رحلة اللاجئ  وسراب الحرية الموعودة

 

شبكة النبأ: قضية اللجوء واللاجئين التي تفاقمت بشكل كبير بسبب اتساع رقعة الحروب والصراعات السياسية والعرقية والدينية، وانتشار الديكتاتوريات وأنظمة الحزب الواحد الذي سعى الى مصادرة الآراء من خلال استخدام اساليب القمع والاضطهاد، وغيرها من المشكلات الاخرى في العديد من دول العالم، هي اليوم محط اهتمام وترقب لدى الكثير من المنظمات الانسانية والحقوقية التي تخشى من استفحال هذه الظاهرة الخطيرة التي اعتبرها الكثير من المراقبين من اهم وأعظم التحديات التي تحتاج الى تظافر جهود المجتمع الدولي بشكل عام و إيجاد حلول العاجلة من اجل انقاذهم، خصوصا مع تزايد الاخطار و المضايقات التي يتعرض لها من المهاجرين وطالبي اللجوء، بسب الإجراءات والقوانين الجديدة التي اتخذتها العديد من الدول، يضاف الى ذلك المخاطر الاخرى ومنها الاجرام المتواصل الذي تقوم به عصابات التهريب، التي اصبحت تحقق ارباح خيالية عن طرق التهريب.

وقانون اللاجئين هو فرعٌ من القانون الدولي يعنى بحماية حقوق اللاجئين، وهو يتعلَّق بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، رغم اختلافه عنهما، حيث يتناولان على التوالي حقوق الإنسان بشكل عام وإدارة الحرب بشكل خاص، واللاجئ هو الشخص الذي يطلب اللجوء والاقامة في بلد آخر غير موطنه، لأسباب كثيرة منها الحرب، الإرهاب والفقر، ومن اهم أنواع اللجوء وكما ذكرت بعض المصادر اللجوء السياسي، وهو اللجوء إلى دولة أخرى غير الوطن بسبب الاضطهاد السياسي من النظام الحاكم أو من ممارسات قمعية ما. اللجوء الديني هو لجوء لدولة أخرى بسبب الاضطهاد القائم على أسباب دينية في بلده الأم. اللجوء الإنساني وهو اللجوء إلى دولة أخرى داخل أو خارج الوطن بسبب الحروب أو النزاعات الاثنية أو العرقية، وينتهي بالغالب بانتهاء الأزمات في الوطن الأم. اللجوء الغذائي هو اللجوء من دولة لأخرى بدافع البحث عن الغذاء وهروبا من المجاعة وشح الطعام.

وبحسب بعض الإحصائيات فقد بلغ عدد اللاجئين المشمولين برعاية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 10.4 مليون شخص في بداية العام 2013، بالإضافة إلى ذلك، ثمة 4.8 مليون لاجئ من المسجلين والموزعين على حوالي 60 مخيم في منطقة الشرق الأوسط حيث ترعاهم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) التي أنشئت في العام 1949 لرعاية النازحين الفلسطينيين.

وينتشر اللاجئون الذين ترعاهم المفوضية في مختلف أنحاء العالم؛ غير أن أكثر من نصفهم في آسيا و28 في المائة منهم في أفريقيا. وتتفاوت ظروفهم المعيشيّة إلى حد كبير، إذ يعيش البعض في مخيمات ومراكز جماعية ثابتة وراسخة، في حين يضطر آخرون إلى العيش في ملاجئ مؤقتة أو حتى في العراء. ويشار ايضا الى إن ما يقرب من ثلثي الأشخاص المهجرين قسراً حول العالم هم من النازحين داخل أوطانهم، ويُشار إليهم بمصطلح "الأشخاص النازحون داخلياً".

وعلى الصعيد المالي، قامت المفوضية خلال السنوات الأخيرة بإطلاق نداءات لجمع المزيد من الأموال من الجهات المانحة السخية من كلا القطاعين العام والخاص. فسجّلت الميزانية السنوية في عام 2012 رقماً قياسياً بلغ 4.3 مليار دولار أميركي مع الإشارة إلى إمكانية استمرار هذا الرقم في الارتفاع نظراً لأن المفوضية تطلق نداءاتها على أساس الاحتياجات الحقيقية للأشخاص المشمولين برعايتها.

