حرارة الارض.. ارتفاع على غير العادة يصدم المختصين

 

شبكة النبأ: مشكلة التغيرات المناخية التي تهدد الحياة على كوكب الأرض، تمضي وبحسب بعض الخبراء بوتيرة متسارعة، اثارت المخاوف لدى الكثير من الجهات والمنظمات العالمية المعنية، التي اكدت ومن خلال تقاريرها الخاصة على ان نسب الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي قد وصلت إلى مستويات قياسية وخطيرة، مع زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون بمعدلات هي الأسرع منذ بدء نظام التسجيل العالمي الموثوق به، وهو معدل يعتبر الأعلى لها خلال ما يقارب الثلاثة عقود، داعية إلى اتخاذ إجراء وحلول عاجل لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، التي قد تكون سببا في حدوث كوراث وازمات عالمية جديدة، شأنها أن تزيد من تعقيدات الحياة خصوصا وانها قد تؤثر بشكل سلبي على الامن الغذائي والمائي للشعوب والدول.

فقد شهدت غالبية مناطق العالم وكما يقول بعض الخبراء درجات حرارة أعلى من العادة، وهو ما اسهم بارتفاع منسوب البحار إثر ذوبان الصفائح والجبال الجليدية. وأكثر من 90 % من الحرارة الإضافية الناجمة عن غازات الدفيئة تحتبس في المحيطات التي ستستمر في الاحترار والتمدد على مدى مئات السنين. واكدوا ايضا على ان نسب ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي بلغت وبفعل النشاط البشري المستمر، مستويات قياسية ومن المرتقب أن تصل إلى مستويات اعلى أي أن درجات الحرارة سترتفع لا محالة اذا ما تم وضع خطط عاجلة وسريعة بهذا الخصوص.

وتوقع العلماء ايضا أن يخلو القطب الشمالي من الثلج مع حلول العام 2040، ويقول تقرير آخر لمركز المعلومات الأميركي إن 20% من مساحة الثلوج في المحيط المتجمد الشمالي قد اختفت تماما خلال العامين الماضيين، وإن هذا يمكن أن يؤدي إلى اختفاء المحيط المتجمد في العام 2030. وسيشهد العالم في الفترة القادمة تغيرات مناخية ستهز العالم على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، حيث ستؤدي ظاهرة الاحتباس الحراري إلى اختلال بيني كبير، فالمدن الساحلية والدول الساحلية ذات الأراضي المنخفضة عن سطح البحر، وأراضي الدلتات وكثير من الجزر بالمحيط الهادي والأطلسي والهندي سوف تتعرض لغرق مساحات شاسعة مع ارتفاع مستويات البحار، أما المناطق القريبة من خط الاستواء فقد تصبح صحارى يستحيل الحياة فيها.

ومن مخاطر الاحتباس الحراري أيضا إحداث العواصف والأعاصير المدمرة، بزيادة درجة حرارة سطح البحر إلى درجات تزيد من قوة وعنف العواصف والأعاصير، إضافة إلى ضربها أماكن لم تكن تضربها من قبل، وتكونها في أماكن لم تتكون فيها قبلا، وهي تقضي على كثير من أنواع الحياة في الشواطئ التي تضربها، إضافة إلى الدمار الذي تخلفه، ويؤكد العلماء استحالة صد الأعاصير أو تغيير مسارها أو تفاديها حين تتشكل. كما يؤدي الاحتباس الحراري إلى أضرار صحية وظهور أمراض جديدة بسبب زيادة نسبة الغازات السامة في الجو والتي تضر بالإنسان والحيوان والنبات.

