قِراءات في وَصِيَّة

الامام علي بن ابي طالب لولده الحسن عليهما السلام

نزار حيدر

 

(١)

 واقصد بها وصية الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام لولده الحسن السبط عليه السلام  تصادف ذكرى استشهاده يوم الاحد القادم (٣٠ تشرين الثاني)  كتبها اليه ب(حاضرين) عند انصرافه من صفين.

 ولو لم ترد في هذه الوصية العظيمة والشاملة الا عبارة {يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ} لكفى بها وصية تاريخية لا تضاهيها وصيةٌ أبداً.

 فلو انّ كلّ واحدٍ منا اليوم تمسك فقط بهذه العبارة من كل الوصية لما كان حالنا مأساوية ويرثى لها أبداً، الا ان مشكلتنا هي ان كل واحد منا نصّب نفسه إماماً وقاضياً وحامياً للدين ومؤدباً ومعلماً وموجهاً وحارساً للقيم النبيلة ومحاضراً وخطيباً وزعيماً ولكن ليس على نفسه وإنما على الآخرين، فتراه يخطّئ هذا ويلعن ذاك ويشتم اخر ويحكم على رابع بالكفر والخروج من الملة وعلى خامس بالجهل وعدم المعرفة وعلى سادس بانه ضد الدين او الشعائر وهكذا دواليك، اما هو فشخص الله المختار الذي خصّه الله تعالى بما لم يخصّ به غيره من العلوم والفنون والاخلاق والمعارف والذكاء الخارق والحق المطلق وكل شيء.

 هو لا يعير اهتماما لا لقول قائل ولا لرأي باحث ولا لفكرة مفكّر ولا لدليل عالم ولا لأي شيء، ولكنه ينتظر من الآخرين ان يحترموه ويقدّروه وينتبهوا لكلامه ويصدّقوا قوله حتى اذا كذب وافترى، او اذا جاءت حجته باطلة او ضعيفة او حتى سخيفة.

 وسائل التواصل الاجتماعي اليوم تحمل لنا كل غث وسمين، فترانا نتناقل الاكاذيب ومقاطع الفيديو المجتزأة والمقتطعة من سياقاتها والمفبركة في عملية تضليل كبرى وعظمى من دون ان نتوقف قليلا لننهى انفسنا ونزجوها ونقول لها كفى! الى متى هذا التضليل؟ الى متى هذا الخداع؟ الى متى هذا التسقيط؟ الى متى هذا الكذب على بعضنا؟ الى متى جلد الذات هذا؟ الى متى هذا الدجل؟ الى متى هذا الانشغال بالقيل والقال الأهوج الذي لا ترتجى منه أية فائدة؟.

 وادّعي انا شخصياً هنا صادقاً، انني لم استفد مما يصلني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من كل الكم الهائل جداً، الا ربما (١..٪) فقط، والباقي غثاء كغثاء السيل، ولو اننا نبذل معشار الجهد الذي نبذله على هذه الخزعبلات في برامج التربية والتعليم والحوار الهادف والنقد البناء والسعي باتجاه التكامل، لغيّرنا حالنا الى افضل ما يكون، ولكننا استرخصنا الوقت واستخففنا بعقولنا وسفّهنا أولويّاتنا واستهزءنا بالتحديات التي تواجهنا، اذا بعقولنا تحولت الى مكب نفايات من حيث نشعر او لا نشعر.

 لو ان كل واحدٍ منا يتساءل مع نفسه قبل ان يكتب او ينشر او يبعث ما يستلمه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يتساءل:

 هل انه صحيح (..١٪) حتى ابعثه للآخرين فأكسب ثواب نشر العلم والمعرفة؟.

 هل هو شيء جديد؟.

 هل هو شيء مفيد ونافع؟.

 هل هو وقته الان؟.

 واخيراً؛ من هو المتلقي الذي يمكن ان ارسله له؟ ومن هو المتلقي الذي ينبغي ان لا ابعثه له؟.

