الفنانون العرب يترجمون المعاناة الى إبداعات

 

شبكة النبأ: يعد الفن رسالة حقيقة تحمل هموم وقضايا الوطن والإنسان، استخدمها بعض الفنانين كأداة مهمة قادرة على التأثير في المجتمع من خلال طرحها بشكل إبداعي مميز وجميل، كما يقول بعض الخبراء في هذا المجال، الذين أكدوا على الكثير من الفنانين قد عمدوا ومن خلال بعض أعمالهم الإبداعية المميزة الى طرح بعض معاناتهم ومشاكلهم وقضاياهم الوطنية والاجتماعية، حيث سعى العديد من الفنانين العرب وغيرهم الى استحداث أساليب جديدة في عالم الفن من خلال استخدام بعض أدوات القتل والتدمير وإخراجها بشكل مميز ومختلف يعكس تلك المعاناة والواقع المؤلم.

حيث تعرف الفنون بأنها لغة استخدمها الإنسان لترجمة التعابير التي ترد في ذاته الجوهرية. والفن موهبة إبداع وهبها الخالق لكل إنسان لكن بدرجات تختلف بين الفرد والآخر. لكن لا نستطيع أن نصف كل هؤلاء الناس بفنانين إلا الذين يتميزون عن غيرهم بالقدرة الإبداعية الهائلة. فكلمة الفن هي دلالة على المهارات المستخدمة لإنتاج أشياء تحمل قيمة جمالية على تعريفة فمن ضمن التعريفات أن الفن مهارة – حرفة – خبرة – إبداع – حدس –محاكاة.

حيث تتجسد إعمال الفنانين وإبداعاتهم بالقدرة الإبداعية الهائلة لتخلدهم، خصوصا من خلال الفنونو النابعة من رحمة المعاناة، ويرى بعض الاخبراء في هذا المجال يجب أن تؤثر هذه الفنون على الناس تأثير ايجابي ويجب أن يكون لها دور حقيقي في المجتمع، حيث ان منتجي الاعمال الفنية اذا اهتموا فعلاً بتقديم النماذج الحقيقة للمتلقي سوف تنجح كل أعمالهم وسوف نجد فعلا فنون نظيفة تقدم ما يحترمه عقل المتلقي.

الفعل الماضي المستمر

وفي هذا الشأن تجسد الفنانة الفلسطينية ديما حوراني في عملها الفني الجديد (الفعل الماضي المستمر) بعض أحداث النكبة التي رحل خلالها أو أجبر على الرحيل مئات الألاف من الفلسطينيين عن منازلهم في عام 1948. وشاركت ديما بعمل فني مركب ينتمي الى مدرسة التشكيل في الفراغ حيث استخدمت شاحنة قديمة يرجع تاريخ صناعتها الى ما قبل عام 1948 طلتها باللون الرمادي ووضعت على متنها مجموعة من الرجال والنساء والأطفال صبغوا بذات اللون حتى بدوا كأنهم في فيلم سينمائي باللونين الابيض والاسود أثناء مشاركتهم في مسيرة لإحياء ذكرى النكبة وسط مدينة رام الله.

وقالت ديما "اخترت اليوم لتقديم هذا العمل الذي يشارك فيه 18 شخصا يمثلون ثلاثة نماذج للعائلات الفلسطينية البدوية والفلاحة والمدنية التي أجبرت على الرحيل عن منازلها عام 1948 بذات السيارة التي نقلت عددا منهم في تلك الفترة." وتزاحم العشرات لالتقاط صور تذكارية لهم الى جانب الشاحنة.

وأوضحت ديما أنها وضعت على متن الشاحنة ما حمله اللاجئون معهم من أمتعة وأغراض. وأضافت "إن هذا العمل الفني صورة طبق الأصل لما حدث في العام 1948 ومازال فعله مستمر الى يومنا هذا." وتشير الإحصائيات الفلسطينية الموثقة الى ان "الاسرائيليين قد سيطروا خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة حيث قاموا بتدمير 531 قرية ومدينة فلسطينية كما إقترفت القوات الإسرائيلية اكثر من 70 مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين وأدت الى استشهاد ما يزيد عن 15 الف فلسطيني خلال فترة النكبة."

وذكر الموقع الرسمي لجهاز الاحصاء الفلسطيني "ان عدد الفلسطينيين عام 1948 قد بلغ 1.4 مليون نسمة وقد قدر عددهم بنهاية العام 2013 بحوالي 11.8 مليون نسمة." وأضاف الجهاز على موقعه "عدد الفلسطينيين الذين لم يغادروا وطنهم عام 1948 قدر بحوالي 154 الف فلسطيني."

