نيويورك.. مدينة الفئران والإدمان والتشرّد

 

شبكة النبأ: مدينة نيويورك تعد واحدة من اشهر واهم المدن في العالم، هي ايضا المدينة الأعلى في الكثافة السكانية في الولايات المتحدة الأمريكية، والأكثر تأثيراً في مختلف المجالات سواء كانت تجارية او اقتصادية او السياسية كما يقول بعض المراقبين، فهي عاصمة اقتصادية للولايات المتحدة لكثرة الشركات والبنوك العالمية فيها، لذا فقد اصبحت أهم مراكز التجارة والمال في العالم. حيث يوفر الموقع الجغرافي لمدينة نيويورك وجودة بنيتها التحتية للمواصلات منفذا لسوق استهلاكية مهمة جدا، بالإضافة لوجود أحد أبرز الموانئ في العالم فيها و ثلاثة مطارات تعد" من أكثر مطارات البلاد حركة. وتعود جذور مدينة نيويورك إلى العام 1624 حيث تم إنشاؤها كمركز تجاري من قبل المستوطنين من الجمهورية الهولندية، وكانت نيويورك عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية من العام 1785 وحتى 1790.

وعلى الرغم مما تقدم فمدينة نيويورك كغيرها من المدن الاخرى تواجه الكثير من الازمات و المشكلات المزمنة التي اثرت على حياة الكثير من الناس في هذه المدينة ولعل من اهم هذه المشكلات الفقر والجريمة والمخدرات والتفرقة العنصرية، ففي نيويورك وحدها وكما تشير بعض المصادر يعيش نصف مدمني المخدرات في الولايات المتحدة، كما أن بها أربعة ملايين مواطن يعيشون على اعانات الضمان الاجتماعي. ويعد السكن من أهم المشاكل في نيويورك. إذ يسكن نحو 65% من سكان المدينة في شقق أو فنادق مؤجرة خلافـًا لما يوجد في الولايات الأخرى، حيث تسكن غالبية الأسر في منازل منفردة ومملوكة. كما أن غالبية منازل المدينة قديمة بنيت قبل عام 1940م، وتحتاج إلى التجديد.

وباء الهيرويين

وفيما يخص بعض اخبار هذه المدينة المهمة فقد أطلقت السلطات في مدينة نيويورك صفارة الانذار لمكافحة "وباء" الهيرويين الذي ضبطت منه كميات قياسية في العام 2014 وادى الى ارتفاع كبير في عدد من قضوا تحت تأثير الجرعات الزائدة. وقالت بريدجيت برينان المحققة المكلفة بقضايا المخدرات في المدينة "لقد ضبطنا هذا العام 131 كيلوغراما من الهيرويين" تقدر قيمتها بما بين 40 مليون دولار و60 مليونا.

وأضافت المحققة في افادتها امام المجلس البلدي للمدينة "هذا الامر لم يسبق له مثيل في مدينتنا". واشارت الى ان عدد من قضوا تحت تأثير جرعات زائدة ارتفع بنسبة 84 % بين العامين 2010 و2012. ووصفت المحققة مدينة نيويورك بانها اصبحت "محور ترويج الهيرويين في شمال شرق الولايات المتحدة". وبينت ان نسبة تعاطي هذه المادة القاتلة ارتفعت في صفوف الشباب من الطبقة الوسطى وبين المتعلمين. بحسب فرانس برس.

ومصدر هذه المخدرات كولومبيا، وتتكفل عصابات المخدرات المكسيكية بنقلها الى الحدود الاميركية، وعادة ما تدس بين شحنات الفواكه واحيانا في بطاريات الشاحنات. وفي وقت سابق الماضي اطلق وزير العدل الاميركي اريد هولدر تحذيرا مما وصفه بانه "أزمة صحة عامة" متصلة بازدياد تعاطي الجرعات الزائدة من الهيرويين وبعض المسكنات المصنوعة من الافيون.

مطالب حراس العقارات

الى جانب ذلك قام حشد كبير من البوابين في مدينة نيويورك بمسيرة بمحاذاة المباني الفاخرة بواحدة من أكثر المناطق ثراء في مانهاتن للمطالبة بزيادة الاجور وتفويض نقابتهم بالإضراب اذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم. وفي المدينة التي قفزت فيها أسعار المساكن الى أعلى مستوياتها على الاطلاق دعا العمال الذين يخدمون في المباني الى عقود جديدة تحمي المزايا وتقدم زيادات في الاجور تتماشى مع ارتفاع تكاليف المعيشة.