 اننا اليوم في فتنة، في قلب الفتنة، ننفّذ اجندات الآخرين من حيث نريد او لا نريد، نشعر او لا نشعر، فكل واحدٍ منا طابور خامس وحصان طروادة، حتى اذا حاول ان يبرّر او يهرب من المسؤولية، خاصة شريحة (المعمّمين) فكثير منهم مصدر الفتنة اليوم، ومصدر التحريض عليها او لفت الانتباه اليها، لما يحملونه على رؤوسهم من علامة الدين وشعاره الذي يقدّسه العوام ويتعبّدون به ويتقرّبون به الى الله (ظالماً او مظلوماً) اذا ببعضهم يكذب حتى يخدع العوام، ويمارس الدجل ليحرّض الشارع على الآخرين من اقرانه وزملائه.

 ان رقابَ بعض (المعمّمين) قصيرة جداً، فهو يتكلم قبل ان يفكر، يُلغي من حساباته الظرف الزمكاني عندما يتحدث او يخطب، فهو يثير الفتنة ويساهم في تسطيح الوعي وتكريس حالة الجهل والتجهيل في المجتمع.

 بعضُهم يتقمّص شخصية فقهاء التكفير ووعاظ السلاطين من حيث لا يشعر، فتراه يوزّع التهم ويحاكم الآخرين على نواياهم ويحتكر الحقيقة والانتماء دون الآخرين.

 قد يكون الصمت والسكوتُ اليوم وعدم الخوض في الفتنة دواءُ الدّاء، وصدق امير المؤمنين (ع) الذي يقول يصف اخٌ له {وَكَانَ إذَا غُلِبَ عَلَى الْكَلاَمِ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى السُّكُوتِ}.

 فليقف عندنا ما يصل إلينا من هذه الخزعبلات، فلا نمرّرها ولا ننشرها ولا نوزّعها، لتقف عندنا فنقبرها والى الأبد، والا فسنساهم في الفتنة وفي قتل انفسنا واضعاف جبهتنا شئنا ذلك ام ابينا.

(٢)

 بهذا الصّدد، ارى لو نلتزم بثلاث قواعد أساسية نحقّق بها الغاية المطلوبة:

 القاعدة الاولى؛ ان ينشغل كلّ واحدٍ منّا بعيوبه ونواقصه عن عيوب الآخرين ونواقصهم.

 يراقب نفسه ويحاسبها بدلا من ان يراقب الآخرين ويحاسبهم، يقسو عليها اذا اخطأت ويعاقبها اذا شطحت، بدلا من ان يقسو على الآخرين ويعاقبهم، يعلّمها اذا جهلت ويقوّمها اذا انحرفت، يحثّها على الاستقامة ولا يبرر لها اذا فشلت.

 لسنا بحاجة الى واعظ لا يلتزم بما يعظُ به الناس، ولسنا الى متفيقه لا يتخلّق بما يريد ان يلتزم به الآخرون من اخلاق حميدة، ولسنا بحاجة الى من يعلّمنا أسس الحوار وهو فاشل فشلاً ذريعا في الالتزام بها، فتراه، مثلا، يخرج عن طوره اذا حاججه احدٌ او أستشكل على رايه آخر.

 هؤلاء لو ينشغلوا بعيوبهم وأخطائهم ومشاكلهم العقدية والأخلاقية والاجتماعية والنفسية والفكرية والثقافية عن وعظ الآخرين وتوجيههم، لكان افضل لهم ولغيرهم.

 يقول امير المؤمنين (ع) {مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرهِ} ويقول عليه السلام {فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ نَفْسِهِ تَحَيَّرَ فِي الظُّلُمَاتِ، وَارْتَبَكَ فِي الْهَلَكَاتِ، وَمَدَّتْ بِهِ شَيَاطِينُهُ فِي طُغْيَانِهِ، وَزَيَّنَتْ لَهُ سَيِّىءَ أَعْمَالِهِ} وقوله عليه السلام {يَا أيُّهَا النَّاسُ طُوبى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، وَطُوبى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَكَلَ قُوتَهُ، وَاشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ، فَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغُل، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة!}.