ارقام قياسية

وفي هذا الشأن قالت منظمة الهجرة الدولية إن عددا قياسيا من المهاجرين بلغ 4077 فردا ماتوا هذا العام اثناء عبورهم الصحارى والبحار في مختلف انحاء العالم وغرق ثلاثة ارباعهم في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر البحر المتوسط للوصول الى اوروبا. واضافت المنظمة أن هذا العدد يشمل حوالي 500 شخص فروا من افريقيا والشرق الاوسط ويخشى غرقهم في حطام سفينة امام سواحل مالطا في منتصف سبتمبر ايلول بعدما تعمد المهربون صدم زورقهم.

وفي أول تقرير شامل للمنظمة عن مثل هذه الحالات قالت إن من المعتقد ان 40 الف مهاجر على مستوى العالم لاقوا حتفهم منذ عام 2000 بينهم 22 الفا كانوا يسعون لحياة افضل في اوروبا. وغرق 3072 مهاجرا وهم يحاولون عبور البحر المتوسط منذ مطلع العام وهو رقم قياسي. وافاد تقرير المنظمة انه في 2013 غرق حوالي 2360 . وقال فرانك لاتسكو رئيس قسم بحوث الهجرة في المنظمة التي تحتفظ بسجلات بشأن اوروبا منذ عام 1988 "لا اعتقد أننا رأينا عاما وقعت فيه وفيات كثيرة مثل هذا العام."

وذكر التقرير أن الاضطرابات في الشرق الاوسط واجزاء من افريقيا تثير نزوحا جماعيا لأناس يحاولون الوصول الى اوروبا. وقال جويل ميلمان المتحدث باسم المنظمة "حين زاد سوء الوضع في سوريا هذا العام مع استيلاء تنظيم الدولة الاسلامية على أجزاء من البلاد تبدأ حينئذ في رؤية مزيد من السوريين بدرجة كبيرة على تلك الزوارق." وأضاف "في حرب غزة التي دامت 51 يوما.. حين اوقف اطلاق النار اخير.. حينئذ تبدأ في رؤية كثير من الفلسطينيين يأتون.. وانهيار السلطة في ليبيا يخلق فرصة." واشار ميلمان الى ان السعر السائد لعبور البحر المتوسط يتراوح بين الفين واربعة الاف دولار للشخص ومن المعتقد أن المهربين يكسبون 500 ألف دولار في الرحلة الواحدة.

الى جانب ذلك اعلنت وكالة الامم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة ان اكبر طريقي تهريب مهاجرين نحو اوروبا واميركا الشمالية، يدران سبعة مليارات دولار سنويا على شبكات المهربين. وقال يوري فيدوتوف مدير المؤسسة ومقرها في فيينا ان "وكالة الامم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة ترى ان اكبر طريقي تهريب غير قانونين من شمال افريقيا وشرقها وغربها نحو اوروبا، ومن اميركا الجنوبية الى اميركا الشمالية يدران نحو سبعة مليارات دولار".

وقالت الوكالة ان مجمل الموارد الناتجة عن تهريب المهاجرين عبر العالم "اكبر بكثير على الارجح". وهذه المرة الاولى التي تعلن فيها الوكالة هذا التقييم الذي يتوقع ان يرتفع "لاننا نلاحظ زيادة في تهريب المهاجرين في كل مكان" على ما اضاف فيدوتوف. واوضح ان "هناك بوضوح ضرورة لتعزيز التعاون الدولي في وجه هذا الشكل من اشكال الجريمة المنظمة العابرة البلدان" مؤكدا ان "مآسي رهيبة تحصل يوميا عندما يثق نساء واطفال ورجال عزل بمجرمين يعدونهم بنقلهم سرا الى بلدان اخرى". بحسب فرانس برس.

وقضى حوالى اربعين الف مهاجر في العالم منذ سنة الفين، منهم اكثر من ثلاثة الاف في المتوسط خلال السنة الجارية وفق تقرير صدر مؤخرا عن منظمة الهجرة الدولية استندت اليه وكالة الامم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة.

احتجاز ومضايقات

على صعيد متصل أمضت طفلة سريلانكية في الثامنة من عمرها لجأت لتايلاند عامين في زنزانة مليئة بدخان السجائر تكتظ بعدد كبير من البالغين وأدى ذلك لاصابتها بطفح جلدي يغطي كل جسمها. وقضت طفلة صومالية أكثر من ثلاثة اعوام في غرفة مزدحمة تفتقر للمعايير الصحية. ولضيق المساحة كانت الفتاة وأخيها الاصغر ينامان في وضع الجلوس طيلة فترة احتجازهما.