قصف غزة

في السياق ذاته تحول الفنانة الفلسطينية بشرى شنان الدخان المتصاعد من قصف المباني في قطاع غزة الى لوحات فنية باستخدام تقنيات مختلفة. وقالت بشرى خريجة قسم التصميم من معهد البولتكنيك في الخليل "لست أنا صاحبة الفكرة الاولى ولكني بعد ان شاهدتها قررت أن أطورها وأعمل عدة لوحات منها." وأضافت "في البداية كنت أعمل رسما يدويا من خلال برنامج الفوتوشوب لعمل لوحات فنية من الدخان المتصاعد من قصف الاحتلال الاسرائيلي لغزة الذي أغلب ضحاياه من الأطفال."

ويمكن مشاهدة نماذج مختلفة من اللوحات التي اعدتها بشرى على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر في بعض منها صورة مجموعة من الأطفال القتلى في وسط الدخان إضافة الى أشكال أخرى مرسومة بالريشة لرموز متعددة تظهر حجم الدمار الذي تعرضت له غزة. وقالت بشرى "بعد ذلك رأيت ان تكون اللوحات أكثر واقعية فعملت على وضع صور حقيقية للأطفال من مجزرة الشجاعية وغيرها وسط الدخان المتصاعد لابراز حجم الجريمة التي تقترفها قوات الاحتلال بحق أهلنا في غزة."

وقالت بيرنيل ايرنسايد رئيسة المكتب الميداني الذي تديره منظمة الامم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في غزة إن أكثر من 400 طفل قتلوا في هجوم اسرائيل على القطاع وان نحو 400 ألف أصيبوا بصدمة ويواجهون مستقبلا "قاتما للغاية". وقالت ايرنسايد إن اعادة بناء حياة الاطفال ستكون جزءا من جهد أكبر بكثير لاعادة بناء القطاع بمجرد ان يتوقف القتال بصفة دائمة. واشارت التقارير الى مقتل 408 أطفال أي 31 في المئة من العدد الاجمالي للقتلى المدنيين. وكان أكثر من 70 في المئة من 251 فتى و157 فتاة قتلوا أعمارهم 12 عاما أو اقل.

وقبل أحدث أعمال عنف كان أطفال غزة يدرسون على فترات بسبب نقص المدارس وتخرجوا الى سوق عمالة يعاني فيه 59 في المئة من البطالة. واوضحت بشرى انها انجزت حتى الآن 11 لوحة في وقت تواصل في العمل على إنجاز لوحات اخرى. وتسعى بشرى الى التعاون مع عدد من الفنانين لانجاز عدد أكبر من اللوحات لعرضها للجمهور على ان يكون كل ريعها لصالح غزة.

وقالت إن "هناك عدة رسائل من عمل هذه اللوحات أولها ان الاطفال لا ذنب لهم في هذه الحرب التي معظم ضحاياها من الاطفال." وأضافت "بما انه لا سلاح لدي لمقاومة الاحتلال فهذا اقل ما يمكن ان اقاوم به الاحتلال أن أوصل رسالة للعالم حول ما جرى." وتأمل بشرى ان تنجح بالتعاون مع فنانينن آخرين بعمل عدد كبير من اللوحات وبيعها بسعر رمزي وارسال ما يتجمع من مبالغ لدعم غزة.

وقالت "على الاقل ان نساهم في بناء مدرسة أو روضة أو أي شيء نساعد فيه الاطفال." وترى بشرى ان "أكثر الصور تأثيرا من قطاع غزة كانت صور الاطفال الضحايا الذين لم تخل اي مجزرة من عدد منهم." وقالت "نريد ان نعمل كل ما نستطيع من أجل مساعدة أهلنا في قطاع غزة." ويعمل سكان الضفة الغربية عبر مؤسسات المجتمع المدني والسلطة الفلسطينية على جمع تبرعات عينية ونقدية لسكان قطاع غزة. بحسب رويترز.