وقال هيكتور فيجيروا رئيس نقابة العاملين في خدمة العقارات في نيويورك في كلمة امام العاملين في بارك افينيو "مع ارتفاع ايجارات المنازل لمستويات قياسية في انحاء المدينة حان الوقت لنحصل على زيادة في الاجور." وقال فيجيروا ان اعضاء النقابة وأثناء اجتماعهم الحاشد الذي استمر نحو ساعة فوضوا بأغلبية كاسحة ممثليهم للدعوة الى اضراب اذا لم يتمكنوا من التوصل الى اتفاق. وأعطى العمال موافقتهم بالهتاف أو برفع الايدي. بحسب رويترز.

وقال منظمو الاحتجاج ان نحو 7500 حارس عقار شارك في المسيرة في بارك افينيو. ولوح المشاركون باشارات صفراء وقرعوا الطبول ونفخوا في الصافرات. أما حراس العقارات الذين لم يتمكنوا من المشاركة في الاحتجاج فوقفوا أمام المباني التي يخدمون فيها في الشارع ورفع أحدهم قبضته تضامنا. وقال ايرل ويذرز (56 عاما) وهو حارس بوابة في مجمع سكني في بروكلين شارك في المسيرة "مثل أي شخص آخر أود أن أسدد ايجار منزلي وان أجد تكاليف طعامي. وعندها سأكون سعيدا."

فأر لكل مواطن

في السياق ذاته قد تزخر مدينة نيويورك الامريكية التي يسميها البعض (التفاحة الكبرى) بملايين الروايات ومنها انها مأوى لما يصل الى ثمانية ملايين فأر أي فأر لكل مواطن لكن بحثا احصائيا بجامعة كولومبيا يقول ان هذا التقدير مغالى فيه على الأرجح .. وقدر عدد الفئران بمليونين فقط. ويقول جوناثان اورباك الذي يحضر للدكتوراه في جامعة كولومبيا وكتب مقالا عن هذه الظاهرة نشر في مجلة سيجنيفيكانس ان عدد فئران نيويورك هو على الأرجح مليونان.

ويقول اورباك إن المقولة عن وجود فأر لكل مواطن في نيويورك عمرها قرن كامل وانها صمدت كل هذا الوقت لان حصر عدد الفئران بشكل موثوق به أمر صعب وان كان وجود الفئران لا يخفى على أحد ويشهد بذلك غالبية من يعيشون في المدينة الذين يرونها تركض على قضبان قطارات الانفاق ووسط القمامة. وكتب اورباك في مقاله الذي فاز بجائزة الاحصائيين الشبان في مسابقة للكتابة نظمتها جمعية الاحصاء الملكية البريطانية يقول "الحيوانات لا تستجيب لأي مسح." بحسب رويترز.

لكن الباحث لم يسمح لهذه الصعاب ان تعطله لأنه يؤمن بفائدة الاحصاءات الدقيقة نظرا لمخاطر نقل الامراض التي تشكلها القوارض وأيضا تسببها في اشعال الحرائق لانها تقرض الاسلاك الكهربائية كما انها في أحيان تعض الناس. وخلص اورباك في بحثه الى ان عدد فئران نيويورك يقدر بمليونين. لكن ادارة الصحة المسؤولة عن مشكلة الفئران قالت ان الاسلوب الذي انتهجه الباحث لا يعتد به في احصاء عدد فئران أي مدينة كبيرة.

حرب العربات المستعرة

من جانب اخر تستعر الحرب حول العربات التي تجرها جياد في سنترال بارك في نيويورك التي تعود الى اكثر من مئة سنة في حين يريد رئيس بلدية المدينة الجديد ان يستبدلها بسيارات كهربائية. وقال رئيس البلدية بيل دي بلازيو "سنتخلص من العربات هذه. فهي لا تصب في اطار التصرفات الانسانية ولا تتماشى مع العام 2014". وجدد القول "الامر غير قابل للنقاش" لكنه وعد في الوقت ذاته بالحديث الى الذين يعتاشون من هذا النشاط السياحي الذي يعمل في اطاره 220 حصانا و170 حوذيا بدوام كامل مع 68 عربة خيل.

