الخبرة

من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الخبرة في حياة الانسان هي تجسيد للتجربة، بغض النظر عن مدى صحتها او خطأها، حيث يتعلم الانسان من اخطائه.

تقوم حياة الانسان على اكتساب المهارات في كل عمل يقوم به، فاداء العمل للمرة الاولى قد يكون مصحوبا ببعض الارشادات النظرية التي يحاول الانسان تطبيقها في عمله الاول، النجاح او الفشل في هذا العمل يقترن  بمدى استيعاب صاحبه للخطوات المتتالية لانجازه، وما قد يرافق ذلك من بعض الاخطاء، تكون في المرة الاولى كثيرة ماتلبث ان تقل وتتقلص في تكرار العمل للمرة الثانية او الثالثة وصولا الى نوع من الاتقان في المرات القادمة، وانعدام الاخطاء، نتيجة تراكم الخبرة من خلال التجربة في مزاولة هذا العمل.

والخبرة هي المعرفة ببواطن الأمور. وهو مصطلح عام يختزل ضمنه مفهوم المعرفة أو المهارة أو قدرة الملاحظة لكن بأسلوب فطري عفوي عميق، عادة يكتسب الإنسان الخبرة من خلال المشاركة في عمل معين أو حدث معين، وغالبا ما يؤدي تكرار هذا العمل أو الحدث إلى تعميق هذه الخبرة وإكسابها عمقا أكبر وعفوية أكبر. لذلك تترافق كلمة خبرة غالبا مع كلمة تجربة.

تترافق كلمة خبرة أيضا بشكل خاص مع المعرفة الإجرائية أي معرفة كيفية عمل شيء ما وليس مجرد معرفة خبرية  (قولية) لذلك غالبا ما يصف الفلاسفة الخبرة على أنها معرفة تجريبية أو معرفة بعدية.

إن حياة الإنسان الخاصة، كما يرى الفيلسوف جون ديوي، سلسلة من المواقف جوهرها التفاعل مع البيئة بطريقة الإنسان الخاصة، إذ يستخدم في هذا التفاعل حواسه وعقله وجسده وخلقه وشعوره، دامجاً النظر في العمل والإحساس في الإدراك، والعقل في الانفعال، والفردي بالمجتمعي. ونتيجة هذا التفاعل يفهم الإنسان نفسه كما يفهم البيئة في آن واحد.

تتكامل عناصر ثلاثة في تكوين الخبرة: (مكون حسي – عملي)، و(مكون انفعالي)، و(مكون معرفي – عقلي).

هناك شروط من خلالها يمكن تحديد الخبرة وهي:

    الاستمرار: بحيث تكون كل خبرة حلقة في سلسلة متصلة الحلقات من النمو الإنساني، وترتبط بما سبق من خبرات وتنتظم معها.

    التكامل: هو تكامل جوانبها الحسية والجسمية والعقلية والانفعالية.

    المرونة: أن تكون مرنة قابلة للتغير والتبديل والارتقاء ولا تتعارض مع التصحيح واكتساب خبرات جديدة.

في كتاب يحمل عنوان (الخبرة ودورها في الحياة) ياخذنا الامام الراحل محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) معه في رحلة شيقة وممتعة، وهو يتحدث عن الخبرة وفائدتها للانسان في حياته، يبدأ تلك الرحلة بمعاني الخبرة اللغوية، فهي تعني: العلم بالشيء،  والاختبار، والخبير: العالم بالامر.

والخبرة في المصطلح العرفي: العلم الخاص الذي يحصل بالكسب والتجربة..

والخبرة بمعناها العرفي، هي من نوع العلم النظري او المكتسب، ولكنها تارة تحصل بالعلم والمدارسة، وتارة بالعمل المباشر الخارجي، اي التجربة، وان كانت حقيقة الخبرة انها العلم بالشيء، او المعرفة ببواطن الامور، كما فسرها البعض).

اهم مقوم من مقومات الخبرة كما يحدده الامام الراحل هو (مجالسة اصحاب الخبرة للاكتساب من علمهم وتجاربهم).

وهذه الملازمة لاجل ان (يتعلم منه مباشرة السلوك العملي، لان المطالعة والمعرفة لوحدها لاتكفي مالم تقترن بالعمل والسلوك).

وبسبب ان عالم الخبرة والتجربة عالم فسيح وواسع، ووجوب الاستفادة من الخبرات والتجارب، يتساءل الامام الراحل: (كيف يلزم ان نستفيد منه، ومن اين نبدا في الحياة؟ فهل نبدأ من الصفر، ام نبدأ من حيث انتهى الاخرون؟).

البداية من الصفر معناها ضياع الكثير من العمر والوقت، اضافة الى ان الفرصة المتوفرة لاتسمح لنا باكمال مشاريعنا والوصول الى اهدافنا.  يرجح الامام الراحل ويفضل الخيار الثاني وهو (ان نبدأ من حيث انتهى الاخرون، اي نستفيد من خبرات الاخرين وتجاربهم، وليس من الضروري ان يحصل كل واحد منا على الخبرة بنفسه، بل يمكنه الاستفادة من عقول الاخيرين، فتكون نهاية الاخرين بداية لعملنا وخوضنا في هذه الحياة، ولكن بشرط ان يكون ما انتهى اليه الاخرون قائما على اسس منتظمة وصحيحة تعطي نتائج مثمرة).

في حياة الانسان وكما اوضحنا في بداية السطور، تقترن الخبرة بالاخطاء ، ويتعلم الانسان من هذه الاخطاء، ومايترتب على التجربة في اعمالنا يسميه الامام الراحل، (الانتكاسات والسلبيات في الحياة) وهي ليست مدعاة للتراجع او الوقوف كما يرى الامام الراحل، اذ  يمكن لهذه الانتكاسات والسلبيات (ان تكون درسا للاستفادة منها في عدم تكرارها وتكون تجربة لسد الثغرات السابقة).

والانتكاسة لدى الامام الراحل تأتي من ثلاثة عوامل هي: (قلة الخبرة، اخطاء في العمل، اخطاء في التطبيق او النظرية).

وفي تصور الامام الراحل يجب ان لاتكون الانتكاسة في اي طريق هي نهاية له، ويجب ان لاتكون مدعاة للتنازل او التراجع او الابتعاد الكلي او الانسحاب التام عن العمل والغاء الاهداف، ونثر الاتعاب والجهود مع الريح، ويجب معرفة (ان الانتكاسة هي عبارة عن عثرة وسط الطريق، يمكن عبورها وتجاوزها بصمود الارادة وقوتها، مضافا الى التوكل على الله وطلب العون منه).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/تشرين الثاني/2014 - 25/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م