حرب العراق ضد داعش.. خطوات متأنية وتفاؤل مشوب بالحذر

 

شبكة النبأ: شهد أداء القوات الأمنية في العراق مؤخرا، تحسنا تدريجيا ملحوظا على المستوى الأمني وأداء المهام القتالية، إضافة الى تحرير العديد من المناطق المهمة من سيطرة ما يسمى (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش) والتي كان قد سيطر عليها، إثر هجوم مباغت، في بداية شهر حزيران الماضي، كما شهد مسرح العمليات العسكرية بين الجيش العراق، المدعوم من جماعات الحشد الشعبي الساندة له، وبين تنظيم داعش، تراجعا كبير للتنظيم، يقابله تقدم مهم للقوات الأمنية في عدد من المحاور الاستراتيجية في الوسط والشمال والغرب، ويرى كثير من المراقبين ان عدة عوامل ساهمت في هذا التحول التدريجي نحو التقدم، بعد ان كانت القوات العراقية قبل اشهر قليلة تعاني الارباك والضعف امام تقدم عناصر داعش المسلحة، إضافة الى خسارة الكثير من المناطق في عدة محافظات عراقية (كركوك، بابل، الانبار، ديالى، صلاح الدين)، فضلا عن فقدان محافظة الموصل بالكامل لصالح التنظيم، ويمكن اجمال هذه العوامل بالاتي:

1. الوصول الى التوافق السياسي الذي أنتج حكومة شراكة وطنية اشتركت فيها اغلب الأطراف والقوى السياسية الرئيسية، بعد ان تعرضت العملية السياسية في العراق الى هزة كبيرة عقب انتهاء الانتخابات التشريعية الأخيرة، من دون وجود حل سياسي يتم التوافق عليه، الامر الذي ادى الى حصول فراغا سياسيا وامنيا كبيرة طال لعدة شهور.

2. القوات الشعبية (من المتطوعين للقتال بعد إطلاق فتوى المرجعية بوجوب الدفاع عن الأرض والمقدسات)، التي ساندت القوات الحكومية في التصدي لتنظيم داعش، والتي ضمت العديد من الفصائل المسلحة بما تمتلكه من خبرة عسكرية سابقة في مقاتلة التنظيمات الجهادية، وغيرها من القوات العسكرية (كمقاتلة القوات الامريكية ابان احتلال العراق عام 2003، إضافة الى مقاتلة قوات النظام السابق في العراق).

3. الدعم الدولي الكبير الذي حظيت به قضية العراق في حربه ضد تنظيم داعش، وهو ما وفر الكثير من التسهيلات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية واللوجستية وغيرها، امام الحكومة العراقية للاستفادة منها، الامر الذي عكس النجاحات العسكرية وترجمها على ارض الواقع، بالإضافة الى صياغة مشروع التحالف الدولي (بدعم من الولايات المتحدة الامريكية واشتركت فيه عشرات الدول العربية والغربية) الذي ساند الجهود العسكرية العراقية من خلال الضربات الجوية، والتسليح، والتدريب، وتقديم المشورة والجهد الاستخباري.

وقد ذكر المحللون العديد من العوامل الأخرى التي عززت الحملة العالمية لمكافحة تنظيم داعش في العراق، والتي غيرت المعادلة العسكرية على الاض من التراجع الى التقدم، على الرغم من الحذر الذي يشوب التفاؤل بالنجاحات الأولية التي حققها الجيش العراقي، كونها ما زالت في بداياتها، وان التنظيم ما زال يسيطر على محافظة الموصل الاستراتيجية، وان المعركة فيها ستكون معركة فاصلة وحيوية، وقد تغير الكثير من الثوابت الحالية بالنسبة لداعش.  