واقيمت العديد من المراكز في مدن الضفة الغربية لجمع المساعدات اضافة الى اعلان وزارة الاوقاف عن حملة لجمع تبرعات نقدية من المساجد. واشتملت هذه المساعدات على المياه التي يعاني سكان القطاع من نقص حاد فيها اضافة الى الاغطية والملابس والطعام. وتحتاج هذه المساعدات الى موافقة الجانب الاسرائيلي لدخولها الى قطاع غزة الذي تسيطر اسرائيل على المعابر المؤدية اليه من الضفة الغربية. وشوهدت العديد من الشاحنات المحملة بالمواد التموينية والاغاثية وهي تنتظر السماح لها بعبور حاجز عوفر العسكري الاسرائيلي غربي رام الله في طريقها الى قطاع غزة.

المخيمات بالأبيض والذهبي

الى جانب ذلك اختار الفنان الفلسطيني الشاب بشار الحروب اللونين الابيض والذهبي ليقدم لوحات فنية تنبض بالحياة لرسم الوضع في المخيمات في معرضه (اللامكان). وقال الحروب "استلهمت هذا العمل الفني عندما شهدت الثلوج تكسو مخيم الزعتري الذي يضم لاجئين من سوريا على حدود الأردن." وأضاف "الصور الذي كانت تبثها وسائل الإعلام تظهر أن فضاء المخيم واسع بسبب اللون الابيض الذي لا يعكس الحقيقة أبدا."

ويقدم الحروب في معرضه (اللامكان) مجموعة من اللوحات الفنية بأحجام مختلفة يظهر في عدد منها بيوت بيضاء مبعثرة في مساحة ذهبية وأخرى لاطفال منهم من يحمل حقيبة ذهبية وسط خلفية بيضاء واخرى لأطفال يلهون على أرجوحة ربطت بين حاويتي قمامة. وتظهر لوحة أخرى ثلاثة أطفال يخرجون ضاحكين مما يشبه رحم الأم يرفعون شارة النصر وثلاثة آخرين يركبون حمارا ذهبي اللون وطفلا يغطى راسه من حر الشمس ربما بكرتونة ذهبية وخمسة اخرين يلوحون لقادم او مسافر.

وكتب الحروب عن معرضه في كتيب وزع خلال المعرض "المشروع (اللوحات الفنية) إستكشاف وتكثيف للسؤال حول الأطفال اللاجئين والمشردين... فضاءات بيضاء أو ذهبية مساحة مفتوحة لتكثيف السؤال حول ان تكون بلا مكان او وطن او بيت. "أن تكون مشردا أو لاجئا لظروف سياسية أو إقتصادية تفرضها الحرب او الحياة.. أن تكون مادة إعلامية تتصدر التقارير التلفزيونية أو واجهات الصحف ... هنا وهناك اطفال مشردون تائهون في البياض في اللامكان."

ويرى الكاتب حسن البطل معرض الحروب بأنه "يتنفس فضاء ابيض رحبا لكن مؤطر بكادر ذهبي. الذهب ملك المعادن ضع حجارة الألماس جانبا لكنه في لوحاته ذهب هش ومبتذل عمدا فهو يلون حذاء طفل فقير يمتطي حماره المرسوم بقلم الرصاص أو حقيبة ولد ذهبية أو حتى صندوق كرتون على هامة ولد."

ويضيف في مقاله اليومي المنشور في جريدة الايام في تعليقه على احدى اللوحات "يولد الطفل من رحم أمه حرا وفي لوحة يطل أولاد ضاحكون من حبة قمح ذهبية أو فرج ذهبي اللون الى حياة اللامكان أي اللاوطن." وكتبت الناقدة سوزان سلافيك في كتيب المعرض "في اللامكان نجد بنى بيضاء بسيطة تشكل أبراجا تطفو أو وحيدة في حقول من ذهب. هذه البنى هي بنى مؤقتة مقتلعة لا تستقر على الأرض." بحسب رويترز.

وتضيف "ومع كل ذلك فهي الوطن.. البيت الوحيد المتاح لما لا يعد ولا يحصى من اللاجئين الذين يتكاثرون على مدى عقود وأصبح الآن تكاثرهم سريعا بطريقة مخيفة وفي ظل ظروف لا يمكن وصفها للفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال أو المنافي." وتختتم سوزان مقالها "إن الذهب قد يمثل الاستقرار لكونه أحد العناصر الكيماوية الأقل تفاعلا بالإضافة لكونه غير قابل للتآكل كما أنه يومض في أحلك الظروف غير الإنسانية ولكن إلى متى." وتضيف "إن بريق الذهب مغر في اللامكان (المعرض) لكنه يعاني من فقر الدم في نهاية الأمر حيث يتحول الذهب الى بلاستيك رخيص وأرض قاحلة وسماء فارغة.. إنه القشرة التي تغلف ما لا يمكن الدفاع عنه انه اللامكان يجب ان يصبح مكانا ما."

