[newsday.htm] 
 
 
 

 

ندوة ثقافة التسامح في الكويت : الاختلاف أمر طبيعي.. لا للدولة الدينية.. نعم للمدنية

شدد متحدثون من مختلف الطوائف الاسلامية والديانات في ندوة التسامح التي نظمتها حركة التوافق الاسلامي في مكتبة الرسول الاعظم على ضرورة نبذ التطرف والعنف بين الطوائف والاديان المختلفة والتطلع الى الاخوة في الله والتسامح وتقبل الآخر.

واظهرت الندوة التي اقيمت بمكتبة الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم وجود تباين واختلاف في وجهات النظر بين التوجهات الاسلامية والمسيحية من حيث اقامة الدولة العادلة والشاملة، هل هي الدولة الدينية ام الدولة المدنية ؟!، كما كان هناك تباين في وجهات النظر حول مبدأ التسامح في الفقه الشيعي والسني وكذلك المسيحي.

ولكن المشاركين في ندوة «ثقافة التسامح» والتي عقدت تحت عنوان «مفهوم التسامح واثره في الرقي بالعلاقات الانسانية بين الاديان» وهم الشيخ رجب علي رجب ووزير الاعلام الاسبق د. سعد بن طفلة والقس د. انسي انيس يونان والذي شارك نيابة عن القس عمانويل الغريب وبحضور سماحة السيد محمد باقر المهري والنائب صالح عاشور وعدد من الاكاديميين والشخصيات والحضور من الرجال والنساء اكدوا على المبادىء والقيم التي تخص اصول التسامح وعلاقتها بالبشرية جمعاء دون تفرقة بين دين او لغة او جنس او لون.

التسامح غاية

في البداية اكد امين عام حركة التوافق زهير المحميد على ان التسامح لغة متعارف عليها في جميع الاديان والمذاهب وبين جميع الشعوب والمجتمعات ويتطلب ذلك غرس هذه الكلمة في كافة افراد المجتمع لمكافحة تفشي التعصب بكافة اشكاله ورفع الحواجز المصطنعة بين شرائح المجتمع الواحد.

واضاف بان الله تعالى ارسل الانبياء والرسل لرقي الانسانية وسعادتها في الدنيا والاخرة، اضافة الي نشر ثقافة التسامح والتعايش السلمي من اجل التكامل والرفاهية وسعادة الانسانية..

واوضح المحميد الاختلاف بالرأي امر طبيعي ولكن يتطلب التقنين وقبول الطرف الاخر عدم التناحر وتحويل الاختلاف الى خلاف شخصي ومن هنا يظهر جليا اسس ثقافة التسامح والعمل بالمشتركات وتهذيب الاختلاف والتي تعتمد على المنطق المتعدد في التعامل وعلى مبدأ الحوار الهادىء والهادف والتركيز على المحاور المشتركة ويحكم مما يلي الزمان والمكان في تحليل وفهم الامور وضمان الانسياب الحر للافكار وتنميتها لضمان الابداع والتجديد واحترام اراء الغير ضمن المصير والتعايش المشترك وعدم تبني نهج الغاء الطرف الاخر.

وقال الشيخ رجب علي مدير مكتبة الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم انه من المؤسف ان نجتمع بعد قرون عدة من نزول الكتب السماوية والانبياء والرسل لنبين سماحة هذه الاديان السماوية، موضحا بان هذا الامر بدأ جليا وواضحا بانه ولد في هذا العصر وسط التقدم العلمي والتكنولوجي مع العلم بان الاديان مصدرها واحد ولا فرق بين مناهجها حيث ان السمة المشتركة بين الاديان هي التوحيد لذا يتطلب ايجاد الطرق الكفيلة والسبل للوصول الى الرقي بهذه الاديان.

واشار الشيخ رجب الى التطرف الفكري والديني والطائفي الذي بدأ ينتشر في الاونة الاخيرة وخاصة بعد احداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الامريكية، حيث تغيرت وجهات النظر وتغيير البرجين الى دولتين!! ولهذا السبب كان من واجب اولي الامر محاسبة هؤلاء وهذه النوعية وليس الاديان، لان الفكر الاسلامي معروف بتكامله وتسامحه وعلو شأنه ولكن هناك من لا يميز بين الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن نصب نفسه حكما على المبادىء والقيم الدينية وهي براء منه وتصرف تصرفات خاطئة.

ومن هنا فلا يجب زج الخلل بالمناهج الاسلامية او الدين المسيحي او اليهودي، بل الخلل في النفس البشرية التي تقوم بدعم التجاوز ومشاركة بعض الحكومات لهذا التجاوز حيث تقوم باعطاء زمام الامور لفئة معينة وتلغي فئات اخرى هذا ما حدث في السابق من تسميات مثل «شعب الله المختار» وظهور القوميات السياسية وغيها لتقوية مواقف الحكومة، كما ان الفضائيات ووسائل الاعلام ايضا تتحمل مسؤولية هذا الخلل لنشرها الاحداث السلبية بل وايجاد الوسيلة لتضخيم ذلك الحدث.

