لنحسن اختيار رجالنا!

في اليوم الدولي لمكافحة الفساد..

زاهر الزبيدي

 

لم يختلف تقرير منظمة الشفافية العالمية في تقديراته عن العراق لهذا العام عن الأعوام الأخرى فلازلنا نقبع في ذيل القائمة، المركز الخامس من ذيل القائمة لعام 2014 أي نحن في المركز 170 من مجموع 175 دولة من دول العالم التي دخلت التصنيف لتلك المنظمة.

والتاسع من كانون الأول من كل عام يوم هو اليوم الدولي لمكافحة الفساد من أجل إذكاء الوعي بمشكلة الفساد وبدور اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي اعتمدتها الجمعية العامة، في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2003.

وتشير الأمم المتحدة في يومها هذا الى أن الفساد هو ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة تؤثر على جميع البلدان. فالفساد يقوض المؤسسات الديمقراطية ويبطئ التنمية الاقتصادية ويسهم في الاضطراب الحكومي. ويضرب الفساد في أسس المؤسسات الديمقراطية بتشويهه العمليات الانتخابية مما يحرف سيادة القانون عن مقاصدها ويؤدي إلى ظهور مستنقعات بيروقراطية لا بقاء لها إلا من خلال الرشى. كما أن التنمية الاقتصادية تتوقف بسبب تثبيط الاستثمار الأجنبي المباشر. وبسبب الفساد ويصبح من المستحيل للشركات الصغيرة داخل البلد التغلب على "تكاليف بدء العمل".

ومع العراق الأول في القائمة العالمية لمتضرري الإرهاب التي يصدرها المؤشر العالمي للإرهاب في العالم وبدرجة 10 نقاط من أصل عشرة؛ لا زال الفساد هو العنوان الأكثر شيوعاً في تأثيراتها على الحياة العامة برمتها فترى أن في العراق الكثير من مفردات التعاملات اليومية يشوبها الفساد.. أمنياً ومدنياً.. الجرائم في مستو ما مؤثر تحاول الحكومة جاهدة الخلاص من عمليات الخطف والعمليات الإرهابية وتحاول بشكل جدي التخلي من الروتين القاتل وتصدر التعليمات والأنظمة التي تحاول أن تجتث عروشه التي تربع عليها لأسباب شتى قد يكون أهمها رأس الهرم في المؤسسة الحكومية، ومع أن الفساد قرين الإرهاب يرافقه حيث حل.. فإن جزء مما يتعرض له وطننا اليوم يؤول الى الفساد.. فعشرات الآلاف من الجنود الوهميين، الفضائيين، يتقاضون راتباً شهرياً بصورة منتظمة مع حاجتنا لسواعد تقاتل الإرهاب المستشري في ربوع الوطن ومثل الجنود عشرات الآلاف من الموظفون الفضائيون وغيرهم من كافة الشرائح العاملة التي تنهب المليارات بلا مقابل.

في هذا اليوم نحاول أن نسلط الضوء على أحد أهم مسببات الفساد متمثلة في القيادات العليا والوسطى للمؤسسات الحكومية والصناعية منها، على سبيل المثال، فالكثير من الشركات الصناعية لازالت تعاني من عدم قدرتها على الإبداع أو على أقل تقدير توفير رواتب موظفيها وخير مثال على ذلك الشركات الصناعية ذات التمويل الذاتي التي يعاني موظفوها من عدم وجود رواتب لهم منذ ثلاثة أشهر، كما أشارت الى ذلك صحيفة طريق الشعب اليوم، حين يتهم أولئك الموظفون مدرائهم في عدم قابليتهم على استقطاب الخطوط الإنتاجية التي توفر لهم ربحية مناسبة تسهم في دفع رواتبهم فعشرات الآلاف من الموظفين بلا رواتب وعوائلهم تعاني شظف العيش.. ما السبب في ذلك؟ منذ عشرة سنوات وأكثر كانت الموازنات الإستثمارية تصرف لتلك الشركات ولوزارة الصناعة بالتحديد، مع توفر الأموال ووجود العقول القادرة على الإستثمار تتحقق العائدات وتهيء الرواتب ولكن يبدو أن خللا ما أطاح بكل تلك الموازنات لنصحو على أحد تلك المشاكل الكبيرة.. موظفون بلا رواتب!

