الانسان.. قلعة الأسرار المثيرة للفضول

 

شبكة النبأ: الانسان هذا المخلوق المميز صاحب العقل المتطور، لايزال محط اهتمام العديد من العلماء والباحثين الساعين الى معرفة وكشف بعض الاسرار الجديدة، التي تخص أصل الإنسان ونشأته وقدارته ومراحل تطوره، والتي اصبحت اكثر سهوله ويسر بفضل استخدام التقنيات الحديثة والمتطورة كما يقول بعض الخبراء، والإنسان وكما تشير بعض المصادر هو كائن حي يمشي على قدمين وهو من الثدييات الرئيسة.

ينتمي الإنسان العاقل جنس البشر هو العاقل الوحيد. يمتلك الإنسان خلافاً لبقية الحيوانات على الأرض دماغ عالي التطور، قادر على التفكير المجرد واستخدام اللغة والنطق والتفكير الداخلي الذاتي وإعطاء حلول للمشاكل. ليس هذا فحسب بل أن الإنسان يمتلك جسماً منتصباً ذا أطراف مفصلية علوية وسفلية يسهل تحريكها وتعمل بالتناسق التام مع الدماغ وهي خاصية تجعل من الإنسان الكائن الحي الوحيد على البسيطة الذي يستطيع توظيف قدراته العقلية والجسمية لصناعة الأدوات الدقيقة وغير الدقيقة التي يحتاجها. وأظهرت دراسة الأحفوريات أدلة تشير إلى أن الإنسان الحديث كان في أفريقيا قبل حوالي 200ألف عام. الآن يستوطن البشر كل القارات ومدارات الأرض المنخفضة بعدد إجمالي يصل إلى7,3 مليار نسمة وذلك بحسب إحصائية 2013.

وتعتمد نظرية التطور على التفسیر العلمي وعلى الحفريات والتجارب المقارنة والدراسات الجينية. والإنسان ككائن حي له صفات عديدة مشتركة مع الثديات الأخرى, مثل وجود العمود الفقري والثدیین والدماغ (رغم کبر وتعقید دماغ الإنسان الكبير) والأرجل والأذرع والیدین بالإضافة إلى وجود الحمض النووي والمیتوکوندریا وغیرها من التشابهات الكثیرة الأخرى.

الدراسات العلمية التي تتناول التاريخ التطوري للإنسان تشمل كل ما يتعلق بجنس لإنسان لكن الدراسات عادة ما تتوسع وترتبط بدراسة الرئيسيات مثل القردة العليا والهومونينسفي محاولة منها لمعرفة أقرب أجداد البشر في السلم التطوري. ويطلق دارسو الأنثروبولوجيا على الإنسان الحديث نوع الإنسان العاقل. وهو المتبقي الوحيد من جنس الإنسان العاقل. والإنسان العاقل البالغ الآخر هو من جنس الإنسان العاقل النيدرتالي وهو جنس منقرض قبل حوالي 30 ألف عام حيث كان يصنف كجنس الإنسان العاقل النياندرتالي، وتعتبر هذه النظرية هــي النظرية الأصح عند العلماء.

لغز تطور الإنسان

وفي هذا الشأن فإنها مجرد تعاريج بسيطة محفورة على أسطح أصداف محار المياه العذبة في جزيرة جاوة بأندونيسيا منذ ملايين السنين... غير ان العلماء يقولون إنها تمثل انجازا مشهودا للتعرف على الانسان الأول ومؤشرا على ان الانسان من النوع منتصب القامة المعروف علميا باسم (هومو اريكتوس) -الذي سبق في سلم التطور البشري الانسان العاقل الحديث المعروف علميا باسم (هومو سابينس)- كان يمتلك قدرا من الإمكانات المعرفية والادراكية المتقدمة أكثر بكثير مما كان يعتقد من قبل.