وتوضح تشيلسي شادت وهي مسؤولة "نيويورك كلاس" مجموعة الضغط التي تريد التخلص من هذه العربات "نيويورك من اكثر مدن العالم ازدحاما وهذه الخيول تعمل في وسط حركة السير وانوفها في عوادم السيارات. هذه البيئة ليست مناسبة لها". وقدمت المجموعة 1,3 مليون دولار لحملات دي بلازيو ومرشحين اخرين في البلدية معارضين لهذا النشاط السياحي الذي صور بطريقة رومنسية جدا في افلام كثيرة.

وتشدد تشيلسي شادت "الامر يتعلق فقط بالدفاع عن الحيوانات" مشيرة الى وقوع حوالى عشرين حادثا كانت عربات ضالعة فيها في السنتين الاخيرتين. وتقول "الجياد بحاجة الى ان ترعى يوميا وان تتواصل مع احصنة اخرى" مشددة على ان جياد سنترال بارك لا تحظى بذلك فتنتقل من الحظيرة الى المتنزه ومنه الى الحظيرة مجددا. وفي الحظائر الاربع التي تستضيفها، يسود ترقب قلق.

كونور ماكهيو وهو ايرلندي قوي البنية يدير اسطبلات كلينتون بارك على الشارع رقم 52 وهو يفتح بسرور ابوابها امامنا. وقد بنيت هذه الاسطبلات في العام 1860 وتستضيف في الطابق السفلي العربات المصفوفة بترتيب مع ازهارها البلاستيكية واعلامها الاميركية. وفي الطابق الاعلى 79 حصانا في مرابط فردية مساحتها 3 امتار على 2,4 مترا على الاقل.

ويشير ماكهيو الى احواض المياه والتبن ونظام الري الالي في حال وقوع حريق. ويوضح ان كل الاحصنة التي تنزه السياح في سنترال بارك يجب ان تمضي خمسة اسابيع سنويا في مزرعة ولا يمكنها ان تعمل اكثر من تسع ساعات في اليوم بما يشمل مدة الانتقال الى المتنزه والعودة منه. ولا تعمل ايضا اذا تجاوزت الحرارة 32 درجة مئوية او تدنت عن من سبع درجات تحت الصفر.

ويضيف "المعارضون لنا يشددون على ان جيادنا لا تمضي وقتا في المزرعة ولا يمكنها ان تعدو في الحقول ولا يمكنها ان تعيش مثل سائر الجياد. الا ان القانون يؤمن لها كل ذلك". لكن تشلسي شادت ترد على ذلك قائلة انه رغم وجود انظمة وقواعد "فلا مجال لوضع اطر لهذا القطاع ليصبح اكثر مراعاة للحيوانات". وتريد "نيويورك كلاس" تاليا ان تستبدل العربات بنسخ من سيارات تعود الى مطلع القرن العشرين كهربائية توفر "الشعور نفسه بالحنين الى الماضي" على ان ترسل الجياد الى "محميات" لتعيش ما تبقى لها من حياة بهدوء.

واعتبرت تشلسي شادت ان هذا يشكل "بديلا عادلا جدا" لانه "سيوفر فرص عمل" للاشخاص الذين يعملون راهنا على العربات. والنموذج الاول لهذه السيارة التي تقدر كلفتها بـ450 الف دولار قد يجهز بحلول الربيع. وينص المشروع الذي ينبغي ان يقره المجلس البلدي، على سحب العربات على ثلاث سنوات ونشر عدد متزايد من هذه السيارات القديمة خلال الفترة ذاتها.

الا ان المشروع يثير غيظ كريستينا هانسن الناطقة باسم جمعية عربات الخيل في نيويورك (هروس اند كاريدج اسوسييشن). فهي تدين "خليط غريب من المصالح بين القطاع العقاري والمدافعين عن البيئة الذين صرفوا المال والوقت لانتخاب بيل دي بلازيو لانه وعد بمنع عربات الخيل".

وتضيف امام عربتها التي ركنتها قرب فندق بلازا اوتيل عند الزاوية الجنوبية الشرقية لسنترال بارك "المدافعون عن الحيوانات يعتبرون ان كل الذين يملكون حيوانات على خطأ وان عليهم التوقف عن العمل. اما بالنسبة للقطاع العقاري فاسطبلاتنا موجودة في غرب مانهاتن وقيمتها عالية جدا. ونحن لن نبيعها طالما لدينا احصنتنا". وهي شأنها في ذلك شأن كونور ماكهيو عازمة على النضال. بحسب فرانس برس.

