الشباب والعمل المنظم من اجل بديل ثقافي

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: حسناً اقترح احد العلماء والمفكرين في الساحة، بأن يكون العمل المنظم والمتقن للهيئات الحسينية في شهري محرم وصفر، استمرارية مع نهاية الشهرين لتشمل جميع أشهر السنة، وتواصل عملها في بث الوعي والثقافة في المجالات كافة.

وبما أن إحياء ذكرى الامام الحسين، عليه السلام، ليس مجرد استذكار واستعبار، بقدر ما هو طريق طويل لتشكيل وعي وثقافة متكاملة لحياة الانسان. فإن وجود اطار العمل المنظم تحت مسمّى "الهيئة" يمثل استحقاقاً أكيداً في الساحة، مع وجود حالة التجاذب والتقاطع الذي نشهده من خلال شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام وايضاً على الشبكة العنكبوتية "النت". وبوجود هيئات متعددة، بالامكان توفير فرصة للشباب لأن يظهروا قدراتهم وابداعاتهم في مجال التعبير عن الرأي والنشر والاعلام.

هذه الفكرة الحضارية طرحها أول مرة سماحة الامام الراحل السيد محمد الشيرازي – قدس سره- في اواسط القرن الماضي، وكان لها من الثمار الكثير، وقد تحدث عنها سماحته بغير قليل من الحسرة والأسف لعدم استمرارها وتوسعها لاسباب كثيرة، لكن هذا لم يمنعه من أن يقدم لنا هذه التجربة التي وصفها في كتابه "لكيلا تتنازعوا" بـ "التجربة الرائدة"، في العمل المنظّم والمؤسسي الذي كان بحق، يمثل آنذاك خطوة شجاعة وجريئة وسط محيط خالٍ من أي تشجيع او أرضية لهكذا مبادرات وافكار.

الإطار الفكري

لابد لأي عمل مؤسسي من إطار عام وهوية تشكل الهيئة العامة للكيان الموجود، فكانت الهوية البارزة والمحددة لتجربة الهيئات في كربلاء المقدسة، على يد الامام الراحل، هي "الهيئات الدينية" التي تستقطب الشباب في  المساجد والحسينيات والمكتبات، فكانت هناك "هيئة الرسول الأعظم" و "هيئة الامام علي" وهكذا الاسماء المباركة التي كانت تحملها الهيئات. يقول سماحته ان عدد الهيئات التي أنشأها آنذاك بلغ زهاء (200) هيئة، "وكانت تجتمع في كل اسبوع مرة او مرتين، وبرنامج الهيئة يتلخص في قراءة القرآن الكريم، ثم يلي ذلك محاضرة دينية ثم أسئلة وأجوبة في الاحكام الشرعية، ولولا الاضطرابات التي انتشرت في العراق، لاستمرت هذه التجمعات والهيئات في أداء وظيفتها الاجتماعية والثقافية...". ويشير سماحته الى الانقلابات العسكرية والصراع الدامي على السلطة والنفوذ الذي عصف بالمجتمع العراقي وأوقع فيه تمزيقاً وتشويهاً.

هنا تستوقفنا ملاحظة هامة؛ فهذه الهيئات، ليس الهدف منها جمع الشباب و الشابات في أماكن معينة يكون فيها متحدث ومستمع، كما هو حال مجالس الوعظ او المحاضرات الثقافية والفكرية في المنتديات العامة. إنما هي بالحقيقة عبارة عما يمكن تشبيهه بـ "خلية نحل"، يعمل فيها الجميع لخدمة المجتمع، بمعنى أننا امام تجربة هيئات ذات طابع عملي وحيوي، فالامام الراحل يتحدث لنا عن تجربة هيئة تنهض بمهمة طباعة الكتب والنشر والتوزيع، وهيئة اخرى للإسهام في تسهيل أمر زواج الشباب، وأخرى لمساعدة الفقراء والمحتاجين، وأخرى لعيادة المرضى، وأخرى لتنظيف المدينة...

الثمار للفرد والمجتمع

هكذا مبادرات حضارية لاتقتصر فوائدها وثمارها على الانسان الفرد، ولو انها تكون كذلك، بيد أن الفائدة العظمى والأشمل هي للمجتمع بأسره. هذه الفائدة (الفوائد) قد تكون باشكال متعددة للزمن والظروف التي كان يعيشها سماحة الامام الراحل، كما تكون من النوع الذي يواكب المرحلة الراهنة وتحدياتها ومتطلباتها.

نعم؛ سماحة الامام الراحل يتحدث عن تجربته عندما كان المجتمع العراقي مهدداً بشدّة من التيارات الالحادية والقومية، مما كان يحفّز المؤمنين والحريصين على العمل بكل جد واجتهاد على توفير الحصانة والمناعة للمجتمع من خطر العدوى بهذه الافكار الوافدة، وتكريس الثقافة الاسلامية الاصيلة في اوساط الشباب.

الى جانب ذلك، فان الفائدة الشاملة والدائمة للمجتمع في كل زمان ومكان، هو تحصين الفرد والمجتمع من خطر الانزلاق في الفساد الاخلاقي، الذي يمثل بالحقيقة بداية لإخفاقات متواصلة في حياة الانسان، وتجعله في حلٍ من أي التزام اخلاقي او اجتماعي، وبعيداً عن أي تفكير او تدبير وعمل مفيد في الحياة.

ولا ننسى مسألة في غاية الاهمية؛ أن عنوان "الهيئة الدينية" يمثل بحد ذاته خطوة أولى نحو النجاح، لان الهيئة بالاساس تحمل معها عوامل النجاح والتقدم، والدليل على ذلك، ما يتحدث عنه الشباب في هذه الهيئة او تلك عن المفاهيم والقيم الانسانية والاخلاقية التي تجسدت في رموز عظيمة وفي ملاحم ومواقف تاريخية خالدة، فلدينا الامام علي، عليه السلام،  ولدينا ايضاً النهضة الحسينية، ولدينا الكثير مما يفيد الناس والمجتمع بمختلف شرائحهم ومستوياتهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/تشرين الثاني/2014 - 3/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م