وفي الدراسة التي نشرتها دورية (نيتشر) وصف العلماء مجموعة من الأصداف المأخوذة من موقع ترينيل على جزيرة جاوة تمثل كنزا دفينا لرفات الهيكل العظمي للانسان منتصب القامة والأدوات البدائية التي كان يستعملها. اتخذت إحدى هذه الأصداف شكل أداة ذات حافة ملساء مصقولة ربما كانت تستخدم كسكين أو مكشطة. وعثر على صدفة أخرى ذات شكل متعرج ربما نتجت عن كشط سطح الصدفة بأسنان سمك القرش وهي الاكتشافات التي يقول العلماء إنها تمثل أقدم النقوش والمنحوتات الهندسية المعروفة.

وقالت عالمة الأحياء جوزفين يوردنس من جامعة لايدن بهولندا إنه قبل هذا الاكتشاف كان تاريخ أقدم أدوات مماثلة يرجع الى 110 آلاف و100 ألف عام مضت وعثر عليها في مواقع بجنوب افريقيا وصنعها الإنسان العاقل بعد وقت طويل من اندثار الإنسان منتصب القامة. وقالت يوردنس "هذا من شأنه أن يغير وجهة نظرنا بشأن درجة تعقد السمات الحضارية لحفريات هذه الأنواع ويوضح ان الأدوات الحجرية مؤشر باهت وناقص على مجمل صعوبة الأساليب المستخدمة في ذاك العصر".

وقدر الباحثون عمر الأدوات المصنوعة من أصداف منطقة ترينيل بما بين 400 ألف سنة الى 500 ألف. وقال فيل روبروكس استاذ علم الآثار القديمة بجامعة لايدن إن معنى التصميمات المتعرجة ووظيفتها لا يزال لغزا. وقال فرانشيسكو دريكو استاذ علم الآثار القديمة بجامعة بوردو الفرنسية "يتألف معظمها من تعاريج نقشت خلال جلسة واحدة بالاستعانة بآلة مدببة صنعها يقينا نفس الشخص. كانت النقوش محفورة بعناية فائقة وتضمنت قدرا كبيرا من الاهتمام في صنع الزوايا شديدة الوضوح والخطوط المستقيمة ذات نفس الطول". بحسب رويترز.

وأضاف دريكو ان استخدام الأصداف والمحار كمصدر للغذاء وكمادة خام لصنع الأدوات وكوسيط للحفر والنقش "ينم عن مرونة معرفية سابقة لا غبار عليها". ويعتقد ان الانسان منتصب القامة عاش منذ نحو 1.89 مليون سنة الى 143 ألف سنة وكان أول نوع من الانسان الأول ذا أعضاء من أطراف وجذع تضاهي في أطوالها الإنسان العاقل. وكان الإنسان منتصب القامة من أكلة اللحوم والأعشاب على حد سواء واستخدم الأدوات الحجرية واكتشف النار بيد ان حجم مخه كان أصغر كثيرا من إنسان العصر الحديث. واكتشفت أول حفرية للإنسان منتصب القامة في موقع بترينيل عام 1891 .

الانسان واسلافه

من جانب اخر كيف يتأتي أن تكون مخلوقات تختلف تمام الاختلاف في شكل الجسم وتركيب المخ مثل الإنسان الحديث وأبناء عمومته من إنسان النياندرتال المنقرض تتشابه وراثيا بنسبة 99.84 في المئة ؟ بعد مرور أربع سنوات على إكتشاف العلماء ان الطاقم الوراثي (الجينوم) لكل من البشر وانسان النياندرتال لا يختلف الا بواقع جزء يسير من النقطة المئوية قال علماء الوراثة إن لديهم التفسير : إنه المعادل الخلوي لموصلات "التشغيل/الايقاف" التي تحدد ما اذا كان الحمض النووي الريبوزي (دي.ان.ايه) في حالة تنشيط او تثبيط.

وأعلن فريق دولي من العلماء في نتائج دراسة أوردتها دورية (ساينس) ان مئات من جينات إنسان النياندرتال كانت في حالة تثبيط فيما كانت الجينات المماثلة لدى الانسان الحديث في حالة تنشيط. ووجد العلماء أيضا ان مئات من الجينات الأخرى لدى النياندرتال كانت في حالة تشغيل فيما كانت الجينات المقابلة لدى الانسان في حالة ايقاف. ومن بين هذه المئات من الجينات ما يتحكم في شكل الأطراف ووظيفة المخ وهي سمات تتباين بصورة كبيرة بين الإنسان الحديث وإنسان النياندرتال.

