ايران في العراق.. صراع النفوذ لترتيب موازين القوى

 

شبكة النبأ: منذ عام 2003 لم تترد ايران في لعب دور بارز في التدخل في شؤون العراق الداخلية، خصوصا وانها كانت تتخوف من نوايا الولايات المتحدة الامريكية في غزوها للعراق، وان وصول الولايات المتحدة الامريكية قريبا من خاصرة ايران كان يعني انها ستكون الهدف التالي لضربة محتملة قد تحاول اسقاط النظام في ايران او تدمير مشروعها النووي الطموح والمثير للجدل في الغرب، وساهمت دور ايران في دعم بعض الفصائل الاسلامية والاحزاب السياسية في العراق، في تعجيل خروج الولايات المتحدة الامريكية من العراق بنهاية عام 2011، واكد مراقبين ان دور ايران في العراق خلال وبعد خروج الولايات المتحدة تطور بشكل كبير، حيث اكد بعضهم انه وصل الى نسبة 60% مقابل 30% للولايات المتحدة الامريكية، بحسب محللين، وهو امر ازعج الولايات المتحدة الامريكية كثيرا، خصوصا مع المقاومة الكبيرة التي جابهتها على مستوى العمليات العسكرية، اضافة الى المقاومة السياسية التي رفضت التجديد او ابقاء القوات الامريكية في العراق.

لكن مع تطور الاوضاع الامنية الاخيرة، والتي ادت الى تقدم ما يعرف بتنظيم (الدولة الاسلامية/ داعش) وسيطرته على مساحات واسعة من العراق، اضافة الى سوريا، شكلت على اثرها الولايات المتحدة الامريكية تحالفا دوليا ضم عشرات الدول الغربية والعربية لضرب معاقل التنظيم في كلا البلدين عن طريق الضربات الجوية المركزة، وتوسعت اعمال التحالف (وبالأخص عمل الولايات المتحدة الامريكية)، ليشمل ارسال الالاف المستشارين من القوات العسكرية الامريكية، اضافة الى التسليح والتدريب وطائرات التجسس وغيرها، الامر الذي اعاد الى الاذهان الصراع الخفي بين الطرفين لانتزاع مناطق النفوذ داخل العراق عسكريا وسياسيا، سيما وان ايران اعلنت منذ البداية عن رفضها لهذا التحالف، متهمتها اياه بالضبابية والنوايا الخفية، وهو امر يعكس قلق ايران من نوايا الولايات المتحدة الامريكية في العراق، ويرى مراقبين، ان دخول ايران في حرب العراق ضد داعش، وارسال كبار قياداتها (امثال سليماني)، اضافة الى مقاتلين من النخبة (فيلق القدس) من اجل الاشراف الميداني على العمليات العسكرية، ومساهمتها الفاعلة في تسليح الاكراد، والضربات الجوية التي قامت بها، وكشفت عنها الولايات المتحدة الامريكية مؤخرا، هو امر واضح لإعادة تقييم موقفها واعادة توازن النفوذ الى مكانة، فيما ترى الولايات المتحدة ان ما قامت به ايران من مساهمات ميدانية يصب في مصلحة الولايات المتحدة.

تعايش حذر

في سياق متصل وعلى الرغم من الصراع الشرس بين الولايات المتحدة وايران بسبب العراق خلال سنوات الاحتلال الأمريكي إلا أنهما اتجهتا فجأة فيما يبدو للعمل معا بينما تواجهان ما تعتبرانه عدوا مشتركا ألا وهو تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد، وتعتبر الضربات الجوية التي نفذتها إيران داخل العراق في الأيام القليلة الماضية أحدث مظاهر الدور الأقوى الذي تلعبه طهران في حرب بغداد ضد المتشددين، وفي عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن كانت التحركات من هذا النوع ستواجه بالتنديد باعتبارها تدخلا، لكن ليس الآن، وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري "أعتقد أنه إذا كانت ايران تستهدف تنظيم الدولة الإسلامية في أماكن معينة ويقتصر دورها على استهداف تنظيم الدولة الإسلامية وهو أمر مؤثر وسيكون مؤثرا، فإن المحصلة النهائية إيجابية".

هذا التغيير في لهجة الولايات المتحدة جدير بالملاحظة في العلاقة التي اتسمت بالعداء الشديد منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ويأتي هذا في خضم الاتصالات المكثفة بين الولايات المتحدة وايران منذ سنوات بينما تحاول واشنطن والقوى العالمية الأخرى إقناع طهران بالحد من أنشطة برنامجها النووي الذي تشتبه أن له أبعادا عسكرية، كما يأتي بينما تستعد واشنطن وطهران لصراع طويل في العراق، ويذهب مسؤولون أمريكيون الى ما هو أبعد من قبول الضربات الجوية الإيرانية ويشيدون بطهران لما يقولون إنه دور مهم في المساعدة في وقف تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في يونيو حزيران من خلال تعبئة الميليشيات الشيعية العراقية بعد أن سيطر التنظيم على مدينة الموصل وأصبحت بغداد مهددة، ويختلف هذا كليا عما كان يحدث في ذروة الاحتلال الأمريكي للعراق حين اتهم مسؤولون أمريكيون تلك الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بأنها تقتل وتصيب القوات الأمريكية. بحسب رويترز.