وذكر تقرير جديد لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن تايلاند تحتجز كل عام الاف الاطفال المهاجرين أو طالبي اللجوء بشكل تعسفي ولفترات غير محددة سواء كانوا وحدهم او برفقة ابائهم المهاجرين. وذكر التقرير أن الاطفال يتعرضون للعنف ويحرمون من التعليم والغذاء الصحي وأماكن للترفية ويحتجزون في ظروف مزرية فيما يمكن وصفة "بسجن المدينين الحديث" لحين يتمكن اهاليهم من سداد تكاليف ترحيلهم. وقالت المنظمة ومقرها الولايات المتحدة إن حالات الاعتقال تلك تنتهك القانون الدولي وحقوق الاطفال وتهدد صحتهم ورفاهيتهم ونموهم.

ولا توجد منظومة تضبط عمليات اللجوء إلى تايلاند ويعتبر قانون الهجرة التايلاندي الاجانب الذين لا يحملون تأشيرة سفر صالحة مهاجرين غير شرعيين وهم معرضون للاعتقال والاحتجاز والترحيل. وقالت اليس فارمر باحثة حقوق الاطفال في هيومن رايتس ووتش التي أعدت التقرير "الحرمان من الحرية لاسيما إذا كان تعسفيا ودون اجراءات قانونية سليمة انتهاك خطير لحقوق الانسان وتعرض اطفال صغار لذلك مشكلة حقيقية."

وأضافت ان أكثر ما يزعجها ما تتعرض له النساء الحوامل إذ عادة لا يمكثن في المستشفى الذي ينقلن اليه للوضع سوى بضعة أيام ثم يعدن لمكان الاحتجاز مع اطفالهن الرضع. وتابعت "هذه ليست بيئة صالحة لنمو الاطفال." وحسب التقرير يحتجز نحو مئة طفل لفترات طويلة كل عام- مدة تزيد عن شهر- بينما يحتجز أربعة الاف على الاقل لايام أو أسابيع في مركز احتجاز المهاجرين في تايلاند. وحث التقرير الذي يستند إلى 105 مقابلات تايلاند على وقف هذه الممارسة.

وتنص اتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها تايلاند على ان اي شكل من اشكال احتجاز الاطفال ينبغي ان "يكون الملاذ الاخير ولاقصر فترة ممكنة". وقالت المنظمة ان تايلاند "تحرم الاطفال من حريتهم كاجراء روتيني فور دخولهم البلاد بشكل غير مشروع ولا تعمد لهذا الاجراء كملاذ أخير."

وذكر التقرير انه لا توجد آلية يعول عليها يمكن ان يلجأ لها المهاجرون للاعتراض على احتجازهم ولا معلومات عن مدة الاحتجاز مما يصل بالامر الى "اعتقال تعسفي يحظره القانون الدولي". وتابع أنه على الأسر التي تلجأ لتايلاند الاختيار بين الاحتجاز لفترة غير معلومة او انتظار فرصة ضئيلة لترحيلهم لدولة ثالثة او دفع تكلفة عودتهم لبلادهم حيث يخشون التعرض للاضطهاد.

وذكر التقرير أن دراسات طبية معترف بها أظهرت ان الاحتجاز لاجل غير مسمى يمكن ان يسبب ضررا كبيرا للصحة العقلية للاطفال. وتحدث الاطفال وذووهم الذين التقت بهم هيومن رايتس ووتش لاعداد التقرير عن اكتئاب وأرق وعزلة. وقالت فارمر "بعض هؤلاء الاطفال فروا من أوضاع خطيرة في بلادهم وتعرضوا للأذى في بلادهم وأثناء الفرار منها." وتابعت "حين يلجأون إلى تايلاند ويحتجزون قد تتفاقم الصدمة التي كابدوها من قبل." بحسب رويترز.

وأضافت المنظمة أن دولا مثل الفلبين لديها بدائل لمراكز الاحتجاز مثل مراكز استقبال مفتوحة وبرنامج اطلاق سراح مشروط وهي أقل تكلفة وتحترم حقوق الاطفال. وقالت فارمر إن أمام تايلاند التي تسعى لشغل مقعد في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في الفترة من عام 2015 إلى 2017 فرصة كبيرة لتحسين سجلها الخاص بحقوق الانسان. وأضافت فارمر "عدد الاطفال المحتجزين لفترة طويلة ليس كبيرا والاجراءات غير مكلفة. لدى تايلاند القدرة على ان تفعل ذلك."