حوار الفن والسياسة

على صعيد متصل يحول ثلاثة فنانين لبنانيين الطين والنار إلى أشكال تحمل إرث الماضي وتنطلق إلى المستقبل في معرض منحوتات في بيروت يحمل عنوان (السيراميك إن حكى). ولكل من جوزف حنين وهناء كعكي وابتسام الرفاعي مع السيراميك قصة ذات صلة بالأحداث الاجتماعية والسياسية في لبنان.

فهناء كعكي التي عاصرت الحرب الاهلية العاصفة بين عامي 1975 و1990 اختارت البالون للتعبير عن قضية الإنسان وتطوره عبر الزمن. ففي هذا البالون صفات إنسانية منها الهشاشة والحساسية وفي الوقت نفسه يبدو قويا. ولكن هذا البالون الذي يعبر عن قصة الإنسان القوي سرعان ما يتحول إلى شكل جمجمة هيكل الإنسان العظمي ومن ثم إلى أدوات قاتلة مثل صاروخ ورصاصة.

وتتطور منحوتات كعكي وصولا إلى اسطوانة قديمة للأغاني تتراوح ألوانها بين الأسود والبرونزي والفضي والبرتقالي. وفي رأي كعكي فإن الاسطوانة جاءت من فكرة تسجيل الذاكرة التي تدور في المكان نفسه. ورسمت على بعض الاسطوانات أيادي ممدودة تتضرع إلى السماء قائلة "في النهاية لا يوجد لنا غير الصلاة والايمان لنستمد قوتنا من الله".

وتقول كعكي "ان السيراميك الذي اشتغلت عليه يمثل التغيرات التي حصلت في حياتنا وتعقيدات هذه الحياة. فالأشكال التي أصنعها تحمل أمثلة عن التغيرات التي يمكن أن تحدث من حولنا والتجارب التي اكتسبناها وصعوبة العيش في وضع غير آمن وهي أيضا تمثل ذاكرة الانسان وما تعلمه من دروس الحياة."

وجمعت كعكي بين أشكال الحرب وصعوبات الحياة الشخصية والتجارب التي تمر على الإنسان ومن ضمنها "الحرب التي عشنا تفاصيلها ولم تخرج منا بعد. حولت هذه الافكار الى أشكال لكي تخرج مني. أشعر أنني إذا جسدتها تخرج مني إلى غير رجعة.أريد أن أرفضها. أحاول أن أطوي صفحة وفتح صفحة جديدة."

أما ابتسام الرفاعي فتمزج الحروف الفينيقية والحروف العربية لصياغة تشكيل كيان جديد مترابط له جذوره وبعده الانساني. وتقول "أردت الدعوة لإعادة قراءة تاريخنا على المستوى الحضاري والتفاعلي انطلاقا من هذه الحروف التي جسدت عظمة عطاء أسلافنا لنستلهم منها حاضرا قادما من ذاكرة يكاد يعلوها الصدأ لتصير تاريخا جديدا نساهم في كتابته. حروف أصبحت أكثر من رمز وأبعد من أبجدية. لقد أصبحت هوية."

وتتراصف الأقدام السيراميكية في لوحة ضخمة للفنان جوزف حنين مختصرا الانسان بقدمه التي يعتبرها عضوا مهما في الجسد لا عضوا ناقصا يخجل من تسليط الضوء عليه. 250 قدما تختلف شكلا عن بعضها البعض فمنها الجميلة والقبيحة والطويلة والكبيرة والصغيرة. المزاج الانساني يختصر بقدم تقود صاحبها الى تغيير المكان وبالتالي تغيير المزاج. بحسب رويترز.

وهذه النظرة يكتسبها المتلقي إذا بقي قريبا من اللوحة اما إذا ابتعد قليلا وخرج من التفاصيل الدقيقة فسيرى اصطفافات وتصبح القدم رقما لا يمكن تمييزها عن الاخرى. والالوان التي تتقاسمها الاحزاب اللبنانية المتنافسة يجمعها حنين في منحوتة إنسان يلتف بخيطان الحرير. ويقول "إن الانسان تعب من السياسة ومن الالوان السياسية". ويضيف أن الفنان "لا يمكن ان يكون بعيدا عن محيطه. فأنا احارب بفني وأحمل قضيتي من خلال عملي ولا بد أن نؤثر في المزاج العام".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/تشرين الأول/2014 - 30/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م