ارتفاع الحرارة يثير مخاوف  

وفي هذا الشأن فقد قال علماء إن عام 2014 قد يحل محل 2010 بوصفه العام الأعلى حرارة على الإطلاق منذ بدأ تسجيل أحوال الطقس في القرن التاسع عشر في مؤشر على أن الاحتباس الحراري يزداد بسبب ارتفاع معدل انبعاثات الغازات المسببة لهذه الظاهرة. ووفقا لبيانات أمريكية وبريطانية فإن الفترة بين يناير كانون الثاني وأكتوبر تشرين الأول 2014 هي بالفعل من اكثر الفترات المسجلة حرارة وإذا انتهى العام بدرجات حرارة غير منخفضة فإن من الممكن أن يتصدر الترتيب بسهولة.

ويشير المشككون في جدوى التحول من استخدام الوقود الأحفوري لوقف ارتفاع درجات حرارة الأرض إلى أن متوسط الحرارة لم يرتفع كثيرا منذ عام 1998 رغم ارتفاع نسبة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. لكن التقييم النهائي لعام 2014 المقرر أن يصدر العام المقبل قد يؤثر على مفاهيم الرأي العام وأصحاب الأعمال بشأن مدى حدة تغير المناخ. ومن المقرر أن توافق نحو 200 حكومة على معاهدة للأمم المتحدة لمكافحة الاحتباس الحراري.

وقال تيم أوزبورن وهو أستاذ في وحدة الأبحاث المناخية بجامعة إيست أنجليا "ستكون 2014 على الأرجح السنة الأعلى حرارة" مضيفا أن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي يتسبب فيها البشر تدفع درجات الحرارة للزيادة. وذكر أن هناك الكثير من الشكوك بشأن المركز الذي ستحصل عليه 2014 بسبب التنوع الطبيعي في درجات الحرارة في أواخر العام. كما أن أي ثورة بركانية قد تنفث حمما تحجب أشعة الشمس وتؤدي لانخفاض درجة حرارة الكوكب.

من جانب اخر يقول علماء إن ارتفاع درجة الحرارة قد يسبب زيادة كبيرة في عدد صواعق البرق في الولايات المتحدة خلال الفترة المتبقية من القرن الواحد والعشرين في أحدث مثال على أنماط الطقس المتطرف التي نتجت عن التغير المناخي. وتوقع باحثون أن تزداد صواعق البرق بنسبة نحو 50 في المئة بحلول عام 2100 في الولايات المتحدة لان العواصف الرعدية ستصبح أشد في العقود القادمة نتيجة ارتفاع حرارة الارض.

وقال الباحثون إن هذه الزيادة يمكن ان تؤدي الى اشتعال مزيد من الحرائق في البراري لان البرق يتسبب بالفعل في إشعال نصف هذه الحرائق في الولايات المتحدة. وتقتل صواعق البرق أيضا عشرات الامريكيين كل عام ويتوقع ان تزداد هذه المخاطر. ومع الأخذ في الاعتبار عوامل تشمل مستويات هطول الامطار وتكاثر السحب وارتفاع درجة حرارة الهواء توقع العلماء زيادة نسبتها 12 في المئة في عدد صواعق البرق مع كل ارتفاع يبلغ درجة مئوية واحدة في متوسط درجات الحرارة العالمية. بحسب رويترز.

ونماذج الاختلاف المناخي الاحد عشر التي استخدمت في الدراسة تشير الى زيادة أربع درجات مئوية في الفترة من الان وحتى عام 2100 . وقال عالم المناخ ديفيد رومبس من جامعة كاليفورنيا في بيركلي ومختبر لورانس بيركلي القومي التابع للحكومة الامريكية الذي قاد الدراسة المنشورة في دورية ساينس "يوجد نحو 30 مليون صاعقة برق كل سنة في الولايات المتحدة الان. لذلك فانه في عام 2100 نتوقع ان يكون هناك نحو 45 مليون صاعقة برق في العام." واضاف أنه مقابل كل صاعقتي برق في 2000 ستكون هناك ثلاث صواعق برق في 2100.