أستراليا وسريلانكا

في السياق ذاته عبرت الأمم المتحدة عن "قلقها العميق" من تسليم أستراليا لطالبي حق اللجوء السياسي وسط تقارير عن تسليم العشرات من السريلانكيين إلى بلادهم بعد عملية تقييم سريعة من جانب السلطات الأسترالية لطلبات اللجوء. وذكرت وسائل إعلام أسترالية أن قوات حرس الحدود الأسترالي اعترضت زورقين يحملان أكثر من 200 من طالبي حق اللجوء من التاميل في المحيط الهندي في الأيام القليلة الماضية وجرى تسليمهم أو سيتم تسليمهم إلى البحرية السريلانكية.

وأثار احتمال تسليم اللاجئين التاميل في عرض البحر واعادتهم إلى سريلانكا انتقادات لسياسات الهجرة الصارمة في أستراليا. وتواجه سريلانكا ضغوطا شديدة من جماعات حقوقية والغرب بسبب انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان خلال المرحلة الأخيرة من الحرب ضد الانفصاليين التاميل التي انتهت في 2009. وتقول إن كثيرا من طالبي اللجوء السياسي مهاجرون يسعون للعمل لكن جماعات حقوقية تقول إن التاميل يطلبون اللجوء السياسي لتجنب التعذيب والاغتصاب وغيرها من أشكال العنف على يد الجيش.

وقالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنه ليس لديها أي تأكيد رسمي للأمر وأضافت أنها تتابع "بقلق بالغ التقارير الأخيرة في وسائل الإعلام ومن مجموعات التاميل" عن تقييم طلبات اللجوء واعتراض زوارق تقل اللاجئين في عرض البحر. وأضافت المفوضية في بيان "يحظر القانون الدولى إعادة أي فرد قسرا إلى بلد يخشى أن يتعرض أو تتعرض فيه للاضطهاد." بحسب رويترز.

الى جانب ذلك قالت الشرطة إن 41 من طالبي اللجوء السريلانكيين الذين أعادتهم استراليا لبلادهم ستوجه لهم تهمة مغادرة البلاد بشكل غير مشروع ومن يتعرض للادانة سيواجه "السجن المشدد" الأمر الذي يؤجج القلق إزاء سياسة استراليا وانتهاكات حقوق الانسان في سريلانكا. وقال أجيث روحانا المتحدث باسم الشرطة إنهم سيمثلون أمام محكمة في جالي بجنوب غرب البلاد. ولم يحدد موعد الجلسة. وأضاف "ستوجه لهم الاتهامات وفقا لقانون الهجرة وعقوبة من يثبت مغادرته البلاد بشكل غير مشروع السجن المشدد لمدة عامين وغرامة."

حياة جديدة

من جانب اخر قضا سفيتلانا وسيرجي ديفنكو ثلاثة أيام محاصرين في قبو بمنزلهما بسبب القصف تركا بعدها بيتهما في شرق أوكرانيا وفرا إلى روسيا مع طفليهما وحقيبة واحدة. وقطع الاثنان المسافة البالغة 250 كيلومترا بالسيارة من مدينة سلافيانسك إلى مدينة بلجورود الهادئة في يومين وكانت تلك أخطر رحلة لهما في حياتهما إذ عبرا فيها مناطق تشهد قتالا ومرا بست نقاط تفتيش في الطريق. وقالت سفيتلانا ديفنكو وهي ربة منزل عمرها 28 عاما "ابني قد لا يمسك قط ببندقية لعبة مرة أخرى. فقد صوبت بنادق للطفلين في نقاط التفتيش وشحب وجهاهما من الخوف." غير أن الأسرة اتجهت لروسيا لا بحثا عن الأمان فحسب بل سعيا لحياة أفضل مثلها مثل كثير من الأوكرانيين المتحدثين بالروسية في شرق أوكرانيا المستائين من الوضع الاقتصادي في الداخل ومن زعماء أوكرانيا ذوي المظهر الغربي.