وقالت ساره تيشكوف الخبيرة في مجال النشوء والارتقاء في البشر بجامعة بنسلفانيا والتي لم تشارك في هذه الدراسة "يعنى الناس بصفة أساسية بما يجعلنا نحن بشرا وبما يجعلنا نختلف عن النياندرتال." وأضافت ان اكتشاف الإختلافات في تنشيط الجينات "انجاز تقني مذهل" يقطع شوطا طويلا على طريق اماطة اللثام عن هذا اللغز. ويبرز الإكتشاف ايضا مدى اهمية وقوة انظمة التشغيل والايقاف في الجينات.

وتحت اشراف ليرام كارميل بالجامعة العبرية بالقدس استهل علماء الوراثة هذه الدراسة بالحمض النووي المأخوذ من عظام الأطراف سواء من شخص على قيد الحياة أو من إنسان النياندرتال أو من جنس آخر منقرض كان يعيش في اوراسيا خلال العصر الحجري والذي اكتشفت حفرياته عام 2010 في كهف بسيبيريا وهي عبارة عن بقايا عظام وأسنان. بحسب رويترز.

ثم فحص عالم الوراثة دافيد جوخمان وآخرون من الفريق البحثي نماذج التشغيل والايقاف وحددوا 2200 منطقة كانت نشطة في الإنسان الحديث لكنها كانت غير نشطة في الأنواع المنقرضة وبالعكس. وتفسر هذه النتائج التباين التشريحي بين الإنسان الحديث والأنواع المنقرضة ومنها قصر طول أيدي إنسان النياندرتال وأرجله وتقوس أطرافه السفلى وتضخم حجم اليدين والاصابع وانحناء عظام الساعد. ووصف كريس سترينجر عالم الأحياء القديمة في متحف التاريخ الطبيعي في لندن خلال مقابلة هذه الجهود بانها "رائدة وتمثل طفرة هائلة" مشيرا الى انها قد تسهم في تفسير سبب متانة بنيان جسم الانسان الأول ومدى تكيفه مع ظروف الحياة في العصر الحجري.

أقل ذكاء

في السياق ذاته تقول رسالة وجهها إثنان من الباحثين بعد تحليل قرائن قديمة تبين مدى قدرات إنسان النياندرتال -أقرب مخلوق منقرض الى إنسان العصر الحديث- بانه ربما لم يكن في ذكائه دون البشر الذين وطأوا كوكب الأرض قبل نحو 40 ألف عام. ويقول الباحثان إن نتائج بحوثهما تؤكد ان كائنات النياندرتال لم تكن مخلوقات خرقاء بلهاء كما توصف دائما.

ومن بين الأدلة التي ساقها الباحثان على ذكاء النياندرتال وجود أدوات وأساليب معقدة للصيد تستلزم ضرورة توافر العمل الجماعي والتخطيط المسبق وإحتمال استعمال لغة للتخاطب بين أفراد إنسان النياندرتال والاستعانة بالأصباغ لتلوين الجسم واستخدام أدوات رمزية على غرار مخالب النسر وأسنان الحيوانات بعد احداث ثقوب بها لأغراض الزينة على ما يبدو فضلا عن مهارة توظيف النار في الأغراض الحياتية.

وقال ويل روبركس وهو عالم في الأحياء القديمة بجامعة لايدن الهولندية "لم نعثر على معلومات تعضد فرضية تدني القدرات الادراكية والمعرفية في المجالات التقنية والاجتماعية للنياندرتال بالمقارنة بنظرائهم من إنسان العصر الحديث." وأضاف "لقد عفا الزمن بالفعل منذ وقت طويل على فرضية الكائنات الشبيهة بالبهائم التي تحمل الهراوات والتي إندثرت في نهاية المطاف عندما اقتحم عالمهم إنسان العصر الحديث المتفوق."

وكانت مخلوقات النياندرتال قد ازدهرت في أرجاء قارتي أوروبا وآسيا منذ نحو 350 الفا الى أربعين الف عام إلا انها اختفت بعد ان وطأ الإنسان الحديث اوروبا قادما من افريقيا. وكان كثير من العلماء يظن ان النياندرتال كان شديد الغباء وأخرق ولم يكن بمقدوره البقاء على قيد الحياة ومغالبة إنسان العصر الحديث الحاذق والأكثر ذكاء وقدرة على الإتقان والذي اقتحم موطنه.

وقالت باولا فيلا وهي أمينة بمتحف جامعة كولورادو للتاريخ الطبيعي إن الحقيقة في غاية البساطة. وقالت إن الشواهد الوراثية تبين حدوث تزاوج بين النياندرتال وإنسان العصر الحديث. وأضافت أن نسل هذا التزاوج من الذكور ربما كان عقيما وهو الأمر الذي ربما يكون قد أسهم في تراجع أعداد النياندرتال. ومضت تقول إن فلول عشائر النياندرتال ربما تكون اندمجت وإنصهرت في نهاية المطاف مع الأعداد الأكبر حجما من إنسان العصر الحديث في عملية اتضحت معالمها خلال بضعة آلاف من السنين. وقالت "لم يندثروا تماما على نحو ما لأن بعض جينات النياندرتال لاتزال موجودة في الجينوم الخاص بنا." بحسب رويترز.

ولاتزال توجد بعض الاختلافات التشريحية بين النوعين فمخلوق النياندرتال كان متين البنيان وعريض الجبهة وكان إنسان العصر الحديث أقل بدائية وعلى سبيل المثال كانت أجسام النياندرتال أقصر وأكثر اكتنازا عن الإنسان العاقل وكان الجزء الأوسط من الوجه أكبر والأنف أكبر حجما. وردت نتائج بحث فيلا وروبروكس في دورية (بلوس وان PLOS ONE) لتبرز بعض قدرات النياندرتال.

الانسان القديم والحمام

من جانب اخر بينت دراسة علمية ان رجل نياندرتال، الذي اختفى قبل عشرات الاف السنوات، كان يصطاد الحمام ليقتات عليه، بحسب باحثين عثروا على آثار أدوات وأسنان وشي على عظام حمام في كهف في جبل طارق. وقد مشط علماء الإحاثة كهف غورهام الواقع على تلة قبالة البحر الابيض المتوسط لجات إليها عدة مجموعات من رجال نياندرتال والإنسان المعاصر قبل 67 إلى 28 ألف سنة.

وقد عثر العلماء على أكثر من 17 ألف عظمة حمامة تعود لتلك الفترة في 20 موقعا في الكهف (19 تعود لرجل نياندرتال وهيكلا واحدا يعود للإنسان المعاصر). وقال العلماء انهم عثروا على مؤشرات في عظام الحمام في احد عشر موقعا كان يقطنها انسان نيانديرتال و"ابن عمه" انسان هوموسابيانس، سلف الانسان المعاصر، تدل على اعداد الانسان هذه الطيور للطعام. بحسب رويترز.

وانقرض انسان نيانديرتال قبل عشرات الاف السنوات بعد حقبات تعايش فيها مع انسان هوموسابيانس سلف الانسان الحالي. وعثر في عدد من العظام على اثار اسنان، وهو ما يؤشر على ان الانسان القديم كان ينتزع باسنانه اللحم من بين العظام، بعد نزع الريش والجلد عنها، بحسب دراسة منشورة في مجلة "نيتشر ساينتيفيك ريبورتس". ويظهر 10 % من عظام الحمام المكتشفة اثارا تدل على شي الحمام او طهوه. وجاء في الدراسة "تظهر نتائجنا بشكل قاطع ان انسان نيانديرتال ومن بعده الانسان المعاصر كان يقتات على الحمام" على مدى حقبات طويلة.

