توظيف العمالة القسرية لأهداف تجارية

 

شبكة النبأ: مشكلة العمالة القسرية والاتجار بالبشر والاستعباد المنزلي تعد من المشكلات الكبيرة، التي انتشرت بشكل مخيف في العديد من الدول، خصوصا تلك الدول الغنية التي تعد وجهة أساسية للملايين من العمال الذين يواجهون اليوم بحسب بعض المراقبين الكثير من المشكلات والمخاطر التي أسهمت في ازدياد معاناتهم، لاسيما مع انعدام الحماية القانونية وسوء المعاملة والاستعباد والانتهاكات الجنسية وعدم دفع الأجور والرواتب وغيرها من المشكلات.

وقد كشف مسح أجرته منظمة "ووك فري" في 162 دولة أن نحو 30 مليون شخصا على مستوى العالم يعانون أحد أشكال العبودية. وأوضح المسح أن الضحايا يباعون لبيوت الدعارة أو يجبرون على أداء أعمال يدوية شاقة أو على العمل سدادا للديون أو ولدوا عبيدا موروثين. وقدر المسح عدد المستعبدين عند 29.8 مليون على مستوى العالم، وهو عدد يفوق أي أعداد وردت في محاولات أخرى لإحصاء من يخضعون للعبودية الحديثة، إذ تقول منظمة العمل الدولية إن هناك نحو 21 مليون شخص ممن هم ضحايا العمل القسري. وتعريف العبودية الحديثة وفقا لمؤشر العبودية العالمي لعام 2013، هو امتلاك أشخاص أو السيطرة عليهم بما يحرمهم حريتهم واستغلالهم لتحقيق ربح أو لممارسة الجنس بالعنف عادة أو الإكراه أو الخداع.

150 مليار أرباح سنوية

وفي هذا الشأن فقد أعلنت منظمة العمل الدولية ان العمل القسري في القطاع الخاص والذي يطاول ملايين الاشخاص في مجال الجنس وقطاع الزراعة وفي المنازل يدر 150 مليار دولارا من الارباح السنوية غير المشروعة في العالم. واعلنت بيت اندريس مديرة برنامج التحرك الخاص لمكافحة العمل القسري في منظمة العمل الدولية لدى تقديم تقرير بهذا الصدد انه "في الاقتصاد الخاص، ان العمل القسري يدر 150 مليار دولار (109 مليار يورو) من الارباح في السنة".

ويأتي ثلثا هذه الأرباح اي 99 مليار دولار من الاستغلال الجنسي لاهداف تجارية، فيما الـ51 مليار المتبقية ناتجة عن الاتجار بالعمال لأهداف الاستغلال الاقتصادي بما في ذلك الاعمال المنزلية (8 مليار) والزراعة (9 مليار) وغيرها من الانشطة الاقتصادية (34 مليار) كالبناء والتصنيع والمناجم وخدمات المنفعة العامة. وتستند هذه الارقام الى بيانات منظمة العمل الدولية الصادرة عام 2012 والتي قدرت ب20,9 مليونا عدد الاشخاص الذي يطاولهم العمل القسري والاتجار بالبشر والرق الحديث في العالم، وبينهم 18,7 مليونا في القطاع الخاص. و26% من الضحايا ال20,9 ملايين هم اطفال فيما 55% منهم من النساء والفتيات.

وتضم منطقة اسيا والمحيط الهادئ اعلى عدد في العالم من العمال القسريين (بما في ذلك العمل القسري الذي تفرضه الدولة) يبلغ 11,7 مليون ضحية (56%)، تليها افريقيا (18%) واميركا اللاتينية (9%) ودول اوروبا الوسطى والجنوبية الشرقية ومجموعة الدول المستقلة (7%) والدول المتطورة وبلدان الاتحاد الاوروبي (7%) واخيرا الشرق الاوسط (3%).