ولايزال الكثير من الغموض يحيط بالضربات الجوية الإيرانية، ولم يؤكد كيري تنفيذ الضربات وتنفي إيران ضرب أهداف في العراق واكتفت بالقول إن طهران لا تقدم سوى استشارات عسكرية للحكومة العراقية في معركتها ضد التنظيم، لكن عدة مسؤولين أمريكيين أكدوا الضربات الجوية التي نفذت في الأيام القليلة الماضية وتقتصر على منطقة محدودة على ما يبدو في شرق العراق وقالوا إنها الأولى من نوعها، وقال مصدر من جهاز الأمن القومي الأمريكي طلب عدم نشر اسمه إن الضربات التي نفذتها طائرات من طراز فانتوم إف 4 والتي صنعت في الولايات المتحدة في السبعينات أقلعت من قواعد إيرانية، وأحجم الجيش الأمريكي عن إصدار أي حكم على الضربات الجوية الإيرانية واكتفى بالتحذير من إشعال التوتر الطائفي في العراق، وقال مسؤولون أمريكيون في أحاديث خاصة إن إرسال إيران طائرات حلقت فوق محافظة ديالى العراقية لا يثير قلقا داخل الحكومة الأمريكية، وتمارس إيران نفوذا داخل العراق الذي يقود الشيعة حكومته، ويشمل هذا النفوذ النشاط العسكري.

وقال مسؤول أمريكي طلب عدم نشر اسمه "نعي هذا جيدا" معترفا بأن من غير الواقعي الاعتقاد بأن ايران ستتخذ موقفا سلبيا من الاضطرابات في العراق، وقال مسؤول ثان صراحة "هذه ليست مفاجأة، ليس سرا أن إيران كان لها عتاد وموارد وأنشطة عسكرية داخل العراق"، وأشار مسؤول الى أن الولايات المتحدة تعلم جيدا بأمر طائرات التجسس التي كانت تحلق فوق الأراضي العراقية، كما أن مقاتلي الميليشيات المدعومة من ايران في العراق بين أقوى المقاتلين مرهوبي الجانب هناك، وكان قد نشر فيما سبق تقريرا عن وجود مستشارين عسكريين من فيلق القدس داخل العراق، وفيلق القدس هو جناح الحرس الثوري الايراني المسؤول عن العمليات خارج ايران والذي يشرف على الميليشيات العراقية، ويثير تزامن الأنشطة العسكرية الأمريكية مع أنشطة إيرانية مماثلة في العراق عددا من التساؤلات فيما تتجه الولايات المتحدة لزيادة أعداد قواتها هناك الى المثلين وتستعد لتكثيف ضرباتها الجوية حين تكون القوات العراقية جاهزة لشن حملة كبيرة على تنظيم الدولة الإسلامية، لكن مسؤولين يشيرون الى أن المواقع التي تمارس فيها ايران أنشطتها تختلف عن تلك التي تنفذ فيها الولايات المتحدة ضرباتها الجوية او يتواجد بها مستشارون عسكريون، وقال مسؤول أمريكي "لا ننسق مع الجيش الإيراني قبل او اثناء او بعد أنشطته العسكرية".

ايران تعترف بتدخلها

بدورها ذكرت صحيفة جارديان البريطانية أن مسؤولا إيرانيا كبيرا أكد أن بلاده شنت غارات جوية في العراق استهدفت مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية بناء على طلب السلطات العراقية، ونقلت الصحيفة عن ابراهيم رحيم بور نائب وزير الخارجية الإيراني قوله إن الضربات لم تكن بالتنسيق مع الولايات المتحدة التي تشن حملة جوية أيضا على التنظيم المتشدد الذي بسط سيطرته على أجزاء كبيرة من شمال وغرب العراق، ونقلت الصحيفة عن رحيم بور قوله في مقابلة معه في لندن أن الغرض من الغارات كان "الدفاع عن مصالح أصدقائنا في العراق"، وتابع "لم يكن لدينا أي تنسيق مع الأمريكيين، نسقنا فقط مع الحكومة العراقية، بشكل عام أي عملية عسكرية لمساعدة الحكومة العراقية تجري بناء على طلبها"، وهذه هي المرة الأولى التي يؤكد فيها مسؤول إيراني مشاركة بلاده في الغارات الجوية بمحافظة ديالى العراقية على الحدود مع إيران في أواخر نوفمبر تشرين الثاني، وكان مسؤول إيراني نفى شن إيران أي غارات من هذا النوع. بحسب رويترز.

