الفوضى الخلاقة وبناء الشرق الاوسط الجديد

باسم عبد عون فاضل/مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

 

تعد نظرية الفوضى الخلاقة من النظريات الخطيرة والحساسة التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن تجاه العالم عموما والشرق الأوسط والمنطقة العربية خصوصا، واصبحت أسلوبا جديدا لإدارة وتوجيه مصالحها وأهدافها. "خصوصا" بعد اضمحلال الايدولوجية الاشتراكية السوفيتية ورجحان إدارة النظام العالمي وقيادته وفق منظومة الأحادية القطبية.

 وأخذت هذه النظرية مساراتها العملية في التطبيق بعد أن كانت امريكا تتعامل عالميا خصوصا مع المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية الاقتصادية والعسكرية وفق آلية الانقلابات العسكرية والتدخلات العسكرية المباشرة لضمان أهدافها ومصالحها الحيوية فيها لمنع قيام الأنظمة والسياسات والأيدولوجيات التي تعيق هذه المصالح، وبعد أن وجدت تلك الآليات مكلفة من الناحية العسكرية والاقتصادية والبشرية، ارتأت في الآونة الأخيرة اعتماد عدد من النظريات تكون من خلال اعتمادها القوى المهيمنة عالميا والمحققة لنظام عالمي جديد بأقل التكاليف وبأقصر وابسط الطرق وبدون التدخل العسكري المباشر من جانبها ومنها نظرية الفوضى الخلاقة.

يعد الخبير والمفكر الاستراتيجي الأمريكي (مايكل ليدن) الباحث في معهد (أمريكا انتر برايز) أول من صاغ مفهوم هذه النظرية عام 2003 حيث وضع آلية وخطة جديدة للولايات المتحدة لإدارة أهم المناطق حساسية في العالم وهي الشرق الأوسط بعد أن لاحظ ارتباك السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وأعطى لها تسميات مرادفه منها (الفوضى والبناء) و(التدمير والبناء). ينطلق (مايكل ليدن) في نظريته من أفكار ومتبنيات تعكس الفلسفة التي تدين بها النخبة المسيطرة المتحكمة في القرارات والاستراتيجيات الأمريكية تجاه العالم والشرق الأوسط بالخصوص، وهي اعتماد الواقع أكثر مما يمليه الذهن، إي جعل له الأسبقية والرجحان وينطلق ليدن بعد قراءة الواقع وتشخيص البيئة المحددة له ليقول أنه لابد من التعامل مع معطياته وتطوراته.

الأسس التي تقوم عليها النظرية:-

1- التغيير الكامل في الشرق الأوسط.

2- إعادة البناء بعد هدم الأسس والتقاليد القديمة.

3- الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة لدول الشرق الاوسط

4- إبعاد الجهد الأمريكي المباشر والاكتفاء بصياغة وتنظيم بناء النظام السياسي في هذه الدول.

تمثل هذه الأسس محور نظرية الفوضى الخلاقة التي صاغها (مايكل ليدن) فهي تمثل حقيقة الاستراتيجية الأمريكية حاليا في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما صرح به أكثر من مسؤول أمريكي حول إعادة صياغة شرق أوسط جديد ونظام عالمي جديد، منهم (بوش الابن) عند مجيئه إلى السلطة حيث اتضحت معالم هذه النظرية في عهده، وكذلك مستشارة الأمن القومي الأمريكي (كوندوليزا رايس) التي أطلقت هذا المصطلح عند حديثها عن السياسة والمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

مراحل تنفيذ هذه النظرية:-

لاشك إن بلدان منطقة الشرق الأوسط تعيش حاليا مأساة تطبيق خطوات هذه النظرية من صراعات داخلية طائفية وقومية واثنيه وعشائرية، ومن مميزات هذه الدول أنها تعاني من رجحان كفة الانتماءات القومية والطائفية والعشائرية على كفة النظام السياسي الذي يتمثل في النظام، وبالتالي إي تغيير طفيف وجزئي أو جذري يلحق بالنظام السياسي القائم فيها، يدخل بنيتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في دوامة الاضطرابات والفوضى، وبالتالي جاءت خطوات ومراحل تنفيذ هذه النظرية متناغمة مع ما تعيشه دول المنطقة من هذه الوقائع، ومن خطوات تنفيذ النظرية ما يلي :