وتقول الولايات المتحدة إن أكثر من مليون شخص نزحوا عن بيوتهم بسبب الصراع. وقدر مسؤول روسي عدد اللاجئين الأوكرانيين في روسيا الان بنحو مليون شخص رغم أن المسؤولين الاوكرانيين يقولون إن موسكو تبالغ في هذا الرقم لأسباب سياسية. وتريد روسيا استغلال أزمة اللاجئين لاظهار الجانب الانساني في موقفها للدول الغربية التي تنتقد مسلكها في أوكرانيا حيث حمل انفصاليون موالون لها في شرق البلاد السلاح في وجه القوات الحكومية في منتصف ابريل نيسان.

ووجد اللاجئون ترحيبا حارا من الروس الذي يشاركونهم الأصل السلافي والمذهب الارثوذكسي فعرضوا عليهم المأوى بل ووظائف لبعضهم. وفي البداية أقام كثيرون في خيام بمخيمات للاجئين قرب الحدود. ووجد البعض بيوتا مؤقتة في شقق الروس المتعاطفين معهم وشق آخرون طريقهم إلى مناطق بعيدة عن الحدود إلى مدن من بينها موسكو بل وفي شمال القوقاز والشرق الاقصى.

وكثيرا ما يتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الاوكرانيين بوصفهم "أشقاء" كما قال قبل بدء الصراع إن الاوكرانيين والروس شعب واحد. ويقول رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف إنه يجب إعالة اللاجئين وتوفير الوظائف والتعليم لهم. ويحلم البعض الآن بالبقاء للابد. وقالت ديفنكو "نحن لا نرى أي مستقبل في سلافيانسك" وأبدت سعادتها بنجاتها من الصراع الذي سقط فيه أكثر من 3500 قتيل وبوجودها في بلد يتمتع باقتصاد أكبر.

وربما لا يكون الحصول على الجنسية الروسية في متناول أغلب اللاجئين لأنه يستغرق عادة سنوات كثيرة كما أنه قد يكون نذير شؤم لاقتصاد شرق أوكرانيا المتعثر. غير أن العمالة المهاجرة بصفة عامة موضع ترحيب في روسيا بسبب انخفاض معدل المواليد منذ انهيار الاتحاد السوفيتي ولذلك فلن ييأس الأوكرانيون بسهولة. ورغم ما يلقاه اللاجئون من ترحاب توجد بعض مشاعر الاستياء منهم والامتيازات التي يحصلون عليها.

فقد صاحت امرأة مسنة في رجل أوكراني يحاول انتقاء بعض الخضروات غير الطازجة المعروضة للبيع في سوق المدينة "الحياة صعبة هنا بما يكفي والآن علينا أن نتعايش معكم فوق كل ذلك." وتقول الحكومة الروسية إنها تنفق 800 روبل (20 دولارا) يوميا على كل لاجيء أوكراني تغطي كلفة الغذاء والاقامة. كما تقدم بعض الشركات الروسية تبرعات لهذه الغاية. وتقول سلطات مدينة بلجورود إن أكثر من 60 ألف نازح أوكراني قدموا إلى منطقة بلجورود وحدها.

وبعد انتظار استمر ثلاثة أشهر حصلت عائلة ديفنكو على إذن لجوء لمدة عام سمح لها بالحصول على وجبات مجانية ومساعدات طبية. ويقيم الاربعة الان في شقة صغيرة بحاجة لترميم. وطلب منهم المالك أن يستعدوا للرحيل على عجل لأن الشقة معروضة للبيع. ويعمل الزوج وهو مهندس ميكانيكي كفني اصلاح سيارات ويحصل على 20 ألف روبل شهريا. ويستنفد ايجار السكن 12 ألف روبل.

وقال الزوجة "كنا ندلل الأطفال ونشتري لهم ما يرغبون في الوطن لكننا نعيش هنا بالطبع على ما يسد الرمق. الوجبات المجانية تساعد. وأهل المدينة يجلبون لنا الملابس." وفي الوقت الحاضر يبدو أن بوسع اللاجئين اختيار ما يروق لهم من وظائف لكن بعض النواب الروس اقترحوا خفض ما يحصلون عليه من مساعدات إذا رفضوا ثلاثة عروض للعمل. وبدأ اللاجئون يحلون تدريجيا محل بعض العمال المهاجرين المنتشرين في مدن روسيا منذ مدة طويلة قبل الحرب كثيرون منهم من جمهوريات سوفيتية سابقة في وسط آسيا وعلى استعداد لأداء أعمال وضيعة يرفضها الروس وقبول أجور أقل.

