نفط السعودية... سلاح ضد الاعداء أم لضرب الاصدقاء

 

شبكة النبأ: ربما نجحت السعودية في اقناع دول اوبك، المنقسمة على نفسها، على عدم المساس بأسعار النفط، مع وعد بان الاوضاع ستعود لطبيعتها قريبا، ويرى وزير النفط السعودي ان ترتيب الاوضاع بهذا الشكل امر ضروري من اجل الحفاظ على حصة مستقبلية لنفط اوبك في الاسواق العالمية مع المنافسة الكبيرة التي سحبها النفط الصخري على الاسواق العالمية للنفط، وعلى اثر هذه التحولات، تدهور سعر برميل النفط الى ادنى مستوياته منذ خمسة اعوام، وفي لندن، بلغ سعر برميل النفط المرجعي لبحر الشمال (برنت)، تسليم كانون الثاني/يناير، ادنى مستوى له منذ تشرين الاول/اكتوبر 2009، ليصل الى 67,53 دولارا، من جهته انخفض سعر برميل النفط المرجعي الخفيف في سوق نيويورك (نايمكس)، تسليم كانون الثاني/يناير ايضا، الى ادنى مستوياته منذ تموز/يوليو 2009، ليصل الى 63,72 دولارا.

نظرية المؤامرة

وقد اثارت هذه الخطوة من جانب اوبك، والمسعى السعودي تحديدا، الكثير من التكهنات، التي وصلت الى حد اثارة نظريات المؤامرة، خصوصا وان البقاء على انتاج اوبك الحالي، وعد اتخاذ اي خطوات لخفض الانتاج، ولو مستقبلا، قد يعني لدى المراقبين، ان السعودية (وهي من اكبر مصدري النفط في العالم)، قد تستهدف النفط الصخري الصاعد في الولايات المتحدة الامريكية، اضافة الى الشركات العالمية التي تفاءلت بإمكانية استغلاله كبديل مستقبلي لنفط اوبك والسعودية، او في ذات الوقت، ضرب خصميها اللدودين، ايران وروسيا، اللتان يعانيان من عقوبات اقتصادية، وخسارة بمليارات الدولارات نتيجة لانخفاض اسعار النفط الحاد، لكن ماذا بشأن السعودية نفسها؟ هل ستتحمل الانحدار المستمر في اسعار النفط؟ مع نفقاتها الكبيرة على مختلف القطاعات الداخلية والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات سنويا.  

فيما لو أن وزير البترول السعودي على النعيمي يريد وأد نظريات المؤامرة قبل اجتماع حاسم لأوبك فربما يكون قد فات الأوان، فبوادر ذلك تتضح من حقيقة أن تدخل النعيمي مؤخرا بعد شهرين من الصمت المطبق لم يفلح في الاجابة على التساؤل الذي تتوق أسواق الطاقة لمعرفة الرد عليه، هل لم تعد السعودية أكبر عضو في أوبك ترغب في الدفاع عن أسعار النفط التي تراجعت بنحو الثلث لأدنى مستوى منذ 2010؟ وهل تسعى لتحقيق أهداف تجارية أو ربما جيوسياسية جديدة؟، وبالرغم من اصرار النعيمي على أن الرياض تريد استقرار السوق فان دبلوماسيون ومصادر في السوق قالوا أن المسؤولين السعوديين قالوا في أحاديث خاصة مؤخرا إن المملكة بوسعها أن تتحمل لبعض الوقت الأسعار الحالية وربما مستويات أقل.

ولطالما كان استقراء السياسات النفطية السعودية مسألة بالغة الصعوبة، لكن هذه الحقيقة تأخذ أبعادا جديدة قبل اجتماع أوبك، وظهر عدد من التفسيرات لسد فجوة المعلومات بشأن نوايا الرياض ولم تصدر جميعا عن أصحاب نظرية المؤامرة المعتادين في روسيا وايران، وينقسم مراقبو أسواق النفط بشأن نتيجة الاجتماع في فيينا، وتتفاوت التكهنات بين خفض كبير في انتاج أوبك لانعاش الأسعار مرورا بخفض صغير حتى الإبقاء على سقف الانتاج دون أي تغيير، وحتى من يعرفون النعيمي منذ عشرات السنين تنتابهم الحيرة، وقال مندوب كبير يعمل في أوبك منذ فترة طويلة "لأول مرة لا أعرف حقا ماذا يمكن أن يحدث في الاجتماع، الأمر غير واضح"، وحينما تحدث النعيمي أخيرا يوم 12 نوفمبر تشرين الثاني قال إن سياسة السعودية القائمة على العمل من أجل استقرار الأسواق العالمية لم تتغير، وذكر النعيمي أن سياسة السعودية النفطية كانت محل الكثير من التخمينات الجامحة وغير الدقيقة في الأسابيع الأخيرة "إننا لا نسعى إلى تسييس النفط، في نظرنا إنها مسألة عرض وطلب إنها تجارية محضة".