آثار التغير المناخي

على صعيد متصل أعلن البنك الدولي ان بعض الآثار المستقبلية للتغير المناخي -مثل درجات الحرارة المتطرفة والارتفاع الكبير لمنسوب سطح البحر- باتت أمور لا مفر منها حتى اذا بادرت الحكومات الى خفض مستويات الانبعاثات الغازية الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري. وقال البنك إن الانبعاثات السابقة والمتوقعة من محطات القوى الكهربية والمصانع والسيارات اضطرت الكرة الارضية للسير في طريق يفضي بحلول عام 2050 الى متوسط زيادة في درجات الحرارة حول 1.5 درجة مئوية فوق مستوى عصر ما قبل الثورة الصناعية.

وقال جيم يونج كيم رئيس البنك الدولي في مؤتمر صحفي بشأن التقرير الذي يحمل عنوان (خفض الحرارة ومواجهة المناخ العادي الجديد) "يعني هذا ان آثار تغير المناخ مثل درجات الحرارة المتطرفة باتت الآن لا مناص منها". وسيستمر ارتفاع منسوب مياه البحار لقرون بسبب الذوبان البطيء لالواح جليدية عملاقة في جزيرة جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية. وقال التقرير إنه اذا استمرت درجات الحرارة عند مستويات زيادتها الحالية فان منسوب مياه البحار سيرتفع بمقدار 2.3 متر خلال الالفيتين القادمتين.

وأضاف التقرير ان متوسط درجات الحرارة قد ارتفع بالفعل بواقع 0.8 درجة تقريبا منذ الثورة الصناعية. وكتب كيم يقول في التقرير "تؤثر التغيرات المناخية الجوهرية والطقس المتطرف بالفعل على ملايين البشر حول العالم ما يهلك المحاصيل والسواحل ويعرض الامن المائي للخطر". واشار الى نماذج لتطرف الطقس وذوبان الجليد منها أكثر الايام حرارة خلال شهر نوفمبر تشرين الثاني في استراليا في اثناء قمة مجموعة العشرين الاخيرة وسقوط ألواح من الجليد بسمك يتراوح بين خمسة وستة اقدام في منطقة بافالو بالولايات المتحدة.

الا ان التقرير قال إنه لا يزال بالامكان تجنب أسوأ آثار زيادة درجة حرارة كوكب الارض من خلال الحد من الانبعاثات الغازية الناجمة عن الاحتباس الحراري. وعلى سبيل المثال فان زيادة قدرها درجتان مئويتان في متوسط حرارة الارض على ما كانت عليه قبل الثورة الصناعية تعني خفضا في الناتج المحصولي لفول الصويا بالبرازيل بنسبة تصل الى 70 في المئة ونسبة تصل الى 50 في المئة لمحصول القمح عام 2050. بحسب رويترز.

ودافع كيم عن سياسات البنك الدولي التي تسمح بالاستثمار في الوقود الحفري في الدول النامية في احوال نادرة قائلا إن ذلك يسري في الاغلب على محطات الطاقة لتوفير الكهرباء اللازمة للعمل على انهاء الفقر. وقال "يبلغ اجمالي القدرة الكهربية المولدة في افريقيا جنوب الصحراء نحو 80 جيجاوات وهو ما يقل عن حجم الطاقة في اسبانيا".

مخاطر على الدول الزراعية

في السياق ذاته قالت شركة عالمية لتحليل المخاطر إن تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي "يضاعفان من المخاطر" وإن 32 دولة تعتمد على الزراعة معرضة "بشدة" للصراعات أو الاضطرابات المدنية خلال الثلاثين عاما المقبلة. وذكرت شركة مابلكروفت الاستشارية في دراستها السنوية بعنوان "أطلس تغير المناخ والمخاطر البيئية" أن الاضطرابات السياسية والعرقية والطبقية والدينية قد تتفاقم بسبب نقص الغذاء وارتفاع الأسعار.

