[newsday.htm] 
 
 
 

 

الأميركيون يقرأون ملايين الكتب سنويا لمساعدة انفسهم

 

إذا تأملنا في عناوين بعض الكتب التي تصدر في الولايات المتحدة نجد أنها تنبئ بمحتواها: مثل "كن من الكاظمين للغيظ" أو سبع عادات تتميز بها الشخصيات المؤثرة جدا، الثورة التي أثارها النظام الغذائي (حمية) لأتكينز.

بينما لا تكون بعض العناوين الأخرى على نفس هذا القدر من المباشَرة، لكنها تنجح في نقل القدرة على استشعار محتواها مثل: حساء لتغذية الروح، أو أيقظ المارد الكامن داخلك، أو لا تكدح من أجل الأشياء الصغيرة.

وربما تبالغ بعض عناوين الكتب في إثارة التفاؤل، مثل حياة بلا حدود، أو حقق أحلامك، أو اجعل نفسك سعيدا.

وربما يكون قارئ هذا الموضوع قد أدرك من النماذج التي ذكرناها أن عناوين الكتب هذه تنتمي إلى نوعية الكتب التي تساعد الإنسان على أن يساعد نفسه، والتي تحظى بشعبية كبيرة في الولايات المتحدة. والعديد من تلك الكتب تمت ترجمتها إلى لغات أخرى، والعديد منها حظي بشعبية كبيرة في العالم وربما في إيران بصفة خاصة. ورغم وجود اختلاف وتنوع بين تلك الكتب فإن هناك الكثير من العوامل المشتركة التي تجمع بينها، فجميعها تقدم نفسها بأسلوب متفائل؛ وهي تتحدث إلى القارئ مباشرة بلغة سهلة واضحة؛ وأنها تحتوي ضمنا قدرة على مساعدة القارئ على أن يحيا حياة كاملة.

وفي كل عام يشتري الأميركيون ملايين الكتب من أجل أن يصبحوا أكثر نحافة، أو أكثر هدوءا، أو أكثر ذكاء، أو أكثر ثراء، أو أكثر جاذبية. وقد يكون أبرز مؤلفي هذه النوعية من الكتب قد اكتسبوا شهرة عريضة لا ينافسهم فيها سوى كبار نجوم السينما أو الرياضة. ومن بين هؤلاء فيل ماكغرو وهو مؤلف عدة كتب تحفز الإنسان على مساعدة ذاته، ومن ضمنها كتاب يعتبر حاليا من أكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة وهو بعنوان أهمية الذات، ويقوم مؤلف الكتاب أيضا بتقديم برنامج تليفزيوني يحظى بشعبية كبيرة كذلك. والكاتبة لورا شليزنغر مؤلفة كتاب عنوانه الرعاية والغذاء المناسب للأزواج، استفادت من شعبيتها في مجال الكتب لتحقيق نجاح مشابه عبر وسائل إعلام متعددة الوسائط. أما الكاتب أنتوني روبينز مؤلف عدة كتب لمساعدة الذات من ضمنها كتاباْ: أيقظ المارد الكامن بداخلك ، وقوة مطلقة، فقد اكتسب شعبية ضخمة في مناطق متفرقة من العالم.

وتعتبر هذه النوعية من الكتب التي ترمي إلى نصح القارئ بكيفية تحسين أوضاعه جزءا لا يتجزأ من ملامح الثقافة الأميركية منذ تأسيس الدولة. وهناك قسم خاص بأفضل الكتب من حيث المبيعات تصدره صحيفة نيويورك تايمز مرة كل أسبوع، وتوجد في هذا القسم قائمة خاصة بعناوين الكتب التي تساعد على تحسين الذات. ولو أن تلك القائمة كانت موجودة منذ فجر الاستقلال الأميركي لكان الكتاب الموسوعي لبنيامين فرانكلين المسمى ألماناك قد حظي بالمرتبة الأولى في القائمة. فقد نجح الكتاب في تحقيق توازن بين النصائح العملية والبلاغة اللفظية في صياغة النصيحة، وأصبحت نصائح كثيرة من التي ضمها الكتاب مواضيع يدور حولها العديد من الكتب التي تتحدث عن كيفية مساعدة الذات في الوقت الراهن.

وبالطبع فإن فكرة أن القارئ ممكن أن يجد في الكتب الوسائل التي يمكن أن يحسن بها بها ذاته تعود إلى زمن أبعد من تأسيس الجمهورية الأميركية. فأبواب المكتبة الكبيرة في مدينة طيبة المصرية القديمة مكتوب عليها عبارة "مكان شفاء الروح."

وكذلك فإن شعبية الكتب التي تدور حول مساعدة الذات لا تقتصر على الولايات المتحدة وحدها. وفي الواقع فإن كل دولة لديها لغة مكتوبة توجد فيها كتب عن مساعدة الذات كتبها مؤلفون محليون أو تُرجمت عن كتب أجنبية. وذكرت صحيفة بيكين تايمز أن محلات بيع الكتب الصينية تغص بالكتب التي تدور حول التوعية بالذات وتبحث في الموضوعات المتعلقة بسوء الحظ والخسائر، خاصة منذ انتشار وباء الالتهاب الرئوي الحاد الذي يعرف اختصارا باسم سارز.

