[newsday.htm] 
 
 
 

 

ملاحظات حول تطبيقات هيئة دعاوى الملكية

القاضي سالم روضان الموسوي

حق الملكية من الحقوق المقدسة في كافة الشرائع السماوية والوضعية وتعتمد قدسية التملك على وفق الفلسفة أو الرؤيا التي تعتمدها تلك الشرائع، وفي الشريعة الإسلامية نرى إن للملكية مفهوم أوسع حيث إن المالك هو الخالق عز وجل و وما الإنسان إلا خليفته بالأرض يعمرها ويستغلها، وعلى هذا الفهم فان الملكية عند المسلمين عامة تتقيد بمفهوم التخصيص للاستعمال وهكذا تطور المفهوم من الجانب الفقهي وسارت القوانين المستمدة من الشريعة مع هذا التوجه، ولكن لأمور تنظيمه ظهرت فكرة الملكية الفردية، ولضمان حقوق جميع الأفراد اعتلى مصطلح تقديس هذه الملكية صدر جميع الدساتير والقوانين الوضعية .

وهذه المقدمة تقودنا إلى أهمية حق الملكية وماله من أهمية من حيث حجم الآثار القانونية التي تتبعه منها حق السكن وحق المنفعة وحق الارتفاق وغيرها من الحقوق .

وفي قطرنا العزيز الذي شهد تحولات زلزالية غيرت من وجه الأوضاع وان لم تمس جوهره الصافي المتآخي، ظهرت مشكلة الأموال المصادرة والمستولى عليها من قبل النظام السابق والتي راح ضحيتها الكثير من المواطنين الذين قد تم تسفيرهم وتهجيرهم قسرا ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم أو تم الاستيلاء عليها بواسطة بعض القرارات التعسفية تحت مسميات الاستملاك والاستبدال أو الاستيلاء أو الاستصلاح وما شابه ذلك من المسميات والوسائل .

وبعد حصول أحداث عام 2003 وعودة المهجرين ومطالبتهم م بإعادة حقوقهم إليهم، ظهرت مشكلة جديدة متمثلة بشاغلي تلك الأملاك وكيفية التصرف بها وكل طرف يدعي انه صاحب الحق على وفق الطروحات التي يتمسك بها، وكثر الحديث عنها وتعددت الندوات حتى صدور الأمر رقم 8 لسنة 2004 الذي أنشئت بموجبه هيئة دعاوى الملكية العراقية وكان النص غير موفق في حينه وذلك لوجود ثغرات فيه ولكن من محاسنه انه انشأ صندوق للتعويض يتم تحويله من قبل الدولة أو الدول المانحة .

لكن ما جاء في تطبيقات الهيئة التي باشرت أعمالها وجدته مغاير تماما عما اطلعت عليه في ذلك الأمر، وبعد أن قرأت اللائحة التنظيمية للأمر 12 لسنة 2004 وجدت أن هذا النص القانوني الذي تعتمده الهيئة أساسا للفصل في النزاعات لم يكن قد وجد لحل النزعات بل أراه لتأسيس خصومات جديدة تزيد من المشكلة التي جاء بها النظام السابق ولي ملاحظات على أحكام النص والهيئة أجمل بعض منها وكما يلي :ـ

1- قد يتصور البعض إن هذا النص وجد لأنصاف الذين هجروا وصودرت أموالهم من قبل النظام السابق، والمتتبع لأحكام هذا النص وتطبيقات الهيئة التي تفصل في المنازعات نجد إن هؤلاء الأشخاص قد ظلموا مرة أخرى على وفق ما يلي :ـ

أ- جاء في أحكام المادة ( من القسم الرابع من اللائحة جاءت بعض التفصيلات التي تتعلق بالأملاك المصادرة والشاغل لها وبعض الأحكام المتعلقة في التحسينات التي أحدثها الشاغل أو الحائز، علما إن الأمر مضى على البعض منهم لمدد أكثر من 35 عاما وهذه المعالجة ألزمت احد الطرفين بتعويض الطرف الآخر وجعلت منهم ورثة للنظام السابق عن مسألة التعويض وألغت مهمة الصندوق الذي سبق وان تم تخصيص مبالغ له من قبل الدول المانحة، فإذا حصل التوجه إلى تعويض المالك الأصلي الزم المشتري بدفع المبلغ وإذا كان التوجيه نحو تعويض المشتري نجده قد الزم المالك الأصلي بذلك، وهذا أراه اعتداء على مظلومية كل الأطراف التي ظلمها النظام السابق .

