبية ولاننسى ايضا اننا نريد ديمقراطية وبناء دستورية فهل هناك تناقض ام التقاء بين الدين والديمقراطية؟

النبأ/بغداد: الدكتور نبيل ياسين رئيس تحرير صحيفة المواطن البغدادية، وهو سياسي ومثقف عراقي بارز أسهم مع رموز عراقية أخرى في تأسيس ثقافة المعارضة إبان حكم نظام البعث المنهار، وله اليوم في لندن ـ حيث يقيم ـ إسهامات جادة وفاعلة في بلورة ودعم الوعي الدستوري، حيث أسس " لجنة دعم الدستور العراقي" المنتظر.. ومن أجل التعرف على ماهية هذه اللجنة وأهدافها ورأي الدكتور نبيل ياسين بالدستور وأمور أخرى أجرت المشاركة معه الحوار التالي..

التقاه/ عباس سرحان:

** كيف بدأت فكرة تأسيس لجنة مساندة الدستور, ومن هم أصحاب الفكرة؟

ــ اللجنة تشكيلة مستقلة تنتمي لما يطلق عليه المنظمات غير الحكومية, وهي لجنة  من لجان المجتمع المدني. أما فكرة التأسيس فهي امتداد لانشغال ثقافي وسياسي مستقل حول قضايا الدولة الدستورية وجزء من اهتمامي الأكاديمي وسبق لي ان كتبت كثيرا في صحف عربية, خاصة الحياة اللندنية, على مدى أكثر من اثني عشر عاما مقالات وأبحاث حول مواضيع الديمقراطية والمجتمع المدني والدستور  وقضايا المعارضة العراقية السابقة في سياق نشاطها ضد نظام صدام حسين المنهار.

ومنذ انشغال العراق بعد سقوط صدام بالدولة الجديدة ومؤسساتها ساهمت بإقامة عدة ندوات حول الدستور في لندن, وجاءت فكرة اللجنة متواصلة مع تلك النشاطات.

لدينا صعوبة كبيرة, خاصة في الخارج, هي هيمنة الأحزاب على النشاط السياسي والفكري والثقافي رغم فقر الفكر الاجتماعي والسياسي الذي تطرحه, كما ان كثيرا من الافراد والجماعات والأحزاب تدعي الديمقراطية وتطالب بدولة القانون’ الا ان الوقائع كشفت منذ زمن طويل ان غالبية تلك الجهات تفتقر إلى ثقافة قانونية او دستورية لان أيديولوجياتها ضد سيادة القانون وعمل الدستور من خلال طرح مفاهيم الشرعية الانقلابية والشرعية الثورية وقانون الحزب الواحد وغيرها من قيم الثقافة السياسية القديمة.

وحين بدأت معركة الدستور في العراق بادرت إلى تأسيس هذه اللجنة لتساند عمل لجنة الدستور المنبثقة عن الجمعية الوطنية سواء بالأفكار او بالمقترحات او إشراك عراقيي المهجر بإعداد مطالب وأهداف الدستور العراقي المنشود.

**ـ  لو تطرقنا دكتور إلى الأهداف الرئيسية التي ترمي اللجنة تحقيقها وماهو برنامجها واليتها لتحقيق أهدافها؟

ـ اللجنة, كما ذكرت, مستقلة.غير حزبية وليست تنظيما وإنما هيئة ثقافية فكرية مؤقتة تتكون من سياسيين ومثقفين وحقوقيين ومهنيين تكنوقراط  لا يمثلون أحزابا او هيئات وانما يمثلون انفسهم في اللجنة.

ومن اهداف اللجنة توسيع قاعدة المشاركة في اعداد وكتابة الدستور من خلال اتاحة المجال للعراقيين في الخارج للمساهمة في تقديم افكار ومناقشة بنود الدستور وبالتالي تحقيق هدف عرض مسودة الدستور عليهم قبل الاستفتاء.وستبذل اللجنة جهودها للوصول إلى اكبر عدد ممكن من العراقيين في الخارج ودعوتهم للمشاركة في نشاط اللجنة, ومن خلال نشاطها وفعالياتها توسع قاعدة الثقافة الدستورية عن طريق توسيع النقاشات حول الدستور وحول المبادئ الدستورية وتاريخ الدساتير وكيف تشكلت في العالم الديمقراطي, فنحن لانتحدث عن الدساتير الممنوحة التي يكتبها النظام الحاكم كما كان الحال في العهد الماضي.