وأشار المحللون إلى أن القادة العسكريين في العديد من الدول يسبقون حكوماتهم في التركيز على مثل هذه المخاطر. وأضافت الشركة ومقرها بريطانيا أنه في نيجيريا على سبيل المثال قد يكون لصعود جماعة بوكو حرام الاسلامية المتشددة علاقة بتحركات سكانية تسببت فيها موجة جفاف ضربت شرق افريقيا قبل عشر سنوات. وذكرت أن بنجلادش وسيراليون وجنوب السودان ونيجيريا وتشاد وهايتي واثيوبيا والفلبين وجمهورية افريقيا الوسطى واريتريا هي الدول الأكثر عرضة للخطر.

كما تشمل فئة الدول المعرضة للخطر "الشديد" اقتصادات سريعة النمو من بينها كمبوديا والهند وميانمار وباكستان وموزامبيق. والقاسم المشترك بين الدول الأكثر تضررا هو اعتمادها على الزراعة حيث يشتغل 65 في المئة من العدد الإجمالي للقوى العاملة بين سكانها في الزراعة التي تمثل 28 في المئة من انتاجها الاقتصادي الاجمالي.

وقال جيمس الان المدير المساعد في مابلكروفت "أعتقد أن المدهش (في البيانات الجديدة) هو الصلة الوثيقة بين الأمن الغذائي وتغير المناخ.. لم نكن نتوقع هذا القدر من الصلة." وقد يشعر الناس العاديون بالجوع إذا لم تتمكن بلدانهم من انتاج ما يكفي من الغذاء كما تواجه الشركات مخاطر متزايدة بسبب تغير المناخ إذا حظرت الدول تصدير المواد الغذائية الأساسية.

وقال الان إن هناك مخاطر "تتعلق بسمعة" الشركات التي تصدر المحاصيل من أجل الأرباح التجارية من دول تعاني من انعدام الأمن الغذائي في الداخل. وتقدر لجنة تغير المناخ التابعة للأمم المتحدة التي تشارك في عضويتها الحكومات أن انتاج المحاصيل الأساسية كالأرز والقمح والذرة قد يتراجع بنسبة تصل إلى 50 في المئة في بعض المناطق على مدى الخمس والثلاثين سنة المقبلة نتيجة لتغير المناخ.

وتؤكد دراسة مابلكروفت تقارير لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) وكيانات عسكرية أخرى بشأن التداعيات الأمنية للاحتباس الحراري في العالم. وأضافت الدراسة أنه في حين تتردد بعض الحكومات ازاء التزاماتها بتقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري فإن المؤسسات العسكرية الرئيسية في العالم تدرك مخاطر الظاهرة على السلام والاستقرار.

وقال الان "بمعنى أن الجيش يسبق الحكومة فيما يتعلق بتغير المناخ لأن بإمكانه رؤية التداعيات المباشرة. "ينظرون الى ذلك على انه مسألة إدارة مخاطر في حين يعمل (النواب المنتخبون) على تسييس علوم المناخ بسبب الضغوط الداخلية." وعلى سبيل المثال أعاد الجيش الأمريكي النظر في توقعاته بشأن تغير المناخ فبعد أن كان يعتبره مضاعفا للمخاطر أصبح يرى فيه عاملا مساعدا على اثارة الصراع.

كما ربط تقرير مابلكروفت بين ما يعرف بالربيع العربي والصراع في سوريا وأمثلة أخرى على الاضطرابات الاجتماعية من ناحية وتذبذب أسعار الغذاء وتغير المناخ من ناحية أخرى. وقال ريتشارد هوستون المحلل البيئي في مابلكروفت "من المثير للتحدي الربط مباشرة بين هذه الاتجاهات و(جماعات عنيفة مثل) بوكو حرام لأن هناك العديد من العوامل."