وقالت بيت اندريس انه "بعدما تم تحقيق تقدم على صعيد تراجع العمل القسري الذي تفرضه الدول، علينا الان ان نركز على العوامل الاجتماعية الاقتصادية التي تجعل الاشخاص عرضة للعمل القسري في القطاع الخاص". وما يزيد من قلق منظمة العمل الدولية التي تضم ممثلين عن ارباب العمل والنقابات والحكومات، ان اتفاقيتها لتحريم السخرة تعود الى العام 1930 وكانت تهدف الى مكافحة ممارسات الدول في المستعمرات. وقالت كورين فارغا الخبيرة في منظمة العمل الدولية ان هذه الاتفاقية "كانت فاعلة في زمنها لكنها لم تعد مناسبة للعمل القسري في القطاع الخاص".

الى جانب ذلك أظهرت دراسة ان قرابة ثلثي الـ350 الف عامل في قطاع صناعة الالكترونيات في ماليزيا، وهو بلد من كبار مزودي الماركات العالمية في هذا المجال، يعملون في ظروف شبيهة بـ"الاسترقاق المعاصر". واشارت هذه الدراسة التي اجرتها منظمة "فيريتي" الاميركية غير الحكومية المتخصصة في شؤون حقوق العمال، الى ان 28 % على الاقل من العاملين في مصانع الالكترونيات، خصوصا المهاجرين من البلدان الفقيرة في هذه المنطقة في جنوب شرق اسيا، يعملون في ظروف صعبة وليسوا قادرين على تسديد الديون المستحقة عليهم لحساب مشغليهم.

ولفتت الدراسة التي استندت الى مقابلات اجريت مع 501 شخص الى وجود حالات عدة من العمل القسري تم تسجيلها في "المناطق الرئيسية، في قطاع الالكترونيات، في صفوف العمال الاجانب، رجالا ونساء على السواء". بحسب فرانس برس.

واضافت الدراسة ان "هذه النتائج تدفع الى الاعتقاد بأن العمل القسري منتشر في قطاع صناعة الالكترونيات في ماليزيا والامر لا يتعلق بحالات معزولة". وتمثل شركات الالكترونيات الماليزية من ابرز المزودين للشركات العالمية مثل "آبل" و"سامسونغ" و"سوني".

ضغوط هندية لزيادة الاجور

من جانب اخر تضغط الهند على الدول الغنية في الخليج لزيادة أجور ملايين الهنود العاملين هناك في مسعى قد يدر عليها دخلا جديدا بمليارات الدولارات لكنه لا يخلو من مخاطرة إذ قد يخرج بعض مواطنيها من سوق العمل. ويعتقد أن حوالي خمسة ملايين هندي يعملون في دول الخليج المصدرة للنفط ليشكلوا أكبر تجمع وسط عمالة أجنبية تزيد على 20 مليون نسمة.

ويقوم المغتربون بكثير من المهن المحقرة والخطرة في المنطقة في قطاعات شتى من الإنشاءات إلى النفط والنقل والخدمات. ويشكلون نحو نصف عدد سكان الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي البالغ زهاء 50 مليون نسمة. لذا قد يكون لحملة الهند المطالبة بزيادة الأجور أثر على اقتصادات المنطقة ولاسيما إذا أفضت إلى زيادة عامة لأجور العمال الوافدين من دول أخرى موردة للأيدي العاملة مثل باكستان وبنجلادش.

وعلى مدى الأشهر الأخيرة عمد الدبلوماسيون الهنود في البحرين والكويت وقطر وسلطنة عمان والسعودية والإمارات العربية المتحدة إلى إجراء زيادات حادة على الحد الأدنى للأجور الذي يوصون به للعمالة الهندية في شركات القطاعين العام والخاص بتلك الدول. وقال ي.س. كاتاريا المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الهندية في نيودلهي "نريد أن تحصل الأيدي العاملة الهندية على رواتب أعلى. التضخم وقيمة العملة الهندية وارتفاع تكاليف المعيشة في الخليج هي العوامل المفضية إلى القرار."

لكن من غير الواضح مدى نجاح الاستراتيجية الهندية. فقد أبدى المسؤولون في بعض الدول الخليجية على الأقل استياء وقد تؤدي المساعي الهندية إلى نتائج عكسية إذا انتهى الأمر بتلك الدول إلى استقدام العمالة من مناطق أخرى من العالم. وقال محمد جندران العضو المنتدب لشركة عبر البحار لتوريد العمال في الإمارات "بالتأكيد سيشجع ذلك الشركات على تفقد بنجلادش وباكستان كخيار أجدى لاستقدام العمالة الأجنبية."

