كبت الحريات الدينية بين الانتهاكات الحكومية والجماعات المتطرفة

 

شبكة النبأ: تعتبر حرية الدين والمعتقد وطقوس العبادة من المسائل الحساسة التي شهدت العديد من التجاذبات والصراعات بين الحكومات والجماعات الدينية على مر التاريخ، وقد أثيرت الكثير من الخلافات وشنت اغلب الحروب لأسباب قد تكون لها علاقة مباشرة او غير مباشرة بعوامل دينية او عقدية، ويرى خبراء ان مرد هذا الخلاف (بين السلطة والفرد)، حول منح الحريات الدينية او استغلالها لأسباب أخرى، جاء نتيجة للعامل السياسي الذي حاول الاستفادة من الدين والمعتقد لتنفيذ المصالح الخاصة التي يريد الترويج لها، وهو امر أدى الى المنع والكبت والتضييق تارة، واطلاق الحريات الدينية لفئة دون أخرى تارة ثانية، كما ان اثارة الخلافات الدينية والنعرات الطائفية (مثلما يحصل اليوم في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي)، يأتي في سياق الاستفادة منه سياسيا لتحقيق المارب والمنافع الشخصية.

ويشهد العالم اليوم، تضييقا غير مسبوق على حرية ممارسة المعتقدات الدينية للأفراد والجماعات، سيما في منطقة الشرق الأوسط، والتي اشارت تقارير اممية الى وجود العديد من الخروقات الحكومية، والانتهاكات الواسعة التي تمارس على نطاق واسع بحق الأقليات الدينية بصورة شبه يومية، فيما اكدت تقارير أخرى، ان الممارسات الدامية التي تقوم بها جماعات دينية متطرفة بحق الأقليات والمذاهب الدينية المختلفة، من قتل وهجمات انتحارية وخطف وتعذيب...الخ، فاقمت من معاناة الافراد، وادت الى نزوح مئات الالاف من بلدانهم هربا من القتل والخطف والتجويع، وهو امر يحدث بصورة متواصل في العديد من مناطق اسيا وشمال افريقيا وغيرها. 

وأظهر تقرير نشرته المنظمة الكاثوليكية الدولية "مساعدة الكنيسة المتألمة" في الآونة الأخيرة أن الحريات الدينية شهدت "تراجعا خطيرا" خلال السنتين الماضيتين مع تسجيل عراقيل أمام هذه الحريات في81 دولة وتدهور في ربع الدول الـ196 التي شملها التقرير، وهذه الوثيقة نصف السنوية التي تشمل كل الأديان رغم أن هذه المنظمة هي منظمة معونة بابوية، تغطي فترة تمتد من تشرين الأول/أكتوبر 2012 حتى حزيران/يونيو 2014 ونشرت مؤخرا على موقع الحرية الدينية الإلكتروني الذي أطلق في هذه المناسبة، والمنظمة تؤكد أنه في 81 دولة من الدول الـ196 التي درس وضعها، أي 41% منها، فرضت "عراقيل" أمام الحرية الدينية، أو أن هذه الحرية "سجلت تراجعا"، وأضاف التقرير أنه "إذا كانت حصلت تغييرات في مجال الحرية الدينية" منذ نشر التقرير السابق في تشرين الأول/أكتوبر 2012 "فإنه كان عبارة عن تدهور في كل الحالات تقريبا" ووضع في هذه الخانة 55 دولة أي 28% من الإجمالي.

وأشار إلى "بعض التحسن" في ست دول فقط بينها أربع (كوبا والإمارات وإيران وقطر) تبقى مصنفة ضمن "الأماكن التي تشهد اضطهادا دينيا على مستويات عالية أو متوسطة"، وفي فئة "عدم التسامح بدرجات عالية" وردت أسماء 20 دولة بينها 14 "تعيش في أوضاع اضطهاد ديني مرتبط بالتطرف الإسلامي" كما أضاف التقرير مشيرا إلى أفغانستان وأفريقيا الوسطى ومصر وإيران والعراق وليبيا والمالديف ونيجيريا وباكستان والسعودية والصومال والسودان وسوريا واليمن، وفي ست دول أخرى (بورما والصين وإريتريا وكوريا الشمالية وأذربيجان وأوزبكستان) تقف وراء الاضطهاد "أنظمة سلطوية" كما أضافت المنظمة، وأكدت أن "المسيحيين يبقون الأقلية الدينية الأكثر عرضة للاضطهاد" لكنها أشارت إلى أن "المسلمين يتعرضون أيضا إلى مستوى خطير من الاضطهاد والتفرقة ينسب أما إلى مسلمين آخرين أو إلى أنظمة سلطوية". بحسب فرانس برس.