ارتفاع الخام الأمريكي

ووفقا لأربعة مصادر دبلوماسية وفي سوق النفط طلبت عدم الكشف عن اسمائها فقد أطلع مسؤولون سعوديون مراقبي أوبك على الأمر بشكل غير رسمي في لقاءات في نيويورك والرياض جرت في سبتمبر أيلول وأكتوبر تشرين الأول، وحضر ناصر الدوسري وهو ممثل السعودية في أوبك والأمير عبد العزيز بن سلمان مساعد النعيمي ومحمد الماضي محافظ السعودية لدى أوبك واحدا على الأقل من هذه الاجتماعات لتوصيل رسالة بأن المملكة باحتياطاتها النفطية الضخمة مستعدة لأن تتحمل انخفاض أسعار النفط إلى ما بين 70 و80 دولارا للبرميل لفترة تصل إلى عام، وانخفض سعر مزيج برنت إلى 79 دولارا، وبصرف النظر عن السعودية يحتاج معظم أعضاء أوبك لأسعار أعلى كثيرا لضبط ميزانياتهم لكنهم وللمفارقة لا يستطيعون أو لا يرغبون في خفض الانتاج لمواجهة وفرة في المعروض نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين وأوروبا في وقت يرتفع فيه الانتاج الأمريكي من الخام. بحسب رويترز.

إذا ما أبلغت السعودية زملاءها في أوبك الذين يعانون بشدة من انهيار الأسعار أنها لن تخفض الانتاج فستشتد حدة الجدل حول السبب وراء هذا التحول في السياسة، وأحد الاحتمالات أن الرياض تسعى للقضاء على النفط الصخري الأمريكي الذي يعتقد الخبراء أنه يحتاج إلى أسعار أعلى بكثير من الانتاج التقليدي كي يظل قادرا على المنافسة، وقال أحد المشاركين في الاجتماعات مع المسؤولين السعوديين "انهم يستهدفون النفط الصخري الأمريكي"، إلا أن المصدر نفسه أضاف أن السعوديين ربما يعتبرون الأسعار المنخفضة فرصة سانحة لممارسة المزيد من الضغوط على ايران وروسيا بسبب دعمهما للرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية، ونفت عدة مصادر في قطاع النفط السعودي أن تكون العوامل الجيوسياسية تحرك السياسة النفطية حاليا بيد أنها أخفقت في دحض نظريات عن تعاون بين الرياض وواشنطن لخفض الأسعار، وقال نيكولاس مادورو رئيس فنزويلا العضو في أوبك "ما هو السبب في أن الولايات المتحدة وبعض حلفائها يرغبون في خفض أسعار النفط؟ أنه إيذاء روسيا"، أما مسعود مير كاظمي وهو مشرع ووزير نفط ايراني سابق فقال إن الرياض تساعد مجموعة العشرين، وأضاف "السعودية التي تميل للتحكم في أوبك تخدم مصالح مجموعة العشرين".

وفي روسيا أصبحت فكرة المؤامرة السعودية الأمريكية ضد موسكو عملة رائجة في وقت يرزح فيه الاقتصاد تحت وطأة تأثير هبوط أسعار النفط والعقوبات التي فرضها الغرب على موسكو بسبب ضمها شبه جزيرة القرم ومساندتها للانفصاليين في شرق أوكرانيا، واستشهد ليونيد فيدون أحد ملاك شركة لوك أويل النفطية الروسية الخاصة بزيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للرياض في شهر مارس اذار، وقال فيدون "سافر أوباما للقاء العاهل السعودي بعد أحداث القرم مباشرة لدفعه لهذه الاجراءات (لخفض أسعار النفط)"، وعادة ما تزعم روسيا وايران أن هناك مؤامرات أمريكية تحاك ضد اقتصاديهما لكن نظريات المؤامرة تزداد انتشارا، وكتب توماس فريدمان المعلق في صحيفة نيويورك تايمز متسائلا "هل أتخيل فقط أم أن هناك حرب أسعار نفط عالمية تجري بين الولايات المتحدة والسعودية في جانب ضد روسيا وايران في الجانب الآخر؟"، وتفادى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الخوض في الأمر عقب زيارة للسعودية في سبتمبر أيلول، وردا على سؤال عما إذا كانت المناقشات مع الرياض تطرقت لحاجة روسيا إلى أسعار فوق 100 دولار للبرميل لضبط ميزانيتها ابتسم كيري وأجاب "السعوديون يدركون جيدا جدا جدا قدرتهم على التأثير على أسعار النفط العالمية". 