الأوروبيون القدماء

على صعيد متصل أظهرت دراسة حديثة اعتمدت على الاختبارات الجينية أجريت بغية التعرف على أوصاف الإنسان الأوروبي القديم عن كونه تمتع بخصائص مختلفة عما كان يعتقده العلماء في السابق، وذلك من حيث أنه جمع بين البشرة الداكنة، والشعر الأسود، والعين الزرقاء. وأعرب العلماء عن دهشتهم من نتيجة الدراسة لأنهم كانوا يعتقدون أن السكان الأوائل للقارة الأوروبية، الذين عاشوا على قنص الحيوانات قبل نحو 7000 عام، كانوا من ذوي البشرة الصفراء والشعر الأصفر.

ونشرت الدراسة التي أجراها فريق من معهد بيولوجيا التطور في مدينة برشلونة الإسبانية في دورية "نيتشر" المعنية بشؤون الطبيعة. وقال كارلوس لالوزا-فوكس، المشرف على الدراسة :"أحد تفسيرات ذلك هو أن لون البشرة الفاتحة تطور كثيرا في وقت لاحق خلافا لما كان يعتقد في الماضي."

وفي عام 2006، عثر العلماء على هيكلين عظميين للإنسان الأوروبي القديم في كهف بمنطقة جبلية تقع في شمال غرب إسبانيا. كانت البيئة الباردة والمظلمة في تلك المنطقة سببا في الحفاظ على هذه البقايا العظمية التي أطلق عليها اسم "لابرانا 1 و 2". واستطاع فريق البحث استخلاص علاقة جينية تربط الإنسان الأوروبي البدائي على نحو وثيق بأولئك الذين يعيشون في الدول الاسكندنافية مثل السويد وفنلندا.

كما أظهرت الاختبارات الجينية أنه في الوقت الذي كان يمتاز فيه الإنسان الأوروبي القديم بالعين الزرقاء، كان شعره أسود، أو بنيا، وكانت بشرته داكنة. وأضاف لالوزا- فوكس: "لم تكن هذه النتيجة متوقعة، إذ كان يُعتقد أن ذلك قد حدث نتيجة للانتقال من إفريقيا إلى مناطق أكثر ارتفاعا ينخفض فيها مستوى الإشعاع فوق البنفسجي بشكل كبير." وأظهر تحليل الحامض النووي "دي إن إيه" أن جسد الإنسان الأوروبي القديم كان مقاوما لمادة اللاكتوز، وغير قادر على هضم النشويات.

وكان العلماء يعتقدون أن الإنسان الأوروبي البدائي تحول إلى البشرة الفاتحة بعد فترة وجيزة من مغادرته لأفريقيا والانتقال إلى القارة الأوروبية منذ نحو 45 ألف عام. ويعتقد لالوزا- فوكس أن ذلك كان تصورا خاطئا "لأن ذلك الإنسان القديم كان يعيش في أوروبا قبل أكثر من 40 ألف عام، وكان لا يزال يتمتع بالبشرة الداكنة". وكان الإنسان الأوروبي القديم يعيش على نظام غذائي يعتمد بشكل أساسي على البروتينات، وأظهر تحليل الحمض النووي "دي إن إيه" أن جسده كان مقاوما لمادة اللاكتوز، وغير قادر على هضم النشويات.

ويعتقد فريق البحث أن تلك السمات التي توصلوا إليها تطورت لدى الإنسان الأوروبي القديم بعد تبنيه حرفة الزراعة وتغيير النظام الغذائي الذي كان يعيش عليه. وفي تعليقه على تلك الدراسة، قال ديفيد ريتش من كلية الطب بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية: "تكمن أهمية هذا البحث في كونه يقدم لنا صورة للتسلسل الجيني للإنسان الأوروبي القديم حتى وقتنا الحاضر، وهو أول تسلسل جيني يؤرخ لفترة ظهور الزراعة." بحسب بي بي سي.

وأضاف ريتش: "البشرة الداكنة تعد اكتشافا مهما، لأن البشرة الفاتحة هي السمة العامة في دول أوروبا اليوم، وهذه النتائج تشير إلى أن تلك البشرة كانت تتطور قبل 7000 عام مضت على الأقل." وقال : "سيكون من المثير أيضا أن نرى مدى شيوع نتائج هذه الدراسة في أنحاء أوروبا في فترة ما قبل الزراعة، وذلك بمجرد التوصل إلى تسلسل جيني إضافي." ويشير المكون الجيني الخاص بالإنسان الأوروبي القديم أنه إلى جانب المزارعين الأوائل كانوا ينحدرون من ثلاثة شعوب رئيسية من السكان الأوائل للقارة الأوروبية.