واكد الشيخ رجب ان التوحيد سمة جميع الاديان السماوية، مشيرا الى ان الاختلاف الذي حصل لا دخل للاديان به، وهو من صنع البشر خاصة فيما يتعلق بالمجازر والمذابح التي حصلت للمسلمين واليهود والنصارى والارمن، لافتا الى ان السبب الرئيسي يعود لطمع الانسانية واتجاه الانسان للاخذ بزمام كل شيء.

واوضح ان الاسلام كرم الانسان، وبوأه مكانة عُليا، والعيب ليس في الاسلام او الدين، انما في فكر الانسان وعدم حبه الخير إلا لنفسه، فضلا عن رفض الرأي الآخر وعدم الاخذ به او احترامه، مشيرا الى ان رسول الله لم يفرق بين المسلم وغير المسلم، وكان يحترم انسانية الانسان بغض النظر عن ديانته، منوها الى ان الاتفاق امر مستحيل بين جميع البشر سواء بالاسلوب او بالرأي او بالعمل، لذلك من الواجب على كل انسان الاخذ بمبدأ التسامح وعدم الغاء الآخر، مؤكدا انه لو لم يكن الاختلاف لما حصل التطور والتقدم في المناهج والكتب والعلوم، ليس ذلك فحسب بل ان تقدم الانسانية سببه الاختلاف.

وقال الشيخ رجب ان ابرز المآخذ السلبية على المسلمين تتمثل في انهم متطرفون ويلغون الآخرين، واصبح تطرفهم واضحا بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، التي ساهمت في تشويه صورتهم، لذلك قامت قائمة اميركا واستبدلت دولتين ببرجيها اللذين دمرا فدمرتهما انتقاما.

مشيرا الى ان المطلوب محاسبة الناس وليس المناهج الاسلامية او الاديان او الدين الاسلامي، مشيرا الى ان فئة المتطرفين الذين قاموا باحداث الحادي عشر من سبتمبر فهموا الدين بالخطأ ووضع البعض نفسه حكما وبدأ يكفر الناس على حسب فهمه للدين وما يريد.

واوضح الشيخ رجب ان هناك طرقا كثيرة لارشاد الناس نحو الاسلام غير التطرف، كما قال القرآن في احدى آياته «..انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر» ومن خلال الموعظة الحسنة، وبالتي هي احسن كما قال الله في محكم كتابه، وليس بالسلاح والغاء او انهاء الآخر من خلال التطرف والسلاح، مؤكدا ان الخلل الرئيسي يكمن في النفس البشرية، وليس الاديان، وان الحكومات تشارك بصورة كبيرة في هذا التطرف، من خلال منحها زمام الامور لفئة معينة دون غيرها مما يؤدي للتطرف والعنف والغاء الآخر، مطالبا بالعودة لمبدأ التسامح وحب الخير للانسانية والتجمع تحت شعار الاخوة في الله.

واختتم الشيخ رجب حديثه بان الاديان والمناهج بريئة وكذلك العقلاء بريئون ولكن هناك من لم يفهموا الاسلام بصورة جيدة واستغلوا الاسلام من اجل مصالح سياسية.

من جهته، اعتبر د. سعد بن طفله قضية التقارب والتسامح بين الاديان احدى القضايا المهمة في العالم، خاصة فيما يتعلق بتقبل الطرف الآخر. ومحبته في الله بعيدا عن التطرف والعنف، مشيرا الى ان التنوع والاختلاف جزء من بقاء الاشياء، وان التنوع في الاديان مسألة سرمدية وحتى الآيات القرآنية تدعو لهذا الامر، لذلك جاءت ارادة الله لتفرض علينا ان نتنوع ونختلف.

وقال ان من يريد ان يكون جميع الناس طائفة واحدة فانه يريد ما لم يرده الله، لذلك ليس لاي انسان على وجه الارض سلطة ليجبر الناس على عبادة الله بطريقة معينة بل كل انسان له الحرية في عبادة خالقه كما يريد..

وانتقد بن طفله ما يسمى بالدولة الدينية، حيث اكد انه لا يمكن ان يكون هناك تسامح او تعايش في الدولة الدينية، سواء كانت هذه الدولة ترفع الشعارات الاسلامية او اليهودية او النصرانية او اي ديانة اخرى، لذلك يجب ان نتطلع وننشد الدولة المدنية التي تساوي الانسان بالحقوق والواجبات، ولا تميز بين فئة دون الاخرى، موضحا انه في التاريخ لا يوجد دولة تعايشت بها كل الاديان سواسية، لذلك لا يمكن ان يحدث اي تعايش في ظل الدولة الدينية.