ب - بعض التطبيقات القضائية الواردة في أحكام الهيئة أشارت إلى منح المشتري الأخير حق إقامة الدعوى أمام المحاكم المدنية للمطالبة بالتعويض عن التحسينات والإضافات التي أحدثها في الملك الأصلي، ولو نظرنا إلى الأثر الذي سيترتب على ذلك سنجده سلبيا على الطرفين، حيث سيضطر المشتري إلى إقامة الدعوى أمام المحاكم المدنية وسيتم وقف تنفيذ القرار الذي قضى بإعادة المال المصادر إلى مالكه الأصلي، وسوف تستمر هذه القضية فترات من طويلة جدا الزمن تضر بالمالك والمشتري في آن واحد، علما إن النص يجيز للهيئة تقدير التعويض المناسب على وفق أحكام اللائحة .

ج- إن الأحكام القانونية العامة التي ستطبقها المحاكم المدنية الاعتيادية في حالة اللجوء إليها سوف تقاطع مع ما جاء في النصوص النافذة التي تعمل بها الهيئة، ومنها نص المادة 1120 من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 التي جاء فيها (( إذا أحدث شخص بناء أو غراس أو منشئات أخرى بمواد من غيره على ارض الغير بزعم سبب شرعي فان كانت قيمة المحدثات قائمة أكثر من قيمة الأرض كان للمحدث أن يتملك الارض بثمن مثلها ... الخ)) . وهذا النص كما أسلفت سوف يتقاطع مع الأحكام النافذة وقد تثور مشكلة السبب الشرعي وهل تكون الشرعية للسبب في وقت الشراء أو في الوقت الحاضر وهذه كلها تثير أسئلة وجدل وخلاف قد يعظم من المشكلة دون أن يحلها .

د- اللجوء إلى القضاء المدني سوف يثير مسألة قيمة التعويض فهل تكون قائمة وقت الإنشاء أم وقت التصرف أم في الوقت الحاضر أو قد تكون مستحقة للقلع وهذه بحد ذاتها أثارت جدلا كبيرا في التطبيقات العامة والمثل على ذلك حين تم تطبيق التعديل الخاص بقانون الإيجار حول العقارات المعدة للأغراض غير السكنية .

2 - الأمر الآخر هو حالات الاستيلاء أو الاستملاك فقد سار النظام السابق على آلية قانونية لتحقيق أغراض ومنافع شخصية فقد كان يستملك الأراضي تحت مسميات النفع العام والصالح العام ولكن في الحقيقة أما لدواعي أمنية لحماية مقراته أو لمنافع أركان نظامه الشخصية، وليس للمواطن أي حول ولا قوة في حينه، وعندما صدر الأمر المتعلق بهذه الهيئة استبشر الناس خبرا، لكن عند التطبيق قد خابت الآمال حينما اعتبر مجرد الاستملاك هو سند صحيح وشرعي ولا يجوز إعادته إلى أصحابه، وهذا يثير الجدل حول مفهوم استحضار روح النص بدلا من التمسك بالشكلية، فأي مصلحة عامة حينما تصادر ارض زراعية لتخصص منفعة احد أركان النظام السابق أو ما هي المصلحة حينما تسلب ملكية ارض لدواعي أمنية لأنها تجاور احد القصور الرئاسية أو دور المسئولين الكبار، وحيث أن النص ترك الأمر للاجتهاد ولم يحدد الحالات بالنص المباشر، مما خلق حالة من عدم الاطمئنان لدى الكثير من المواطنين وقد لمسنا ذلك في الشكاوى التي طرحت في وسائل الأعلام، ونراه اجتهاد غير صائب توجب إعادة النظر فيه .

ولذلك ومما تقدم أرى إن التطبيقات في قرارات هيئة دعاوى الملكية كانت قاصرة عن مواكبة الظرف الذي يمر به العراق وقد زادت من سوء الحال، الذي عظمه وجود هذه الأحكام القانونية التي تشوبها نواقص الخلل والعيب الجوهري والشكلي .

لذا أرى أن يعاد النظر في الأحكام القانونية وإعادة صياغة القانون بروح عراقية تحفظ الحقوق لكل الأطراف وان لا تزيد مظلومية من ظلم أو تظلم طرف آخر، حيث إن العبرة من هذه الأحكام هو لرفع الحيف عن العراقي الذي ظلمه النظام السابق، فهل يجوز أن نعالج خطأ بخطأ آخر أو بخلق مشكلة أخرى وان بعض القرارت المتعلقة بالسكن تحدد مصير عوائل وليس أفراد وتكون جسامتها بجسامة قرار الإعدام، لذا علينا أن نعيد النظر في النص .

شبكة النبأ المعلوماتية - الاثنين 13/ حزيران/2005 - 6/ جمادى الأولى/1426