لقد اعادت الانتصارات العظيمة التي حققها العراقيون على الاٍرهاب
لحد الان ثقة المجتمع الدولي بالعملية السياسية برمتها، وليس فقط في
قدرتهم الذاتية على الدفاع عن انفسهم، من دون ان يعني ذلك التقليل من
شان المواقف الإيجابية التي أبداها الأصدقاء والحلفاء في المنطقة
والعالم بهذا الخصوص.
وما كنا نشهد هذه الانتصارات، وما كانت لتتحقق لولا؛
اولا؛ فتوى المرجعية الدينية العليا بالجهاد الكفائي والتي أوقفت
الانهيار بسبب التمدّد السريع والمفاجئ الذي حققه الارهابيون وقتها.
لقد اعترف بدور الفتوى في إيقاف الانهيار الشامل، أعداء العراق قبل
أصدقائه، بل حتى الارهابيون انفسهم أُجبِروا للاعتراف بذلك رغماً عنهم.
ثانياً؛ الصمود المثالي والثبات المشهود لأهالي (آمرلي) والذي
اندهش له العالم برمّته، حتى سرت انتصاراتهم على الارهاب، وبإمكانياتهم
المتواضعة، مسرى المثل الذي يُحتذى.
لقد كان انتصار (آمرلي) على الارهاب وتحريرها لنفسها، بداية كل هذه
الانتصارات، فكان حجر الزاوية، ولذلك فلها يعود الفضل المعنوي والروحي
على كل مناطق العراق الاخرى التي تعرضت او لا تزال تتعرض للارهاب، ففي
(آمرلي) تحطمت أسطورة الارهابيين فتوقّف تمدّدهم، وعلى صخرتها تحطّمت
الهزيمة والجبن والتخاذل والخيانة.
ثالثاً؛ استجابة العراقيين لفتوى الجهاد الكفائي والتي تجلت بالحشد
الشعبي العظيم الذي تحول مع الوقت الى ما يشبه الجهاز العصبي والعمود
الفقري في المنظومة الأمنية والدفاعية والعسكرية العراقية.
لقد تحدى الحشد الشعبي أعتى حروب الدعاية السوداء التي شنها
الارهابيون واذنابهم وحواضنهم ضده، إنْ بالتشكيك او بالطعن بالولاء
والانتماء، او بالتوصيفات الظالمة، فان عزيمته وثباته واصراره على
مواجهة الاٍرهاب في مثل هذه الظروف هو الذي منحه إعجاب العالم به،
وحاجة الآخرين له، ومنهم حواضن الارهاب الفعليّة.
رابعاً؛ التغيير السياسي الإيجابي الكبير الذي شهدته العملية
السياسية والذي غيّر المعادلات الوطنية لصالح العراق الذي كاد ان ينزلق
الى هاوية الفشل ونُعلن عن شهادة وفاته لو لم نشهد هذا التغيير الوطني
الاستراتيجي، وذلك بسبب سياسات الخلف التي تبنّت استراتيجية صناعة
الأزمات مع الجميع ظناً منه بانّه سيتمكن بها الافلات من نهايته
المحتومة مدى الدهر، وتلك هي سياسة الطغاة المستبدين عادة، الذين
يعتمدون على ملأ فاسد ووصولي ونفعي.
خامساً؛ خطط السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور العبادي في مجال
مكافحة الفساد المالي والاداري، خاصة في المنظومة الأمنية والعسكرية،
والتزامه بها واصراره على إنجازها، والتي ساهمت في اعادة هيكلتها وكذلك
اعادة النظر في الخطط الأمنية والعسكرية التي اعتمدها خلفه وفريقه
والتي اثبتت اخيراً فشلها وعدم قدرتها على مواجهة التحديات الأمنية.
ان اصراره على محاربة الفساد المالي والاداري بما يساهم في اعادة
هيبة الدولة ومؤسساتها، وفي ظل ظروف أمنية وسياسية قاهرة، منحه، وفريقه
الحكومي، ثقة المجتمع الدولي الذي بات ينظر الى كل ذلك من ارهاصات
المرحلة الجديدة التي دشّنها العراق الجديد بعد ازاحة العقبة الكأداء
التي حاولت التشبث بالسلطة على حساب المصلحة العليا للبلاد.
سادساً؛ ولا ينبغي بالمطلق ان نتجاهل التلاحم الوطني الذي شهده
العراق في حربه ضد الارهاب، سواء بين مختلف مكونات المجتمع العراقي او
بين السياسيين انفسهم او بين بغداد وإقليم كردستان، حتى اختلطت دماء
العراقيين جميعاً واموالهم وممتلكاتهم وإمكانياتهم وهم يحاربون
الارهاب.
ان ذلك وغيره من العوامل التي ساهمت في تحقيق الانتصارات المتلاحقة
الاخيرة على الاٍرهاب، أعاد ثقة المجتمع الدولي، وخاصة الولايات
المتحدة الأميركية، بالعملية السياسية وبقدرة وكفاءة العراقيين في
الحرب على الارهاب من دون الحاجة الى اي تدخل عسكري بري ومِن قِبَلِ
ايٍّ كان.
ولقد ترتب على اعادة الثقة هذه تصميم واشنطن وحليفاتها على
الاستمرار في مساعدة العراق في حربه على الارهاب وزيادة انواع الدعم
العسكري والتعاون الأمني والاستخباراتي مع بغداد واربيل ما سيساهم في
التعجيل بتحرير كل شبر من ارض العراق من دنس الارهابيين ورميهم خلف
الحدود وتشريد مَنْ خلفهم من أنظمة ارهابية واجهزة استخبارات ومافيات
المال والاعلام والتي يقف على رأسها نظام القبيلة الفاسد الحاكم في
الجزيرة العربية ومؤسّسته الدينية المشعوذة والمتخلفة.
nhaidar@hotmail.com
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |