إيبولا: معاناة ومأساة و وصمة للمصابين به

شبكة النبأ: عندما يرتكب انسن ما، جرما أخلاقيا يؤذي الآخر، فمن حق المجتمع أن يتعامل معه على أنه عضو ضار ينبغي الحذر منه، ولكن عندما تُصاب بمرض لا حيلة لك عليه، ولا أنت السبب في ذلك، فهذا المرض لا يمثل جرما، وعلى الاخرين أن يتعاملوا مع المصاب بالايبولا، كما لو انه انسان معتدل، وغير مؤذي، خاصة أن شفاء المريض من الايبولا لا يجعله معديا للاخرين، ومع ذلك هناك معاناة تصل الى حد الوصمة لمن يحمل جرثومة الايبولا حتى لو شفيَ منها!. ويواجه الناجون من الإيبولا في ليبيريا وسيراليون ردود فعل متباينة لدى عودتهم إلى ديارهم بعد الإصابة بالفيروس القاتل. ففي حين يلقى البعض ترحيباً بعودتهم إلى مجتمعاتهم المحلية، يواجه معظمهم التمييز ووصمة العار، بل قد يصبحون منبوذين كذلك.

وعن ذلك قال إبراهيم توماس، الذي يعيش في فريتاون: "عدت إلى المجتمع وأنا سعيد للغاية. لم تكن لدي أية مشاكل مع المجتمع أو أي شخص. كان المصلون في مسجدي يدعون لي بالشفاء عندما كنت مريضاً، ولذلك كانوا في غاية السعادة لرؤيتي على قيد الحياة وبصحة جيدة عندما عدت". وأضاف توماس، الذي فقد زوجته واثنين من أبنائه بسبب فيروس إيبولا، أن الكثيرين من جيرانه يتعاطفون معه ويفعلون ما في وسعهم للمساعدة.

رفض غير مبرَّر

ولكن ليس جميع الناجين سعداء الحظ مثله، إذ قال الحاج بانغورا البالغ من العمر 27 عاماً، الذي فقد والديه وزوجته وطفليه بسبب فيروس الإيبولا في سيراليون: "شعرت بحزن عندما عدت إلى مجتمعي. كنت محظوظاً جداً بالبقاء على قيد الحياة، ولكن لا يزال بعض الناس خائفين ويخشون حتى الاقتراب مني. كان لدي الكثير من الأصدقاء من قبل، ولكن معظمهم ينؤون بأنفسهم عني". وأفاد بانغورا أن معظم الناس يتحدثون إليه فقط خارج بيوتهم، وغالباً ما يرفضون أن يعطوه أي طعام أو شراب. في أحد الأيام ذهبت إلى البئر لجلب الماء، وعندما اقتربت بدأ جميع الأطفال والكبار تقريباً في الابتعاد عني. لم أمر بمثل هذه التجربة في حياتي قط." وبانغورا ليس الوحيد، فوفقاً لدراسة استقصائية أجرتها منظمة اليونيسف، تعرض 96 بالمائة من الناجين من فيروس الإيبولا في سيراليون لنوع أو آخر من أنواع التمييز. وأخبر أكثر من ثلاثة أرباع المستطلعين اليونيسف أنهم لن يرحبوا بعودة الناجين من الإيبولا في مجتمعهم المحلي.

من جانبه، قال روكشان راتنام، الناطق باسم منظمة اليونيسف في ليبيريا: "هناك وصمة عار على وجه اليقين - وإن لم تكن ظاهرة في كل الحالات - ولكن نظراً لحقيقة أن الإيبولا مرض جديد في هذه المنطقة، وهو قاتل ولا شفاء منه، فإن الناس يخافون من التواصل مع الأشخاص الذين أصيبوا به من قبل. ليس الأمر وكأنهم يوصمونهم عمداً، ولكنه مرتبط بالخوف على صحتهم وسلامتهم الشخصية".

هجر في غير محله

وقالت نعومي تياه، التي تلقت العلاج في وحدة علاج إلوا 3 (ELWA 3) في مونروفيا، أن زوجها تخلى عنها بعد أن أثبتت الاختبارات إصابتها بفيروس الإيبولا. وأضافت قائلة: "لا يستطيع زوجي حتى التحدث إلي. كنت أعتقد أنه سيكون سعيداً، ولكن منذ عودتي، تغير سلوكه تجاهي. إنه لا يهتم بكيفية حصولي والأطفال على الطعام، كما أنني لست قوية بما يكفي الآن للبحث عن الطعام. يقول الناس أنني لست مصابة بالإيبولا، ومع ذلك فإن زوجي لا يزال يتجنب الاقتراب مني".

وقالت تياه أنها تعتمد الآن على صدقات الجيران لإطعام نفسها وأبنائها لا يوجد عمل للناجين من الإيبولا، وكان إبراهيم توراي يعمل كسائق سيارة أجرة في بورت لوكو في سيراليون قبل إصابته بفيروس الإيبولا، ولكن بعدما انتشر خبر نجاته من المرض، أصبح الناس في بلدته يخشون الركوب في سيارته. وأضاف: "الآن، يجب أن أبتعد عن هنا لكي أتمكن من العثور على ركاب. وعندما أعود إلى البيت، أدخله مباشرة لأن الكثير من الناس الذين اعتادوا على الجلوس والتحدث معي، لم يعودوا يفعلون ذلك. ولذلك أصبحت وحيداً". وعلى الرغم من الترحيب الحار الذي لاقاه توماس، إلا أنه فقد وظيفته كمشغل ماكينة في شركة تعدين بعد شفائه.

البدايات مطلوبة دائما

وقالت بولين جوزيف البالغة من العمر 18 عاماً والتي تلقت العلاج من الإيبولا في وحدة العلاج إلوا 2 (ELWA 2) في مونروفيا، أنها اضطرت إلى مغادرة المدينة هرباً من وصمة العار." عندما عدت إلى البيت، بدأ الجميع ينظرون إلي بشكل مختلف. تصرفوا جميعاً وكأنهم سعداء بعودتي إلى المنزل، ولكن الطريقة التي كنا نعيش بها معاً تغيرت، لم يعودوا يريدون أن نأكل معاً ونفعل أشياء معاً،". وقالت بولين أنها قررت الإقامة مع خالتها في كاكاتا، وهي بلدة تبعد حوالي 70 كيلومتراً عن مونروفيا، حتى ينتهي خوف الناس من الإيبولا. لا يمكنك أن تظل في مكان يتصرف فيه كل أصدقائك المقربين وكأنهم مشغولون جداً لدرجة عدم استطاعتهم التواجد معك. هذا يجعلني أشعر بالحزن،". وللمساعدة في تسهيل عودة الناجين إلى مجتمعاتهم، أعلنت وزارتا الصحة والرعاية الاجتماعية في سيراليون أنهما بدأتا مرافقة الناجين إلى منازلهم، حيث يشرح المسؤولون للأسر والجيران أن الناجين لم يعودوا قادرين على نشر المرض من خلال الاتصال اليومي العادي. كما يقوم متطوعون، وحتى بعض القادة الدينيين، بنشر رسائل مماثلة من خلال الزيارات المنزلية للمجتمعات المحلية قبل وصول الناجين إلى منازلهم، فضلاً عن بثها على المستوى الوطني عن طريق الإذاعة والتلفزيون. وفي هذا الصدد، قال سيدي تونس، المتحدث باسم وزارة الصحة: "رسالتنا هي أن هؤلاء الناس لم يعودوا ينشرون العدوى، ولم يعودوا يشكلون تهديداً لصحة أي شخص. ينبغي احتضانهم والترحيب بعودتهم بأذرع وقلوب مفتوحة في أسرهم ومجتمعاتهم المحلية". وفي ليبيريا، توجه جمعية الناجين من الإيبولا نداءات مماثلة لتشجيع الناس على التوقف عن التمييز ضد الناجين. وقالت كورليا بوناروولو، الناجية من الإيبولا ورئيسة الجمعية: "يجب أن يتقبل الناس الناجين. يجب أن نظهر لهم الحب ونبين لهم الاهتمام لأنهم في حالة صدمة نفسية بالفعل". ويجري الآن تدريب ما لا يقل عن 400 عامل صحة عقلية وأخصائي اجتماعي من قبل اليونيسف في ليبيريا لتوفير الدعم النفسي للناجين، وكذلك القيام بمتابعة دورية بمجرد مغادرة الناجين للمستشفى. وقبل خروج الناجين من المستشفى، تقدم لهم منظمة أطباء بلا حدود أيضاً استشارات نفسية لمساعدتهم على فهم أن الحياة بعد الخروج من المركز لن تكون سهلة بالضرورة، وكيفية تعاملهم مع أي وصمة العار أو تمييز محتمل. كما تعطي منظمة أطباء بلا حدود لجميع الناجين شهادة طبية كدليل على شفائهم.

العودة الى الحاضنة المجتمعية

وقالت سوافياتو تونس، منسقة جماعات الاستجابة المجتمعية في سيراليون، التي تنظم جلسات الإستشارة النفسية للناجين وأسرهم في سيراليون: "غالباً ما يكون من الصعب للغاية إعادة دمجهم في المجتمع. حتى بعد اصطحابهم، ربما من قبل رئيس قبيلة أو زعيم في المجتمع المحلي ليطلب منهم احتضان هؤلاء الناس، لن يستمر ذلك سوى لبضعة أيام، ثم سيواصلون الابتعاد عن هؤلاء الناس". وفي حالات أخرى، يستغرق الأمر بعض الوقت فقط، إذ أشارت هوى توراي البالغة من العمر 14 عاماً، والتي انتقل إليها فيروس الإيبولا من إحدى أبناء عمومتها خلال زيارة في شهر سبتمبر الماضي أن "بعض الناس كانوا يخشون الاقتراب مني في البداية، ولكنهم الآن أصبحوا أكثر راحة معي. إنهم يعرفون الآن، أنني كأحد الناجين، لم أعد أحمل الفيروس في جسدي". وتقول توراي أنها تستطيع التحرك بحرية داخل مجتمعها، واللعب مع أصدقائها والقيام بالأعمال المنزلية، وأن التغيير الوحيد ربما يكون أن الناس في الواقع يعاملونها بطريقة أكثر لطفاً الآن. كان والداي يدعمانني بقوة خلال فترة العلاج ويعتبرانني بطلة لأنني نجوت من هذا المرض الفتاك. ومنذ أن عدت إلى المنزل، يساعدني والداي نني كثيراً، ويشعر العديد من الأشخاص الآخرين بالسعادة لرؤيتي على قيد الحياة ولعودتي إلى منزلي مرة أخرى". من جهتها، ترى تونس أنه من المهم أن يتذكر الناس أن الإصابة بفيروس الإيبولا ليست جريمة. وأضافت قائلة: "إنها مشكلة صحية يمكن أن يتعرض لها أي شخص. وينبغي أن تكون رؤية أحد الناجين من الإيبولا مصدر أمل للآخرين حتى لا يخافوا من هذا المرض. لذا، ينبغي أن ينعم الناجون بعقل حر دون خوف من العودة إلى المجتمع الذي كانوا ينتمون إليه من قبل".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/تشرين الثاني/2014 - 16/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م