استضافتنا قناة العالم الفضائية في السادس من حزيران يونيو في
برنامج (العراق اليوم) وزميليّ الاستاذ علي السعدي من بيروت ومن بغداد
الاستاذ عامر الخزاعي وكيل وزارة الصحة العراقية في برنامج مباشر كان
محوره هجرة العراقيين ابان النظام البائد الى نقاط العالم المختلفة،
والهجرة التي تلت السقوط في التاسع من ابريل نيسان العام 3002 الى دول
الجوار، وسبل عودة المهجرين الى الوطن.
لست بصدد التعرض لما دار في البرنامج والنقاط الايجابية التي عرضها
الزميل السعدي والوكيل الخزاعي لبناء عراق مزدهر يستقبل ابناءه
بالأحضان، وسأقتصر في الحديث عن قرار لوزارة الخارجية العراقية سرى
مفعوله قبل اشهر ارى انه يضع العراقيل امام عودة سليمة للعراقيين في
المهجر، وهو ما اشرت اليه في البرنامج التلفزيوني واحاول هنا تلمس بعض
نقاطه لعل الحكومة العراقية تنتبه الى خطورة بعض قرارات الخارجية
العراقية التي لا تنسجم مع طموحات العراقيين الذين تشظوا في بقاع الارض
بحثا عن الامن والأمان.
القصة باختصار ان السفارات العراقية في عهد حكومة الدكتور اياد
علاوي بدأت تستصدر للعراقيين الذين يحملون الجوازات غير العراقية سمة
دخول للعراق مدتها ثلاثة اشهر, ليس اقل هذا ما بان في جواز سفري، وحتى
تظهر السفارات حسن نيتها وانها لا تبغي من البنود الكثيرة والشروط (وبعضها
تعجيزية) التي وضعتها على واجهات القنصليات والسفارات استدرار جيب
المهاجر العراقي من العملات الصعبة فانها اعفت الذي يقدم وثيقة عراقية
الى جانب جواز الدولة التي يعيش فيها من ضريبة تأشيرة الدخول، وان لم
يكن يملك وثيقة عراقية وما اكثرهم فان عليه ان يدفع بدل سمة دخول، وان
اشار حقل الولادة في جوازه الى مدينة البصرة او بغداد أو العمارة او
تكلم صاحب الجواز اللهجة العراقية وقرأ لهم الحسجة والأبوذية، وعذرهم
في ذلك قرار وزارة الخارجية!
وسيكون الأمر هينا لو اقتصر على ما تفعله السفارات العراقية التي
بشّرت العراقيين في المهجر بديوانية عراقية مفتّحة الأبواب يعزّم فيها
السفير القهوة العراقية، وان اسعفته ميزانية السفارة فسيقدم القوزي
والمجبوسة في سفارات يقولون عنها اليوم انها بيت العراقيين وملاذهم ان
عز النصير! لكن المشكلة الكبيرة التي تواجه العراقي المسافر الى بلده
كما واجهتني في الزيارة الاخيرة للعراق ان على العراقي ان يحضر الى
دائرة الهجرة والاقامة خلال عشرة ايام من قدومه لمدينته ليعلمهم عن
وجوده على الاراضي العراقية، ويلزم عليه في هذه الحالة كإجراء وقائي ان
يذهب الى دائرة الصحة لفحص دمه لبيان سلامته من مرض فقدان المناعة (الايدز)،
وبالمناسبة يستطيع شراء بيان الفحص بخمسة الاف دينار عراقي خلال خمس
دقائق من الممرّض نفسه من دون نقل قنينة دمه الى المختبر والحضور ثانية
في اليوم التالي، كما حصل مع العبد لله، وعليه ان يستحصل توقيع مختار
منطقة سكنه ايضا ليثبت صحّة محل اقامته، وهذه الوثيقة يمكن شراؤها أيضا
بالف دينار من اي مختار محلة يجلس في القهوة القريبة من مبنى محافظة
المدينة، وبحضور الوثيقتين (المهلهلتين) تمنح السلطة للعراقي المسلوب
الوطنية اسبوعين او شهرا بالكثير وبعدها عليه ان يغادر البلد، وله ان
يجدد الاقامة في اطار مدة سمة الدخول الممنوحة له والمرقومة في جوازه!
بالمناسبة لم افعلها لان المختار بجوار منزلنا، اي يستطيع اي مقيم او
عراقي قادم ان يشتري وثيقتي الصحة والاقامة بأقل من خمسة دولارات فقط.
