العراق وبصمات الدول الداعمة للإرهاب

 

شبكة النبأ: ربما لم يشهد العراق تضامناً إقليمياً مع مأساته المريرة المتمثلة بالارهاب والجماعات التكفيرية، كالذي يحصل هذه الايام، لاسيما بالنسبة لثلاث دول، طالما كانت مصدراً للارهاب التكفيري، طيلة السنوات الماضية، سواءً بالتعبئة الفكرية او الدعم السياسي والاعلامي او التمويل، وهي الاردن والسعودية، وانضمت تركيا اليهما فيما بعد، فآثار الارهاب لم تعد تطال فئة معينة في العراق، او حتى الحكومة والعملية السياسية، حيث تعجز الارقام والاحصائيات حتى الآن عن تحديد عدد ضحايا التفجيرات والقتل الجماعي منذ الاطاحة بنظام صدام. وهؤلاء لم يكن ذنبهم، سوى أنهم شهدوا حقبة سياسية في تاريخ العراق على خلاف العهود الماضية التي كانت فيها الاقلية هي الحاكمة، والاكثرية لا علاقة لها بالدولة والسياسة.

لقد وصلت الرسائل الاميركية، قوية ومباشرة، الى هذه الدول، ودول اخرى لعبت نفس الدور غير النظيف في العراق، بأن الوقت الحاضر، ليس لتصفية الحسابات، إنما لمواجهة عدو جديد يُقال انه يهدد السلم في المنطقة والعالم، كما كان يُشاع عن "تنظيم القاعدة". لذا نسمع من نتائج الاجتماعات واللقاءات بين المسؤولين العراقيين ونظرائهم في السعودية والاردن وتركيا، أن هنالك "تحديات مشتركة"، وأن هنالك عدو واحد يهدد الجميع، وهذا المنطق هو الذي مكّن الاميركيون من جمع عدد كبير من دول العالم تحت راية التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" في سوريا والعراق.

هذا ما يتعلق بالمصالح الخاصة لواشنطن ولندن وباريس، وسائر دول التحالف، لكن ماذا عن مصالح العراق؛ الضحية الاولى للارهاب...؟ فهذه الدول إنما ترى مصلحة العراق، من زاوية مصالحها الخاصة، لذا تكرر دائماً خلال زيارات المسؤولين العراقيين، على رغبتهم بأن يكون "العراق موحداً يشارك جميع ابنائه في بنائه"، أو يتحدثون عما يصفونه بـ "التهميش" والإقصاء السياسي، ويقصدون ذلك بوضوح المكون السنّي، وهذا ما جعل الاردن تحديداً، اكثر من أي دولة اخرى، العمق الاستراتيجي للمناوئين والمعارضين وحتى المجرمين والسفاحين الذين أوغلوا في دماء العراقيين. بيد أن الظهور الاعلامي لهم، يقدم وجوهاً سياسية معارضة لها الحق في "الكعكة العراقية"، وهذا ما لم تخفه الاوساط السياسية والاعلامية لهذه الدول، عندما تحتضن لديها بعناصر مشبوهة، بل وقد صدر بحقها امر إلقاء القبض بتهمة سفك دماء الابرياء في العراق، في مقدمتهم، طارق الهاشمي الذي آوته تركيا لفترات طويلة رغم النداءات العراقية والدولية بضرورة طرده من اراضيها – على الاقل-، فيما كانت الاردن وما تزال تأوي اكثر شخصية وجماعة مشبوهة، ومن ايتام النظام البائد.

إن نتائج المحادثات بين المسؤولين العراقيين ونظرائهم في هذه الدول، لم تصل حتى الآن الى درجة وضع النقاط على الحروف، وإدانة كل اشكال الاعمال الارهابية التي يقف خلفها اشخاص او جماعات مناوئة للعراق، تعمل على اراضيها، وأن يتم التوصل الى اتفاق مبدأي بالأول؛ لتحديد وجود أي جماعة متورطة في اعمال ارهابية في العراق، تمهيداً لطردهم بالكامل.

المراقبون يؤشرون على نقاط امتياز كبيرة بيد الحكومة العراقية في الوقت الحاضر، فالى جانب التضامن الدولي ووقوف الولايات المتحدة بكل ثقلها مع حلفائها الاوربيين خلف بغداد في معركتها ضد الارهاب، بشكل أو بآخر، فان العراق يمتلك مؤهلات سياسية واستراتيجية كبيرة تمكنه من المناورة والضغط على الاطراف الاقليمية، شرط توفر الارادة والعزيمة والتحدي، فالدول الثلاث، كما سائر دول الجوار، بحاجة شديدة الى العراق، كلٌ حسب ظروفها، سواءً على  الصعيد الامني او الصعيد الاقتصادي أو الصعيد السياسي والاستراتيجي وغير ذلك. فاذا كانت تركيا بحاجة الى المال، والاردن النفط ، والسعودية الامن والتوازن الاستراتيجي مع ايران الساعية الى الانفراد في صدارة القوة الاقليمية، ما عليها إلا الاذعان الى الارادة العراقية ومصالح الشعب العراقي.

إن الدماء التي سالت في العراق طيلة السنوات الماضية، ليس من السهل التساوم عليها او تجاوزها مهما كانت الحاجة الى ذلك. فهي بالحقيقة تشكل رسالة صارخة ومدوية بوجه المعنيين بأن حقوق الارامل والايتام والثكالى لا يجب أن تضيع على طاولة المفاوضات. لنأخذ مثلاً؛ البضائع والسلع التي تصدرها تركيا والسعودية تحديداً الى العراق، حيث يجري التنافس بشدة على الاسواق العراقية، بيد أن القرار المفاجئ يأتي من الشارع العراقي وليس من جهات رسمية، بمقاطعة هذه البضائع رداً على الدعم الواضح للجماعات الارهابية، بما يوصل رسالة مباشرة الى المعنيين بأن الوقوف خلف الجماعات التي ترتكب القتل الجماعي والعمليات الانتحارية، لن يمر دون جواب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/تشرين الثاني/2014 - 1/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م