رسالة الامام الذهبي الى استاذه ابن تيمية

وفيها عبرة لمن اعتبر

هلال ال فخر الدين

 

في البداية لابد من ترجمة ابن تيمية:

هو أحمد بن الحليم ابن تيمية ولد سنة 661 هـ‍ لأبوين كرديين في حران وتوفي سنة 728 هـ‍ في دمشق ولم يتزوج، وترك كتباً في العقائد والفقه وغيرهما وترجع الوهابية اليه على انه كبير مرجعها وامامها الاكبر. وكان ابوه من شيوخ الحنابلة. وكان ابن تيمية في البداية مستتراً بتبعية الكتاب والسنة وداعيا الى الاصلاح ومظهراً أنه داع إلى الحق هاد إلى الجنة.

عندما تصدى للافتاء بدأ يذيع بدعاً لكن أهل العلم يتسامحون معه في الأوائل باعتبار أن تلك الكلمات ربما تكون شطحات عابرة او فلتات طارئة لا ينطوي هو عليها لكن تماديه خيب ظنونهم وعلموا أنه مبتدع ضال فتخلوا عنه واحدا إثر واحد. فخرج عن الاتباع المشروع إلى الابتداع المحظور وخرق الإجماع في الأصول والفروع وتوسع في مسائل التكفير والتبديع بتجاوز كل الحدود حيث كفر الكثيرين في الوقت الذي كانت الأخطار تتهدد الأمة من كل حدب وصوب فتسبب في تمزيق الأمة الى حد كبير فتصدى لنصحه او الرد عليه وتكفيره جمع كبير من العلماء من مختلف المذاهب ومنهم :الحافظ العلائي والحافظ ولي الدين العراقي والحافظ تقي الدين السبكي وابن حجر...الخ.

فبعد ان كان الامام الذهبي تلميذا لابن تيمية واشد المدافعين عنه لكن بعد ان استبان له انحرافه وضلاله وعدم تورعه وانزلاقه في الطامات وعدم تناهيه عن الباطل فرجوع الذهبي عن عقيدة الشيخ ابن تيمية الحراني المخالفة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله(ص) وإجماع الأمة..!!

وثاقة رسالة الامام الذهبي الى ابن تيمية

مما لايخفى ان حشوية مدرسة ابن تيمية ومجسمة السلفية الوهابية تشكك في صحة نسبة هذه الرسالة الى الذهبي:

لكن لا عبرة بقول من أنكر ثبوتها بحجة أنها مناقضة لعبارات أخرى وردت في كتب الذهبي في ترجمة ابن تيمية وفيها الثناء الكبير عليه، وبحجة أن النسخة الخطية من هذه الرسالة بخط ابن قاضي شهبة وهو خصم مُلِدٌّ لابن تيمية وشهادة الخصم على خصمه مردودة شرعًا، وأن الحافظ السخاوي شافعي المذهب وله كلام طعن في حق ابن تيمية.

نقول: لا مانع أن يثنى على شخص معين في بادىء الأمر اعتمادا على تحسين الظن ثم بعدما يتبين له حاله يقدحه ويذمه وهذا أمر معروف وبالخصوص فيمن ينحرف وتسيء عاقبته ومن أراد فليراجع كتب التواريخ والطبقات.

ومما يؤكد أن الذهبي أثنى عليه أول الأمر ثم لما انكشف له زيغه أرسل له هذه الرسالة على وجه النصيحة ظاهر في رسالته "بيان زغل العلم والطلب"

يقول الحافظ السخاوي في "الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ" ما نصه: "وقد رأيت له (أي للذهبي) عقيدة مجيدة ورسالة كتبها لابن تيمية هي لدفع نسبته لمزيد تعصبه مفيدة".

ومن جملة ما يقوله الذهبي في حق ابن تيمية ما نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنةعنه ونصه: "وأنا (أي الذهبي) لا أعتقد فيه عصمة بل أنا مخالف له في مسائل أصلية وفرعية" اهـ.

