ديمبسي للعراقيين: إما التوافق الشيعي – السنّي أو الحرب مع "داعش"

شبكة النبأ: كما هو حال سائر القادة العسكريين والمسؤولين الاميركيين المعنيين، جاءت زيارة رئيس هيئة أركان الجيوش الاميركية، الجنرال مارتن ديمبسي، مفاجأة وسريعة، وبعيدة عن الاضواء والبروتوكولات الروتينية، لانه إنما نزل في ساحة حرب ذات اهمية كبرى للولايات المتحدة. وقد تزامنت الزيارة مع تطورين كبيرين؛ الاول: يتعلق بالوضع السياسي، حيث بيّن رئيس الحكومة حيدر العبادي، مقدرته على تطهير المؤسسة الامنية والعسكرية من الفاسدين والفاشلين، من خلال إقالة عدد كبير من الضباط، منهم ذوي رتب رفيعة، والثاني: في ميدان القتال، حيث حققت القوات العراقية انتصاراً نوعياً باستعادتها قضاء بيجي الاستراتيجي مع المصفاة الضخمة.

بيد أن هذا ليس كل ما يريده الجنرال الاميركي، حيث إن المعطيات الموجودة تؤكد أن الفترة الراهنة تشهد انتهاء المرحلة الاولى من الحرب الاميركية ضد "داعش"، والآن تنطلق المرحلة الثانية، كما أفصح عن ذلك مساعد وزير الخارجية الأميركي، "بريت مكورك" في بيان مقتضب من بغداد: إن "زيارة ديمبسي ستبحث مع المسؤولين السياسيين والأمنيين في العراق المرحلة الثانية من الحملة ضد تنظيم داعش". وبهذا يريد "ديمبسي" الايحاء بأن ما يجري في العراق، برمته عبارة عن سيناريو من تدوين واشنطن ولا دخل لأي عامل آخر على الارض، سواءً دور المرجعية الدينية في فتواها التعبوية، او دور الجماهير في التفاعل والتجاوب الكبيرين، والتجحفل ضمن قوات "الحشد الشعبي" منذ الايام الاولى لهجوم "داعش" على الموصل. وهذا ما يحاول الجنرال الاميركي تغييبه بالكامل، عندما يوحي بأن القوات الاميركية كان لها الفضل في الامن والاستقرار التي تنعم به العاصمة بغداد وسائر المدن الاخرى، وعليه فان على المسؤولين في بغداد الاستعداد – كما يتوقع الاميركان- للمرحلة الثانية والمقبلة وهي تنفيذ فقرة من المخطط القديم المتعلق بدمج المليشيات المسلحة السنيّة – على وجه التحديد- في القوات المسلحة، وهو ما كانت دائماً توصي به واشنطن منذ سنوات.

كان الجنرال الاميركي واضحاً في نقل الرسالة الاميركية الى المسؤولين في بغداد، بأنهم لن يعودوا قادرين على ادارة الدولة على شاكلة الحكومة السابقة، إنما القبول بشكل من توازن القوى وتقسيم القدرات بين المكونات الموجودة، وتحديداً مع السنّة، وربما تأتي تصريحات هذا الجنرال الواضحة بشأن آفاق الحرب ضد "داعش" بانها تستمر لسنوات، وأن "القوة العسكرية لن تقضي على "داعش" ما لم تنجح الحكومة العراقية في انهاء الانقسام بين السنة والشيعة". وأوضح بأن هذا يتحقق خلال سنوات...!

المراقبين والمتابعين للشأن العراقي، لاسيما التجاذبات الاقليمية، يرون في تصريحات الزائر العسكري الاميركي ظاهر القضية، وأن ثمة خطة اميركية لاختراق جبهات "داعش" باتجاه الحدود السورية، ربما لتحقيق نصر جديد بتبديد حلم آخر لهذا التنظيم بالتوسع والهيمنة، إذ بات من الواضح وجود تفهّم خاص متبادل بين الاميركان وعموم المكون السنّي في العراق، فحتى مسألة "الدمج" ليست منتهى طموحهم، فهم ليسوا دائماً بحاجة الى الرواتب والمخصصات التي تقدمها الدولة للمتطوعين في القوات المسلحة، بقدر ما يفكرون فيما وراء ذلك، من مواقع ومناصب وامتيازات هي التي تقسم وتوزع الرواتب، لا ان تأتي من ايدي هذا الوزير او ذاك القائد او غيره، الجالس في بغداد... وهذا ما أفصح عنه الشيخ شعلان النمراوي، أحد شيوخ عشائر البونمر في الأنبار، بأن عدداً من شيوخ الأنبار تلقى دعوات من الحكومة عبر قيادة عمليات الأنبار، بدفع أبنائها للتطوّع في صفوف القوات الأمنية. وتعليقه على هذه الدعوة أن "الحكومة تتجنب تسليحنا بشكل مباشر وتريد تطويع أبنائنا في التشكيلات الأمنية الرسمية وتسليحها، ولكن العديد من أبناء العشائر لا يريدون لأبنائهم التطوع في القوات الأمنية، بل يريدون السلاح للدفاع عن أنفسهم في مناطق ضد داعش".