لكن ليس الكل في بلجورود سعيدا بالسخاء الذي يقابل به اللاجئون. فقد قال اليكسي طالب الجامعة الذي يعمل بعض الوقت في مقهى محلي يقدم وجبات مجانية للاجئين إنه يعتقد أن أغلبهم راضون عن العيش على ما تجود به الدولة. وأضاف "حصلوا على 150 مكانا مجانيا في الجامعة بينما نضطر نحن أهل المدينة للعمل لساعات متأخرة لدفع مصاريف تعليمنا." وقالت روسية أخرى تقيم في المدينة وتدعى ألينا "تصور. نحضر لهم ملابس اطفال وبدلا من أن يقولوا شكرا يطلبون دراجة أطفال." بحسب رويترز.

ويشعر بوجدان ديفنكو ذو الثمانية أعوام بهذا الاستياء ويقول إنه يعامل معاملة مختلفة عن الأطفال الروس في المدرسة. لكنه سعيد للشعور بالامان ويحلم بالحصول على الجنسية الروسية. ونقلت عنه أمه قوله "متى سأصبح مواطنا روسيا؟ أنا تعبت من عدم ذكر اسمي في المدرسة. بالنسبة لهم أنا مجرد لاجيء."

المساعدات النقدية

في السياق ذاته افترضت منظمات المساعدات على مدى عشرات السنين أنها تعرف ما هو أفضل للاجئين والفقراء لكن مجموعة متزايدة من الدلائل تبين أنها كانت على خطأ. فكل من البحث العلمي والخبرة العملية مثلما هو الحال مع حشود السوريين الفارين من الحرب الأهلية يبين أن اقتصار الأمر على تقديم سلع الإغاثة التقليدية ربما لا يكون أكثر الطرق فعالية لمساعدة المعوزين. وعلى سبيل التجربة تقدم وكالات المساعدات نقودا أيضا وتترك اللاجئين يقررون بأنفسهم ماذا يحتاجون. وربما تكون النتائج غير متوقعة. فالأموال تنفق بتعقل ونادرا ما تهدر على عكس الأحكام المسبقة القديمة لدى المانحين.

لبنان الذي يقيم فيه لاجىء من بين كل أربعة من السكان قدم درسا يقول إن الثقة بالمحتاجين تؤتي أكلها. وبدلا من تقديم البطاطين والسخانات مباشرة قدمت منظمات المساعدات نقودا لآلاف اللاجئين السوريين في الجبال بلبنان هذا العام بأمل أنهم سينفقونها على البطاطين والسخانات للشتاء. لم يفعلوا ذلك. لكن النقود لم تهدر أيضا. فاللاجئون وهم من بين ملايين السوريين الذين فروا من الحرب الأهلية كان لديهم احساس أفضل من الوكالات التي تساعدهم بالنسبة لما يحتاجون إليه أكثر ومن ثم أنفقوا الأموال على الطعام والماء.

وفي التقييم الأول الدقيق للمساعدات النقدية للاجئين وجدت لجنة الإنقاذ الدولية في لبنان أن المال لم ينفق بأي كميات كبيرة على المخدرات والسجائر. ولم تجد أيضا زيادة في الجريمة أو الفساد وهي الأشياء التي خشى المانحون من أنها ستواكب المساعدات النقدية أو أنها ستحد من اقبال الناس على العمل. وتبحث بعض المنظمات الإنسانية التي واجهها هذا الدليل تغيير أساليبها. لكن إقناع المانحين في القطاعين الخاص والحكومي بأن يثقوا بالناس الذين يريدون مساعدتهم وكذلك الاعتقاد القديم لدى جماعات المساعدات نفسها والتي قررت على مدى عشرات السنين ماذا يريد الناس أدى إلى تباطؤ برامج المساعدات النقدية.

وقالت المسؤولة في لجنة الإنقاذ الدولية رادها راجكوتيا "هناك توتر بين الناس الذين يعرفون ما هي احتياجاتهم الفعلية وقطاع الإغاثة الإنسانية الذي لم يهيكل بطريقة تسمح للناس بأن يحددوا اختياراتهم." وقال دانييل ماسترسون وهو باحث في جامعة ييل أجرى البحث للجنة الإنقاذ الدولية إن الناس الذين حصلوا على أموال من الأمم المتحدة وجماعات مساعدات أخرى كانوا أيضا أقل احتمالا أن يؤدوا اعمالا خطيرة أو أن يرسلوا اولادهم للعمل أو أن يبيعوا أشياء مثل ماكينات الحياكة التي يمكن أن تستعمل لكسب دخل.