واضاف ان الخلل ليس وليد اليوم انما منذ قرون وعصور طويلة شابها الصراع، حيث لم توجد دولة بالتاريخ تعايشت فيها الأديان وعاش الناس فيها سواسية بغض النظر عن طوائفهم او جنسياتهم او دياناتهم، موضحا ان الدول الحالية ما هي الا دول تدعي انها دينية ولا تفعل بما يأمر به الدين.

واوضح د.سعد بن طفلة انه يجب ادراك اهمية التنوع في حياة الانسان من اجل ايجاد نوع من الاختلاف الموجود في الحياة بين كافة الموجودات المخلوقة والصنوعة، مع وجود متطرفين من كافة الاديان والمذاهب، وما يجري الان في العراق هو نتاج ذلك التطرف، مع ان التنوع هو نوع من التسامح في الاديان وهو مسألة ربانية سرمدية من اجل الحرية بالتمسك بجوهر الدين بتعاليمه المختلفة.

وان الاختلاف هو ارادة الله سبحانه وتعالى لاعطاء البشر حرية الاختيار الذي لا يتقيد بذلك يكون ضد ارادة الله تعالى.

ولا يمكن القول ان الخلل في تفسير القرآن والنهج الاسلامي، مع ان هناك قصصا واحداثا وومضات في القرآن الكريم تتحدث عن البشرية كما ان الخلل ليس بالدولة الدينية او المدنية او دولة الاية النقية ولكن الخلل في عدم وجود التسامح واكبر دليل ما هو موجود في المادة 29 من الدستور الكويتي ان الجميع متساوون في الكرامة الانسانية يتساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين.

موضحا، حتى دولة الكنيسة في السابق كان بها التمييز بين الناس وادى ذلك الى التناحر الذي لا يزال حتى يومنا هذا بين الكاثوليك والبروتستانت وكذلك انتقلت العدوى الى السنة والشيعة الذين يسعون لتشكيل دولة دينية ـ ولكن هذا بعيد عن التسامح لان الدين الاسلامي يعتمد ويحث على التعايش والتآلف والتآخي وليس على التناحر والصراع.

واشار الى ان الدولة الدينية مهمة ولكن هناك من يرفع شعارات مخالفة لوجود انفصام في شخصية المسؤولين في هذه الدولة، لذا فإن الدولة المدنية هي الاعم والاشمل حيث انها حافظت على المساواة والعدالة والسلم الاجتماعي، واكبر دليل هو ما يحدث حاليا في العراق ـ فإنه ان لم يدرك العراقيون الحقيقة وتجنب الدولة الدينية سيستمر زهق الارواح ونزيف الدماء والاعتداء على المساجد والحسينيات والكنائس، ولا مجال لدولة دينية او دولة ولاية الفقيه في ظل هذه المجتمعات والتفكير العقيم.

وختم قائلاً: ان الحل الامثل للتسامح يكون بالدول المدنية لا الدينية وانه لا مناص للعراقيين الا بوجود الدولة المدنية، وان من يريد انشاء دولة الفقيه في الكويت او غيرها فهؤلاء اشخاص لا ينشدون التسامح ولا التوافق.

من جهته اكد القس انيس يونان من الكنيسة الانجيلية في الكويت ان التعبد الى الله يقرب للآخر، وان الاساس اللاهوتي للمسيحيين هو المساواة بين كل الناس وتقبل الرأي الآخر، وعدم التفرقة او العنصرية بين جميع الطوائف مطالبا الجميع بالعمل بمبدأ الانسانية التي هي صنع الله المتميز.

واشار الى ان السيد المسيح طالب بضرورة ان يشيع التسامح والاخوة جميع افراد الانسانية، حيث قال ان الله يشرق شمسه الى الاشرار والصالحين والابرار والظالمين، وكل يؤاخذ بعمله، لذلك كان دائما ينادي بضرورة عدم معاملة الناس بالسلبية ومقابلة الخطأ بالاحسان، لافتا الى ان مبدأ التسامح بالمسيحية يوجد بكل عمل وهو مرتبط بالوداعة وليس بالضعف كما يدعي البعض. وشدد على ضرورة التقارب بين الاديان وتقبل الرأي الآخر حتى لو كان مخالفا،والعمل على حب الناس بغض النظر عن دياناتهم وجنسياتهم وطوائفهم، ووجوب التسامح معهم بصدق لانهم صنع الله.

شبكة النبأ المعلوماتية - الأحد 12/ حزيران/2005 - 5/ جمادى الأولى/1426