 وعن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) قوله {حقٌ على كلِّ مسلمٍ يعرفنا ان يعرضَ عملهُ في كلِّ يومٍ وليلةٍ على نفسهِ فَيَكُونُ محاسبٌ نَفْسَهُ، فانْ رأى حسنةً استزادَ منها، وَإنْ رأى سيئةً استغفرَ منها}.

 القاعدة الثانية؛ ان نحاول اولا تصحيح ما نظنّه خطأً عند الآخرين بتصحيحه في انفسنا، وان نقوّم ما نعتقده اعوجاجاً عند الآخرين في انفسنا اولا، على قاعدة الاجتهاد في صياغة النموذج في الذات لنمارس عملية تغيير الآخرين بالفعل وليس بالقول، بالنموذج الحي وليس بالمثاليّات، كما أشار الى ذلك الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) بقوله {رحمَ اللهُ قوماً كانوا سراجاً ومناراً، كانوا دعاةً إلينا باعمالهم ومجهودِ طاقتهم}.

 يقول الامام امير المؤمنين (ع) {احْصُدِ الشَّرَّ مِنْ صَدْرِ غَيْرِكَ بِقَلْعِهِ مِنْ صَدْرِكَ}.

 الا يستحي من نفسه المقصّر عندما ينصِّب نفسه قاضياً في المجتمع؟ فيكفّر هذا ويتهم ذاك ويشكّك في نوايا الآخرين ويتّهمهم ويطعن في التزاماتهم ويستهزئ بعقائدهم وولائهم؟.

 كيف يجيز البعض لأنفسهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الآخرين وفي المجتمع وينسون انفسهم فلا يأمرونها بمعروف ولا ينهونها عن منكر؟ الم يقرؤوا قول الله عزوجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}؟ ان هؤلاء لا ينفعهم من كتاب الله عزّ وجلّ الا قوله تعالى {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} فلننشغل بانفسنا يرحمكم الله قبل ان نشغلها بالآخرين.

 القاعدة الثالثة؛ ان ننظر الى انفسنا كلما نظرنا الى الآخرين وظننّا بهم سوءاً، لنبدأ دائماً بإصلاح انفسنا قبل ان نفكر بإصلاح الآخرين.

 يقول امير المؤمنين (ع) {أَكْبَرُ الْعَيْبِ أَنْ تَعِيبَ مَا فِيكَ مِثْلُهُ} وقوله عليه السلام {مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالاْجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ}.

 اذا تجاوز احدٌ هذه القواعد الثلاث بنجاح عندها فليبدأ بتعليم الآخرين وإصلاحهم وتوجيههم ومحاسبتهم، اذ سوف لن يكونَ، والحال هذه، دليل القول المأثور [فاقدُ الشيء لا يعطيه].

(٣)

 لستَ مجبوراً للإجابة على كل سؤلٍ يُطرح عليك، فإذا كنت تجهل الجواب فيلزمك ان تقول لا اعرف.

 كذلك، لستَ ملزماً في ان تخوض في كل موضوع يناقشه آخرون أمامك، في جلسةٍ او على مواقع التواصل الاجتماعي او ما أشبه، فإذا كنت لا تعرف شيئا عنه فيلزمك ان تصمت وتتخذ موقف الاصغاء فقط.

 انّ السكوتَ جوابٌ في مثل هذه الحالات، بل انه ابلغ جواب.

 ان الذي يحاول دائماً ان يُبيّن للآخرين أنّه عبقري يفهم في كل شيء وانه مطّلع على كل شيء وانه حاضر الجواب على كلِّ سؤالٍ يمكن ان يطرحه عليه الآخرون، انما يهين نفسه اولا قبل ان يهين الآخرين، لان الذي يحترم نفسه لا يحشرها في كل موضوع، ولا يجيب او حتى يحاول ان يجيب على كلّ سؤال، أبداً، فالعاقل هو الذي لا يورّط نفسه فيما لا يفهم فيه، وهو الذي يقول لا ادري او لا اعرف اذا سُئِلَ عن شيء لا يعرفه.