ولا تستطيع الحكومة الهندية إملاء أجور مواطنيها في الخليج - فقرارات التعيين يأخذها أرباب العمل في كل دولة على حدة ولا تفرض تلك الدول حدا أدنى للأجور وغالبا ما تحظر أنشطة الاتحادات العمالية. لكن أرباب العمل بحاجة إلى تعاون السلطات المحلية بخصوص مشاريعهم في الهند. وتقول مذكرة داخلية وضعتها وزارة الشؤون الخارجية الهندية إنه في حالة حصول العمال على أجور دون الحد الأدنى المحدد فإن مسؤولي الوزارة "لن يصدروا تصاريح السفر".

وفي السعودية رفعت السفارة الهندية في وقت سابق هذا العام الحد الأدنى المنشور بموقعها على الانترنت إلى 1200 ريـال (320 دولارا) في الشهر من 670 ريالا. وفي الإمارات قال جندران إن الحد الأدنى للعمالة اليدوية الهندية رفع إلى 1500 درهم (409 دولارات) في الاسابيع الأخيرة من 1200 درهم العام الماضي. وحتى عندما يوافق أرباب العمل الخليجيون على مستويات معينة للأجور فإن تلك الأرقام لا تدوم بالضرورة. فبعض العمال يتلقون تعهدات بأجر محدد عندما يوقعون في بلدانهم ثم يجبروا على القبول بأجور أقل عندما يصلون إلى الخليج.

ودور الهند كمصدر مهم للأيدي العاملة يعني أن أرباب العمل لا يستطيعون تجاهلها بشكل كامل وهو ما قد يكون له آثار كبيرة في بعض الدول والقطاعات. لكن قد يحدث رد فعل عكسي. وقال مسؤول آخر بوزارة الشؤون الخارجية الهندية إن طلبات الهند لزيادة الأجور لاقت مقاومة من دول الخليج الست وإن بلدين هددا بخفض العمالة الهندية واستقدام المزيد من بنجلادش ونيبال.

وإذا نجحت جهود الهند لزيادة الأجور فقد تعزز الاقتصاد لأن المغتربين يحولون جزءا كبيرا من أجورهم إلى أسرهم. وبلغت تحويلات الهنود في الخارج 69 مليار دولار في 2012 وخلصت دراسة للبنك المركزي عام 2010 إلى أن دول الخليج تسهم بنسبة 31 بالمئة. وقد تؤثر زيادة الأجور على شركات عديدة أيضا. بحسب رويترز.

يقول فواز الخضري الرئيس التنفيذي لشركة الإنشاءات السعودية عبد الله عبد المحسن الخضري إن أرباح القطاع قد تتقلص جراء مطالب حكومات بعض الدول المصدرة للأيدي العاملة. وقال "في بعض الحالات كانت الرواتب في نطاق 800 إلى 900 ريـال والآن نسمع عن 1500 ريـال كحد أدنى وهي زيادة كبيرة جدا ... قطعا ستكون تلك مشكلة كبرى في قطاع المقاولات."

في قطر عمالة بلا اجور

في السياق ذاته عبر منظمو كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 في قطر عن انزعاجهم لما يتردد من أن العمال المهاجرين الذين شيدوا مكاتبهم لا يزالون ينتظرون رواتبهم. ويقول العمال الوافدون من نيبال وسريلانكا والهند انهم لم يتقاضوا رواتبهم منذ 13 شهرا بعد انهيار شركة المقاولات المسؤولة عن المشروع.

وتقول صحيفة الجارديان إن بعض العمال تركوا مشردين في الدولة يعملون بأقل من دولار واحد في اليوم. وفي مايو/آيار الماضي تعهدت قطر بتحسين ظروف العمال المهاجرين وسط تصاعد القلق بشأن التعامل معهم. الا أن تحقيقا أجرته الصحيفة كشف أن العمال المهاجرين الذين قاموا ببناء المكاتب الخاصة ببطولة كأس العالم لعام 2022 في ناطحة السحاب في منطقة البديعة في الدوحة لم يحصلوا على رواتبهم حتى الآن.

