بريطانيا.. بين شعارات الحرية وانتهاج الاستعباد الحديث

 

شبكة النبأ: ظاهرة العبودية بأشكالها الحديثة تعد اليوم من أهم القضايا العالمية، خصوصا وإنها تتفشي بشكل كبير في العديد من الدول، ومنها الدول المتقدمة التي ترفع شعارات الحرية واحترم حقوق الإنسان ومنها بريطانيا، التي تتعرض اليوم الى انتقادات كثيرة من قبل المنظمات الدولية الحقوقية بسبب تفشي هذه الظاهرة داخل المجتمع البريطاني والتي وصلت وبحسب بعض التقارير الى أرقام مخيفيه يصعب تصديقها كما يقول بعض الخبراء.

والعبودية كما تشير بعض المصادر محظورة رسميا وتشريعيا بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 ومعاهدة الأمم المتحدة التكميلية لعام 1956 بشأن إلغاء العبودية وتجارة ومؤسسات الرقيق والممارسات الشبيهة بالعبودية، ومع ذلك فالتشريع شيء والواقع الميداني شيء آخر، وحسب بعض التقارير والدراسات فأن عدد العبيد في العالم يقدر اليوم بأكثر من 30 مليون إنسان، وكمثال صارخ على عبودية هذا العصر، يتم إخضاع النساء للعمل في البغاء، ويتم تهريب الأطفال، كما أن الرجال يرغمون على العمل ألقسري، إن العبودية بمعناها المعاصر تتخذ أشكالاً مختلفة وتؤثر على الناس من مختلف الأعمار والأجناس والأنواع.

الى جانب ذلك قالت المفوضية الأوروبية إن الآلاف يقعون ضحايا جرائم الاتجار بالبشر كل عام في الاتحاد الأوروبي لكن اغلب الدول الأعضاء تتقاعس عن تطبيق قوانين جديدة أكثر صرامة اقرها الاتحاد للتصدي لهذه المشكلة. وعادة ما يكون ضحايا الاتجار هم النساء ويجبرن في الغالب على العبودية الجنسية ولكن ايضا على الأشغال الشاقة والنشاط الإجرامي. وتستأصل بعض أعضائهم.

ضحايا أعلى من المتوقع

وفي هذا الشأن فقد كشفت دراسة لوزارة الداخلية البريطانية عن أن هناك ما بين 10 إلى 13 ألف شخص ضحية لأوضاع تشبه العبودية في بريطانيا، وهو رقم أعلى بكثير مما أشارت إليه التقديرات السابقة. ويتضمن التقرير اشارة الى أولئك الأشخاص الذين يراهم من ضحايا "العبودية الحديثة" من أمثال النساء اللائي يرغمن على ممارسة الدعارة، والعمالة المنزلية "القسرية"، والعمال في الحقول الزراعية والمصانع ومراكب الصيد. ويمثل هذا الرقم، الذي رصد المشكلة خلال عام 2013، أول تقدير رسمي من نوعه حول حجم المشكلة.

وأطلقت وزارة الداخلية البريطانية استراتيجية لمعالجة هذه المشكلة. وقالت الوزارة إن الضحايا يشملون أشخاصا تم تهريبهم من أكثر من 100 دولة، أبرزها ألبانيا، نيجيريا، فيتنام ورومانيا، وكذلك مراهقين وأطفال ولدوا في بريطانيا. وكانت بيانات مركز الاتجار بالبشر، التابع للوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة، قد أشارت العام الماضي إلى أن عدد ضحايا العبودية في بريطانيا هو 2744.

وبني هذا التقدير على معلومات جمعت من مصادر عدة، شملت الشرطة وقوات حرس الحدود والمنظمات الأهلية وهيئة ترخيص العمالة الموسمية. وقالت وزارة الداخلية إنها استخدمت منهجية إحصائية لتقدير "الرقم المقلق"، الذي ربما لم تتوقعه وكالة مكافحة الجريمة. وأضافت أن "النتائج الأولية" للدراسة هي أن عدد الضحايا أكبر مما كان متوقعا.

وقالت وزيرة الداخلية تريزا ماي أن "الحقيقة المؤسفة" هي أن العبودية لا تزال موجودة، في البلدات والمدن والريف في أنحاء العالم، بما في ذلك بريطانيا. وقالت ماي: "لقد حان الوقت لكي نقوم بتحرك جماعي ومنسق مع شركاء كثيرين. يجب أن نزيد من جهودنا لمكافحة العبودية الحديثة في هذا البلد وحول العالم، وأن نضع حدا للبؤس الذي يعانيه أشخاص أبرياء في أنحاء العالم".