كهوف المكسيك

في السياق ذاته لقد كان يوما مروعا بالنسبة لفتاة لاقت حتفها في كهف بالمكسيك ربما منذ 13 ألف سنة إلا انه صار يوما مثيرا للعلماء الذين نجحوا في استنطاق أقدم هيكل عظمي في العالم الجديد ليبوح بأسرار مهمة إذ كان محفوظا بكامل حالته الوراثية. وقال العلماء إن الفحوص الوراثية على رفات الفتاة -الذي كان محفوظا بحالة ممتازة بعد ان عثر عليه غواصون في الكهف- قدمت إجابات شافية عن أول بشر وطأوا النصف الغربي للكرة الأرضية والصلة التي تربطهم بالسكان الاصليين في أمريكا.

وردت نتائج هذه الدراسة -التي أشرف عليها المعهد الوطني للأنثروبولوجيا والتاريخ التابع لحكومة المكسيك وأيدتها الجمعية الوطنية الجغرافية- في دورية (ساينس). وأكدت هذه النتائج ان إنسان العصر الجليدي الذي عبر لأول مرة الى الأمريكتين على جسر بري كان يربط في السابق بين سيبيريا والاسكا أسهم حقيقة في زيادة عدد السكان الأصليين في أمريكا بدلا من الفرضية التي شاعت فيما بعد بانهم وافدون جدد الى المنطقة.

وتطرقت أبحاث العلماء الى استكشاف مجاهل أدغال شبه جزيرة يوكاتان بشرق المكسيك ليكتشفوا رفات الفتاة تحت الماء الى جانب عظام تخص أكثر من عشرين من الحيوانات المتوحشة بما في ذلك النمور ذات الأنياب البارزة ودببة الكهوف وأنواع عملاقة من حيوان الكسلان وأحد أسلاف الفيلة. وكانت جمجمة الفتاة وشفرتها الوراثية محفوظة كما هي بعد دفن رفاتها دهورا في مغارة مهجورة تغمرها المياه قبل اكتشافها عام 2007.

وينم رفات الفتاة عن صغر حجم جسمها ونحافتها ويبلغ طولها 1.47 متر ويعتقد انها توفيت عندما كان عمرها 15 او 16 عاما. ويرجح ان الفتاة غامرت بحياتها وولجت الى المسارات المظلمة بالمغارة لتجد الماء العذب قبل ان تلقى حتفها في مصيدة وصفها عالم الآثار جيمس تشاترز من شركة أبلايد باليوساينس وهو أحد كبار المشاركين في هذه الدراسة بانه "فخ لا فكاك منه" يبلغ عمقه 30 مترا وهو عبارة عن حفرة تسمى بالاسبانية اويو نيجرو أي الثقب الأسود.

وقال تشاترز إن الغرفة التي عثر بها على رفات الفتاة تقع تحت سطح البحر بنحو 40 مترا وكانت بمثابة "كبسولة زمن تحفظ حياة البشر والبيئة" في أواخر العصر الجليدي. وأطلق الغواصون على رفات الفتاة اسم (نايا) وهو يرمز لحورية الماء في الأساطير الإغريقية. وعاد أحد الغواصين ويدعي البرتو نابا بذاكرته الى الوراء لحظة اكتشاف نايا عندما كانت جمجمتها ترقد أعلى أفريز صخري وقال "كانت جمجمة صغيرة ترقد في وضع مقلوب وبها طاقم كامل من الأسنان ومحجران أسودان للعينين يرمقاننا من بعيد."

كانت الحفرة جافة عندما سقطت فيها الفتاة الا ان كتل الثلج الخاصة بالعصر الجليدي ذابت منذ نحو عشرة آلاف عام لتغمر المياه الكهف. وأوضحت الفحوص ان الفتاة كانت تعيش قبل 13 او 12 الف سنة. وطالما ثار جدل بين العلماء بشأن أصل أول بشر وطأوا اراضي الأمريكتين ويرى كثير منهم ان صائدي الفرائس عبروا الجسر العتيق بين 26 الفا و18 الف عام وسرعان ما انطلقوا الى الأمريكتين منذ نحو 17 الف عام.