1- إطلاق الصراع الطائفي والعرقي

تقوم هذه النظرية على بث الشرخ الطائفي والعرقي الملازم لتركيبة شعوب ودول منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما تعانيه اغلب دول المنطقة حاليا، منها لبنان التي تدور في دوامة الصراع الطائفي والقومي والاثني بين مختلف مكوناتها والذي افقدها مقوماتها كدولة متماسكة ضمن فلك النظام العالمي، كذلك السودان التي تم تغذية نوازع الانفصال فيها على أساس ديني دولة في الشمال ودولة في الجنوب بعد أن كانت تمثل لاعبا أساسيا إلى جانب مصر في الجزء الإفريقي العربي، والصومال أيضا لازالت تعيش دوامة النزاع القبلي والعرقي والديني بعد التدخل الأمريكي عام 1991، كذلك اليمن والجزائر والمغرب وليبيا والعراق وسوريا..

2- صراع العصبيات

تتمثل هذه الخطوة بضرب مؤسسات الدولة واستبدالها بولاءات عشائرية وحزبية، وهذا ما عكفت عليه وتبنته الإدارة الأمريكية في عدد من دول المنطقة منها ليبيا حاليا حيث تحكم مؤسسات الدول انتماءات قبلية منها الجيش والشرطة وغيرها من المؤسسات، كذلك العراق استبدل مؤسسات الدولة فيها بتوافقات حزبية ذات صبغة طائفية وقومية.

3- إطالة أمد الاختلال الأمني

من منطلقات هذه النظرية أيضا" خلق حالة اللا أستقرار وحالة اليأس واللا عودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل استبدال النظام فيها وذلك بإطالة أمد الصراع المصحوب بالأسلوب الدموي للقتل والدمار الناتج عن هذا الصراع والفوضى، مما يجعل المجتمع في حالة اليأس والضغط النفسي، وهذا يخلق حالة النظام الجديد الذي يولد من تفشي الفوضى، ومن ابرز الأمثلة العمليات المسلحة المتمثلة في السيارات المفخخة والعبوات والاغتيالات والإبادة الجماعية لبعض المكونات والتهجير التي يشهدها العراق حاليا.

4- التغذية الإعلامية

إرباك المنطقة بموجه إعلامية وتغذية هذه المؤسسات وإدارتها ودعمها بكل ما من شأنه تحقيق أهداف هذه النظرية.

لقد طبقت مجمل هذه الخطوات والبعض منها اخذ طريقه إلى التطبيق وتمثل الأجهزة المخابراتية الامريكية والاخرى العالمية المتعاونة معها الاداة الرئيسية في تطبيقها ورسم مساراتها، كما أن المنظومة العسكرية الأمريكية المتواجدة في دول المنطقة هي الأداة المباشرة في إدامة زخمها من الناحية اللوجستية والعملياتية غير المباشرة.

من خلال ما تقدم يتضح أن نظرية الفوضى الخلاقة لا تستهدف حفظ المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط التي يسوق إليها إعلاميا والمتمثلة في تدفق إمدادات النفط والموارد الطبيعية الأخرى وكذلك حماية إسرائيل فحسب، بل تتعداها إلى تغيير في نمط وسلوكيات ومعتقدات شعوب هذه المنطقة واستبدال ثقافاتها بثقافات تراها ضرورية لصيرورة نظام عالمي جديد، ويشير الى ذلك ليدن بالقول: "علينا تدمير الأنماط والنماذج والعلوم القديمة في الأدب وغيرها وهذه مهمتنا التاريخية" من أجل التغيير الكامل للشرق الأوسط على المستوى الثقافي والاقتصادي والسياسي والديني، فالمنطقة ومنها الشعوب العربية بدولها وقومياتها وعقائدها وثقافتها وموروثها التاريخي تعيش اليوم مراحل تطبيقات هذه النظرية الفتاكة التي خلفت الكثير من المآسي والمحن والصدع في بنيتها، وهي بحاجة إلى وعي وادارك خطورة هذه السياسة الأمريكية الجديدة.

* باحث مشارك في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

www.fcdrs.com

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 20/تشرين الأول/2014 - 25/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م