وتقول صحيفة الجارديان إن المشروع الذي جاء بقرار من الحكومة القطرية قام العمال المهاجرين بتنفيذه من خلال شركة لي تريدنج. وتكلف ذلك المشروع 4.25 مليون دولار وتم تزويد المكاتب بزجاج محفور غالي الثمن وأثاث ايطالي يدوي الصنع. الا إن انهيار شركة لي تريدنج أدى الى قيام منظمة العفو الدولية برفع الأمر الى رئيس وزراء قطر في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي بعد ترك الكثير من العمال مشردين بلا عمل.

وحتى الآن بقى الموقف على ما هو عليه. كما تم القبض على خمسة عمال وسجنهم بعد تركهم دون بطاقات تحقيق شخصية. وفي بيان قالت هيئة كأس العالم المسؤولة عن بطولة 2022 في قطر إنها "تشعر بالانزعاج الشديد لمعرفة ما قامت به شركة لي تريدنج فيما يتعلق بعدم دفع رواتب عمالها في موعدها." وقال المسؤولون إنهم نقلوا مخاوف منظمة العفو الدولية إلى "السلطات المختصة" العام الماضي وأصروا على القول إنهم "سيواصلون الضغط من أجل انهاء كافة القضايا بشكل سريع وعادل."

وتحركت قطر في مايو/آيار الماضي لتغيير القوانين المثيرة للجدل الخاصة بالعمال الأجانب وتقييدهم بالعمل بجهة واحدة. ويتهم نشطاء حقوق الانسان نظام الكفيل بأنه يمثل عبودية العصر الحديث. وقد شهدت تلك الدولة الخليجية تدفقا هائلا من العمال المهاجرين قبل بطولة كأس العالم ويشكل المهاجرون الأجانب الآن الجزء الأعظم من القوة العاملة في البلاد. وفي قطر أعلى نسبة من العمال المهاجرين قياسا إلى حجم السكان في العالم. وقفز عدد سكان البلد عضو منظمة أوبك تسعة بالمئة في الربع الأول من العام مع قيام الشركات بتعيين الآلاف للعمل في مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالنهائيات. بحسب بي بي سي.

من جانب اخر أكد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ان دولته "تعمل جديا على تحسين" وضع العمال الاجانب، في ظل رده على انتقادات حول ظروف العمل القاسية في الدولة الخليجية التي تستعد لاستضافة مونديال 2022 لكرة القدم. وقال الشيخ تميم خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل في برلين: "في ما يخص وضع العمال الاجانب، نعمل بشكل جدي جدا كي يتحسن الوضع". واقر ان قطر ليست "دولة كاملة لا ترتكب الاخطاء ابدا"، لكنه شدد على ان "التغييرات جارية. وهذا هو النبأ السعيد". اما ميركل فاعلنت صراحة ان برلين تتمنى "ان تكون ظروف العمال جيدة في بلد من بين الاغنى على الكرة الارضية". وتابعت: "اشار الامير بوضوح الى ان الامور في طريقها الى التغيير وانه تمت الاستجابة الى جزء من النقد".

وكانت منظمات غير حكومية نددت بما وصفته ب"العبودية المعاصرة" التي يعيشها العمال المهاجرون، والاسيويون منهم بشكل خاص، الذين يتوافدون الى قطر لإنشاء البنية التحتية للمونديال عقب تحقيق نشرته صحيفة الغارديان البريطانية أيضا في ايلول/سبتمبر من العام الماضي ذكرت فيه ان عشرات العمال النيباليين لقوا حتفهم بينما كانوا يعملون في قطر، ما اثار مخاوف بشان الاستعدادات التي تجريها الدولة الخليجية لاستضافة البطولة العالمية. ونفت قطر مرارا وتكرارا حصول وفيات بين العمال، غير ان السفارتين الهندية والنيبالية وثقتا بالارقام حصول مئات الوفيات منذ عامين. وتواجه قطر تحديا رئيسيا بحلول 2022 يتمثل في تجهيز انشاءات ضخمة كالملاعب والفنادق وشبكة المترو وغيرها مما يستوجب مئات الالاف من العمال الاجانب الذين تترصد اوضاعهم منظمات حقوقية وتضعهم وسائل الاعلام تحت المجهر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/تشرين الثاني/2014 - 29/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م