وكانت موجة جفاف قد ضربت معظم أجزاء شرق افريقيا في أوائل العقد الأول من الألفية الثالثة وأدت إلى زيادة في أعداد المهاجرين إلى نيجيريا من دول مجاورة مما أثار توترات مع السكان المحليين وتنافسا على فرص العمل الشحيحة. وقال هوستون إن الشبان المحرومين الذين تتضاءل أمامهم آفاق العمل يمثلون بيئة خصبة للتجنيد بالنسبة لجماعات مثل بوكو حرام. بحسب رويترز.

وذكرت الدراسة أن بعض الدول حسنت من ترتيبها فيما يتعلق بالمناخ والغذاء عن طريق الاستثمار في تقليل الفقر وتحسين البنية التحتية والمحاصيل المقاومة للجفاف. وفي السنوات الأخيرة تحسنت مراكز اندونيسيا والصين والهند والفلبين في مؤشر مابلكروفت للقدرة على التكيف. وقال هوستون "يجب أن يوجه تمويل التكيف على تغير المناخ إلى الأمن الغذائي" إذا أرادت الشركات والحكومات تفادي انعدام الأمن المتصاعد.

استراليا و الاحترار المناخي

الى جانب ذلك اظهرت دراسة تخلف استراليا وراء الولايات المتحدة والصين في مكافحة التغير المناخي بعد تراجع نسبته 70 % في الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة. وذكر تقرير مجلس المناخ وهو هيئة مستقلة، ان استراليا التي تسجل اعلى معدل من انبعاثات الكربون للفرد في العالم، انتقلت من وضع القائد الى وضع التلميذ السيء في مجال مصادر الطاقة المتجددة وهو اكثر الوسائل كلاسيكية لمحاربة الاحترار المناخي في العالم.

وشدد التقرير على ان "مستقبل صناعة مصادر الطاقة المتجددة في استراليا غير اكيد بسبب عدم الوضح في سياسة الحكومة الفدرالية في هذا المجال". واضاف "في العام 2014 تراجعت الاستثمارات في مجال مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 70 % مقارنة بالعام السابق". ومنذ توليه السلطة العام الماضي، الغى رئيس الوزراء المحافظ توني آبوت الضريبة على الكربون التي اعتمدها سلفه ودافع عن استخدام الفحم الذي يعتبره اساسيا من اجل ازدهار الاقتصاد المحلي. بحسب فرانس برس.

ولاحظت الدراسة الجديدة في المقابل ان الدولتين اللتين تسجلان اعلى مستوى من انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة اي الولايات المتحدة والصين، هما في الصدارة فيما يتعلق بمشاريع التطوير والاستثمار في قطاع مصادر الطاقة المتجددة في حين ان دولا اخرى تختار اكثر فاكثر فرض ضريبة على الكربون. وحددت استراليا هدفا لنفسها بخفض حجم الانبعاثات بنسبة 5 % بحلول العام 2020 مقارنة مع المستوى الذي كانت عليه في العام 2000. واسست الحكومة للتو صندوقا بقيمة 2,55 مليار دولار استرالي (1,4 مليار يورو) لحث الشركات على التعاون في هذا المجال.

جهود عملية متواصلة

من جانب اخر يقول عمال إغاثة إنه في الوقت الذي تبدأ فيه محادثات المناخ يلحق ذوبان الأنهار الجليدية والأحوال الجوية الأكثر تطرفا مثل موجات الحر أو الصقيع القارس أضرارا بالمحاصيل والدخل. وقال ميلو ستانويفيتش مدير مؤسسة كير الدولية في بيرو "من الأنديز إلى الغابات تبذل المجتمعات قصارى جهدها ولكن جهودها لن تكون كافية أبدا دون عمل عالمي طموح يتعامل مع التغير المناخي." وقالت كير إن الحكومات بحاجة أيضا إلى مساعدة الفقراء الذين يعانون بالفعل من آثار التغيرات المناخية بما في ذلك التعرض لأحوال جوية قاسية وارتفاع منسوب مياه البحار.