وتعيش في ديالى أعراق مختلفة وكان الجيش العراقي نجح بدعم من قوات البشمركة الكردية والميليشيات الشيعية في طرد مقاتلي الدولة الإسلامية من عدة بلدات وقرى في المحافظة، وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إنه ليس لديه علم بأي غارات جوية إيرانية، وقال وزير المالية العراقي هوشيار زيباري في مؤتمر أمني بالبحرين إن الأمر غير مؤكد بنسبة مئة في المئة، وكانت الأضواء سلطت على مشاركة إيران للمرة الأولى في لقطات صورتها قناة الجزيرة التلفزيونية الفضائية وبدت فيها طائرة من طراز فانتوم اف-4 وهي تقصف مواقع للدولة الإسلامية في ديالى، وقال خبراء في الدفاع إن إيران وتركيا هما الدولتان الوحيدتان في المنطقة اللتان يحلقان بهذا النوع من الطائرات وإن تركيا متحفظة في الهجوم على التنظيم المتشدد، ونقلت جارديان عن رحيم بور قوله "لن نسمح للأوضاع في العراق بالتردي إلى مستوى ما يحدث في سوريا وتسبب فيه اللاعبون الأجانب" في إشارة إلى الصراع السوري الممتد منذ ثلاث سنوات حيث تدعم إيران الرئيس السوري بشار الأسد في مواجهة مقاتلي المعارضة ومن بينهم تنظيم الدولة الإسلامية، وأضافت "وبالطبع فإن مساعدتنا (للعراق) أقوى من مساعدتنا لسوريا لأنها أقرب إلينا"، وقال رحيم بور إن إيران تساعد أيضا القوات الكردية في شمال العراق لكنه كرر نفي طهران وجود أي قوات برية إيرانية في العراق، وأضاف "إنه وجود استشاري فحسب، لا حاجة لارسال قوات إيرانية إلى العراق فهناك ما يكفي من القوات العراقية والكردية هناك".

قائد فيلق القدس

من جانب اخر ذكرت قناة "المنار" التابعة لـ حزب الله اللبناني في تقرير نشرته على موقعها أن قائد "فيلق القدس الإيراني" الجنرال قاسم سليماني قاد شخصيا معارك ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق برفقة خبراء عسكريين إيرانيين ولبنانيين، وقالت القناة في تقرير عنوانه "بغداد، يوم حطت طائرة سليماني"، إن الجنرال الإيراني الذي نادرا ما يظهر في العلن، وصل إلى بغداد في طائرة خاصة بعد ساعات قليلة من سقوط مدينة الموصل في أيدي تنظيم "الدولة الإسلامية" في العاشر من حزيران/يونيو، وأضافت نقلا عن "مصادر مطلعة مواكبة لما شهده الميدان العراقي" أن سليماني كان برفقة "خبراء عسكريين إيرانيين، إضافة إلى خبراء لبنانيين"، وذكر التقرير أن سليماني وضع مع مسؤولين عراقيين خطة لمواجهة خطر تنظيم "الدولة الإسلامية"، تقضي أولا بتأمين بغداد و"تثبيت" حزامها، خشية أن يعمد مقاتلو التنظيم، الذي سيطر إثر هجومه الساحق على مساحات واسعة من شمال العراق، إلى التقدم نحو العاصمة، ونقل التقرير عن مقاتلين عراقيين قولهم إن سليماني هو من أعطى أمر تحرير طريق سامراء بغداد في حزيران/يونيو وأنه "انضم شخصيا إلى الآليات التي انطلقت لتحرير الطريق"، كما أنه كان حاضرا في "أهم المعارك جنبا إلى جنب مع المقاتلين، يخاطبهم عبر الأجهزة اللاسلكية، يشحذ هممهم، ويدير تحركاتهم، ويعطي أوامره بالتقدم باتجاه خطوط العدو". بحسب فرانس برس.

وأقرت طهران بإرسال أسلحة ومستشارين عسكريين إلى العراق لمساعدة القوات الحكومية والمقاتلين الأكراد العراقيين منذ بداية هجوم الجهاديين في مطلع حزيران/يونيو، وكان التلفزيون الرسمي الإيراني بث مؤخرا صورة نادرة لقائد فيلق القدس، وهي وحدة النخبة في النظام الإيراني، وهو يقف إلى جانب مقاتلين أكراد عراقيين يقاتلون تنظيم "الدولة الإسلامية"، من دون توضيح متى وأين التقطت الصورة، كما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لسليماني مع وزير المواصلات السابق هادي العامري الذي يقود حاليا مجموعة من الميليشيات الشيعية التي تقاتل تنظيم "الدولة الإسلامية"، وبحسب التفاصيل النادرة عن سيرته، فإن سليماني انضم إلى الجيش الإيراني في 1980 في بداية الحرب مع العراق التي أوقعت ما بين مليون و1,5 مليون قتيل من الجانبين على مدى ثمانية أعوام، ثم أرسل إلى الحدود الأفغانية لمكافحة تهريب المخدرات، وفي العام 1998 عين قائدا لفيلق القدس، وحدة النخبة المكلفة عمليات سرية في الخارج والتابعة للحرس الثوري الإيراني، واتهمت الولايات المتحدة سليماني في 2008 بتدريب المليشيات الشيعية لمحاربة قوات التحالف الدولي في العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/كانون الأول/2014 - 17/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م