احباط خفض الانتاج

في سياق متصل أحبطت السعودية دعوات من أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لخفض الانتاج لوقف انهيار أسعار النفط العالمية وهو ما هوى بأسعار الخام القياسي لأدنى مستوياته في أربع سنوات، وخسر سعر برنت أكثر من ست دولارات ليصل إلى 71.25 دولار للبرميل بعدما ترك أعضاء المنظمة الذين اجتمعوا في فيينا سقف الإنتاج دون تغير برغم الفائض الهائل في المعروض العالمي في تحول كبير عن سياسة طالما تبنتها أوبك بالدفاع عن الأسعار، وتمهد هذه النتيجة لمعركة على الحصص بالسوق بين دول أوبك والدول الأخرى نظرا لهبوط الأسعار بالفعل بنحو الثلث منذ يونيو حزيران بسبب طفرة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى جانب ضعف النمو الاقتصادي في الصين وأوروبا، وقال وزير البترول السعودي علي النعيمي لدى خروجه مبتسما عقب الاجتماع الذي استمر خمس ساعات "كان قرارا عظيما".

وذكرت أوبك في بيان أن الأعضاء اتفقوا على بقاء سقف الإنتاج عند 30 مليون برميل يوميا وهو أعلى بمليون برميل على الأقل من تقديرات أوبك للطلب على نفطها في العام القادم، وقال الدكتور جاري روس الرئيس التنفيذي لبيرا انرجي جروب "هذا عالم جديد بالنسبة لأوبك لأنه ببساطة لم يعد بوسعها التحكم في السوق، إنه دور السوق الآن لإملاء الأسعار ومن المؤكد أنها ستواصل الهبوط، وأوضحت دول الخليج الثرية أنها مستعدة لتحمل الانخفاض في الأسعار والذي أضر بدول أخرى مثل فنزويلا وإيران العضوين في المنظمة واللتين تواجهان ضغوطا كبيرة على الميزانية ولا يمكنهما تحمل خفض الإنتاج وحدهما، ودعت فنزويلا والجزائر في السابق إلى خفض الانتاج بما يصل إلى مليوني برميل يوميا، وقال وزير الخارجية الفنزويلي رفاييل راميريز إنه يقبل القرار باعتباره قرارا جماعيا وعبر عن أمله في أن يساعد انخفاض السعر في خروج بعض إنتاج النفط الصخري الأمريكي المرتفع التكلفة من السوق. بحسب رويترز.

وقال "في السوق، بعض المنتجين تكاليفهم باهظة"، وخلا بيان أوبك عقب اجتماعها من أي ذكر لضرورة التزام الأعضاء بهدف سقف الإنتاج الحالي أو أي اجتماع استثنائي لبحث سقف الإنتاج قبل اجتماع دوري مقرر في يونيو حزيران، وتنتج أوبك نحو ثلث النفط العالمي، وقد تجعل حرب أسعار محتملة بعض مشروعات النفط الصخري المستقبلية في الولايات المتحدة غير تنافسية بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وهو ما يخفف ضغوط المنافسة على أوبك في المدى البعيد، وقال وزير النفط الكويتي علي صالح العمير إن على أوبك أن تقبل بأي سعر تمليه السوق سواء 60 أو 80 أو 100 دولار للبرميل، وقال وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي إنه يتوقع أن تجد أسعار النفط دعما عند 65 إلى 70 دولارا للبرميل، وقال أوليفييه جاكوب من بتروماتركس الاستشارية "نفهم من هذا أن السعودية تروج لفكرة أنه ينبغي أن تنخفض أسعار النفط في المدى القصير بحد أدنى عند 60 دولارا للبرميل كي تنعم باستقرار أكبر في السنوات القادمة عند 80 دولارا فأكثر"، وأضاف "بعبارة أخرى من مصلحة أوبك أن تتعايش مع الأسعار المنخفضة لفترة وجيزة من أجل كبح جماح مشاريع التطوير في الولايات المتحدة".

