التَّرَاضِيْ... مَبْدَأٌ لِحَلِّ الأَزَمَاتِ في العِرَاقِ الجَدِيْد

مُحَمَّد جَواد سُنبَه

 

ما من دولة في العالم، إِلاّ وتمر بمجموعة من الازمات، سواء كانت في الداخل او مع الخارج. وكلما كانت الدولة حديثة التكوين، فان الازمات تكون جزءاً من وجودها، وكأن العالم يريد ان يختبر، مدى قوة هذه الدولة، ومقدار استعدادها للبقاء حيّة، بين اعضاء المجتمع الدولي. وعلى هذا الاساس فان الدولة الوليدة، تَعرِضُ كل امكانياتها الذاتية، للتغلب على الازمات التي تحيط بها، من اجل فرض وجودها بين دول العالم. ويكون في طليعة هذه الامكانيات الذاتية للدولة، طبقة من رجال السياسة والقانون والاقتصاد...الخ، الذين يشكلون الدرع الذي يقي الدولة، من كل الهزات التي تواجهها.

بكلمة أخرى؛ الدولة اي دولة كانت، وعلى مر التاريخ، لا يفرض وجودها في العالم، مالم يتصدى منها رجال مخلصون، يتولون عملية بنائها السليم، ويطلق على هؤلاء الاشخاص وصف (رجال دولة، أو بناة الدولة).

ما تقدم اعلاه، ينطبق تماما على العراق الديمقراطي الجديد، كدولة تشكلت وتريد ان تتلمس طريقها في الوجود، لتصبح دولة لها هويتها ونظامها، بين دول العالم. لكن هذه الدولة حديثة التشكيل، لم تفرز رجال دولة يقودون مسيرتها قدماً الى الامام. وربما يعود ذلك الى الطريقة والملابسات المعقدة، التي صاحبت تكوين هذه الدولة. المهم ظلت دولة العراق الجديد تفتقر الى عناصر بنائها وهي:

1. عدم وجود (رجال دولة) يتولون قيادتها.

2. وجود صراعات قومية وطائفية، داخل كيان المجتمع العراقي، الذي يشكل العنصر الحيوي في وجود الدولة.

هذان العنصران الاساسيان، شكلا أهم نقاط الضعف، في كيان دولة العراق الجديد. لذا نرى ان الازمات، اصبحت داءً ملازماً لوجود دولة العراق الجديد. ومن المؤسف، ان جميع الازمات التي مرت بها دولة العراق الديمقراطي، كانت تحل بطريقة التراضي بين الاطراف. هذه الطريقة الساذجة في التعاطي مع الازمات، تخرج الدولة من سياقات التعامل، على ضوء ثوابت محددة وواضحة، تضع مصلحة الصالح العام، فوق المصالح الضيقة، لهذا الطرف او ذاك. كما انها تختزل وضع الدولة، من كيان دستوري ومؤسسي وقانوني، بكيان اقرب ما يكون الى الكيان العشائري. ففي الاعراف العشائرية، يطغى جانب تحقيق المكسب الشخصي، على غيره من الجوانب الأخرى. ومن هنا ندرك خطأ منهج التراضي، الذي سارت وتسير عليه، الحكومات السابقة والحالية، في العراق الجديد.

ومن اعقد الازمات التي تمر بها دولة العراق الديمقراطي، هي الازمات بين الاكراد والحكومة المركزية. ولعل آخرها وليس أخيرها، أزمة ايرادات النفط المصدر من اقليم كردستان. هذه الازمة، التي ظلت تدور في فلك الصراعات الحادة، بين حكومتي الاقليم والمركز، منذ شهر تموز 2010، عندما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز:-

(أَنَّ واشنطن قلقة، من تهريب كميات كبيرة، من النفط العراقي إِلى إيران، واتّهم مسؤول أمريكي تحدث إلى الصحيفة، (من دون الكشف عن اسمه)، السلطات الكردية بكسر الحصار على إيران. وبحسب ما جاء في التحقيق، فإِنَّ مئات الشاحنات، تعبر من قرية بنجوين في كردستان العراق، إِلى إِيران محملة بالوقود، ونسبت إِلى وزير النفط العراقي عبد الكريم لعيبي، قوله إن السلطات الكردية، هي التي تتحمل المسؤولية عن التهريب)، ( موقع فضائية العربية 11/7/2010).

بقت الأزمة بين الجانبين بدون حلّ، ولكن المفاجأة كانت صادمة عندما أعلن وزير النفط العراقي، السيد عادل عبد المهدي، في مؤتمر صحفي عقد يوم 14/11/2014، عن توصل الى اتفاق مع حكومة الاقليم: (ويقضي الاتفاق بقيام الحكومة الاتحادية بتحويل ٥٠٠ مليون دولار الى حكومة الاقليم فيما تقوم حكومة الاقليم بوضع ١٥٠ الف برميل نفط خام يوميا بتصرف الحكومة الاتحادية.)(رابط الموقع الشخصي للسيد عادل عبد المهدي، على صفحة الفيس بوك https://www.facebook.com/Adil.Abd.Al.Mahdi1).

وتأكيداً لهذا الاتفاق:

(قال العبادي في بيان نشر على موقع المجلس الاعلى الاسلامي على هامش لقائه برئيس المجلس عمار الحكيم واطلعت (السومرية نيوز)، عليه إن (الاتفاق النفطي ينص على اطلاق بعض الاموال للاقليم مقابل تسليم الاقليم النفط للحكومة الاتحادية)، مجددا التزامه لـ(حل جذري للمشاكل العالقة بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان وفق الدستور والشراكة والعدالة)(انتهى)(موقع السومرية نيوز 15/11/2014).

وزيادة في التأكيد، فقد نشر السيد عادل عبد المهدي، في موقعة الشخصي على صفحة الفيس بوك، ورقة (A4) تحتوي على بضعة سطور، تضمنت الاتفاق. والغريب ان هذه الورقة، لا يوجد عليها اي توقيع لأطراف الاتفاق، ما عدا تاريخ انشائها في 14/11/2014.

أقول:

هل مثل هذا الاتفاق، الذي يحدد مصير ثروة العراقيين وحقوقهم، يكتب على ورقة لا تحتوي على اسماء وتواقيع الجهات التي ابرمت الاتفاق فيما بينها؟.

هذا الاتفاق، هو نموذج من نماذج حل الازمات في العراق الجديد، على طريقة التراضي. فلا سند دستوري او قانوني يدعم الاتفاق. ولا قرار من مجلس النواب العراقي، يحدد الاطار الدستوري، لهذا الاتفاق. ولا قرار قضائي من المحكمة الاتحادية، يسند هذا الاتفاق بطريقة قانونية. انها محظ العشوائية، والاصرار على المضي قدماً، بتطبيق منهج التراضي، لحل الازمات بين الاطراف المتنازعة.

كلمة أخيرة:

ان دولة العراق الديمقراطي، ستبقى دولة مشلولة، تتقاذفها الاهواء والامزجة الشخصية، مالم تسن قوانين وتصدر تعليمات تضبط بدقة، ما لكل طرف من حقوق، وما عليه من واجبات. ومالم يفهم القائم بالعمل السياسي، او المتقلد بعمل وظيفيّ، ان لا مجال لحاكمية القضايا الشخصية، المبنية على مبدأ التراضي بين الاطراف المتنازعة، وان الدستور والقانون هما الفيصل في حسم جميع القضايا، التي تخص الصالح العام...... ما لم يتحقق ذلك فعلى العراق السلام.

* كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي

[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/تشرين الثاني/2014 - 23/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م