تقدم القوات الامنية

في سياق متصل قال ضابط في الجيش العراقي برتبة عقيد وشاهد إن القوات العراقية وصلت إلى وسط مدينة بيجي في شمال البلاد في محاولة لكسر حصار تنظيم الدولة الاسلامية لمصفاة بيجي القريبة وهي أكبر مصفاة نفطية في البلاد، وذكر العقيد أن القوات دخلت من الجنوب والغرب وسيطرت على حي التأميم ووسط المدينة، وقال سلطان الجنابي وهو من سكان بيجي إن الاشتباكات مستعرة منذ ذلك الحين، وهذه هي المرة الأولى التي تصل فيها قوات الأمن لوسط المدينة منذ إطلاق استراتيجية تطويق جديدة نهاية الشهر الماضي، ويقدر العقيد بالجيش أن القوات العراقية سيطرت على نحو 40 في المئة من وسط المدينة، واستخدمت قوات الأمن العراقية طائرات الهليكوبتر لمهاجمة عناصر تنظيم الدولة الاسلامية التي تطوق المصفاة، لكن عمليات استمرت شهورا فشلت في انقاذ قوات الأمن المحاصرة داخل المصفاة وفي ضمان ألا تسقط في يد التنظيم المتشدد الذي استخدم النفط والمنتجات المكررة لتمويل أنشطته في أراضي سوريا والعراق، وقال الجنابي إن مواجهات عنيفة تجري في بيجي في الوقت الحالي وإنه يسمع دوي إطلاق نار وانفجارات مستمرة، وأضاف أنه يصعد الى سطح البناية الموجود فيها ليلقي نظرة على المواجهات وينزل سريعا مشيرا الى أن القتال مستمر بلا توقف، وفي أواخر الشهر الماضي لجأت القوات العراقية إلى أسلوب جديد فطوقت بيجي من الغرب بهدف استعادة المدينة وقطع خطوط الامداد عن المتشددين الذين يطوقون المصفاة على بعد بضعة كيلومترات.

وحققت قوات الأمن العراقية مكاسب كبيرة ضد تنظيم الدولة الاسلامية في منطقة استراتيجية قرب بغداد فيما استعاد المقاتلون الأكراد بلدة في الشمال بعد ان وجهت قوات التحالف ضربات جوية مكثفة ضد مقاتلي التنظيم، وقال مسؤولو أمن إن القوات العراقية ومسلحين شيعة سيطروا على بلدة جرف الصخر الاستراتيجية الواقعة على بعد 60 كيلومترا الى الجنوب مباشرة من العاصمة العراقية من أيدي مقاتلي الدولة الاسلامية بعد قتال استمر عدة أشهر، ويمكن أن تسمح السيطرة الكاملة على المدينة للسلطات العراقية بمنع المسلحين السنة من الاقتراب أكثر من العاصمة والحفاظ على الروابط بمعاقلهم في محافظة الأنبار الغربية إضافة إلى اختراق الجنوب الذي تقطنه أغلبية شيعية، وقال المسؤول الكبير صادق مدلول "تمكنا من دحر ارهابيي الدولة الاسلامية من مدينة جرف الصخر اليوم والآن نحن نرفع العلم العراقي على مكاتب الحكومة"، وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وهو يتحدث عبر التلفزيون الحكومي من البلدة إن العراقيين الذين أجبروا على الخروج من البلدة بسبب القتال سيعودون عما قريب الى ديارهم، وكانت الدولة الاسلامية قد اجتاحت شمال العراق في الصيف ولم تصادف مقاومة تذكر من القوات الحكومية العراقية التي تلقت تدريبا أمريكيا، وبعد ذلك اعلن تنظيم الدولة الاسلامية المنبثق عن تنظيم القاعدة الخلافة وهدد بالزحف صوب بغداد مما أدى الى زعزعة حكومة بغداد التي يقودها شيعة مع تكريس اراقة الدماء والحرب الطائفية، وقالت مصادر امنية وطبية إن مهاجما انتحاريا قتل سبعة من المسلحين الشيعة في بلدة تقع الى الشمال مباشرة من بغداد. بحسب رويترز.

ويسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق واسعة في محافظة الانبار بغرب العراق التي يقطنها السنة علاوة على مساحات كبيرة من سوريا ويهدد بإعادة ترسيم خريطة الشرق الأوسط، وعرض التلفزيون الحكومي لقطات للقوات العراقية وهي تجوب منطقة ريفية محيطة بجرف الصخر حيث لجأ مقاتلو الدولة الاسلامية الى زرع قنابل على الطرق ووضع قناصة لابعاد خصومهم عن المنطقة، وقال مسؤولون عراقيون إن المتشددين السنة ينقلون المقاتلين والأسلحة والإمدادات من غرب العراق عبر أنفاق صحراوية سرية إلى جرف الصخر، وبدا الآن ان القوات الحكومية اقتربت اكثر من أي وقت مضى لتقويض هذه الشبكة، وذكر قائد ومتحدث باسم قوات الأمن العراقية أن بعض مقاتلي الدولة الإسلامية لاذوا بالفرار صوب مدينة الفلوجة الغربية التي يسيطر عليها التنظيم بينما لايزال القتال محتدما قرب جسر يربط جرف الصخر بالأنبار، وقال رعد حمزة رئيس مجلس الحلة إن هناك انهيارا كبيرا في صفوف مقاتلي الدولة الإسلامية وان هجمات طائرات الهليكوبتر لم تتوقف، وأضاف خلال مكالمة تليفونية أنه موجود في البلدة مع قوات الأمن العراقية، وفيما يقاوم الجيش العراقي والفصائل الشيعية جهود الدولة الاسلامية للزحف نحو بغداد استعادت القوات الكردية مساحات من الاراضي كان المقاتلون قد استولوا عليها في الشمال، وقالت مصادر أمنية إن الاكراد استعادوا في وقت سابق بلدة زمار الشمالية وعددا من القرى المحيطة بها من أيدي التنظيم بعد غارات جوية مكثفة شنها التحالف ضد المتشددين الاسلاميين.

ونجح الاكراد في السيطرة على زمار ما قد يمكنهم من تعطيل خطوط امداد الدولة الاسلامية الى بلدات ومدن قريبة، وقال ضابط استخبارات كردي في زمار إن قوات البشمركة تقدمت من خمسة اتجاهات في الساعات الأولى بعد ضربات جوية للتحالف على مواقع تابعة للتنظيم، وواجهت القوات الكردية مقاومة شرسة قبل أن تحقق النصر، وقال متحدث باسم وزارة البشمركة أيضا ان زمار باتت في أيدي الأكراد، وزمار واحدة من أوائل البلدات الخاضعة للأكراد التي اجتاحها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في أغسطس آب ليمضوا بعد ذلك قدما في تهديد اربيل عاصمة إقليم كردستان شبه المستقل الأمر الذي دفع الولايات المتحدة لاتخاذ قرار بشن ضربات جوية ضمن حملة عسكرية انضمت لها في وقت لاحق كل من فرنسا وبريطانيا، وإذا تسنى للأكراد الحفاظ على زمار فسيكون من اليسير عليهم التقدم صوب سنجار حيث يحاصر متشددو الدولة الإسلامية أفرادا من الأقلية اليزيدية فوق جبل، وبمساعدة الضربات الجوية استعادت القوات الكردية أراضي من الدولة الإسلامية لكن التقدم واجه عقبات بسبب نقص الأسلحة الثقيلة فضلا عن القنابل البدائية والشراك الخداعية التي زرعها المتشددون على الطرق، ويمكن ان تتبدد هذه المكاسب بسهولة في الحرب ضد الدولة الإسلامية، وأعلن الأكراد الانتصار في زمار في سبتمبر أيلول لكنهم انسحبوا من البلدة مرة أخرى بعد أن تكبدوا خسائر فادحة، وقال مقاتل من البشمركة وصل الى المنطقة إن أحد القناصة لا يزال مطلق السراح في قرية متاخمة لزمار وإن سيارة ملغومة انفجرت عندما اقترب منها مقاتلو البشمركة مما أدى إلى مقتل سبعة منهم.

وفي قرية عين الحلوة قال البشمركة إنهم أسروا 17 متشددا كلهم من التركمان من مدينة تلعفر القريبة، وفيما كان للضربات الجوية الامريكية قدر من التأثير على المتشددين الاسلاميين فلم يتضح ما اذا كانت كافية للانتصار عليهم على المدى الطويل في العراق وسوريا، وقالت القيادة المركزية الأمريكية إن الولايات المتحدة وحلفاءها نفذوا 22 غارة جوية ضد قوات الدولة الإسلامية في العراق، وقال مسؤولون إن الطائرات الأمريكية دمرت أيضا قطعة مدفعية تابعة للتنظيم قرب كوباني في سوريا، وقال مسؤولون امريكيون إنه يبدو أن كوباني القريبة من الحدود التركية تواجه خطرا أقل فيما يتعلق بالسقوط في ايدي الدولة الاسلامية لكن الخطر لا يزال قائما، وشملت الغارات الجوية الاثنتين والعشرين في العراق شن هجمات في مناطق تستهدف باستمرار قرب سد الموصل ومدينة الفلوجة ومدينة بيجي في الشمال التي تضم مصفاة النفط.

معركة الموصل

بدوره قال كريستوفر هارمر، محلل الشؤون العسكرية البحرية الأمريكي والباحث في مؤسسة دراسات الحرب، إنه من الضروري وضع خطة مهاجمة تنظيم داعش في مدينة الموصل بحلول الربيع المقبل على طاولة البحث، مضيفا أن عدم إلحاق الهزيمة بالتنظيم في الموصل وسوريا يعني عدم نجاح المهمة، مذكرا بأن الجيش الأمريكي يقصف طالبان منذ 13 سنة دون نجاحK وقال هارمر، ردا على سؤال حول ما إذا كان العملية الحالية قد توسعت بعد نشر واشنطن لـ1500 مستشار عسكري إضافي بالعراق، "قد تبدو الأمور وكأننا بمرحلة توسيع للعملية القائمة، إذ ضاعفنا عدد الجنود في العراق ونرسلهم قدما إلى أماكن قريبة من مواضع القتال، ما يزيد الخطر المترتب عليهم، ولكن في الواقع لم يحصل توسيع للعملية وإنما زيادة في الموارد المخصصة لها، وتابع بالقول، "في يونيو/حزيران الماضي، عندما بدأ الرئيس باراك أوباما يتحدث عن إلحاق الهزيمة بداعش أو تدميره في العراق كان لدى كل من يمتلك خبرة عسكرية محترفة ثقة بأن مواردنا البشرية والعسكرية على الأرض لا تسمح بتنفيذ هذه المهمة، كما أن الجيش العراقي نفسه غير قادر، وبالتالي إذا كان هناك رغبة بتدمير داعش فعلينا الزج بالمزيد من القوات في المعركة، ولا حل آخر أمامنا." بحسب سي ان ان.

وحول ما إذا كان قرار زيادة عدد الجنود مؤشرا على أن العملية الجوية غير كافية رد هارمر: "المؤشرات على ذلك كانت موجودة منذ اليوم الأول، لا يمكن إلحاق الهزيمة بقوة مسلحة متمردة عبر الضربات الجوية"، ودعا هارمر إلى تذكر تجربة طالبان قائلا: "لنتذكر أننا نقصف حركة طالبان من الجو منذ 13 عاما، ولكن الحركة لم تستسلم أو توقف القتال، بل تواصل السعي إلى التوسع والسيطرة على المناطق وشن هجمات ضخمة في أفغانستان وباكستان، لا يمكننا إلحاق الهزيمة بداعش عبر الضربات الجوية، وإنما يمكننا المساعدة على هزيمته من خلال الدور الجوي، ولكن كي تنجح هذه المهمة لا بد من وجود قوات على الأرض تسمح بتحديد المواقع المراد قصفها بدقة"، وتابع بالقول: "المشكلة التي نواجهها هي أن عناصر داعش دخلوا وتمازجوا مع السكان بشكل يجعل من المستحيل على طيار يحلق على ارتفاع 30 ألف قدم التمييز بين المدنيين والمسلحين، الطريقة الوحيدة لضمان الدقة تكون عبر وجود عناصر مدربة على المراقبة الأرضية، وإلا فإن الحملة الجوية ستكون بلا معنى."

وعما إذا كانت قضية شن هجوم برّي على مدينة الموصل خلال الربيع المقبل مطروحة عسكريا رد هارمر بالقول، "إذا لم يكن هناك استعداد جدي لدينا ولدى القوات العراقية للتقدم نحن الموصل فسيستحيل إلحاق الهزيمة بداعش، علينا ضرب التنظيم في معقله بالموصل، وكذلك علينا أن نهزمه في سوريا"، وحذر من حالة المراوحة قائلا، "إذا استمرت العمليات الخجولة فلن يكون هناك نتائج ملموسة، لقد تمكنت القوات الجوية الأمريكية من توفير الحماية للمناطق الكردية، وكذلك تحرير سد الموصل ووقف تقدم داعش نحو بغداد والحفاظ على كوباني، وهذه كلها نتائج جيدة، ولكنها لم تؤد إلى تراجع داعش، بل أوقفت بالكاد تقدمه، وفي مرحلة ما سيكون علينا دحر ذلك التنظيم، ولأجل القيام بذلك نحن بحاجة إلى المزيد من المستشارين العسكريين الأمريكيين الذين يمكنهم مساعدة الجيش العراقي للوقوف على قدميه."

عشائر الانبار

فيما وافق رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، على تسليح عشائر في الأنبار، تعرض المئات من أبنائها إلى القتل على يد تنظيم "الدولة الإسلامية"، لتعاونهم مع الحكومة، بحسب تقارير، ونقلت محطة "العراقية" التلفزيونية عن رئيس مجلس محافظة الأنبار، صباح كرحوت، قوله إن رئيس الوزراء وافق على "إمداد العشائر بالتجهيزات التي تعزز قدراتها على مواجهة التنظيم"، ويأتي هذا التصريح بعد أيام من اتهام كرحوت للحكومة بأنها "لم توفر الدعم العسكري والإمدادات" للمحافظة، وقال كرحوت أيضا في مؤتمر صحفي إنه "إذا لم تقدم لنا الحكومة المركزية الدعم العسكري في أسرع وقت ممكن، سننظر في خيارات أخرى، بما فيها تقديم طلب للتحالف الدولي لدعمنا بقوات برية"، ويسيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" على أغلب أجزاء الأنبار، الواقعة غربي العراق، والتي تعد أكبر محافظات البلاد.

وقالت الحكومة العراقية إن متشددي الدولة الإسلامية قتلوا 322 من أفراد عشيرة البونمر بمحافظة الأنبار بغرب البلاد بينهم عشرات النساء والأطفال الذين ألقيت جثثهم في بئر في أول تأكيد رسمي لحجم المذبحة، ويمثل القتل الممنهج الذي قال زعيم عشائري إنه من أسوأ عمليات اراقة الدماء في العراق منذ اجتاح متشددو التنظيم شمال البلاد في يونيو حزيران وأعلنوا اقامة خلافة إسلامية على الأراضي التي استولوا عليها في العراق وسوريا، وأبدت عشيرة البونمر مقاومة شرسة في مواجهة زحف تنظيم الدولة الإسلامية لمدة أسابيع لكن مخزونها من الذخيرة والوقود والغذاء نفد بعد أن أطبق مقاتلو الدولة الإسلامية على أفراد العشيرة في قرية زاوية البونمر، وقالت وزارة حقوق الانسان العراقية إن عدد من قتلوا من أفراد عشيرة البونمر على أيدي الدولة الإسلامية بلغ 322 وأضافت انه تم العثور أيضا على جثث 50 من النساء والأطفال ملقاة في بئر، وقال الشيخ نعيم الكعود أحد وجهاء العشيرة إنه طلب مرارا من الحكومة المركزية والجيش تزويده بالرجال والسلاح لكن دون جدوى. بحسب رويترز.

