[newsday.htm] 
 
 
 

 

اكتشاف هرمون الثقة لتعزيزها ام لتسويقها تجاريا..!

 

كشفت الاستنتاجات التي توصلت إليها مجموعة من العلماء والباحثين السويسريين, خلال دراسة شاركوا في إجرائها مؤخراً, عن أنه بات من الممكن تحسين مستوى ثقة الأفراد في الأشخاص الغرباء, وذلك عن طريق حقنهم بهرمونات طبيعية.

وقال فريق الباحثين إن تعزيز الثقة بهذه الوسيلة, سيصل إلى درجة عالية جداً. إلى هذا يذكر أن العلماء قد اكتشفوا منذ مدة طويلة سابقة للتجارب والدراسات المذكورة أعلاه, أن من شأن حقن هرمون الـ"أوكسيتوسين" الذي يعم الجسم خلال لحظة ميلاد الطفل, وكذلك طوال فترة الرضاعة, أن يساعد على إقامة علاقات دافئة حميمة, ويقرب الثدييات عموماً من بعضها بعضاً. وبهذا المعنى فإن هذا التأثير ليس قاصراً على الإنسان وحده, بل يعم كافة أنواع الثدييات الأخرى.

غير أن الجديد الذي توصلت إليه هذه الدراسة السويسرية – وقد نشرت النتائج التي توصلت إليها في العدد الأخير من مجلة "الطبيعة" - هو كونها أول دراسة من نوعها, تتوصل إلى أن في وسع حقن الإنسان بهرمون طبيعي, أن يحدث تأثيرات بالغة الأهمية على مستوى سلوكه الاجتماعي, بما في ذلك الجوانب الأكثر حساسية منه على الإطلاق, مثل ثقته في الآخرين والأجانب.

وبناءً على هذه الاستنتاجات, فإنه لم يعد ممكناً أن يتوفر الباحثون والعلماء, على النظم والعمليات البيولوجية التي تقرر سلوك الأفراد وقراراتهم فحسب, بل أصبح ممكناً لهم تغيير تلك القرارات والسلوك, في حال انحرافهما.

وعادة ما تتخذ هذه الانحرافات شكل الرهاب الاجتماعي والتوحد على حد قول العلماء. إلى ذلك صرح الدكتور إيرنست فيهر أستاذ الاقتصاد بجامعة زيوريخ والمؤلف الرئيسي للدراسة المذكورة, بأن الكثير من الخبراء كانوا على درجة كبيرة من التشاؤم من أن تتوصل الدراسة التي بدأناها لأية نتائج ذات قيمة تذكر أو بال. لكن وعندما تم التوصل إلى النتائج النهائية, فقد كان الاكتشاف باهراً وواعداً. والذي بقي الآن هو أنه أصبح لزاماً على الباحثين والعلماء, إجراء المزيد من البحوث والدراسات, حول تأثير هرمون "أوكسيتوسين" على البشر وسلوكهم الاجتماعي.

وأعرب الدكتور عن أمله في أن تفضي هذه الدراسات إلى تطبيقات علاجية محتملة, لحالات الاضطراب الفيزيولوجي النفسي, ذات الصلة بانعدام أو نقص الثقة بين الأفراد.

ومن جانبهم صرح علماء الأعصاب, الذين لم يكونوا طرفاً في الدراسة المذكورة, بأن الوقت لا يزال مبكراً جداً للتكهن بأي علاجات جديدة محتملة. كما أنه ليس من العدل أن تثار أية مخاوف, من أن يساء استخدام الهرمون المذكور, وقد شرع العلماء للتو في إجراء البحوث والدراسات حول تأثيراته على السلوك الاجتماعي للأفراد.

