أسبوع واحد فقط سجل إغتيال صحافيين عرببين، واحد بلبنان والآخر
بليبيا. حدثان لهم من الدلا لة ما يكفي من أجل الوصول إلى فكرة مفادها
أن هناك أنظمة قمعية عربية وجهات مشبوهة لا تقبل الصحافي العربي الذي
يقول لا للحاكم أو يوجه سهام نقده لجهة سياسية معينة، تجرم الرأي
المخالف وتحارب الإختلاف. هذه الجهات هدفها تكميم أفواه الصحافيين عن
طريق إغتيالهم أو إعتقالهم حثى يتوقفوا عن تعرية الوقائع والظواهر التي
تزعج أولي الأمر والمتحكمين في القرار السياسي العربي.
بداية بلبنان،حيث ثم إغتيال الصحافي سمير قصير من طرف جهة أو أطراف
أرادت إسكاته إلى الأبد. فالمؤشرات والقرائن تدل على أن مواقف الصحافي
وكتاباته تمس العديد من المصالح السياسية بالمنطقة.وأكيد أن إغتياله
يعد جريمة لا تغتفر ضد صحافي عربي- الإنسان - وكذا ضد مهنة المتاعب
التي تعد في الدول المتقدمة سلطة رابعة تراقب المجتمع ونخبه السياسية
كما تعكس نبضاته اليومية.
ثاني اغتيال ثم بالجماهيرية العربية الليبية، المعروفة بسجل أسود في
مجال خروقات حقوق الإنسان،وكان ضحيته هذه المرة الصحافي الليبي ضيف
الغزال الذي سبق له أن كان عضوا للجان الثورية لمدة عشر سنوات قبل أن
يستقيل لممارسة النقد كصحافي من خارج هذا الإطار السياسي. لكن عندما
قرر إبداء رأيه في مؤسسة تعد من المقدسات الليبية كان مصيره القتل. هذه
الجريمة ليست بغريبة عن نظام إعتاد حسب العديد من المنظمات الدولية
تصفية معارضيه جسديا،وهي تضاف إلى حصيلة الجماهيرية في مجال مصادرة
الرأي والحرية وإضطهاد الصحافيين.
إن الصورة التي يرسمها المحللون والمنظمات الحقوقية عن النظام
السياسي الليبي جد سلبية، فهو مازال يعتقل منذ 12 يناير الكاتب عبد
الرزاق المنصوري لمجرد نشره مقالات على موقع إلكتروني ينتقد فيها سياسة
القائد معمر القدافي.
منظمة – صحافيون بلا حدود- أدانت الإعتقال وطالبت إلى جانب منظمة
هيومن واتش الحقوقية إطلاق سراحه وعدم فبركة محاكمته طبقا لما هومتعارف
عليه في أعراف وقوانين أنظمة القمع في عدة بلدان عربية.
منظمة هيومن واتش أكدت في تقريرها الصادر يوم 22 مايو المنصرم، أن
النظام الليبي يستخدم العنف ويقيد حرية الرأي والإجتماع ويستمر في
إحتجاز السجناء السياسين بل مازال يمارس عقوبة الإعدام. هذه المنظمة
الدولية قابلت أستاذين ينتظران عقوبة الإعدام بل أكدت وجود 84 من
الإخوان المسلمين في السجون الليبية.
بإختصار شديد، نلمس مما ورد سلفا أن حبس الصحافيين أو تصفيتهم جسديا
يمثل براعة عربية بإمتياز وسمة لا نجد لها نظير في البلدان
الديموقراطية حيث حرية الرأي والتعبير تضمنها القوانين والتشريعات وكذا
الأعراف. التساؤل المطروح هو: ما العمل في ظل هذا الوضع المتأزم ؟ سؤال
مؤرق وكثيرا ما يثار حول أوضاعنا العربية.
نعتقد بكل بساطة في أطروحة مفادها أن التغيير يحدث قاعديا أي على
مستوى البنيات والقواعد الإجتماعية وليس عموديا.