وتقول "نعشق الجياد واحصتنا بصحة جيدة وسعيدة. في حال تم اقرار المشروع سنلجأ الى القضاء لان القرار مخالف للدستور". وتختم قائلة "نحن في نيويورك وفي سنترال بارك الكل يعرف بعرباتنا. والامر اشبه بتجريد المدينة من تمثال الحرية او مبنى امباير ستايت بلدينغ".

مدينة المدافن الجماعية

على صعيد متصل يجهل اكثرية سكان نيويورك وجود جزيرة صغيرة في اقصى شرق حي برونكس يتعذر الوصول اليها وتضم اكبر مقبرة جماعية دفن فيها حوالى مليون شخص. ومع مقابر لأطفال ولدوا ميتين توفوا بعد فترة وجيزة من ولادتهم وفقراء ومشردين، تعتبر جزيرة هارت ايلاند احد اكبر المدافن في الولايات المتحدة واقلها استقبالا للزوار.

كما ان التأمل امام ضريح الاشخاص المتوفين داخل هذه المدافن يبدو صعبا، اذ لا وجود فيها لشواهد القبور ولا للاسماء. ويتم الاشارة الى كل مدفن جماعي بعلامة بيضاء صغيرة احيانا بلاستيكية. ويتم دفن الموتى في هذا المكان من جانب معتقلين في سجن رايكرز ايلاند بواقع اربعة ايام اسبوعيا بعيدا عن الانظار: حوالى 150 نعشا لاشخاص بالغين في كل مدفن جماعي بطول 21 مترا. كما يدفن حوالى الف طفل في نعوش صغيرة من خشب الصنوبر يتم التعريف عن اصحابها بارقام وفي مدافن جماعية منفصلة.

وتوضح ميليندا هانت مديرة مشروع "هارت ايلاند بروجكت" الذي يوثق منذ سنوات ما يجري في المكان، ان حوالى 1500 شخص يدفنون سنويا في هذه المدافن الجماعية. كما ان عدد الاشخاص المدفونين في هذا الموقع منذ 1869 يقارب المليون بحسب السلطات. ولا يسمح باستخدام الات التصوير في هذه الجزيرة غير المأهولة. كما لا يسمح بدخول اي كان اليها. وهذا المنع مرده لأن جزيرة هارت ايلاند التي تمثل احدى موروثات الحقبات الغابرة وقد ضمت على مر السنين مخيما لاسرى الحرب ومأوى للعجزة وسجنا ومنفى للنساء وحتى قاعدة لاطلاق المضادات الجوية، تتم ادارتها من جانب هيئة ادارة السجون في نيويورك.

الحاجز الوحيد الذي يتيح الدخول الى الموقع محظور عبوره للعموم اذ انه مسيج بالعوائق والاسلاك الشائكة. كما ان لافتات مرفوعة في المكان تحذر العابرين من خطر الدخول. كذلك فإن الاطلاع على سجلات المدافن لطالما كان متعذرا. البعض منها ضاع والبعض الاخر التهمته النيران. وفي بعض الاحيان تعذر على العائلات معرفة ما اذا كان احد اقربائهم مدفونا في المكان.

حتى ان اي خريطة للموقع لم تصدر الا في العام 2009 بحسب ميليندا هانت الفنانة التي تناضل منذ سنوات من اجل السماح بفتح الموقع امام الاقارب. وتقول هانت "ثمة حق مكتسب بزيارة الضريح ومعرفة مكان وجود احدهم. المشكلة مع جزيرة هارت ايلاند تكمن في ان الناس بطريقة ما يختفون فيها"، مضيفة "هذا الامر غير مقبول في كل الثقافات".

الا ان وزارة السجون توضح ان الموقع ليس مؤهلا لاستقبال زوار بسبب سوء وضع البنى التحتية في هذه الجزيرة ذي الابنية المهجورة المتداعية وحيث تنتشر الاعمدة البيضاء. لكن السلطات سمحت نزولا عند ضغوط الاقارب بزيارات قليلة خلال السنوات الاخيرة تحت خيمة صغيرة بعيدا عن المدافن. وتوضح الاين جوزف البالغة 59 عاما وتعمل ممرضة بعد خدمة في سلاح البحرية استمرت 23 عاما "لا يمكننا رؤية شيء من الخيمة. لا وجود لاي مدفن. كل ما هنالك شجرتان ومبان مهدمة". ولهذه الامرأة ابنة صغيرة توفيت بعد خمسة ايام على ولادتها في 1978.