وقالت وزارة الداخلية إن قوات حرس الحدود البريطانية ستنشر فرقا، متخصصة في مكافحة الاتجار بالبشر، في الموانئ والمطارات الرئيسية لضبط الضحايا المحتملين، كما سيتم تشديد القوانين من أجل مصادرة الأرباح الناتجة عن ممارسة هذه الجريمة. وقال أيدين ماكواد مدير منظمة مكافحة الرق الدولية إن الأرقام التي كشفت عنها وزارة الداخلية تعكس الحقيقة، لكنها تطرح تساؤلا حول مدى كفاية الاستراتيجية الحكومية.

وأضاف "إذا تركت عملك، حتى لو كنت تعاني من أي نوع من الاستغلال بما في ذلك العمل القسري أو حتى لو كنت تعاني من كل أنواع العنف البدني والجنسي، سيتم ترحيلك". وأردف: "وهذا يعطي سلطة هائلة لأصحاب العمل معدومي الضمير. وبصراحة فإن الإجراءات الحماية التي اتخذتها الحكومة من أجل منع هذا النوع من الاستغلال لا تساوي قيمة الورق التي كتبت عليه، لأنهم أعطوا أصحاب العمل هذه السلطة الهائلة". بحسب بي بي سي.

وتتضمن استراتيجية مكافحة العبودية الحديثة: تعريف الحكومة "الدول ذات الأولوية" للعمل معها، وكذلك المنظمات الأخرى بما فيها الكنائس. تعمل السفارات البريطانية والمفوضيات العليا وضباط الاتصال في الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة على تسويق المبادرات المحلية في الخارج. العمل على تعزيز استجابة السلطات المحلية لجرائم الانتهاكات بحق الأطفال، بما في ذلك التهريب. العمل على رفع الوعي بين العمال الذين ليس لهم مأوى بعلامات العبودية الحديثة.

تشريع ضد الاستعباد

في السياق ذاته قالت وزارة الداخلية البريطانية إنها في صدد تقديم مشروع قانون للحد من ظاهرة العبودية. ويهدف مشروع القانون لزيادة الحد الأقصى لسجن المجرمين لتصل إلى 14 سنة. وبموجب هذا المشروع فسيتم إنشاء منصب جديد يطلق عليه مفوض مكافحة العبودية الذي سيعمل على تنفيذ هذا القانون.

وكانت وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي أول من كشف النقاب عن مشروع هذا القانون في آب/أغسطس الماضي. وقالت ماي في مقال لها في صحيفة "التايمز"، إنه "من المخيف تصديق أن هناك عبودية في بريطانيا ، ولكن الواقع القاسي أكد أن ثمة أشخاص تم احتجازهم في ظروف مروعة، وغالبا ضد إرادتهم " .

ويهدف مشروع القانون إلى الحكم على المجرمين المدانين سابقاً بجرائم جنسية أو خطيرة جداً بالسجن مدى الحياة بصورة تلقائية في حال ارتكابهم جريمة مماثلة. وسيتم نشر مراجعة بشأن وضع العبودية الحديثة والتي أعدها النائب في حزب العمال فرانك فيلد بالتزامن مع مشروع قانون مكافحة الاتجار بالبشر. ورحب بن كولي مؤسس جمعية خيرية لمكافحة الاتجار بالبشر بمقترحات الحكومة. وقال كولي إن"هذا القانون هو خطوة حاسمة للقضاء على العبودية في بلادنا ولكن لتحقيق ذلك، علينا توفير الدعم للضحايا والعمل على عدم إعادة الاتجار بهم". بحسب بي بي سي.

وسيتضمن مشروع القانون أيضا الحد من نشاط وحركة المدانين بجرائم الاتجار بالبشر في محاولة لمنعهم من ارتكاب جرائم مماثلة. وأعلنت وزارة الداخلية البريطانية أن مشروع قانون مكافحة الاتجار بالبشر سيكون الأول من نوعه في أوروبا.

استعباد النساء في لندن

الى جانب ذلك تمكنت الشرطة البريطانية من إنقاذ ثلاث نساء قلن إنهن كن محتجزات رقيقات في منزل جنوب العاصمة لندن لمدة تزيد على 30 عاما. واعتقلت الشرطة شخصين: رجلا وامرأة، يبلغان من العمر 67 عاما، بسبب التحقيق في الموضوع. وكانت الشرطة قد تلقت مكالمة من إحدى الجمعيات الخيرية تقول إن سيدة اتصلت بها وقالت إنها محتجزة رغما عنها لعدة عقود.