وقال ماسترسون "من يحصلون على النقود هم بشكل متكرر أقل اعتمادا على الأطعمة الأدنى نوعية أو تخطيا للوجبات أو تناولا لكميات أقل من الطعام." وأضاف "بل إن هناك زيادة في الانتظام في الدراسة (لأبنائهم)." لكن المدفوعات النقدية الشهرية لا تزال تمثل ثلاثة في المئة من مساعدات الأمم المتحدة في لبنان الذي يوجد به أكبر نسبة من اللاجئين في العالم بالقياس إلى عدد السكان.

وعلى اتساع العالم يقدم الجانب الأكبر من المساعدات في شكل مواد يختارها عمال الإغاثة مثل الخيام والبطاطين. وتخشى المنظمات الإنسانية من أن يقل استعداد المانحين لتمويل برامج النقود بالمقارنة بالمساعدات التقليدية التي يعرفون من خلالها ماذا يتلقى الناس تحديدا. وقال ماسترسون "المنظمات القائمة تعمل بصلاحية محددة. المساعدات النقدية لا يمكن أن تكون ضمنها."

والنتائج التي توصلت إليها لجنة الإنقاذ الدولية في لبنان تدعمها البحوث في أفريقيا وأمريكا الجنوبية. فقد توصلت دراسة إلى أنه عندما قدم مبلغ 200 دولار لمدمني المخدرات والمجرمين المعوزين في أكواخ ليبيريا أنفقوها على ضروريات بسيطة أو بدأوا بها أعمالا خاصة شرعية. والمساعدات النقدية لها ميزة أخرى هي أنها أرخص. فالعمل الإغاثي التقليدي ينطوي على تكاليف ضخمة. المواد تحتاج لإحضارها ونقلها وتسليمها غالبا لفترات طويلة. ومطلوب لذلك أعداد كبيرة من العاملين ومطلوب أيضا إعادة تقييم دورية لاحتياجات اللاجئين.

وعلى النقيض من ذلك ليس هناك تكاليف نقل عالية على النقود كما تقول نينيت كيلي ممثلة المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في لبنان. ويمكن للوكالات أيضا أن تخفض تكاليف التخزين والتوزيع. وقالت كيلي إنه عندما بدأت الأمم المتحدة في استعمال المساعدات النقدية عام 2013 شعرت الحكومة اللبنانية بالقلق إزاء إمكانية ان يصبح اللاجئون السوريون في حال أفضل من الفقراء اللبنانيين.

ومن بين إجمالي اللاجئين السوريين وهم 3.2 مليون لاجىء هناك أكثر من مليون في لبنان. وقالت الحكومة اللبنانية إنها لا يمكنها تحمل عبء مثل هذا العدد الكبير وخفضت بشدة الأعداد المسموح بدخولها البلاد. وهناك غضب أيضا بين السكان المحليين الذين يشتكون من أن اللاجئين يأخذون الوظائف المتاحة ويتسببون بالتالي في انخفاض الأجور كما يتسببون في اكتظاظ المدارس بالتلاميذ والمستشفيات بالمرضى. بحسب رويترز.

وقالت كيلي "أردنا التأكد من أننا لا نتسبب في ضرر من خلال برنامج المساعدة النقدية وأنه أيضا يقدم فائدة للمجتمع اللبناني المحلي الذي يجني فائدة في الحقيقة." لقد توصل بحث لجنة الإنقاذ الدولية إلى أن اللاجئين أنفقوا الأموال في البلدات اللبنانية التي يعيشون فيها. وقال ماسترسون "هناك أثر إيجابي آخر هو أنك تدفع نقودا في شرايين الاقتصاد. أنت تزيد الناتج المحلي الإجمالي." وطبقا لبحثه لا تزيد المساعدة النقدية التضخم في لبنان وكل دولار من المساعدات يترجم إلى زيادة 2.13 دولار في الناتج المحلي الإجمالي بسبب زيادة الإنفاق. وقال ماسترسون "لم نعد في حاجة لمزيد من الخوف من المساعدة النقدية."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/تشرين الثاني/2014 - 12/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م