ولفت التقرير أيضا إلى أن "أعمال عنف وسوء معاملة أخرى عموما ضعيفة المستوى" زادت حيال يهود أوروبا الغربية "ما أدى إلى ارتفاع معدل الهجرة نحو إسرائيل"، ولم يوفر التقرير أوروبا الغربية وخصوصا فرنسا التي صنفت بين الدول التي تشهد "عدم تسامح يثير القلق"، وأشار بشكل خاص إلى القانون الذي اعتمده اليسار الحاكم السنة الماضية حول زواج مثليي الجنس والسماح لهم بتبني الأطفال معتبرا أن "الحرية الدينية مهددة بتزايد أشكال مجتمعية جديدة تتعارض مع المجال الديني".

تقارير سنوية للحريات

فيما قالت الولايات المتحدة في تقريرها السنوي عن الحريات الدينية إن عدد اعضاء الطوائف الدينية الذين اضطروا للفرار من منازلهم على مستوى العالم العام الماضي اكبر من اي وقت في الذاكرة الحديثة، وأضاف التقرير "في كل ركن من العالم تقريبا اضطر ملايين المسيحيين والمسلمين والهندوس وغيرهم ممن يمثلون طائفة من المعتقدات للفرار من منازلهم بسبب معتقداتهم الدينية"، وقال إن مئات الآلاف من المسيحيين فروا من الحرب الأهلية في سوريا التي دخلت عامها الرابع وفي جمهورية افريقيا الوسطى أفادت تقارير بأن الانفلات الأمني والعنف الطائفي بين المسيحيين والمسلمين أسفرا عن مقتل 700 شخص في ديسمبر كانون الأول وحده ونزوح اكثر من مليون نسمة عام 2013، وأبرز التقرير العنف ضد المسلمين في ميانمار الذي أسفر عن مقتل ما يصل الى 100 شخص وأجبر 12 الف شخص على النزوح عن ديارهم في منطقة بلدة ميكتيلا أوائل عام 2013.

وقال إن خطاب الكراهية المنظم والاعتداء على المسلمين مستمران وإن العداء بين البوذيين والمسلمين يستغل في كثير من الأحيان لتحقيق مكاسب سياسية، وأشار التقرير الى العنف الطائفي في باكستان الذي قتل اكثر من 400 شيعي و80 مسيحيا واضطهاد الصين لأقارب من أشعلوا النار في أنفسهم احتجاجا لأسباب دينية، وذكر التقرير أن الهجمات على الدين لا تقتصر على العالم النامي فقد ظهرت أدلة على معاداة السامية في منتديات الانترنت واستادات كرة القدم "مما أدى بالكثير من اليهود الى إخفاء هويتهم الدينية"، وتحدث التقرير عن وقائع تعاون فيها اشخاص من ديانات مختلفة لحماية بعضهم البعض، وذكر أن زيادة في الاعتداءات على المساجد في بريطانيا دفعت مجموعة من اليهود المتدينين الى مساعدة القيادات المسلمة في حماية المساجد، وشملت مظاهر التضامن بين المنتمين لديانات مختلفة مساعدة مسلمين في حماية المسيحيين من خلال تشكيل سلاسل بشرية حول الكنائس في باكستان ومصر. بحسب رويترز.

انتهاك حكومي متواصل

بدورها رفضت المحكمة العليا في ماليزيا طلبا تقدمت به الكنيسة الكاثوليكية للسماح باستخدام كلمة "الله" العربية، لتحسم بذلك معركة قضائية مستمرة منذ سنوات وادت الى توتر في البلاد ذات الغالبية المسلمة، وكانت الكنيسة تسعى لرفع حظر فرضته الحكومة على استخدام كلمة "الله" العربية في صحيفتها "ذي هيرالد" الصادرة باللغة الملاوية، الا ان القضاة السبعة في المحكمة العليا الواقعة في العاصمة الادارية للبلاد بوتراجايو ثبتوا حكما لمحكمة ابتدائية يؤيد قرار الحكومة، وصرح كبير القضاة عارفين زكريا ان "المحكمة طبقت النص الصحيح وليس علينا التدخل، وتم رفض الطلب بغالبية اربعة اصوات مقابل ثلاثة"، وقال س. سلفاراجا احد محامي الكنيسة ان فريقه سيبحث عن سبل اخرى للطعن في القرار، وصرح "انه حظر شامل اذ ليس بامكان غير المسلمين استخدام الكلمة وهذا له تاثير كبير"، والقضية مستمرة منذ سنوات واثارت غضبا بين المسلمين الذين يعتبرون ان المسيحيين يتجاوزون حدودا دينية وقلقا بين المسيحيين الذين يشعرون بان حقوقهم مهددة.