النسوة الثلاث، وهن ماليزية تبلغ من العمر 69 عاما، وأيرلندية تبلغ 57 عاما، وبريطانية تناهز الثلاثين من العمر، كن في حالة صدمة شديدة، ونقلن إلى إحدى دور الرعاية. وقال متحدث باسم وحدة مكافحة الاتجار بالنساء في الشرطة إنهم يحيون الخطوة التى اتخذتها الجمعية الخيرية بالإبلاغ عن شكوكها، مؤكدا أنهم يعملون بالاشتراك مع جهات أخرى في دعم النساء الثلاث.

وقال كيفين هايلاند "لقد بدأنا تحقيقا موسعا للتوصل إلى الحقائق ومعرفة التفاصيل بخصوص هذه الاتهامات الخطيرة". وأضاف هايلاند "لقد دفع تقرير تليفزيوني مصور عن الزواج الإجباري، والذي تعلق بعمل جمعية "فريدوم شاريتي" إحدى النساء إلى الاتصال للحصول على المساعدة، وهو ما أدى إلى إنقاذهن".

وقالت الشرطة إن الضحايا الثلاث لم يكن قيد الاحتجاز الجسدي في شقة الزوجين. واضافت ان الزوجين تحكما فيهن بواسطة "قيود غير مرئية" في "صورة مزعجة من السيطرة على المشاعر." وقال قائد الشرطة ستيف رودهاوس في بيان "نعتقد أن اثنتين من الضحايا قابلتا الرجل المشتبه به في لندن في توافق في الايديولوجية السياسية وانهم عاشوا سويا في مكان يمكن وصفه بالاقامة الجماعية."

ومازال من غير الواضح كيف وصلت المرأة الاصغر سنا إلى المكان. وقالت الشرطة إنه لا توجد صلة قرابة بين النساء الثلاث. وقال رودهاوس "المرأة البالغة من العمر 30 عاما لديها شهادة ميلاد .. هذه هي الوثيقة الرسمية الوحيدة التي تمكنا من العثور عليها. نعتقد انها عاشت مع المشتبه بهما والضحيتين الاخريين طوال حياتها." وقالت الشرطة دون ان تذكر تفاصل إن المشتبه بهما اللذين القي القبض عليهما بتهمة الاشتباه في تورطهما في قضية استعباد وعمالة قسرية وجرائم مرتبطة بالهجرة سبق ان القي القبض عليهما في السبعينيات. بحسب رويترز.

ولا يزال البريطانيون تحت الصدمة وهم يحاولون ان يفهموا كيف حدث أمر مماثل في القرن الحادي والعشرين في بريطانيا. وقال وزير الداخلية البريطاني جيمس بروكنشاير ان "العبودية هي بحسب الاعتقاد السائد مسألة من الماضي، لكنها للأسف الشديد لا تزال منتشرة اليوم ". وليست قضية النساء الثلاث إلا الحلقة الأخيرة من سلسلة قصص مشابهة يكشف عنها النقاب في بريطانيا بعد 183 عاما على الانعتاق من العبودية في الإمبراطورية البريطانية.

امرأة صماء بكماء

على صعيد متصل حكم القضاء البريطاني بالتعويض بمبلغ مائة الف جنيه استرليني (160 الف دولار) لشابة صماء بكماء أدخلت خلسة الى البلد وهي طفلة وتعرضت للاستعباد على مدى عشر سنوات، بحسب ما اعلنت محكمة. وكانت هذه الشابة الباكستانية في العاشرة من عمرها حين خطفت وعاشت في ظروف عبودية في منزل الياس اشار (85 عاما) الذي اغتصبها مرارا، وزوجته (69 عاما).

ولم تكشف السلطات البريطانية اسم الشابة البالغة من العمر اليوم عشرين عاما، وهي تلقت دروسا في التخاطب بالإشارة لتدلي بأقوالها أمام المحكمة. وكانت الشرطة عثرت عليها صدفة في منزل مستعبديها في عملية للتحقق من شبهات حول تبييض الاموال. واصدرت المحكمة في وقت سابق حكما بسجن الرجل 15 عاما وزوجته خمس سنوات وابنتهما البالغة 46 عاما بإعمال خدمة اجتماعية. بحسب فرانس برس.

وكان الزوجان يستفيدان من مساعدات اجتماعية على اسم ضحيتهما. وقال القاضي لدى النطق بالحكم ان الزوجين لم يبديا اي ندم، وانهما قاما بأعمال "مشينة وغير شريفة" وانهما عاملا ضحيتهما معاملة غير انسانية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/كانون الأول/2014 - 9/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م