إن هذه النسخة مصورة عن نسخة خطية محفوظة في دار الكتب المصرية ـ القاهرة ـ تحت رقم /18823 ب، وهي مكتوبة بخط الفقيه ابن قاضي شهبة، نقلًا عن خط قاضي القضاة برهان الدين المعروف بابن جماعة، عن خط الحافظ أبي سعيد العلائي المنسوخ عن خط الذهبي نفسه. وقال تعالى :(وشهد شاهد من أهلها) يوسف :26

نص رسالة الامام الذهبي الى استاذه ابن تيمية:

الحمد لله على ذلتي، يا رب ارحمني وأقلني عثرتي. واحفظ علي إيماني. واحزناه على قلة حزني، وا أسفاه على السنة وذهاب أهلها واشوقاه إلى إخوان مؤمنين يعاونونني على البكاء. واحزناه على فقد أناس كانوا مصابيح العلم وأهل التقوى وكنوز الخيرات. آه على وجود درهم حلال وأخ مؤنس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. وتبا لمن شغله عيوب الناس عن عيبه. إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينك !. إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذم العلماء وتتبع عورات الناس مع علمك بنهي الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تذكروا موتاكم إلا بخير، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) بلى أعرف أنك تقول لي لتنصر نفسك:

إنما الوقيعة في هؤلاء الذين ما شموا رائحة الإسلام ولا عرفوا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو جهاد. بلى والله عرفوا خيرا كثيرا مما إذا عمل به العبد فقد فاز وجهلوا شيئا كثيرا مما لا يعنيهم، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

يا رجل بالله عليك كف عنا فإنك محجاج عليم اللسان لا تقر ولا تنام. إياكم والغلوطات في الدين كره نبيك صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها ونهى عن كثرة السؤال وقال:(إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان) وكثرة الكلام بغير زلل تقسي القلوب إذا كان في الحلال والحرام، فكيف إذا كان في عبارات اليونسية والفلاسفة وتلك الكفريات التي تعمى القلوب.

والله قد صرنا ضحكة في الوجود فإلى كم تنبش دقائق الكفريات الفلسفية لنرد بعقولنا، يا رجل قد بلعت (سموم) الفلاسفة وتصنيفاتهم مرات. وكثرة استعمال السموم يدمن عليه الجسم وتكمن والله في البدن واشوقاه إلى مجلس فيه تلاوة بتدبر وخشية بتذكر وصمت بتفكر.

وآها لمجلس يذكر فيه الأبرار فعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة. بلى عند ذكر الصالحين يذكرون بالازدراء واللعنة. كان سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقين فواخيتهما بالله خلونا من ذكر بدعة الخميس وأكل.

الحبوب وجدوا في ذكر بدع كنا نعدها من أساس الضلال قد صارت هي محض السنة وأساس التوحيد ومن لم يعرفها فهو كافر أو حمار، ومن لم يكفر فهو أكثر من فرعون وتعد النصارى مثلنا، والله في القلوب شكرك إن سلم لك إيمانك بالشهادتين فأنت سعيد.

يا خيبة من اتبعك فإنه معرض للزندقة والانحلال لا سيما إذا كان قليل العلم والدين باطوليا شهوانيا لكنه ينفعك ويجاهد عندك بيده ولسانه وفي الباطن عدو لك بحاله وقلبه فهل معظم أتباعك إلا قعيد مربوط خفيف العقل أو عامي كذاب بليد الذهن أو غريب واجم قوي المكر أو ناشف صالح عديم الفهم، فإن لم تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل، يا مسلم أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك.

إلى كم تصادقها وتعادي الأخيار. إلى كم تصادقها وتزدري الأبرار. إلى كم تعظمها وتصغر العباد. إلى متى تخاللها وتمقت الزهاد.

إلى متى تمدح كلامك بكيفية لا تمدح - والله - بها أحاديث الصحيحين.

يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك بل في كل وقت تغير عليها بالتضعيف والاهدار أو بالتأويل والإنكار، أما آن لك أن ترعوى؟

أما حان لك أن تتوب وتنيب؟ أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل.

بلى - والله - ما أذكر أنك تذكر الموت بل تزدري بمن يذكر الموت فما أظنك تقبل على قولي ولا تصغي إلى وعظي بل لك همة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات وتقطع لي أذناب الكلام ولا تزال تنتصر حتى أقول: وألبتة سكت.

فإذا كان هذا حالك عندي وأنا الشفوق المحب الواد فكيف حالك عند أعدائك.

وأعداؤك - والله - فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء كما أن أولياءك فيهم فجرة وكذبة وجهلة وبطلة وعور وبقر.

قد رضيت منك بأن تسبني علانية وتنتفع بمقالتي سرا (فرحم الله امرءا أهدى إلي عيوبي) فإني كثير العيوب غزير الذنوب.

الويل لي إن أنا لا أتوب، ووافضيحتي من علام الغيوب ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين

 انتهت صورة رسالة الذهبي إلى استاذه ابن تيمية...وفيها عبرة لمن اعتبر.

والسلام على من اتبع الهدى

[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/تشرين الثاني/2014 - 22/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م