وتركزت الأنظار على أهداف جديدة أعلنتها الولايات المتحدة والصين -وهما أبرز دولتين في العالم تتسببان في ظاهرة الاحتباس الحراري- لكبح التلوث الناجم عن انبعاثات الكربون. وفي الوقت ذاته هناك مساع أهدأ لتسليط مزيد من الأضواء على جهود التكيف مع الآثار التي لا يمكن تفاديها للتغير المناخي. وتتضمن هذه الجهود تأسيس بنية تحتية أكثر مرونة بينها إقامة أنظمة تحذير من الكوارث وتعليم المزارعين الاستفادة من مياه الأمطار.

وقالت سام سميث مديرة مبادرة المناخ العالمي والطاقة في الصندوق العالمي للطبيعة "لم يعد خفض الانبعاثات كافيا بل نحتاج أيضا للتكيف مع التغيرات المناخية حيثما كان ذلك ممكنا وحيثما كان غير ممكن. الدول بحاجة إلى التعويض بطريقة ما." وطالما نادت الدول النامية من منطقة المحيط الهادي إلى منطقة افريقيا جنوبي الصحراء وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية بمبادرات للتكيف تتيح لها تلقي المزيد من التمويل قائلة إنها يجب أن تحصل على نصف التدفقات المالية المخصصة للتغير المناخي.

وفي عام 2013 مثل تمويل مبادرات التكيف سبعة في المئة فقط من الاستثمار العالمي في مكافحة التغير المناخي. ومنذ عام 2003 حصلت مبادرات التكيف على نحو 17 بالمئة من الانفاق الذي اقرته الصناديق المناخية المدعومة من الحكومات للدول النامية. إلا أن الخبراء تزداد ثقتهم في أن الدفة بدأت تتحول. ويهدف الصندوق الأخضر -الذي يسعى إلى أن يصبح آلية التمويل المناخية العالمية الرئيسية- إلى تحويل نصف موارده إلى مبادرات التكيف.

وقال سليم الحق مدير المركز العالمي للتغير المناخي والتنمية ومقره بنجلادش إن الدول الغنية تفهمت الآن أن التكيف قضيتها هي أيضا بعد الكوارث المناخية المكلفة التي تعرضت لها مثل الاعصار ساندي الذي سبب خسائر للولايات المتحدة بلغت 50 مليار دولار في عام 2012. بحسب رويترز.

 ومن بين النقاط الساخنة هي ما إذا كان يتحتم على الدول القيام بمساع للتكيف في إطار مساهماتها في الاتفاق الجديد. ومن المفترض أن تعرض هذه المساهمات على مائدة المفاوضات في بداية العام المقبل إلا أن بعض الدول الصناعية تقول إن هذه المساهمات يجب أن تغطي فقط أعمال خفض الانبعاثات. ولكن بالنسبة للدول الأقل نموا فإن هذه المساهمات مجرد صلة تربط خطط التكيف الحالية والمستقبلية بحجم الدعم المادي والفني اللازم لتنفيذها.

محيط جبال الالب

في السياق ذاته فالتركيز على مشاريع خاصة للمتنزهين بدل المتزلجين هو ما مطروح بقوة في ظل سعي المناطق الموجودة في محيط جبال الالب والتي تضررت اكثر من غيرها جراء التغير المناخي، الى استباق نتائج الارتفاع المتواصل في درجات الحرارة، وهو امر حتمي بحسب العلماء.

وقالت اندريا فيشر الخبيرة في المجلدات في معهد البحوث بشأن الجبال في انسبروك بالنمسا ان "فكرة البيئة التي لا تتأثر بالتحولات جميلة. لكنها لا تشبه حقيقة الحياة القائمة على التكيف المستمر". ومع زيادة عدد الايام المشمسة بنسبة 20 % منذ 1880 وارتفاع درجات الحرارة اسرع بمرتين من المعدل العالمي، تعتبر جبال الالب من اكثر المناطق المتضررة جراء الاحترار المناخي العالمي.

