الحوزات العلمية والوعي المجتمعي

 

شبكة النبأ: الوعي عنصر حاسم في التغيير، وغيابه يساعد في حجب السعي والتطلع الفردي والمجتمعي نحو التطور، لذلك يؤكد العلماء أن المجتمعات التي لا تعير اهتماما للوعي والافراد كذلك، يعانون من اللامبالاة، إذ تتساوى لديهم الامور، وتغيب عنهم الطموحات، فيتساوى يومهم مع أمسهم وغدهم أيضا، فيكون الزمن لديهم سواء، لا يعيرون له اهتماما ولا يعرفون له قيمة، بسبب غياب الطموح والسعي نحو التغيير، وهذا يعود أصلا الى قلة وعي الفرد والمجتمع معا، وهنا تكمن العقبة الكأداء في عدم تحقيق الارتقاء المطلوب.

وعندما نتفحَّص طبيعة المسلمين الموزَّعين على دول عديدة، تتخذ من الاسلام دينا رسميا لها، فضلا عن المسلمين المهاجرين الى دول وبقاع مختلفة من العالم، سنلاحظ قلة الوعي حالة مهيمنة عليهم، أو أنها حالة متواجدة بينهم، الامر الذي يؤدي دائما الى تجاوز الحكومات على حقوقهم، فيتعرضون للظلم والقمع والاستبداد، ويخضعون للامر الواقع، ويجارون الحكام خوفا من البطش، وتحاشيا للقسوة التي تطولهم، من هنا نلاحظ أهمية الوعي بالنسبة لهم، كطريق للخلاص مما يتعرضون له، من التهميش والاقصاء ومصادرة الحقوق وما شابه من تجاوزات، لا يصح أن يتعرض لها الانسان أينما كان، سواءً في الدول الاسلامية او دول المهجر.

الحوزات العلمية لها قصب السبق في مجال توعية المسلمين، بغض النظر عن أماكن عيشهم وتواجدهم، فصوت الحوزة ينبغي أن يصل الى الجميع، ناقلا لجميع العقول، مضامين المعرفة والتنوير، وزج الوعي بقوة في العقول التي تحتاج إليه، حتى تفهم بدقة ما هي حقوقها، وحرياتها، وكيف تطالب بها، وكيف تحافظ عليها، علما ان الحوزات العلمية هي محط ثقة هؤلاء المسلمين بصورة مطلقة، لذلك يكون تأثيرها عليهم كبيرا ومؤثرا ومتميزا، إذ سرعان ما يتلقف المسلمون التوجيهات التي تصل اليهم من الحوزات العلمية عبر الوسائط الكثيرة والموثوقة، ومنها على سبيل المثال، رجال الدين والخطباء، والمدارس التي تقوم بتقديم الوعي للمسلمين، وهو جهد كبير ومهم يصبّ في مجال رفع مستوى الوعي للفرد والمجتمع المسلم.

ولا شك أن المعوقات والمصاعب المفتعَلة، سوف تفرض نفسها في الواقع، فتعيق الاتصال والتواصل، بين المسلم والحوزة العلمية، وقد ذكرنا في مقالات سابقة، كيف تتعامل بعض الحكومات المستبدة في هذا المجال، مع الحوزات العلمية ومع من يؤمن بها ويقتفي أثرها أيضا، لأن وعي الشعوب هاجس يثير الرعب في نفوس الحكام المستبدين وحكوماتهم، فالحاكم المتجبّر يرى في الانسان الواعي عدوا له، لذلك يبذل قصارى جهده هو وحكومته واعوانه، على منع العلم والرقي في الوعي لدى الناس، وطالما كانت الحوزات العلمية مصدر الوعي للفرد والمجتمع، فضلا عن اواصر الثقة المتبادلة بين الطرفين، لذلك فإن الحكومة المستبدة، لا تثق بالحوزة العلمية إلا إذا اصبحت من أعوانها ومتفقة معها وراعية لاهدافها، والحوزات الحقيقية لا يمكن أن تصطف مع الحاكم المستبد ضد الوعي المجتمعي، من هنا تبدأ نقطة الصراع وربما العداء، بين النظام السياسي القمعي، وبين الحوزة العلمية التي تتحمل مسؤولية بث الوعي في عقول المسلمين، حتى يعرفوا حقوقهم وحرياتهم، وبذلك سوف يدخلون في حالة من الصراع الدائم مع النظام الحاكم المستبد.

هذا الدور كان ولا يزال من الادوار الرئيسة التي تتصدى لها الحوزات العلمية، وهو ما يفسّر تلك العداوة المزمنة بين الانظمة القمعية، وبين الحوزات العلمية الرافضة لسياسة البطش والقمع والاقصاء على حساب الحق والمجتمع، ومع ذلك وعلى الرغم مما تتعرض له الحوزات من مضايقات كثيرة تصل الى غلق المقرات واعتقال بعض رجال الدين، والمحاصرة الاعلامية، وقطع سبل التمويل، مثل منع التبرعات، وملاحقة مصادر تمويل الحوزات وما شابه، من أساليب ، تنم عن عقلية حكومية متخلفة، وخائفة في الوقت نفسه، مع هذا كله، نلاحظ تمسّك الحوزات العلمية الكبيرة والراسخة والمعروفة باستقلاليتها، بمنهجها المعروف في تقديم كل سبل الدعم الفكري والمعنوي للفرد والمجتمع.

هكذا هو دور الحوزات العلمية على مر الزمن، منذ نشوئها والى اليوم، ولا يزال هذا المنهج في تطوير وعي المسلمين قائما، ومستمرا وسوف يبقى، بل ويتطور تصاعديا، في مقارعة الجهل والانظمة المستبدة في وقت واحد، لسبب واضح لدى الجميع، حاكما او غيره، أن دور الحوزات العلمية قائم على الحق ضد نقيضه، والحق يقول بمشروعية حصول الفرد والمجتمع المسلم على وعيٍ أعلى وأفضل وأرقى، لكي يصل المسلمون الى درجة الارتقاء التي يستحقها الانسان الذي خلقه الله تعالى حراً وذا قيمة عليا، لا يجوز لحاكم او حكومة او اية قوة اخرى أن تمس بحرمته وتستعبده، وتتجاوز على حرياته وحقوقه، لذلك كان ولا يزال وسيبقى دور الحوزات العلمية، فاعلا وعاملا على بث الوعي بين النسيج المجتمعي بطبقاته وشرائحه ومكوناته وأفراده كافة، وصولا الى إحقاق الحق، حتى لو كانت المصاعب التي تواجه الحوزات شاقة وكبيرة ومؤلمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/كانون الأول/2014 - 17/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م