اما اذا انتصر العراقي لوطنيته وتجاوز قرارات النظام البائد ولم
يبارك دائرة الهجرة والاقامة بقامته وطلّته، فانه يتعرض للعقوبة وهي
الغرامة او السجن ثم الترحيل!
في الواقع حزّ في نفسي كثيرا ان اقف في طابور الى جانب الزائر
الهندي والايراني والافغاني منتظرا دوري في الحصول على اسبوعين او
ثلاثة لكي اقيم في الوطن الذي سجنت فيه وفقدت فيه أعز اصدقائي واحبابي
شهداء على عتبة المشانق وفي المقابر الجماعية، وهاجرت منه قسرا بفعل
قوانين النظام البائد، وتساءلت في نفسي وانا في الطابور وفي الحر حيث
لا كهرباء ولا ماء بارد يروي العطشان في دائرة حكومية لا دخان يعلو
فضاءها غير دخان السجائر (ولي كلام عن التدخين اتركه لفرصة اخرى)، ما
الذي يميّزني انا العراقي في هذا الطابور عن اخواني في الدين والخلق،
ولماذا انا هنا في هذه الدائرة التي اقيمت اصلا لغير العراقيين؟ وهل
هاجر العراقي بعقيدته وناضل من اجل إحقاق الحق حتى يصطف الى جانب
الزائر المسلم، بحثا عن يوم او يومين يقضيها في العراق بين أهل وخلاّنه؟
وما زاد في الطين بلّة انني فوجئت باحد اصدقاء الهجرة من السويد
يتوسل الضابط كي يمنحه مدة اكبر للبقاء في العراق، وفعل الضابط خيرا،
وزاد هذا المشهد من الحسرة في نفسي ومن العقود التي قضاها العراقي
مشردا عن وطنه بفعل قوانين غير مدنية، ليعود مكبلا بالقوانين اللا
حضارية نفسها!
بالطبع ليس لنا ان نلوم دائرة الهجرة والاقامة لانها مأمورة تنفذ ما
يملى عليها، ولكن اللوم يقع على وزارة الخارجية العراقية التي تنفذ
سياسات بالية رغم ان معظم طاقمها ومعظم طاقم الحكومات التي تلت حكم
العراق منذ السقوط حتى اليوم يحمل افرادها جوازات غير عراقية. ولو امكن
تطبيق القانون على كل العراقيين، وشملت العدالة الجميع فان القرار
سيطال اول ما يطال الوزير نفسه ويكون عليه ان يغادر العراق لنفاذ سمة
دخوله العراق، هذا فضلا عن اعضاء في الحكومة العراقية وفي الجمعية
الوطنية، ومعظم السفراء والقناصل الذي يوقعون على سمات الدخول
للعراقيين حملة الجوازات الاجنبية.
ان اول خطأ ترتكبه الخارجية العراقية التي تريد لسفاراتها ان تكون
عش العراقيين في الغربة هو منح العراقي سمة دخول، اذ ان سمة الدخول
تنزع عنه عراقيته ووطنيته، وهي تقدم للاجانب فقط، فهل يعقل ان يحدد
المواطن بمدة عليه بعدها ان يغادر وطنه، لم نسمع بهذا في الغابرين ولا
في الديمقراطيات الغربية التي يبشر بعضنا بنقل تجربتها الى العراق، فهل
يعقل ان اغادر بريطانيا واعود اليها دون ان تقبّل شفة ختم بريطاني
صفحات الجواز، وتسوّد صفحات الجواز نفسه بلعاب محابر متعددة الالوان
تنفثها أختام متعددة الأحجام والأشكال وكتابة يدوية بائسة الخط، في
عراق يتطلب عودة ابنائه لبنائه، وعودة ابناء ابنائه ليطلعوا عن كثب عن
بلد الاباء وينصهروا به!؟
مَن المستفيد من مجابهة العراقيين بتأشيرة دخول محدودة الأجل، وكيف
يتسنى للعراقي ان يتمتع ببلده وسياط قوانين النظام العشائري البائد
تجلد ظهره، وتحسب عليه ايامه حتى يغادر؟
ارجو ان نسمع من الخارجية العراقية شيئا، فربما كان فيما تقوم به
مصلحة وطنية تبّدت للوزير لا نعلمها نحن ولا أبناؤنا من بعد.
الرأي الآخر للدراسات- لندن
*[email protected] |