واعرب الاب لورانس اندرو رئيس تحرير صحيفة "ذي هيرالد" عن "خيبة امله الشديدة من القرار"، لكنه اشار الى ان النص "لم يأت على ذكر الحقوق الاساسية للاقليات"، من جهته، اعلن ابراهيم علي رئيس مجموعة بركاسا للدفاع عن حقوق المسلمين "انا مسرور باننا فزنا بالقضية وامل ان تكون النهاية"، وكان الخلاف بدا في 2007 عندما هددت وزارة الداخلية بسحب ترخيص الصحيفة بسبب اشارتها الى الله مستخدمة الكلمة العربية في نشرتها الصادرة بالملاوية، ورفعت الكنيسة قضية بحجة ان الكلمة مستخدمة منذ قرون في نسخ الانجيل الصادرة بالملاوية وغيرها من الكتب للإشارة الى الله خارج نطاق الإسلام، الا ان السلطات اعتبرت ان استخدام الكلمة في منشورات غير اسلامية يمكن ان يؤدي الى ارتباك او يحمل مسلمين على اعتناق دين اخر وهي جريمة في ماليزيا، ويبلغ عدد المسيحيين 2,6 ملايين نسمة من اصل 28 مليونا في ماليزيا، وغالبيتهم يتحدرون من اصول صينية او هندية بينما 60% من السكان مسلمون من اتنية الملاي. بحسب فرانس برس.

فيما قال مصدر أمني ومحام إن السلطات السودانية أعادت اعتقال سودانية افرج عنها بعد صدور حكم باعدامها الشهر الماضي كما احتجزت السلطات زوجها وطفليها لدى محاولة العائلة ركوب طائرة في الخرطوم، وكانت محكمة سودانية قضت في مايو ايار باعدام مريم يحيى ابراهيم (27 عاما) بعدما تحولت عن الاسلام واعتنقت المسيحية، وأفرج عنها بعد ما وصفته الحكومة بأنه ضغوط دولية لم يسبق لها مثيل، وأضاف المسؤول الأمني أنه لا يعلم السبب وراء اعادة اعتقالها، وقال احد محامي مريم انها محتجزة في مبنى امني خارج المطار مع زوجها وطفليها، وألغت محكمة استئناف حكم الاعدام الصادر بحقها وأفرج عنها، وتم نقلها بعد ذلك إلى مكان سري لحمايتها بعد أن قالت العائلة انها تلقت تهديدات، ورحبت منظمات حقوق الانسان بقرار الافراج وكذلك الحكومات الغربية التي كانت عبرت عن غضبها ازاء حكم الاعدام.

هجمات ارهابية قاتلة

الى ذلك لقي 15 شخصا مصرعهم على الأقل إثر هجوم شنه مسلحون يشتبه بأنهم إسلاميون متشددون على قريتين نيجيريتين استهدف أحدهما مصلين في كنيسة، وقال شهود إن المهاجمين أطلقوا وابلا من الرصاص وركزوا معظم نيران أسلحتهم على المصلين الذين تملكهم الذعر في كنيسة محلية، وقتل مسلحون يشتبه بأنهم إسلاميون متشددون 15 شخصا على الأقل في هجومين على قريتين نيجيريتين استهدف أحدهما مصلين في كنيسة على بعد بضعة كيلومترات من بلدة تشيبوك التي شهدت خطف أكثر من 200 تلميذة في نيسان/أبريل، وذكر مصدر أمني وشهود أن مسلحين قتلوا سبعة جنود في قرية جونيري بولاية يوبي في هجوم منفصل، ونفذ المهاجمون هجمات متزامنة على القريتين بمنطقة تشيبوك بولاية بورنو، وقال صامويل تشيبوك الذي نجا من الهجوم في قرية كاوتيكيري الواقعة على بعد نحو خمسة كيلومترات من المكان الذي شهد خطف التلميذات إن نحو 20 شخصا كانوا يستقلون شاحنة صغيرة من نوع تويوتا ودراجات نارية دخلوا البلدة، وأضاف أنهم أطلقوا وابلا من الرصاص وركزوا معظم نيران أسلحتهم على المصلين الذين تملكهم الذعر في كنيسة محلية. بحسب فرانس برس.