كما ان من اهداف اللجنة, ولتحقيق مبرر تشكيلها , التواصل مع لجنة اعداد الدستور المنبثقة عن الجمعية الوطنية في العراق وتزويدها بالاراء والمقترحات وإثارة القضايا المطروحة للنقاش معها, ويمكننا ارسال مندوبين عن اللجنة إلى بغداد لهذا الغرض او لقاء من ياتي إلى الخارج من اعضاء اللجنة البرلمانية.

احد الاهداف ايضا هو تنسيق الاراء والافكار والمواقف للعراقيين في الخارج ودعم الجهود الرامية لاعداد وكتابة دستور عراقي حضاري يقوم على الهوية العراقية والمواطنة الكاملة ويضمن حقوق الجميع على قاعدة هذه المواطنة.

وقد نشرنا تقريرا بالاراء والمقترحات لأول اجتماع عقدته اللجنة في الاسبوع الماضي وحضره عدد من المثقفين والسياسيين واكادييمي القانون والعلوم السياسية والدستورية وضمناه اهم الافكار والاراء والمقترحات والنقاشات التي دارت خاصة حول اشكاليات مطروحة وهامة مثل علاقة الاسلام بالدولة والفدرالية وتوصيف نظام الحكم وتحديده وضرورة الحديث عن الدولة لا عن السلطة السياسية فحسب.

اما الآليات فتعتمد على عقد ندوات ولقاءات واستلام مقترحات  سواء من خلال نشاطها المباشر او من خلال عناوينها وعبر ايميل خاص بها كما ستقوم بالاتصال مع جميع الجهات ذات العلاقة والاستفادة من الخبرات العالمية ايضا في مجال اعداد وكتابة الدستور.

**ـ  ماهي الافاق التي تراها اللجنة او تتبناها لدستور عراق المستقبل؟

هناك فرق بين ماتتنباه اللجنة وبين ماتراه كاحتمالات، اللجنة لاتتبنى ايديولجيا ولذلك فانها تتنبى فكرة سن دستور عقلاني واقعي يمكن تطبيقه ويمكن اصلاحه اذا ما اضطر العراقيون لاصلاحه ذات يوم. الدساتير ليست نصوصا وانما مؤسسات متحركة, فالدستور الفرنسي تم تعديله 14 مرة منذ الثورة الفرنسية حتى عام 1946. ودعنا ناخذ الدساتير العراقية مثلا طالما ان المضوع يخص العراق. منذ عام 1925 حتى عام 2003 تم اصدار ستة دساتير تتمتع بديباجات وفقرات لاغبار عليها وكلها تؤكد ماتؤكده الدساتير الديمقراطية وحتى النص على تشكيل محكمة دستورية تفصل بدستورية القوانين المشرعة. ولكن ماذا كان يحدث في العراق؟ ماكان يحدث هو : اين الدستور؟ لان لم يتحقق منه شئ , بل على العكس تصدر الدساتير لتترك جانبا ويسود القمع ومصادرة الحريات وانتهاك القانون وتكريس التمييز بكافة اشكاله فضلا عن الارهاب الرسمي والاعتقال الكيفي والسجن التعسفي والاعدامات السياسية والقتل الجماعي على الهوية الجمعية وعلى الراي والموقف السياسي.

ليس المهم نص الدستور وانما المهم الالتزام به كمرجعية اولى واخيرة للحكم , مثل توزيع السلطات وبيان حقوق الانسان,ووظيفة القضاء وتاكيد السيادة وتداول السلطة والتعددية الحزبية واستحقاق الانتخابات وغيرها من اسس الديمقراطية الدستورية, البرلمانية او الرئاسية, المباشرة وغير المباشرة.

ما لمسناه هو ان الدستور القادم يحظى بالاهتمام الكبير ويشكل احد القضايا المركزية في التفكير السياسي والاجتماعي العراقي سواء لدى النخب او لدى الراي العام. ان الدساتير عادة ماتكون تعبيرا عن صراع الارادات للقوى الحية والفعالة في المجتمع, وقد تبدأ بارادات الحد الاعلى لتنتهي إلى مساومة اللحظة الراهنة التي تعني ان المبادئ الدستورية في نهاية المطاف هي التي تقود هذه الارادات وهي التي تعيد بلورتها على ضوء الاليات والمبادئ الدستورية المتعارف عليها لضمان امن واستقرار وتطور البلاد.