 في وصيّته الى ولده الامام الحسن السبط المجتبى عليه السلام يقول الامام امير المؤمنين عليه السلام {وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ} فأنْ يُقالَ لك جاهلٌ افضل من ان يُقال لك أحمقٌ او على قول العبارة الدارجة (حشري) وهو الذي يحشُر نفسه في كل شيء، فالجهل له دواءٌ وهو التعلّم، اما الحُمق فليس له دواء أبداً، ولذلك نُقِل عن نبي الله عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا وآله آلاف التحية والسلام انه قال {داويتُ المرضى فشفَيتهم بِإِذْنِ الله، وإبرأتُ الأكْمَه والأبرصَ باذن الله، وعالجتُ الموتى بِإِذْنِ الله فأحييتَهم باذن الله، وعالجتُ الاحمق فلم اقدر على اصلاِحه} ولقد ورد عن امير المؤمنين (ع) قوله {تُعرف حماقةُ الرّجل في ثلاث؛ في كلامه فيما لا يعنيه، وجوابه عما لا يُسئل عنه، وتهوّره في الامور} ولقد أوصى الامام علي بن الحسين زين العائدين السجاد (ع) ابنه الامام محمد الباقر عليه السلام بقوله {إيّاك يا بُني أن تصاحبَ الأحمَقَ أو تُخالطه، واهجره ولا تُجادله فإنّ الأحمق هجنة عينٍ غائباً كان أو حاضراً، إن تكلّم فضحه حُمقه، وإن سكت قصُر به عيّه، وإن عمِل أفسدْ، وإن استرعى أضاع، لا علمُه من نفسه يُغنيه، ولا عِلْمُ غيرهِ ينفعهُ، ولا يطيعُ ناصحَه، ولا يستريح مقارنه، تودّ أمه ثكلته وامرأته أنها فقدته، وجاره بُعد داره، وجليسَه الوحدة من مجالسته، إن كان أصغر من في المجلس أعيى من فوقه، وإن كان أكبرهُم أفسدَ مَنْ دونه} فالاحمق، اذن، يضيّع المعرفة على الناس عندما يتصدى للحديث او الجواب، فلا هو قادر على ذلك ولا يدع غيره يفعل.

 ان العاقل لا يستعجل الجواب ولا يحشر نفسه في كل حديث حتى اذا كان عالماً به عارفاً بفنونه، فما بالك اذا كان جاهلاً بالأمر، سؤالا كان ام موضوعاً؟.

 اننا اليوم بأشدّ الحاجة الى ان نتعلم كيف نسكت لنضبط أعصابنا ونسيطر على رغباتنا في الكلام والثرثرة ما استطعنا الى ذلك سبيلا، خاصة اصحاب العمائم الذين يعتبر العوام كلامهم شرعٌ يتعبّدون به، حقاً كان ام باطلاً، فليس كل ما يعرفه المرء ويعلمُه يجب عليه ان يدلي به، أولم يقل امير المؤمنين (ع) {لاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ، بَلْ لاَ تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ} وإنما يجب ان يأخذ بنظر الاعتبار ما يلي؛

 ١/ الوقت، فقد لا يكون الكلام اليوم مناسباً فلماذا تستعجله؟ لماذا لا تتريث لتقوله غداً مثلا او بعد غدٍ؟.

 ٢/ الظرف المكاني فقد لا يكون من المناسب الإدلاء بحديثك في هذا الجمع، او في هذه المجموعة على مواقع التواصل الاجتماعي، الا انه مناسب في ظرفٍ مكاني اخر، فلماذا تدلي بحديثك في غير محله؟ الم تقل الحكمة [لكل مقام مقال]؟.