وأضاف "ظننت في بادئ الأمر أنهم من الجيش لكن عندما خرجت كانوا يطلقون النار على الناس، رأيت أشخاصا يفرون وأحرقوا منازلنا"، وذكر أن بعض الأشخاص قتلوا في الهجوم وبينهم اثنان من أقاربه، وقال "كان الدخان يتصاعد من بلدتنا عندما غادرتها"، وأشار أحد أفراد الحماية الأهلية الموالية للحكومة وطلب عدم ذكر اسمه إلى أن السكان انتشلوا 15 جثة حتى الآن، وقال مصدر أمني يعمل في المنطقة إن هجوما آخر على قرية كوادا الواقعة على بعد ثمانية كيلومترات من تشيبوك خلف بعض القتلى رغم أن عددهم لم يعرف بعد.

زواج يثير احتجاجات

من جانب اخر منعت الشرطة الإسرائيلية أكثر من 200 محتج من اليمينيين الإسرائيليين المتطرفين الذين كانوا يهتفون "الموت للعرب" من مهاجمة مدعوين في حفل زفاف فتاة يهودية وشاب مسلم، وشكل عشرات من رجال الشرطة سلاسل بشرية لابعاد المحتجين عن بوابات قاعة الفرح وطاردت كثيرين ممن تحدوا الشرطة، واعتقل أربعة محتجين ولم تقع إصابات، وأخفق محام عن الزوجين مارال مالكا (23 عاما) ومحمد منصور (26 عاما) وكلاهما من منطقة يافا في تل أبيب في إستصدار أمر من المحكمة بحظر الاحتجاج، وحصل المحامي على موافقة على قيام الشرطة بإبعاد المحتجين 200 متر عن قاعة حفل الزفاف في ضاحية ريشون لتسيون في تل أبيب، ويسلط هذا الاحتجاج الضوء على زيادة في التوترات بين اليهود والعرب في إسرائيل في الشهرين الماضيين وسط حرب غزة التي بدأت قبل شهر وخطف وقتل ثلاثة شبان إسرائيليين في يونيو حزيران أعقبهما قتل شاب فلسطيني حرقا على سبيل الإنتقام في منطقة القدس.

وقامت جماعة تطلق على نفسها اسم ليهافا والتي نظمت هذا الاحتجاج بمضايقة الأزواج اليهود-العرب في الماضي مشيرة في الغالب إلى أسباب دينية لاعتراضها على الزواج من ديانات آخرى، ولكن نادرا ما احتجت هذه الجماعة في مكان إقامة حفل الزفاف، وقال العريس للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي إن المحتجين أخفقوا في تعطيل الزواج، وقال "سنرقص وسنفرح حتى تطلع الشمس، نؤيد التعايش معا"، وندد المحتجون الذين ارتدى كثيرون منهم قمصانا سوداء بمالكا التي ولدت يهودية ثم اعتنقت الإسلام قبل الزواج بوصفها "خائنة ضد الدولة اليهودية"، ونظم بضع عشرات من الإسرائيليين اليساريين احتجاجا مضادا في مكان قريب وأمسكوا بورود وبالونات ولافتة كتب عليها "الحب يقهر كل شيء".

وانتقد الرئيس الإسرائيلي روفين ريفلين في رسالة على صفحته على فيسبوك هذا الاحتجاج بوصفه أمرا "يدعو للغضب والقلق"، وقال ريفلين وهو عضو في كتلة ليكود اليمينية التي يتزعمها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن "مثل هذا التعبير عن الرأي يقوض أساس تعايشنا معا هنا في إسرائيل وهي دولة يهودية وديمقراطية"، ووصف مايكل بن أري المتحدث باسم ليهافا والنائب السابق زواج اليهود من غير ديانتهم بأنه "أسوأ مما فعله هتلر"، وكان من بين المدعوين الذين شكل حضورهم مفاجأة وزيرة الصحة الإسرائيلية ياعيل جرمان وهي وسطية في حكومة نتنياهو، وقالت جرمان للصحفيين أثناء توجهها لدخول قاعة الفرح إنها تعتبر الزفاف والاحتجاج عليه "تعبيرا عن الديمقراطية"، ويمثل العرب نحو 20 في المئة سكان إسرائيل الذي يغلب عليهم اليهود كما أن الاغلبية الساحقة من العرب مسلمون. بحسب رويترز.

وكثير من الأزواج الإسرائيليين الذين يتزوجون من خارج ديانتهم يفعلون ذلك في الخارج، وقال يورام مالكا والد مالكا في التلفزيون الإسرائيلي إنه اعترض على هذا الزواج ووصفه بأنه "مناسبة حزينة للغاية"، وأضاف إنه غاضب من تحول إبنته إلى الإسلام، وعن زوج إبنته قال "مشكلتي معه أنه عربي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/تشرين الثاني/2014 - 18/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م