وتشير الى انه قبل الدخول الى الموقع "يجب اظهار الاوراق الثبوتية وترك الهاتف وكل الاجهزة الالكترونية"، معتبرة ان "الامر اشبه بزيارة احد المساجين". ومع ثماني نساء اخريات، توعدت جوزف برفع دعوى قضائية اذا لم يتم السماح لها بزيارة ضريح ابنتها. وقد حصلت على قرار رسمي يؤيد هذا المطلب.

وفي الموقع الذي دفنت فيه ابنتها، اجهشت الاين بالبكاء. وتقول "لم اجد السكينة، لكنني بتت اعلم اين هي. وقد شعرت بقليل من الارتياح عندما رأيت ان ثمة ماء وشجرة". كما انه تم السماح لها بالتقاط صورة في الموقع. وكانت الاين اول شخص يسمح له بالذهاب للتأمل امام مدافن جماعية محددة. اما لوري غرانت الطبيبة البالغة 61 عاما والتي انجبت طفلة ولدت ميتة في 1993، فيعتقد انها الثانية في هذا الوضع. لكن عبثا فعلت غرانت بالانتظار تحت المطر قرب الحاجز الذي يفصل عن دخول الجزيرة.

فبسبب نية سيئة او سوء تنسيق بين المحامين، كان الاشخاص المولجون مرافقة غرانت لعبور الحاجز والدخول الى الموقع قد غادروا المكان لدى وصولها. وتم فتح العوائق لفترة وجيزة امام حافلتين للسجناء وشاحنة صغيرة قبل ان يعاد اغلاقها لتقفل معها الطريق امام حلمها بالقاء نظرة وداع لا تزال مستحيلة. وعلى مر السنوات، تجهل ميليندا هانت عدد العائلات التي ساعدتها على ايجاد مكان قريب لهم مدفون في جزيرة هارت ايلاند، لكنه "يتخطى بالتأكيد الـ500". وهذه العائلات تضم اشخاصا اميركيين، لكن بينها ايضا اناس من فرنسا وبريطانيا وهولندا وبولندا، كذلك ثمة ايرلندية جاءت للبحث عن جد لها متوف. بحسب فرانس برس.

ونجح مشروع "هارت ايلاند بروجكت" الذي يوثق البيانات المتعلقة بالاشخاص المدفونين في هذه الجزيرة، في اعداد بنك للبيانات لـ60 الف شخص. ومؤخرا، تم ايداع مشروع قانون امام المجلس البلدي ينص على انتقال الجزيرة الى سلطة الادارة الرسمية المعنية بالحدائق. لكن مشروعا مشابها تم تقديمه خلال تولي مايكل بلومبرغ رئاسة بلدية نيويورك لم يجد يوما طريقه الى المناقشة. وتأمل ميليندا هانت اقراره خلال السنتين المقبلتين. كما تأمل الاين جوزف في ان تتمكن يوما من العودة بحرية الى جزيرة هارت ايلاند، "هذا المدفن العام الذي يمنع العموم من دخوله". كذلك تحلم بوضع ازهار وشاهد على قبر ابنتها تخليدا لذكراها.

الحياة في مانهاتن

من جانب اخر استعادت اجواء مانهاتن احدى اهم رموزها مع تدشين برج "وان وورلد ترايد سنتر" في نيويورك الذي شيد في موقع هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر ويرمز إلى عودة الحياة إلى مجراها بعد طول انتظار في مانهاتن. فقد انتقل نحو 500 موظف من مجموعة "كونديه ناست" الإعلامية إلى هذا البرج بعيدا عن الأضواء، ومن المرتقب أن ينضم إليهم 3 آلاف شخص بحلول الربيع.