ان الدستور عبارة عن منظمة تتولى الاشراف على موضوع السطة وتوزيع السلطات واتفاقية  تنهي الخلاف والنقاش على القضايا المبداية الكبرى وترضي الحد الواقعي والمعقول من رغبات واضعي الدستور انفسهم باعتباره نتاج التخلي والحصول في وقت واحد.

** يثار جدل هنا وهناك حول اعتبار قانون إدارة الدولة مرجعية قانونية للدستور، فهل يصح اعتبار هذا القانون أساسا ومرجعا لكتابة الدستور؟

  قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لم يكن متكاملا ولكنه كان واقعيا باعتباره وليد المرحلة الراهنة وهو يحتوي على ثغرات كثيرة منها مثلا اعطائه الحق لثلاث محافظات متجاورة حق نسف الدستور وبالتالي نسف العملية السياسية الجديدة واغفاله الحديث عن العلاقة بين السلطات وخلطه بين المبادئ الدستورية وبين المهمات المؤقته مثل تصفية اثار النظام السابق وبحث مشاكل المدن وتوصيفه العراق بالنسبة للعالم العربي توصيفا خضع لرغبة الاحزاب الكردية العراقية. فالقانون احتار بين العراق كأمة  او شعب وبين العراق كبلد عربي وبين العراق الفدرالي الذي يرفض الاكراد ان ينتمي إلى العالم العربي طالما هم فيه, فجاء ليتجنب انفجار الوضع .

 كما ان القانون اقر الفدرالية قبل تثقيف الراي العام بجوهر الفدرالية, ونامل ان يتم ذلك قبل طرح مسودة الدستور على العراقيين. هناك رغبة في تحديد أكثر وضوحا لنوع الفدرالية, فاية فدرالية سينص عليها الدستور القادم؟

ان المعنى الدستوري الاكثر تحديدا للفدرالية هو تقاسم السلطات, وليس هناك في الوجدان العراقي تفريق واضح للنظام اللامركزي وللفدرالية التي تعني لدى كثير من قطاعات الراي العام الانفصال.كما لعب الراي العام المضاد

للديمقراطية دورا في تشويه المفهوم وبلبلة الراي العام العراقي.

ان موضوع الفدرالية ياخذ احيانا مفهوم الحق الذي يراد به الباطل. وهناك من يستغل الفدرالية لضمان مزيد من المصالح على حساب المركز, ومن الخطأ خضوع المركز لابتزاز اقاليمه وبقاء المركز تحت رحمة الاقليم.

** وماذا عن الدولة الدينية؟

هناك تخوف من الدولة الدينية رغم تبديد المخاوف الذي يعلن عنه الاسلاميون في العراق. هناك جدل حول الحجم الذي سياخذه الدين في التشريع وما اذا كان سيحول دون تشريعات ضرورية ملحة يتطلبها الوضع العراقي, وما اذا كان النص على ان الاسلام دين الدولة الرسمي يعني اقرارا ا لدولة الدينية ام لا, وما اذا كان الدستور سيتضمن النص على ان الاسلام  المصدر الرئيسي للتشريع او احد المصادر الرئيسية التشريعية.مع هذه النقاشات لاننسى واقع ان في العراق اغلبية مسلمة  وان الدستور سيكون لبلد له هذه الاغلبية ولاننسى ايضا اننا نريد ديمقراطية وبناء دستورية فهل هناك تناقض ام التقاء بين الدين والديمقراطية؟

ان النظام الديمقراطي يتوجه للدميع وليس للاغلبية وحدها. وضمان حق الغالبية لايلغي حق الاقلية, سواء كانت سياسية ام قومية ام دينية ام فكرية.

وبما ان الدستور سيحكم في بلد له اغلبية مسلمة فان النص على ان الاسلام احد مصادر التشريع لايعد مشكلة, خاصة مع توفر ضمانات سيادة الدستور.كما ان النص على مصدرية الاسلام في التشريع لايعني تطبيق الشريعة على النمط المتعارف عليه في بعض البلدان والتجارب الاشكالية, خاصة وان النص هذا سيكون في سياق نظام حكم ديمقراطي تعددي تداولي.