وتسيطر الدولة الإسلامية بالفعل على معظم أراضي المحافظة الصحراوية التي تشمل مدنا في وادي نهر الفرات تهيمن عليها عشائر سنية وتمتد من الحدود السورية وحتى المشارف الغربية لبغداد، وإذا سقطت المحافظة فقد يمنح ذلك الدولة الإسلامية فرصة أفضل لتنفيذ تهديدها للزحف صوب العاصمة، وقال الكعود إن 75 آخرين من أفراد عشيرته قتلوا بنفس الطريقة التي قتل بها سابقوهم حيث تم القبض عليهم أثناء محاولتهم الهرب من متشددي الدولة الإسلامية وأطلق عليهم الرصاص وتم القاء جثثهم قرب مدينة حديثة، وأضاف الكعود أن الدولة الاسلامية قتلت أيضا 15 شخصا من طلاب المدارس الثانوية والجامعات في زاوية البونمر وأنه لم تكن هناك أي مساعدة من الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ماعدا عملية إسقاط جوي، وفي الأنبار يحاصر المتشددون الآن قاعدة جوية ضخمة وسد حديثة الحيوي على نهر الفرات، ويسيطر مقاتلو التنظيم على مدن تمتد من الحدود السورية إلى أجزاء من مدينة الرمادي عاصمة الأنبار وحتى المناطق الخصبة قرب بغداد.

فيما دعا المرجع الشيعي العراقي البارز آية الله علي السيستاني الحكومة إلى المسارعة لمساعدة العشائر السنية التي تقاتل جماعة الدولة الإسلامية بعدما أعدمت الجماعة المتشددة ما لا يقل عن 220 من رجال العشائر غربي بغداد، وتظهر تعليقات السيستاني (84 عاما) كيف أن التهديد الذي تشكله الجماعة دفع بعض الشيعة والسنة إلى تجاوز خلافاتهم الطائفية ومواجهة العدو المشترك، وانحاز بعض السنة (الذين يشعرون بالتهميش أو الاضطهاد منذ سقوط صدام حسين) إلى الدولة الإسلامية التي سيطرت على مساحات شاسعة من العراق في هجوم خاطف في يونيو حزيران، لكن البعض حاربوا الجماعة، غير أن اكتشاف مقبرتين جماعيتين في محافظة الأنبار يظهر مصير من يتصدون للجماعة، وتم العثور على ما لا يقل عن 220 جثة لرجال من عشيرة البونمر بعدما احتجزهم مقاتلو الدولة الإسلامية، وقتلوا بالرصاص من مدى قريب.

وقال السيستاني في خطاب قرأه مساعد له في مدينة كربلاء عقب صلاة الجمعة إن على الحكومة العراقية تقديم دعم سريع لأبناء هذه العشيرة وغيرها من العشائر التي تقاتل "الارهابيين"، واضاف أن هذا من شأنه أن يتيح الفرصة للعشائر الأخرى للانضمام للمقاتلين الذين يواجهون "داعش"، وأغلب القتلى الذين تم العثور عليهم في المقبرتين الجماعيتين كانوا إما ضباط شرطة أو أعضاء في جماعات الصحوة التي تأسست بدعم من الولايات المتحدة في 2006-2007 لمحاربة القاعدة، وتأمل الولايات المتحدة أن تتمكن الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في العراق من إعادة بناء تحالف هش مع العشائر السنية وخاصة في الأنبار، وقال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة إن الولايات المتحدة مستعدة لتوسيع مهمتها المحدودة في العراق لتشمل الأنبار إذا سلحت الحكومة العشائر السنية.

المزيد من المدربين العسكريين

بدوره قال وزير الدولة البريطاني لشؤون الدفاع مايكل فالون الذي يزور بغداد إن بريطانيا ستزيد عدد مدربيها العسكريين في العراق في الأسابيع المقبلة لدعم القوات المسلحة العراقية في معركتها مع متشددي الدولة الإسلامية، وكانت بريطانيا قالت الشهر الماضي إنها أرسلت فريقا من المدربين إلى العراق لمساعدة مقاتلي البشمركة الأكراد للحصول على الأسلحة الآلية الثقيلة واستخدامها ضد المتشددين الذين احتلوا مساحات كبيرة من العراق وسوريا، وشاركت طائرات بريطانية أيضا في الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدولة الاسلامية التي ذبحت اثنين من موظفي الاغاثة البريطانيين وصحفيين أمريكيين، وقال فالون الذي اجتمع مع كبار مسؤولي الحكومة العراقية أثناء زيارته لبغداد انه سيتم اعداد تفاصيل المهمة قريبا.