ليس بالضرورة أن تهدر الدماء حتى يتم التغيير، فقد سقط جدار برلين
في ألمانيا دون أن تطلق رصاصة واحدة. لاشك أن عمل المنظمات الأهلية
وكذا المجتمع المدني سبيل لتحقيق التغيير المنشود داخل المجتمعات
العربية لكن يظل محدودا بفعل عدة عوامل ولعل العامل المنسي يبقى في
نظرنا المتواضع هوالمجال الثقافي. فالتأخر أو التقدم يرتبط بالمحيط
السوسيوثقافي بالدرجة الاولى.
فتخلفنا حسب الأطروحة الثقافية تعيقه عقلية عربية متحجرة ولها
تصورات رجعية. نظن أن التغيير السياسي لا يمكن له أن يقع بمعزل عن
البنيات الثقافية للمجتمعات التي هي في حاجة إلى تثوير لتصوراتها
للعالم وللوجود المتغير بإستمرار. ومن داخل مجالات العقائد، التقاليد
وغيرها يمكن رؤية التغيير لأن الرفض ولغة السلاح لا يمكن أن تقهر
الشعوب العربية التي مهما بلغ درجة جهلها وأميتها وعوائقها الذاتية،
يوما ما، لا بد أن تقول كلمتها الأخيرة وتفرض الممكن ولربما المستحيل
على الحاكم الجائر والمتسلط. لأن خطاب الكرامة مهما تناسته أوجهلته
الجماهير يستفيق في لحظة معينة بالرغم من كل السبات الدوغمائي -بلغة
الفيلسوف الألماني كانط -.
يجب إستغلال كل المنابر والإمكانيات التقليدية والعصرية لتقليص
الهوة الزمنية والحضارية الواقعة بيننا وبين المجتمع الغربي. فقرون قد
خلت وتركت بصماتها السلبية المترسبة في الذهنية العربية والإسلامية
والتي جعلها ترى أشباح الحقائق عوضا عن الحقائق. المهمة ليست سهلة
ولكنها ممكنة. فأكثر من تسعة قرون مرت على الهزيمة الحضارية ومن ثم
الثقافية.
لاشك أن العالم المتقدم يسير بخطى تابثة نحو توسيع دائرة
الحريات،تقليص هامش الممنوعات السياسية وعدم مركزة السلطة بيد ثلة من
السياسيين حتى لا يتم إستغلالها بشكل سيء. وهذا حافز ومؤشر على نمو
عقلية معينة كانت بالأمس في عصر من الظلمات، سيدفع لامحالة بالقواعد
الاجتماعية العربية والحكام إلى التفكير مليا في التغيير الحقيقي وعدم
ترك الآخر الخارجي يفرضه علينا، لأنه آنذاك سنصبح مجرد كراكيز لا محل
لها من الإعراب الفكري. نعتقد بكل تواضع أن يكون الشك منوالنا ودربنا
الذي يضيء طريق الحرية العربية، لأنه بدون مسافات نقدية مع الأشياء
وإعادة النظر في التراث الذي أمسى يمثل المقدس الفاقد للمعنى، يصبح
الوجود العربي لا معنى له في ظل الرهانات الآنية والتحديات التي لا
تقهر. الشك منهج تفكير قدم ويقدم الكثير للإنسانية ولمجال العلم
المتطور.، مع الأسف، إقصاء الرأي المخالف وتكميم أفواه الصحافيين الذين-
من المعروف - يساهمون في التنمية الإجتماعية لا يجدي لا آنيا ولا على
المستوى البعيد. فالتاريخ يلعب دوره الحتمي في حدوث التغيير. فكيف يمكن
لمجتمعاتنا العربية أن تحمل مشعل التقدم والصحافي العربي ما زال مصيره
الإعتقال أو الإغتيال إن تجاوز الخطوط الحمراء المسطرة على الطريقة
العربية ؟كيف نستطيع الخروج من قوقعة التخلف وأكثر من نصف المجتمعات
العربية أميون ؟ هذه الأسئلة وغيرها يمكن أن تسمح لنا بمراجعة الذات
وتشريحها وكشف عورتها بل تمدنا بآليات البحث عن الحقائق المطمورة في
بلداننا العربية، آنذاك يمكن أن نعرف لماذا وكيف ومتى يجب أن نحقق
التغيير الضروري.
* صحافي مقيم بكندا
falsafa71@hotmail.com |