اخلاقيات التغيير.. ثقافة الغدير وعاشوراء ضلعان للعبور والوصول

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ضلعان واحد للعبور واخر للوصول، يتناقلان مكانهما عند النقطة الاخيرة، فهو يعبر كي يصل وهو يصل من خلال العبور، يتمثل الضلعان بـ (عيد – مأتم) حسب تراتبيات الزمن من ولادة وموت، من اب وابن، من سابق ولاحق.

ويتمثل بـ (مأتم – عيد) ايضا حسب تراتبيات الزمن القمري، الذي ارخ للهجرة، وكانت فاصلا بين مكانين وزمانين وحدثين، وهي ترسيم للقطيعة بين الاسلام والشرك.

لا دين بلا عيد وطقس. فالعيد يحرك الحياة في الاختبار الاعتقادي، ويلهم تجليات القوى وتظاهراته.. ما هي اشكال العيد؟، العيد الكوني، والعيد الآسر، وعيد الانسان، والطقس او الشعيرة، قوة النظام الكوني والذهني: فهو سلوك جماعي وعمل شخصي، تقع عند ملتقى الطبيعة والمجتمع والثقافة والدين، والشعيرة هي طقس يمارس دوريا، وذو طابع عام، جماهيري، خاضع لقواعد دقيقة، غايتها البعيدة هي اختراق المنظور والتاثير في عالم المستور.

العيد هو الغدير، والماتم هو الطف.

صاحب الغدير هو الاب، وصاحب الماتم هو الابن وكلاهما شهيدان.، ومن الشهادة، الشهود، الاول حاز السلطة ولم يتعسف بها، والثاني وقف ضد تعسف الاخرين في السلطة وبها، الاثنان معراجهما العدل في الحيازة او الامتناع والرفض، الاول ورثه من ابن عمه، والثاني ورثه من الاثنين، جده وابيه، والعدل قوامه العهد بين الله والانسان، وبه يتكامل مع التوحيد، والاول تماثل بالعدل وتمثله، حتى لايمكن التفريق بينهما، والثاني تمثله اصلاحا في الامة، ليصلح امرها ويستقيم دينها.

العيد ثقافة مثلما الماتم كذلك.

تختلف الثقافات وتتغير، تكتسب اشياء وتفقد اخرى، بفعل الاجتماع البشري وسلوك المجتمعين وتصوراتهم، لكن جوهر الثقافة يبقى هو الجذر الراسخ، كذلك الغدير والطف، هو نفسه لايتغير لانهما ضلعان لثقافة واحدة، كلاهما يمثلان العبور والوصول، اختص الشيعة بهذين الضلعين، مثلما اختصوا بما نبت على اطرافهما، فالاصل هما (الغدير والطف).

وهذا الاختصاص اعطى شكلا متميزا للهوية الشيعية، فهي على الاجمال تتكون من اربعة مكونات رئيسية هي:

(الإيمان بالإمامة - الإيمان بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) - محورية القضية الحسينية - الارتباط بالمرجعية الدينية).

وهذه المكونات هي غيرها عناصر الهوية الثقافية الشيعية، التي تتالف من: (العقيدة المشتركة – التاريخ المشترك –المنظومة الفقهية المشتركة – الرموز – الثروة الروحية المتمثلة بالادعية – الطقوسية الشيعية –الزيارات – التراث الادبي والشعري).

التعبير الابرز للمكونات والعناصر هو عيد الغدير، وما يرتبط به من طقوس افراح، والقضية الحسينية ومايرتبط بها من شعائر وطقوس سنوية، تظهر بشكلها المكثف في محرم وصفر من خلال الايام العشرة لمحرم وزيارة الاربعين في صفر ومابينهما، من طقوس جماعية يقوم بها ملايين الشيعة كل عام.

في احدى محاضراته وهو يستقبل مجموعة من الزائرين القادمين من العراق لزيارته، يتحدث المرجع الديني اية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) عن الغدير وعاشوراء، ويطلق عليهما تسمية (ثقافة). فـ (الغدير ثقافة، وعاشوراء ثقافة).

ولاتتحدد ثقافة الغدير، او ثقافة عاشوراء ومايرتبط بهما، برقعة جغرافية معينة، او حيز مكاني معين، او حتى دين او معتقد واحد، بل هي ثقافة (الإسلام الى الإنسانية بجميع معانيها العالية والعميقة. وثقافة عاشوراء ثقافة التضحية من أجل الحق. وهاتان متلازمتان ولا تنفك إحداهما عن الأخرى. فالذي ضحّى من أجل الحق، وكان على جانب صحيح من الإنسانية المتمثلة في الإسلام هم أهل البيت صلوات الله عليهم. والذي يعتقد بالإسلام وبالإنسانية بجميع معانيها العالية والعميقة يضّحي من أجل الحق أيضاً).

ومنطلق ثقافة الغدير حسب راي المرجع الديني السيد صادق الشيرازي، مبتدأها ونقطة شروع انطلاقها هي قول الامام علي (عليه السلام):  (وَاللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُه).

وهذا القول يمكن التعبير عنه انه (ابتداء ثقافة وشعار وروح الغدير).

يعرج السيد المرجع على موقف يرى فيه (جزء من ألوف من مناطق الإشراق) في سيرة الامام علي (عليه السلام) حين عفى وغفرعمن حاربه في موقعة الجمل الشهيرة، وهو نفس العفو والغفران الذي مارسه النبي الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم) في فتح مكة، وقولته الشهيرة لمن حاربه: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). فالعفو، شيمة أهل البيت (عليهم السلام).

أما ثقافة عاشوراء، فهي ثقافة التضحية، والسير على سيرة الجد والاب، رغم كل التحديات التي تفرضها ثقافة اخرى غير متسامحة ومتعسفة ومنتهكة، وهي ثقافة الاجرام والقتل لدى الطرف الاخر الذي كرسها معاوية بن ابي سفيان.

يرى المرجع الديني السيد صادق الشيرازي، وهو يشاهد كل صور الخراب والدمار والقتل والاجرام والعبث بالحياة الانسانية، ان العالم اليوم بحاجة إلى هاتين الثقافتين أكثر من السابق، أي ثقافة الإنسانية وثقافة التضحية من أجل الحقّ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/تشرين الأول/2014 - 2/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م