ان القانون الاساسي العراقي الصادر عام 1925  مثلا لم ينص على ان الاسلام دين الدولة الرسمي ومع ذلك لم يخلق مشكلة او يلغي الهوية.

** هل انتم مع عراق فدرالي.. وهل ترون وجوب النص على ان لاشرعية للانقلابات العسكرية ولاسبيل للوصول إلى السلطة الا عبر صناديق الاقتراع؟

ـ  حين تعطي شيئا او تقرر الموافقة على شئ فمن الصعب التراجع إلى الوراء, خاصة في المراحل التاسيسية الحاسمة التي تشهد صراع الارادات وصعود ميزان القوى إلى ذروته. لقد اصبحت الفدرالية جزء من الواقع السياسي العراقي, كما انها جزء من واقع العالم في بعض الدول, اضافة إلى انها مبدأ دستوري لحل الاشكالات في السلطات وتمركزها لحرمان كيانات قومية من المشاركة في السلطة والموارد. اصبح النظام الفدرالي حقيقة ملموسة في العراق. لكن هل تعني الفدرالية سيطرة الاقلية على الاكثرية وابتزازها؟ اقول لا. ولكي اكون أكثر وضوحا فان كثيرا من السياسيين والمجموعات السياسية الصغيرة العراقية اصبحت تذهب إلى كردستان العراق لتحصل على الدعم من القيادة الكردية مقابل الاعتراف بالفدرالية مسبقا وهذا شرط وان كان غير معلن لكنه شرط خطير وغير ديمقراطي.

اما موضوع الانقلابات العسكرية للوصول إلى السلطة فلاينتهي بالنص عليه دستوريا وانما بانشاء مؤسسات ديمقراطية قوية سواء في الدولة او في النظام السياسي او في المجتمع.ففي العهد الملكي كان هناك نص حول دور الجيش وحدود صلاحياته وتحركه ومع هذا كان العراق عام 1936 مسرحا لاول انقلاب عسكري في تاريخ البلدان العربية المعاصر.

ان التقاليد البرلمانية ورسوخ مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والصحافة الحرة وقوة الاحزاب وشجاعتها ايضا وقدرتها على مجابهة العسكريين الانقلابيين هي ضمانات. ولكن اذا كانت احزابنا العراقية تملك تنظيمات كاجنحة عسكرية لها لتهددي الديمقراطية فذلك شان أخر كما حدث من قبل. دعني اضرب مثلا من اسبانيا. كانت المؤسسة العسكرية اقوى من المجتمع المدني ومن الاحزاب في عهد فرانكو منذ سنة 1936 حتى موت فرانكو ودكتاتوريته عام 1975. أي على مدى اربعين عاما تقريبا. ونشات الديمقراطية في اسبانيا بموت فرانكو. ولكن في شباط عام 1980 حدث انقلاب عسكري تحول إلى سخرية مباشرة, اذ دخل عسكريون إلى البرلمان الذي لايملك من العمر سوى خمس سنوات واحتجزوا النواب واعلنوا حل البرلمان والسيطرة على الحكم, لكن بضعة نواب شجعان اعترضوا فاطلق العسكريون النار. غير ان ذلك لم يرعب بعض النواب او يجعلهم يذعنون, وحدثت مشكلة باعتراضهم على الانقلاب. فالاعتراض الغى (شرعيته العسكرية) بينما كان الاذعان والخوف يساهمان في تبريره وقبوله فيما بعد لو تما.

مثل اخر من نوع آخر. فابان الثورة الطلابية في فرنسا وفي ابان الازمة عام 1968 طلب عدد من مسئولي الحكومة الفرنسية من ديغول اشراك الجيش لقمع الانتفاضة وانهاء الازمة. وكان شقيق ديغول امرا لحامية باريس , لكن ديغول رفض بشدة استخدام الجيش واثر الانسحاب من الرئاسة والحياة السياسية من اجل بقاء فرنسا والجمهورية. قل لي من اصطف في التاريخ كقادة لهذا التاريخ ومن اصطف كأوباش في التاريخ؟ الذين صمدوا وأعلو المصالح العام  على مصالحهم الشخصية وقادوا دولهم في الازمات هم قادة التاريخ وليس الاوباش.

** شكرا لك أستاذ نبيل..

ــ وشكرا لكم أيضا..

شبكة النبأ المعلوماتية - االجمعة 24/ حزيران/2005 - 17/ جمادى الأولى/1426