وسلطت الأضواء اخيرا على البرج بعد عملية إنقاذ ملفتة لعاملي تنظيف زجاج علقا في الطابق 68 من ناطحة السحاب هذه التي تضم 104 طوابق والبالغ ارتفاعها 541 مترا (بما في ذلك السهم) والتي هي أعلى أبراج الولايات المتحدة والقارة الأميركية. ويطل البرج الزجاجي المشيد على مساحة 6,5 هكتارات على النصب التذكاري لهجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر المخصص لذكرى ضحايا تلك الهجمات البالغ عددهم 2735 قتيلا (فضلا عن 6 ضحايا في هجوم أول سنة 1993)، إلى جانب المتحف المخصص لتلك الأحداث. وقد كلف برج التجارة العالمي 3,9 مليارات دولار.

وبعد 13 سنة على تلك الهجمات، بات هذا البرج "مبنى المكاتب الأكثر أمنا في العالم"، على حد قول باتريك فوييه المدير التنفيذي لهيئة المرافئ في نيويورك ونيو جيرزي التي تملك الموقع. وقد شيد حائط خاص مضاد للتفجيرات حول المدخل الواسع البالغ علوه 15 مترا. وتصل دعائمه الاسمنتية إلى عمق 57 مترا. وقد خصصت سلالم لفرق الانقاذ. وتحمي كتلة اسمنتية المصاعد والسلالم، كما صمم نظام الاتصالات بالتعاون مع الشرطة ومكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) ووزارة الأمن الداخلي وجهات خاصة، بحسب باتريك فوييه.

ويطل هذا البرج الذي يضم مكاتب على امتداد 2,7 مليون متر مربع على تمثال الحرية جنوبا ومبنى "إمباير ستايت" ومنتزه "سنترال بارك" شمالا. وبالنسبة إلى السياح الذين يفتشون عن وجهتهم في مانهاتن، يدل برج التجارة العالمي الى الجنوب، في حين أنه يرمز، في نظر سكان نيويورك، إلى عودة الحياة إلى مجراها بعد طول انتظار والعزم على الإعمار بالرغم من المماطلات التي دامت سنوات إثر المناقشات السياسية بشأن "الموقع صفر" (غراوند زيرو)، ثم الصعوبات الاقتصادية.

وكانت ناطحة السحاب هذه تعرف بداية ب "برج الحرية" قبل أن يغير اسمها سنة 2009 إلى "وان وورلد ترايد سنتر". وقد بوشر العمل فيها سنة 2006 وأنجزت في نهاية العام 2013. وهي اليوم مستأجرة بنسبة 65 %، بحسب باتريك فوييه الذي استبعد فكرة أن يكون البعض يخشى الانتقال إليها بسبب ماضيها. ومن بين المستأجرين، مجموعة "كونديه ناست" من الطابق 20 إلى 44 وشركة "هاي 5" لألعاب الفيديو على الانترنت ومجموعة الإعلانات "كيدز كرييتيف" والمركز الثقافي الصيني وإدارة الخدمات العامة (وهي وكالة فدرالية مستقلة استأجرت 6 طوابق)، فضلا عن مجموعة الاستشارات المالية "بي ام بي".

ومن المتوقع أن يعمل فيها 5 آلاف شخص في المجموع. ومن المزمع أن يفتح مرصد أبوابه للزوار في الطوابق 100 و 101 و 102 في الربيع المقبل. وشدد فوييه على أن "تدشين هذا البرج يدل على عودة الحياة إلى مجراها"، مشيرا إلى أن الناس يعملون في هذا البرج ويأكلون في المطاعم المجاورة ويستخدمون وسائل النقل العام ويتبضعون في المتاجر المتزايدة في المنطقة. كما أنه من المرتقب فتح محطة جديدة قرب الموقع في الربيع. بحسب فرانس برس.

وكان البرجان التوأمان في السابق مقر عمل في المقام الأول. وكانت الشوارع شبه خالية من المارة مساء. لكن عدد سكان مانهاتن السفلى انتقل من 20 إلى 60 ألف نسمة إثر تشييد مبان سكنية. وأكد فوييه على أن هذه المبادرة هي "دليل على إنعاش نيويورك ... هي رد المدينة والولاية والمنطقة والدولة على هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر". ويعتبر ان البرج اعاد لسماء مانهاتن الاشهر في العالم، شيئا كان ينقصها منذ الحادي عشر من ايلول/سبتمبر. لكن انجاز العمل في مشروع برج التجارة العالمي برمته سيستغرق سنوات طويلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/كانون الأول/2014 - 11/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م