لماذا لم نتمكن من جلب الخطوط الإنتاجية التي توفر لنا العائدات ما السبب في ذلك؟ وأنت ما أن تدخل لأي غرفة من غرف المدراء العامين أو مدراء الأقسام ترى أنها مؤثثة بشكل باذخ جداً يبدوا أن كل الموازنة التشغيلية تصرف على هذا البذخ وعلى الصيانة والإدامة والتأهيل الذي يستنزف الأموال بصورة تدريجية. لماذا لم تتمكن شركة واحدة من تلك الشركات من نقل تكنلوجيا مصنع واحد كبير يؤمن العمل للمهندسين والفنيين الذين صدأت عقولهم من طول الجلوس على مساطب إنتظار الفرج بأمل أن ينهضوا يوماً ببلدهم.

علينا أن نحسن إختيار رجالنا في المناصب التي تتطلب مساحة واسعة من القدرة على إستنباط الأساليب الصناعية من ذوي التخصص القادرين على قيادة مؤسساتهم الصناعية والخدمية ووضع الستراتيجيات اللازمة للنهوض بتلك الشركات أو بتلك الخدمات، القدرة على توليد الأفكار من أهم المميزات التي يجب أن يتمتع بها المدراء والقابلية الكاملة على تحديد الحاجة الفعلية للصناعات ونوعية الخطوط لمليء حاجة محددة لأبناء شعبنا قد تسهم في إضافة عائدات مالية كبيرة للموازنة، واختيارنا لأولئك الرجال أحد أكثر أسباب قضائنا على الفساد ومحاربته بعقولهم التي تمتلك المعرفة الكاملة بأساليب العمل.

نحن بحاجة لمؤتمر صناعي موسع يجمع كل كوادر الصناعة برعاية مجلس الوزراء للمناقشة خطة عمل وزارة الصناعة ولنركز فيه على تطوير قابليات أبنائنا والمصانع التي نحن بحاجة لها لتغطية الإحتياجات المحلية وتقليل النفقات الإستيرادية وموازنة التبادلات التجارية مع دول العالم التي تستنزف موازناتنا سنوياً كل ذلك من أجل مشكلة الصناعة.. بعدها الزراعة وغيرها من مناح الحياة الإقتصادية في العراق...

إختلاسات بيت المال العراقي

الفساد درنة نتنة تنتاب جسد النظام المؤسساتي العراقي، الجميع يعترف بوجودها واستفحالها حتى لأضحت داءاً مستعصيا يصعب شفاءه على الرغم من هذا الكم الهائل من الأنظمة والقوانين والمؤسسات الرقابية التي تراقب وتشخص وتصدر أومر الاستحضار والقبض بحق المتهمين بخرق الأنظمة والقوانين المرعية والعبث بالأموال العامة بشتى أنواع أساليب الاحتيال والنصب والإبتزاز.

ومما لاشك فيه أن دعم الأنظمة الحكومية الرقابية وتحسن مستوى الخدمات العامة والحوكمة الألكترونية من أهم عناصر مكافحة الفساد إلا أن المعول عليه أكثر في ذلك هو دقة اختيار من هو الأكفأ لادارة دفة المؤسسات الحكومية والابتعاد عن أسلوب المحاصصة في اختيار المدراء العامين على أقل تقدير وقد نصل الى دقة اختيار رؤساء الأقسام ممن لهم القابلية الحقيقية على وضع الخطط والتهيأ لنظامها الرقابي.

ففساد المسؤول يولد الاحباط لدى المسؤول عنهم وقد يدفعهم الى تقليده في فساده وعدم الشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه العمل سوف ينسحب الى نفوس العاملين ببطء مكوناً خللاً عقيماً لا يمكن إصلاحه بسهول فإصلاح النفوس لهو أصعب وأعقد من اصلاح المعدات والأنظمة.