مخاطر وحجج واهية

وأبلغ وزير البترول السعودي نظراءه من دول أوبك بأن عليهم أن يكافحوا طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة رافضا خفض انتاج الخام بهدف الضغط على الأسعار وتقويض ربحية المنتجين في أمريكا الشمالية، ورجحت كفة النعيمي في اجتماع المنظمة على غير رغبة وزراء آخرين من أعضاء أقل ثراء في أوبك مثل فنزويلا وإيران والجزائر كانوا يريدون خفض الانتاج للتصدي للانخفاض السريع في أسعار الخام، وكانت تلك الدول نفسها غير مستعدة لعرض تخفيضات كبيرة وأذعنت في النهاية لضغوط النعيمي مفضلة عدم الاصطدام بالسعودية وحلفائها الخليجيين الأثرياء الآخرين، وقال مصدر تحدث مع وزير من خارج أوبك عقب الاجتماع "تحدث النعيمي عن التنافس على الحصص بالسوق مع الولايات المتحدة، وأدرك من كانوا يريدون خفض الانتاج أنه لا يوجد خيار لتحقيقه لأن السعوديين يريدون معركة على الحصص بالسوق".

وهبط النفط لمستوى منخفض جديد في أربع سنوات دون 72 دولارا للبرميل، وهوت الأسعار بأكثر من الثلث منذ يونيو حزيران بسبب طفرة انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة وضعف النمو في الصين وأوروبا، وقال مندوب لدى أوبك من دولة طالبت بخفض الانتاج "أتعتقد أننا اقتنعنا؟ هل كان أمامنا خيار آخر؟"، وأكد عبد الله البدري الأمين العام لأوبك فعليا أن المنظمة بصدد دخول معركة على الحصص بالسوق، وقال ردا على سؤال عما إذا كان لدى المنظمة رد على تزايد انتاج الولايات المتحدة "لقد قدمنا الرد، نحن نبقي مستوى الانتاج دون تغيير، هذا فيه رد"، واتفقت أوبك على بقاء سقف انتاجها البالغ 30 مليون برميل يوميا دون تغيير وهو ما يشمل زيادة لا تقل عن مليون برميل على تقديراتها للطلب على نفطها في النصف الأول من العام القادم.

وقال محللون إن قرار عدم خفض الانتاج في مواجهة الهبوط الحاد للأسعار شكل تحولا استراتيجيا بالنسبة لأوبك، وقال المندوب لدى أوبك "أوبك فقدت المصداقية، لا أعلم كيف يمكن عمليا السعي لإخراج النفط الصخري من السوق"، وخرج عدد من وزراء أوبك الذين كانوا يريدون خفض الانتاج من الاجتماع وقد بدت عليهم خيبة الأمل والتزموا الصمت لعدة ساعات برغم أنهم قالوا عندما تحدثوا لاحقا إنهم قبلوا القرار، وقال رفاييل راميريز وزير خارجية فنزويلا ردا على سؤال عما إذا كانت هناك حرب أسعار داخل أوبك "نحن متحدون"، واضاف "تتصارع أوبك دوما مع الولايات المتحدة لأن الولايات المتحدة تعلن أنها دائما ضد أوبك، النفط الصخري كارثة من حيث وسيلة الانتاج، لكنه أيضا باهظ التكلفة، وسوف نرى ما سيحدث بشأن الانتاج"، وقال مندوب خليجي لدى أوبك إن النعيمي طمأن الأعضاء بأن سعر الخام سيتعافى لأن الطلب سينتعش في نهاية المطاف، لكنه أصر على أنه إذا خفضت أوبك الانتاج فسوف تفقد حصة بالسوق، وقال آخر "التوصل إلى قرار نهائي تطلب وقتا طويلا لإقناع الآخرين"، وأشار عدد من المحللين إلى أن ظهور تأثير على انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة سيحتاج شهورا طويلة، بل إن بعض المندوبين الخليجيين قالوا إنهم غير مقتنعين بأن رهان النعيمي سيربح، وقال أحدهم "إذا كانوا يستهدفون النفط الصخري الأمريكي حقا، فإلى أي مدى سيبطئ إبقاء سقف الانتاج دون تغيير (المنتجين الأمريكيين)؟"

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/كانون الأول/2014 - 9/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م