هذا التوجه الخاص، لم يأتي من واشنطن ويستفيد منه المكون السنّي، إنما مصدره المحيط الاقليمي، وتحديداً قطر والسعودية اللاتي يعدن هذا المكون الجسر الوحيد لهم، بل حتى لسائر الاطراف الاقليمية، مثل تركيا والاردن، في ان تمارس ضغوطها على الدولة العراقية التي يجدونها تذهب بعيداً في علاقاتها مع ايران، وهذه العلاقات أخذت مساحة لابأس بها من ساحة المواجهة مع "داعش"، فهل يقبل هذا المكون ومن ورائه الاطراف المؤيدة والمساندة بأن تكون ايران هي بطلة المعركة الحاسمة مع "داعش"؟ هذا بمعنى أنهم ينفقون الملايين بل المليارات لإثارة الفتن الطائفية في العراق، ثم يخلقون الاعداء، الواحد بعد الآخر، منذ سقوط صدام، وتأتي ايران وبتنسيق متكامل مع المسؤولين في بغداد بتسجيل الاهداف في مرماهم، كما حصل في قضية فك الحصار عن ناحية "آمرلي" ذات الاغلبية الشيعية ضمن محافظة صلاح الدين، حيث ظهر بشكل غير متوقع امام الاعلام، اسم وصورة الجنرال الايراني الشهير "قاسم سليماني" وهو يدير المعارك هناك، بل ان المصادر أكدت بأن له الفضل في إيقاف زحف "داعش" على مشارف بغداد. والمثير أن نفس هذه العبارة يكررها الجنرال الاميركي أمام عدد من قوات المارينز في بغداد، بأن الجيش الأمريكي ساعد القوات العراقية في "انتشال العراق بعيدا عن حافة الهاوية".

فاذا كان هنالك اتفاق غير مكتوب وتفاهم ضمني بين المكون السنّي وبين واشنطن على كسب الامتيازات السياسية،إن عاجلاً أو آجلاً، فهذا يعني أنه يمثل تحدياً خطيراً على الارض يصطدم مع حقائق ومعطيات واقعية، ليس أقلها القاعدة الجماهيرية للمكون الشيعي في العراق، والتماسك الموجود بين القيادة والقاعدة، ووجود وحدة قرار ومصير، وهذا ما يفتقده الآخر، حيث تؤكد معظم المصادر، كما الشواهد الدالة، على تعدد المرجعيات السياسية والدينية، وعدم وجود الرؤية الواضحة للحاضر والمستقبل، إنما المتفق عليه، الكره الشديد لإيران وبصماتها في العراق. وتفضيل الولايات المتحدة في التحاور والحصول من خلالها على ما يريدون، على ايران.

من هنا يربط المراقبون بين حجم الوجود الايراني في ساحة المواجهة الحالية مع "داعش"، وبين القدرة على تنفيذ ما طلبه "ديمبسي" في بغداد وبينه بأنه "يرغب في معرفة ما اذا كان العراقيون يعتقدون ان بامكانهم تجنيد أشخاص لبرنامج تأمل الولايات المتحدة في انطلاقه العام القادم لاعادة تدريب وحدات عراقية..."، ثم "اريد الحصول على انطباع منهم حول ما اذا كانوا يعتقدون ان اطارنا الزمني قابل للتنفيذ ". فتنفيذ الخطة الاميركية في ساحة هذه المواجهة يأتي من خلال تسليح العشائر بشكل مباشر،وليس فقط فتح ابواب التطوع كما هو المعمول به في سائر مدن العراق، وهذا يعني إطلاق يد العشائر السنية بأن تتخذ قراراتها لوحدها فيما يخص تأمين الامن والاستقرار في مناطقها قبل التفكير بمواجهة "داعش" وتوجيه فوهات البنادق صوبهم والذي لن يحصل أبداً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/تشرين الثاني/2014 - 23/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م