 ٣/ المتلقّي، فليس كلّ الناس سواسية في الاستيعاب والفهم والإدراك، فبأيّ حقٍ تدلي بحديثك امام من كان من دون ان تنتبه الى المتلقي؟.

 ٤/ ولا ننسى هنا طريقة العرض وأسلوب الحديث، فكم من جوابٍ صحيحٍ ضاع بسبب جهل المتكلم بأسلوب عرضه للمتلقّي، وكم من فكرةٍ سليمة ضاعت بسبب جهل صاحبها في طريقة تقديمها للمتلقي.

 انّ كلمةً ليس في محلها، زماناً او مكاناً او متلقي، قد تُفسد عقول الناس وربما تتسبب في انحرافهم او على الأقل تزرع الشك والريبة في نفوسهم، والعكس هو الصحيح، فكلمةٌ او جوابٌ في محلّه قد يقود الى زرع العلم والمعرفة في نفوسِ شعبٍ كاملٍ ومجتمعٍ برمّته.

 وصدق امير المؤمنين (ع) الذي قال {الْكَلاَمُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ، فَإذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ، فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَوَرِقَكَ، فَرُبَّ كَلِمَة سَلَبَتْ نِعْمَةً وَجَلَبَتْ نِقْمَةً}.

 ولشدّ ما يستغرب المرء أحياناً من جرأة البعض في الحديث عن كل شيء، فتراه مثلا يتخبط في كلامه ظناً منه انه سيضيّع الفكرة على المتلقي فلا ينتبه الى جهله، او تراه يصرخ في وجه المتلقي في محاولة منه لإرهابه وارعابه وبالتالي لاقناعه بكلامه رغماً عنه، هكذا هو يظن، او تراه يكذب او يَتقوّل او يستشهد بالمجهول هرباً من الورطة التي أوقع نفسه فيها في محاولة منه لاستغفال المتلقي او ربما استحماره، ناسياً انه هو الحمار والأحمق المستغفل {وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ}.

 لقد ابتُلينا بأناسٍ يدلون بآرائهم في كل شيء وهم لا يفهمون شيئاً، ويبادرون للجواب على كل سؤال وهم لا يتقنون شيئاً، اذا جرى الحديث في علوم القرآن فهم عباقرته، واذا جرى الحديث في علم الفضاء فهم روّاده، واذا جرى الحديث في الشعائر الحسينيّة وأمثالها فهو الفقيه الذي لا يُشقُّ له غبار اذ له الحقّ المطلق في تحريم وتحليل ما يرغب فيه وما لا يرغب، ولشدّ ما اضحكني ان (شيوعياً) سمعته يجادل في حلية وحرمة الشعائر واصل الحجاب وما اذا كان ديناً او عادة وموروثاً شعبياً واخيراً يمتدح منع الخليفة الثاني للمُتعتين اللّتين أحلّهما رسول الله (ص) باعترافه! تخيّل! كان علينا ان ناخذَ ديننا من هؤلاء فغفلنا!!.

 ارى لو انّ كلّ متحدّثٍ يتذكّر انْ يحترمَ نفسه قبل ان يدلي بشيء، اوليس ذلك افضل لَهُ ولنا؟ فليس كلّ مٓنْ قرأَ تعلّم، وليس كلّ من تعلّم فهِم، وليس كلّ من فهِم عَلِم والله تعالى يقول {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.

 ان ادعاء العلم او ما يسمى بالجهل المركب الذي دفع بالعصابات التكفيرية الإرهابية لتفسير القران الكريم بما تهوى انفُسهم، هو الذي أنتج كل هذا الارهاب الأعمى الذي غذّته فتاوى التكفير والكراهية التي يستصدرها بلاط نظام القبيلة الفاسد من فقهاء التكفير ووعاظ السلاطين حسب الحاجة والطلب، فلقد استرخصوا الفتوى فباتت على لسانِ صبيانهم يطلقونها بأبخس الاثمان.

[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/تشرين الثاني/2014 - 4/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م