إلا ان أقدم رفات لإنسان العالم الجديد أصاب العلماء بالحيرة لانه كان يتميز -مثل نايا- بجمجمة أصغر وملامح أخرى تختلف تمام الإختلاف عن السكان الأصليين للأمريكتين. وأدى ذلك الى إثارة تكهنات بان هؤلاء البشر الأولين في العالم الجديد ربما كانوا يمثلون موجة هجرة مبكرة وفدت من بقاع أخرى من العالم وليسوا أسلاف السكان الأصليين. بحسب رويترز.

إلا ان المادة الوراثية التي تنتقل من الأم لابنائها والتي استخلصت من ضرس العقل لفتاة الكهف أظهرت انها تنتمي لنسل وراثي ينحدر من القارة الآسيوية ويمت بصلة للسكان الأصليين للأمريكتين. وقال الباحثون إن ذلك يوضح ان الاختلافات المتعلقة بشكل الجمجمة والسمات الأخرى لرفات أول بشر وطأوا الأمريكتين ناشئة عن تغيرات تتعلق بالنشوء والإرتقاء التي ظهرت بعد ان عبر أول الوافدين الجسر العتيق.

هيكل عظمي في قبو

الى جانب ذلك قال متحف للاثار في فلادلفيا إن باحثيه عثروا على هيكل عظمي بشري نادر للغاية يرجع إلى 6500 عام في قبو المتحف حيث جرى تخزينه قبل 85 عاما. وقال متحف الاثار والانثربولوجيا التابع لجامعة بنسلفانيا إنه فقد لبعض الوقت جميع الوثائق الخاصة بالهيكل العظمي الذي يرجع تاريخه إلى 4500 عام تقريبا قبل الميلاد.

لكن الأوراق ظهرت هذا الصيف أثناء مشروع لتوثيق رقمي لسجلات بعثة مشتركة امتدت من 1922 إلى 1934 للمتحف البريطاني ومتحف جامعة بنسلفانيا. وحدد الباحثون ان الهيكل العظمي تم استخراجه في 1930 تقريبا اثناء حملة تنقيب في المقبرة الملكية في موقع أور قادها السير ليونارد وولي.

وتشير سجلات وولي إلى انه شحن هيكل عظمي واكتشف الفريق الذي قام بتوثيق سجلاته رقميا صورا للحملة تظهر الهيكل العظمي اثناء استخراجه من المقبرة. وعثر فريق وولي على الهيكل العظمي على عمق 12 مترا في باطن الارض اسفل بقايا المقبرة ذاتها التي ترجع إلى 2500 عام قبل الميلاد. وعثر على الهيكل العظمي في طبقة عميقة من الطمي يعتقد علماء الاثار انها تخلفت عن فيضان هائل.

وتشير البقايا إلى ان الهكيل العظمي لرجل قوي البنية توفي في الخمسين من العمر وكان يبلغ طوله 1.78 متر تقريبا. واطلق المتحف عليه اسم نوح. وقال المتحف إن الاكتشاف له أهمية للأبحاث الحالية. ويمكن للتقنيات العلمية التي لم تكن متوفرة وقت الحملة ان تساعد العلماء في معرفة أوجه جديدة للغذاء وأصول الأجداد والجروح والتوتر والأمراض التي كانت سائدة في ذلك الوقت والتي يقول المتحف ان هناك نقص في المعرفة بها. بحسب رويترز.

والهياكل العظيمة السليمة من تلك الحقبة نادرة. ويقول المتحف ان لديه هيكل عظمي اخر من موقع أور -الذي يبعد 16 كيلومترا عن الناصرية في جنوب العراق- إلا أن "نوح" أقدم بحوالي 2000 عام من اي هيكل عظمي اخر تم اكتشافه اثناء الحملة في ذلك الموقع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/كانون الأول/2014 - 16/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م