العلاقة التضامنية بين الحوزات العلمية والشعائر الحسينية

 

شبكة النبأ: ثمة تأريخ ناصع وطويل يربط بين الحوزات العلمية والشعائر الحسينية المقدسة، وينطوي هذا التأريخ، فضلا عن الواقع ومؤشراته، على علامات ووشائج تؤكد متانة هذه العلاقة بين الجانبين، وتتخذ هذه المتانة ديمومتها وصلابتها، من طبيعة العلاقة المصيرية بين الحوزات الدينية من جهة، وبين الشعائر الحسينية من جهة خرى، بمعنى لو لم تقم الحوزات العلمية بدورها المعروف القائم على دعم الشعائر المقدسة، فإن الاخيرة سوف تواجه صعوبات كبيرة، خاصة من الحكام المستبدين الطغاة وحكوماتهم المعادية للفكري الحسيني.

وقد أثبتت لنا التجارب القريبة والبعيدة في هذا المجال، عمق الدور الذي تؤديه الحوزات تجاه الشعائر والمواكب والمجالس والطقوس الحسينية كافة، إذ غالبا ما كانت الحوزات العلمية بمراجعها ورجالها، تقف سدا منيعا امام الحكومات التي تحاول ان تلغي الشعائر او تحجمها او تضعفها، ولكنها تفشل في ذلك لاسباب من اهمها، دعم الحوزات العلمية للشعائر، وتنبيه وتحذير الحكام وحكوماتهم من خطر المساس بقدسية الشعائر الحسينية.

لذلك يعد الدور الداعم والقوي الذي تقوم به الحوزات العلمية ازاء الشعائر الحسينية، من اهم الادوار ومن اقوى الاسباب التي تشترك في ادامة الشعائر، وزيادة حضورها وزخمها وتأثيرها في الناس، وفي السياسات التي تمثل معيارا لصلاحية الحكومات أو فشلها، فضلا عن الدور التربوي والتثقيفي والديني المبدئي الذي تقدمه الشعائر الحسينية للناس كافة، فتُسهم في صقل شخصياتهم وعقولهم وافكارهم، وتساعدهم على بناء شخصيات متوازنة قوية ومؤمنة.

لذلك فإننا لا نخطئ عندما نصف العلاقة بين الحوزات العلمية والشعائر الحسينية بأنها تضامنية ومصيرية، نعم ان هذا الوصف يعبر عن حقيقة وطبيعة هذه العلاقة، فالشعائر المقدسة تُسهم في الادوار المهمة التي تقوم بها الحوزات العلمية ازاء المجتمع، وجهودها في حث الناس على الالتزام بالخير والحرية، والدفاع عن مكتسبات الانسان، لاسيما الامور والجوانب التي تتعلق بحقوقه وحرياته وحفظ كرامته من الامتهان، وعندما يلاحظ المجتمع اهمية دور الحوزة في حياته وحماية افكاره وحقوقه، فإنه يسهم بقوة في تنفيذ رؤى وقرارات ونصائح الحوزات الدينية، وهي في الغالب تشكل دورا ضاغطا على صناع القرار، اذا لم يؤدوا واجباتهم ويحافظوا على مسؤولياتهم ازاء الناس، هنا تكون الشعائر ذات طابع مشترك يربط بين الناس والحوزات العلمية، استنادا الى العلاقة التضامنية بين الجانبين، ونعني بهما الحوزات العلمية، والشعائر الحسينية، وعندما تحث الحوزات افراد المجتمع ومكوناته كافة، على المشاركة بزخم قوي في الشعائر المقدسة، إنما تهدف الى جعل العلاقة مصيرية بينهما.

لذلك لابد من دعم ديمومة الشعائر الحسينية، وحمايتها من الانتهاك والقمع والمنع الذي ربما تُقدم عليه بعض الانظمة المستبدة، كما حدث ذلك عبر التاريخ من لدن حكومات في دول اسلامية وعربية عديدة من بينها العراق، حيث اقدمت فيه الحكومات القمعية على تهديد الناس الذين يصرون على احياء شعائر أهل البيت عليهم السلام وتصفيتهم، وقد اتخذ هذا التهديد اشكالا عنيفة وصلت حد القتل فضلا عن التعذيب والنفي والتشريد والاقصاء والحبس وما شابه، وكلنا نعرف ونتذكر دور الحوزات العلمية وقادتها ورجالها الذين قارعوا ظلم الحكومات المتجبرة، وقدموا الغالي والنفيس من اجل حماية الفكر الحسيني من تجاوزات الحكام.

ومثالنا عن هذه المواقف المشرفة التي يحفظها التاريخ بأمانة، دور الشهيد السيد حسن الشيرازي، ذلك المفكر والاديب والانسان التربوي الكبير الذي قدم حياته قربانا على مذبح الحرية، عندما قارع النظام البعثي المتجبر، وبذل جهودا لا تُنسى على هذا الطريق المشرف، الامر الذي حدا بأولئك الجلادين الى تصفيته جسديا في بيروت، في حادثة يندى لها جبين الانسانية، ومع ذلك لم تتوقف الحوزات العلمية ولا مراجعها ولا رجالها ولا خطبائها، عن مواصلة اداء دورهم في حماية الشعائر الحسينية وديمومتها.

ولا تزال الحوزات العلمية وستبقى تؤدي دورها المتميز، في تأهيل وتخريج الخطباء الذين يسهمون بشكل كبير في ادامة حضور وتأثير المنبر الحسيني، ومواصلة إلقاء المحاضرات التربوية والعقائدية التي تزيد من ثقافة ووعي الناس في شتى مجالات الحياة، فضلا عن مضاعفة ايمانهم بقدراتهم وطاقاتهم الكامنة، وهذا دليل واضح وقاطع على طبيعة العلاقة المصيرية بين الحوزات العلمية والشعائر الحسينية.

فرجال المنبر الحسيني والخطباء الأفاضل هم نتاج الجهد الحوزوي الكبير والمتواصل، وهو دور مشهود، كان ولا يزال يسهم بقوة في زيادة زخم الشعائر المقدسة، وضخ الاصوات والعقول المتميزة التي تزرع في عقول افراد المجتمع، قيم الاسلام، وثمار الفكر الحسيني العظيم، ولا شك أن هذا الجهد المثمر والملموس، هو نتاج مباشر لطبيعة العلاقة التضامنية المصيرية بين الحوزات العلمية والشعائر الحسينية المقدسة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/تشرين الثاني/2014 - 18/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م