وتراجعت مساحات المجلدات النمسوية بمعدل 15 % في اقل من 20 عاما، كما الحال مع باستيرزي اكبر هذه المساحات الجليدية على ما يؤكد معهد البحوث بشأن الجبال في انسبروك. كما ان الحظوظ تتضاءل يوما بعد يوم في امكان حصر الارتفاع العالمي لدرجات الحرارة بدرجتين مئويتين بحلول نهاية القرن الحالي، بحسب تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تم تقديمه في كوبنهاغن.

ومع اخذهم بهذه البيانات، توحد معاهد بحوث وجمعيات جهودها لمحاولة استباق النتائج السلبية لهذا الوضع خصوصا في اطار مشاريع مثل "سي 3 البس" الذي يضم شركاء من البلدان الثمانية التي تمر فيها سلسلة جبال الالب (المانيا والنمسا وفرنسا وايطاليا وليشتنشتاين وسلوفينيا وسويسرا). وأوضحت كارين سيغوارت نائبة مدير المكتب الفدرالي السويسري للبيئة العضو في تجمع "سي 3 البس" "اننا بتنا نشعر بتبعات التغير المناخي ويتعين علينا تولي زمام الامور. انها مشكلة عابرة للحدود وتتطلب تعاونا بين مختلف الدول".

حتى ان بعض مراكز التزلج في الجبال المنخفضة او المتوسطة الارتفاع، كما الحال مع ستوكهورن في سويسرا، تخلت عن انشطتها المرتبطة بهذه الرياضة الشتوية لتخصص مساحاتها للمتنزهين حتى في فصل الشتاء. لكن بالاضافة الى الاثر السياحي، يمكن للتغير المناخي ان يحمل تداعيات خطرة جدا ويجب التعامل معها بجدية مطلقة لأثرها على سلامة السكان والبنى التحتية في منطقة جبال الالب، ومنها زيادة الفيضانات وانزلاقات التربة او حرائق الغابات.

وقال يورغ ريبنريغ مدير المعهد النمسوي للبيئة العضو ايضا في مجموعة "سي 3 البس"، "تخيلوا نتيجة انهيار للتربة في واد سحيق مع طريق وسكة حديد وربما خطوط كهربائية ومساكن... هذا ما نحاول استباقه". وفي هذا البلد، استثمرت مقاطعة تيرول 125 مليون يورو لحماية اجزاء من الطرقات من الانهيارات تحسبا لتكرار هذه الظاهرة.

وفي الشمال، في منطقة نهر الدانوب، غيرت السلطات النمسوية مكان سكن حوالى 250 اسرة قاطنة قرب النهر بسبب المخاطر المتزايدة للفيضانات بكلفة 90 مليون يورو. كذلك يمكن لقطاعات عدة كالزراعة والصناعة الكهرومائية وتوفير المياه للاستهلاك البشري ان تتضرر بسبب تكرار ظواهر الجفاف خصوصا بسبب تقلص مواقع التخزين الطبيعية التي تمثلها حقول الثلج، بحسب الخبراء. بحسب فرانس برس.

وفي المانيا، يتم حض المزارعين على زراعة انواع مقاومة للحرارة ولا تتطلب الكثير من المياه لريها. وأوضحت سيغوارت "انه يجب الانطلاق من مبدأ اننا سنشهد مزيدا من الاوضاع القصوى فيضانات وايضا شح في المياه"، مشيرة الى ضرورة "توعية السكان على الارض لأن تبعات التغير المناخي سيشعرون بها محليا". كذلك تأمل المناطق المحيطة بجبال الالب ان يمثل عملها في مواجهة ظواهر التغير المناخي قدوة للدول الفقيرة في طريقة التعاطي مع هذه الازمة العالمية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/كانون الأول/2014 - 14/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م