حتى اللحظة كنا قد كتبنا قبل فترة عن دعم النظام المالي في العراق المهدد بالإختراق بسهولة فمن "زينة مسعود" التي تمكنت من اختلاس ما يقارب الـ (18) مليون دولار.. وهي ايضاً بمليارات الدنانير العراقية من أمانة العاصمة وحتى تلك المرأة التي أعلنت عنها هيئة النزاهة والتي اختلست تحت ظل ظلام الفوضى الإدارية والمالية والهزال الرقابي، في أيلول 2012، مبلغاً وقدره فقط أحد عشر مليار دينار لا غيرها.. تحايلت فيها على النظام المحاسبي والحكومة العراقية بأجمعها و30 مليون عراقي واختلستها، من أحد المصارف الحكومية، ولكن الله أعان من أعان على أن تقع بيد العدالة كما وقعت زينة مسعود، وبالجرم المشهود حين شاركت آخرين في تحرير مستندات أيداع بمبالغ كبيرة وبشكل وهمي وباسم شخص ثالث له حساب مصرفي ليقوم الأخير بتحرير صكوك بلا رصيد عن طريق مصارف أخرى ليبدأ عمل المجرمة بإخفاء تلك الصكوك وعدم ترحيلها، كانت 49 صكاً و7 سبعة استمارات إيداع كفيلة بتلك المليارات الـ11 المنهوبة.

جاءتنا اليوم امرأة أخرى لتحاول إختلاس 140 مليار دينار حينما كشف مصدر في شرطة محافظة بغداد، في تشرين الثاني الماضي، عن أكبر عملية اختلاس في العراق، حيث اختفت موظفة بعد اختلاسها أكثر من 140 مليار دينار (نحو 120 مليون دولار)، لم يعرف مصير 100 مليار دينار (نحو 86 مليون دولار) منها.

العملية مستمرة ودوافعها قائمة ومسبباتها معروفة والخلل مستمر في النظام المالي وعملية ضبط تلك الإختلاسات لايدل على وجود النظام المتكامل بل أن هناك خلل محدد عجزنا عن تغطيته بالشكل الصحية تتواتر الإختلاسات المكتشفة فقط أما غير المكتشفة فالله يعلم بها وكيف يتم نهب أموال المصارف العراقية وكيف تتبخر الموازنات المليارية.

حيث كشف عضو اللجنة المالية النيابية النائب علي الصجري عن نية اللجنة التدقيق في عمليات مصرف الرافدين منذ عام 2003 حتى اليوم، موضحاً ان الكشف عن محاولة سرقة 140 مليار دينار من احد فروع المصرف واحباطها يجعلنا امام تساؤل عن حجم العمليات التي يمكن ان تكون حصلت منذ عام 2003 ولم يتم كشفها ومرت مرور الكرام.

مما لاشك فيه أن لا نظام متكامل يعمل بصورة صحيحة اليوم ولكن أخطرها النظام المالي فما الخطأ في أن يتم الإستفادة من الخبرات العالمية في هذا المجال ورفد المصارف العراقية بأنظمة وتعليمات تمنع ظهور تلك الاختلاسات وتحد منها نهائياً ونحن لغاية اليوم لم نجرب القرصنة الإلكترونية التي من الممكن أن تطيح بأكبر المصارف ما هي إحتياطات بل أنها تسير بنا الى التدمير النهائي إذا ما وقعت النظام بيد عصابة "تهكير" يفلس معها بيت مال المسلمين.

إن قوة النظام المالي مهمة جداً في بلد مثل العراق اليوم فهو يعتبر جزءاً مهماً من تلك البيئة التي نحاول تكوينا كبيئة جاذبة للإستثمار الذي نحن بأمس الحاجة له اليوم وترك النظام المصرفي عرضة لتلك الإختلاسات سيكون السقوط حتمياً لا سمح الله.

قد يصبح يوماً سرقة المصارف من قبل موظفيها أسهل بكثير جداً من السطو المسلح والتسليب والإختطاف فالمعاملات الورقية مع النفوس المريضة لعصابات منظمة سيصبح أي مبلغ في خزينة تلك المصارف عرضة للسلب والنهب وعلى الحكومة اليوم أن تحسن إختيار رجالها وإلا فالفساد ماضي في نخره للنفوس.. وما أبشع ذلك.

[email protected]

..........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/كانون الأول/2014 - 16/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م