والكتاب الشهير للمؤلفة فاطمة المرنيسي حول قضايا المرأة وجد شعبية كبيرة في دول تبعد كثيرا عن بلدها الأصلي المغرب. وحتى رئيس وزراء بريطانيا توني بلير دخل هذا المجال بكتابه المعنون: كيف تتعامل مع المشاكل: على طريقة توني بلير.

وفي الآونة الأخيرة كان إقبال الإيرانيين على الكتب التي تتحدث عن مساعدة الذات بصورة يندر وجودها في أي مكان آخر. وطبقا لما جاء في مقال نشرته صحيفة بيتسبرغ غازيت من مكتبها في طهران فإن "الكتب التي تدور حول مساعدة الذات هي أكثر الكتب رواجا في محلات بيع الكتب المزدحمة على امتداد حرم جامعة طهران." فمن أين تأتي هذه الكتب ؟ الإجابة تقدمها الصحيفة في مقالها مستشهدة بما قاله أحد العاملين بمحلات بيع الكتب، حين قال: "هناك مؤلفون إيرانيون لهم شعبية، لكن أكثر المؤلفين الأجانب شعبية هو أنتوني روبينز.

وفي المقال الذي كتبه فتحلي مقدم ونشرته مجلة سيكولوجي توداي الشهرية ذكر كاتب المقال أن الكتب التي تدور حول مساعدة الذات وخاصة تلك التي تتناول كيفية تحسين العلاقة بين الرجل والمرأة هي جزء لا ينفصل عن الإسلام."

ومع ذلك فإن هناك أيضا نكهة أميركية خاصة تضاف إلى الأدب الذي يتحدث عن مساعدة الذات النابع من الشخصية القومية الأميركية، ويعكس صرامة الفردية التي تتميز بها الشخصية الأميركية.

والموجة الراهنة لأفضل الكتب مبيعا بدأت بكتاب ديل كارنيغي كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، والكتاب صدر في أواخر الأربعينات. وآخرون يقولون إن بداية الانتشار الواسع النطاق لتلك النوعية من الكتب بدأت في أواخر الستينات وأوائل السبعينات مع صدور كتب مثل كتاب الألعاب التي يمارسها الناس، وأنا بخير، وأنت بخير، التي صدرت في وقت حفل بفورة اقتصادية وسياسية كبيرة، حينما كان الأميركيون يختبرون مؤسساتهم ويسائلونها ويقدرون الريادة الشخصية.

ورغم أن الكتب التي تدور حول مساعدة الذات مثلت هدفا سهلا -- خلال السنوات التي أعقبت صدورها- للمتشائمين والساخرين ، فإن نغمة التفاؤل والتواضع التي أثارتها وتركيزها على سبل تعزيز الذات حظيت بتقبل ممتاز وعلى نطاق واسع، ويعود ذلك بصورة جزئية إلى أنها تقدم النصح وتثير الحماس وتمنح الحوافز أمام كم متنوع من التحديات التي تواجه الناس، ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل في جميع أنحاء العالم. فبض تلك الكتب تشرح كيفية التغلب على الاكتئاب أو الوحدة أو زيادة الوزن. والبعض الآخر يقدم النصح للآباء والأمهات عن كيفية تكوين أسر أقوى، وتلك التي تنصح المعلمين بالسبل التي تجعل فصولهم الدراسية أكثر إنتاجية، وأخرى تنصح الفتيات بكيفية مواجهة التحديات في سنوات الأنوثة الصغيرة، وتقدم النصح للفتيان عن كيفية كسر شوكة زميل الدراسة المستأسد على الفصل كله. وهناك كتب عديدة تشير إلى كيفية التعامل مع الأوضاع المالية وكيفية التصرف فيها أو كيفية أن تصبح العلاقة الزوجية أقوى. وهناك قلة نادرة من تلك الكتب التي تتحدث عن العقيدة بصراحة، لكن معظمها تحتوي على عناصر روحانية قوية.

ويوجد مقال آخر في مجلة سيكولوجي توداي أشار إلى أن هناك كتبا عن كيفية مساعدة الذات ما زالت تحت الطبع في الولايات المتحدة يفوق عددها كتب تعليم الطهو. ورغم تحذير المقال من أن بعض تلك الكتب تبالغ في تبسيط المشاكل المعقدة وتقدم وعودا غير واقعية بأن القارئ سيجد بسهولة حلولا للتحديات الخطيرة، إلا أن المقال يعترف في الوقت نفسه بأن العديد من تلك الكتب يمكن أن تساعد الناس على اكتساب المهارات والحوافز التي يمكن أن ينتج عنها تغيير إيجابي.

شبكة النبأ المعلوماتية - الأحد 12/ حزيران/2005 - 5/ جمادى الأولى/1426