وقال فالون للصحفيين "لدينا عدد صغير من الناس هنا، وسنتباحث الان لمعرفة كيف يمكننا تعزيز ذلك والاتصالات التي نجريها في الوزارات ووكالات الامن هنا"، وأضاف "هذا الامر عاجل الى حد ما، سنفعل ذلك في الاسابيع القليلة القادمة، وهذا ما طلب منا عمله"، وأنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات على تدريب وتمويل قوات الامن العراقية أثناء احتلال البلاد بعد سقوط صدام حسين في عام 2003، واثيرت شكوك حول نوعية التدريب عندما اجتاح بضع مئات من مقاتلي الدولة الاسلامية شمال العراق في يونيو حزيران دون مقاومة تذكر، وانهار الجيش العراقي بسرعة في مواجهة الهجوم تاركا ورائه اسلحته ودباباته التي يستخدمها التنظيم المتطرف الذي انشق على القاعدة في محاولاته توسيع الخلافة الاسلامية التي أعلنها في العراق وسوريا، وأدت الضربات الجوية ضد أهداف الدولة الاسلامية بعد أن بدأ التنظيم ذبح رهائن غربيين الى إبطاء تقدم مقاتليه، لكن المسؤولين العراقيين والغربيين يعتقدون أن هذا التنظيم يمكن هزيمته فقط اذا طورت قوات الامن العراقية أداءها وان هذا الامر سيستغرق وقتا.

وبالإضافة الى التدريب التقليدي قال فالون ان بريطانيا تبحث سد الثغرات في المعدات العسكرية العراقية، وقال أثناء زيارة الى ميدان رماية حيث يقوم جنود بريطانيون من كتيبة يوركشير بتدريب البشمركة الكردية على استخدام الاسلحة الالية البريطانية "سنقدم مزيدا من الهدايا في صورة امدادات، أجزاء بديلة (قطع غيار) للبنادق الالية ونظارات مكبرة وعلب اسعافات اولية"، وتابع "اننا نصعد التزامنا بالتدريب والامداد بالأسلحة والذخيرة"، وبالإضافة الى الاداء السيء في أرض المعركة فان الطائفية تعوق عمل قوات الامن، وقال فالون ان بريطانيا ستتبادل الخبرة في مجال التعامل مع القنابل التي توضع على جانب الطرق والسيارات الملغومة التي اكتسبت اثناء القتال ضد طالبان في أفغانستان. بحسب رويترز.

وقال "لدينا بعض المعرفة المتخصصة للاسهام هناك وسنرى كيف يمكننا المساعدة في تدريب القوات العراقية مباشرة على ذلك"، وتأمل الحكومة العراقية ان يساعد هذا المجال الجيش على القتال ضد المسلحين وتريد الولايات المتحدة من الجانبين احياء تحالف ساعد في هزيمة القاعدة اثناء الاحتلال الأمريكي، غير ان انعدام الثقة بين الشيعة الذين يقودون الحكومة والعشائر السنية عميق للغاية، وقال فالون ان عشيرة البونمر التي خاضت قتالا ضد الدولة الاسلامية استمر عدة اسابيع مثال على تصميم رجال العشائر، وأضاف "سقوط أي ضحايا أمر مؤسف، ويبين هذا ان العشائر تنقل المعركة الى الدولة الاسلامية وانهم مصممون على اخراج الدولة الاسلامية من قراهم ومن مناطقهم"، وتابع فالون ان استراتيجية بريطانيا في سوريا ستبقى أقل شدة بكثير مما هي في العراق، وقال "ما فعلناه هو اننا كثفنا أعمال المراقبة في سوريا ونبحث سبلا اخرى للمساعدة في تدريب القوات السورية المعتدلة وعلى سبيل المثال وحدات الدفاع الذاتي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/تشرين الثاني/2014 - 16/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م