[newsday.htm] 
 
 
 

 

برتراند راسل.. الفيلسوف المناضل

محمد نبيل*

عاش الفيلسوف وعالم الرياضيات البريطاني برتراند راسل زهاء قرن من الزمن (1872-1970)، ألف خلا لها قرابة 70 كتابا والعديد من المقالات العلمية بل أكثر من هذا، كان في واجهة الصراع السياسي حيث يعبر عن مواقفه وآراءه التي أدى ثمنها غاليا.

عاش راسل يتيما منذ سن الرابعة وتربى على يد أجداده والذي كان أحدهم وزيرا بريطانيا سابقا.

الكثير يعتبرون راسل مناضلا مثاليا،خارجا عن المألوف لكنه يظل أهم كبار فلاسفة القرن العشرين. أرتبط اسمه بالفلسفة بعد لقاءه للفيلسوف لودفك بفدكنشتاين. ترك راسل العديد من الأعمال خاصة في الميتافيزيقا، الإبستمولوجيا، الأخلاق وفي تاريخ الفلسفة. لقد وظف راسل المنطق لتوضيح الإشكالات الفلسفية الشيء الذي جعل منه أحد مؤسسي الفلسفة التحليلية. والإشكالية الأساسية التي طرحها هذا الفيلسوف تتعلق بمجال المعرفة: هل يستطيع الإنسان معرفة شيء ما ؟ هل يوجد بالعالم معرفة فيها حقيقة لا يستطيع أحد الشك فيها؟

نظرية المعرفة عند راسل تتأسس على مفهومين أساسيين: أولا،المعرفة المباشرة وهي تلك العلاقة الموجودة بين الإفتراض والحدث المعين. ثانيا، المعرفة عن طريق الوصف أي ما لا نعرفه بشكل مباشر كحادث مقتل سيزار مثلا.

ومن أجل تقريب القراء الذين لم يكتشفوا مؤلفات راسل الفلسفية والعلمية في طبعتها الأصلية، قامت جامعة لا فال بكندا الفرنكوفونية بترجمة العديد من كتبه إلى اللغة الفرنسية مما سمح بمعرفة أكبر وخاصة لدى العديد من لا يجيدون القراءة باللغة الإنجليزية.

الحديث عن مؤلفات الفيلسوف راسل لا بد أن ينطلق من دراسته حول أصول الهندسة التي كانت أولى باكورة أعماله. إلا أنه بالموازاة مع ذلك كان يؤلف كتبا متخصصة في عدة مجا لات متعددة ترتبط بالعلوم، المنطق، السياسة وغيرها.

العمل الفلسفي والعلمي لراسل واسع جدا، فهو يتوفر على كل الأنواع، فقد ساهم في بناء الفلسفة التحليلية، وتأسيس مقدمات مفاهيمية أساسية مثل نظرية العلامة، نظرية الأنواع وغيرها من المساهمات التي تدل دلالة واضحة على دور راسل الهام في بناء تقاليد فلسفية.

المصادر الإجتماعية والفلسفية لراسل غنية والحصيلة تعكس صورة هذا المنظر والمناضل الذي لم يتوقف عن الكتابة حول الأسئلة الإجتماعية والسياسية بل سينخرط في الفعل السياسي والإجتماعي لمناصرة القضايا التقدمية وعلى رأسها قضايا السلم، منع إستعمال الأسلحة،المرأة وغيرها.

نضالية هذا الفيلسوف وحماسه السياسي كانت سببا في إعتقاله وحبسه مرتين، الأولى لمدة ستة أشهر سنة 1918 بسبب دفاعه عن قضية السلم في العالم وإتخاده موقفا معارضا للحرب العالمية الأولى أما الثانية فكانت لفترة وجيزة سنة 1961 وعمره يناهز 89 سنة إثر مشاركته في التظاهرات السلمية ضد التخصيب النووي.

سنة 1967 أسس راسل محكمة لمقاضاة الولايات المتحدة الامريكية إثر حربها بالفيتنام. هذه المحكمة أصدرت حكما يقضي بإدانة أمريكا على ما قامت به من جرائم ضد الشعب الفيتنامي. تأسيس هذه المحكمة ودفاع راسل عن القضايا الكبرى عالميا أدى به إلى أن يكون معارضا للنظام الرأسمالي والشيوعي على السواء وخلق منه نصيرا لطريق الحرية.

يعد كتاب –السلطة – أهم مؤلفات راسل في مجال التنظير السياسي. في هذا السياق كان راسل يشاهد فضاعة النزعة القومية لمعاصريه، فبدأ يتأمل في الطبيعة وحدود السلطة السياسية. لذلك وفي كتابه السالف الذكر، حدد 3 أدوار أساسية: دور الرأي في خلق وتدمير السلطة، السلطة داخل التنظيمات المعاصرة وأخيرا الوسائل الأخلاقية والتربوية القادرة على قهر وإخضاع السلطة.

عموما، يعد برتراند راسل علامة فلسفية كبرى في تاريخ الفكر ورمز للفيلسوف المناضل الذي ينخرط ويتخذ مواقفا من إشكالات عصره في العديد من المجالات وعلى رأسها المجال السياسي.

*صحافي وباحث مقيم بكندا

falsafa71@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية - الخميس 16/ حزيران/2005 - 9/ جمادى الأولى/1426