تعليقاً على نتائج الدراسات المعلنة, قال الدكتور أنتونيو داماسيو –أستاذ علم الأعصاب بجامعة أيوا, وكاتب إحدى الافتتاحيات العلمية المصاحبة لنشر النتائج المذكورة بالمجلة- إن المرء ليحلم كثيراً برؤية نتائج كهذه, وهي تطبق على واقع الحياة, وتغيير سلوك البشر نحو الأفضل, فيما يتعلق بتعزيز ثقتهم ومستوى تعاونهم وتفهمهم لبعضهم بعضاً. ومضى داماسيو مستطرداً في الحديث: بيد أن ما تم التوصل إليه عبر هذه التجارب, يعد خطوة متقدمة جداً على هذا الطريق, فضلاً عن سهولتها وإمكان تحققها. وفي وصف التجربة المشار إليها, فقد عمد الباحثون والعلماء السويسريون الذين أشرفوا عليها, إلى إشراك 178 طالباً جامعياً في لعبة سهلة من ألعاب الاستثمار. وبدأ المستثمرون الشباب بعلاوة مكونة من 12 وحدة نقدية, كان لهم خيار أن يرسلوا 12 أو 8 أو 4 أو لا شيء منها, إلى أمين مجهول غير مرئي. وكان المبلغ المراد إرساله قد صار ثلاثة أمثاله قبل تحويله إلى حساب الأمين المجهول.

ووفقاً لقواعد اللعبة, فإن على الأمين أن يحدد حجم المبلغ الذي سيقتسمه مع المستثمر المعين. وفي التجارب السابقة التي أجريت على هذه اللعبة, لاحظ الاقتصاديون تشبث المستثمرين بأموالهم, وعدم المغامرة باستثمار مبالغ كبيرة مع طرف مجهول, إلا عندما تبينت لهم نزاهة وأمانة ذلك الشريك.

وكشفت التجربة التي أجريت على اللاعبين, أن من استنشق منهم هرمون "أوكيستوسين" غامر بمعدل استثمار بلغ 10 وحدات نقدية, أي بمعدل نسبة ارتفاع بلغت 17 في المئة, من أولئك اللاعبين الذين تعاطوا رذاذاً آخر مهدئاً. ومن بين أفراد المجموعة التي تعاطت رذاذ "أوكيستوسين", اتضح أن 45 في المئة منهم استثمروا كافة ما لديهم من أموال, مقارنة بـ21 في المئة فحسب, هو معدل متوسط الاستثمار, لدى أفراد المجموعة الأخرى التي تعاطت العقار المهدئ.

لكن وعلى رغم هذه الفروق والاختلافات السلوكية بين المجموعتين اللتين أخضعتا للتجربة, يقول العلماء والباحثون المشاركون فيها –بمن فيهم العلماء السويسريون- إن هرمون "أوكيستوسين" ليس عقاراً يعول عليه كثيراً, في أن يساعد الدماغ على إرسال الأوامر والرسائل التي من شأنها مساعدة الإنسان على تخطي الحواجز النفسية, والعقبات التي تعترض طريق تعامله وثقته في الآخرين. بل من رأيهم أن الهرمون المذكور يسمح بما يسميه العلماء بـ"السلوك التقاربي" الذي يدفع الفرد نحو الشخص الغريب, والإلقاء بالتحية عليه. إلى ذلك قال الدكتور فيهر إن هذه الخاصية الأخيرة مهمة جداً بالنسبة للأفراد الذين يعانون من التوحد, نظراً لكونهم الفئات الاجتماعية الأقل ثقة بالآخرين, لأسباب مرضية تخصهم. ولكنه أكد في الوقت ذاته, صعوبة حفز درجات عالية من الثقة لدى الأفراد الطبيعيين العاديين, بواسطة حقنهم بجرعات من الهرمون.

فالطبيعي في سلوك البشر على حد قوله, هو أنه وفيما لو أساء أحدنا ثقة شخص آخر به مرة ومرتين, فإن الأرجح ألا يثق بنا ذلك الشخص مهما حقناه بجرعات كبيرة وزائدة من هرمون "أوكيستوسين" المفترض فيه, أن يعمل على حفز الثقة بين الأفراد وتقويتها.

يذكر أن بعض وكالات بيع السيارات, شرعت تفكر في إطلاق رذاذ هذا الهرمون حول وكالاتها لجذب الزبائن وحفز ثقتهم في السيارات التي تعرضها. غير أن العلماء أكدوا أن تطبيقاً كهذا للاكتشاف, لن يكون عملياً, بالنظر إلى أن مدة صلاحية هذا الرذاذ في الجو, لن تتجاوز الدقائق المعدودة. لذلك فإن أرادت شركات صناعة السيارات الاستفادة من الهرمون لحفز مبيعاتها, فإنه سوف يتحتم عليها أن تصنع منه أمطاراً مستمرة تصب على شركاتها ووكالاتها!.

شبكة النبأ المعلوماتية - الخميس 16/ حزيران/2005 - 9/ جمادى الأولى/1426