لم يتوقع المراقبون للشأن السعودي والاقليمي أن تقوم الرياض بإصدار
حكم الإعدام بحق الشخصية الدينية والسياسية المعروفة الشيخ نمر النمر،
حيث كان من المتوقع أن تقوم بتأجيل الحكم لعدة جلسات حتى وضوح الرؤى
حسب التطورات في المنطقة.
الحكم على الشيخ النمر بالاعدام قرار سياسي تصعيدي غير مبرر في ظل
الظروف الراهنة داخل الوطن وفي المنطقة التي تشهد حروبا وحالة عدم
استقرار، فالسعودية في وضع صعب وخطير وإرتباك مع تطور الأحداث في الدول
المجاورة ففي الشمال العراق وسوريا ولبنان فشلت سياسية الرياض في دعم
الحركات السلفية الجهادية التي اصبحت هدفا عالميا باسم محاربة الارهاب،
وفي الجنوب اليمن خرج من السيطرة السعودية، واصبح تحت سيطرة حزب انصار
الله (الحوثيين)، وفي دول الخليج يوجد تشنج واختلافات مثل قطر،
بالاضافة للملف البحريني فبالرغم من وجود الجيش السعودي في المنامة
لحماية نظام ال خليفة، إلا ان البلد يشهد تطورات واحداث مقبلة على
التصعيد مع رفض المعارضة البحرينية الدخول في الانتخابات البرلمانية
وتواصل المظاهرات والفعليات ضد نظام ال خليفة، النظام الذي يبحث عن
مخرج وتحسين صورته في الخارج عبر دخول المعارضة في الانتخابات.
لماذا الحكومة السعودية تريد التصعيد إلى حد إعدام الشيخ النمر
والنشطاء، في ظل هذه الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد والمنطقة، وهل
ما حدث مجرد بالون اختبار؟.
انتقام من الشيخ والنشطاء
لا شك ان اصدار حكم الاعدام ضد الشيخ النمر يمثل عملية انتحارية
سياسية، ويعبر عن عقلية فوضوية لا تختلف عن فكر الذين يعشقون الانتحار
والدمار، بل تمثل عن حالة انتقام شخصي من قبل وزير الداخلية الامير
محمد بن نايف، ضد الشيخ النمر الذي حمل والده الامير نايف المسؤولية عن
كل ما يحدث في الوطن من اعتداءات واعتقالات تعسفية وسجن للمظلومين وقتل
للابرياء، والتعبير عن الفرح والسرور لموته - اي نايف - لانه طاغية،
كما انها تمثل فرصة لوزير الداخلية الامير محمد بن نايف لاثبات خيار
القوة البوليسية والارادة الامنية التي لا ترحم، وانها الوسيلة الانجع
لزرع الرعب والخوف في قلوب الشعب ولكل من يفكر بالتعبير عن رأيه أو
الاحتجاج والتظاهر والمعارضة للنظام السعودي، ولمنع تكرار ظاهرة الشيخ
النمر، وارسال رسالة لأفراد الاسرة الحاكمة ولمن في الداخل والخارج
بانه الملك القادم.
لقد قلنا من قبل أن “تداعيات حكم الاعدام للشيخ نمر النمر لن يكون
النظام السعودي قادراً على التكهن بآثارها ولا بحجم تداعياتها، فهي
أشبه بـ”الحريق الذي سيتجاوز حدود الوطن”. فالحكم ادى لاستفزاز
الجماهير ونزول الالاف الى الشوارع للتظاهر والاحتجاج والمطالبة
بالافراج الفوري عن الشيخ النمر وعن المعتقلين، والتظاهر أمام السفارات
السعودية في العالم، لقد أوجد النظام المبرر ليتوحد الشعب وينسق العمل
المطلبي والحقوقي والاصلاح الشامل والحراك في الداخل، ورفع سقف المطالب.
النمر أمل جديد للتغيير
الشيخ نمر النمر تحول إلى امل جديد لحدوث تغيير في السعودية، بسبب
شخصيته القيادية المسالمة ومواقفه البطولية فهو عالم دين ومناضل شريف
وسياسي محنك ومجاهد حر لا يخاف من قول كلمة الحق ولا يهاب من السلطان
الظالم الجائر بشكل صريح ومباشر، يرفض الظلم والفساد والطغيان، والعنف
ورفع السلاح، ويحب السلام والحرية والاصلاح، والخير للجميع ويعترف
بكافة الاطياف.
وقد ساهم النظام بقرارته وتخبطه وغروره وعنجهيته واستهدافه للشيخ من
خلال عملية اغتياله واعتقاله ثم بصدور حكم اعدامه، في زيادة شعبيته،
وحول قضيته إلى قضية دولية أكبر من السابق، إلى درجة رفض الامم المتحدة
لحكم الاعدام، وتدخل العديد من الرؤساء والزعماء والقيادات السياسية
والدينية، وتحول الشيخ إلى رمز ديني للطائفة الشيعية على مستوى العالم،
ورمز للمناضلين والحقوقيين الاحرار في العالم، وجعل العالم يركز على
ملفات قضايا حقوق الانسان والتلاعب بالسلطات ومنها القضائية داخل
السعودية، وهناك من يقول إن الشيخ النمر شخصية عظيمة تهدد وجود حكم ال
سعود.
إصدار الحكم الصادم الجائر ضد الشيخ النمر والنشطاء، دليل على إفلاس
السلطة وفشل كافة أساليبها السابقة باستخدام أبشع الوسائل الأمنية:
اعتقال تعذيب سجن لسنوات طويلة، واستخدام الرصاص الحي وقتل المحتجين، ل
إيقاف مطالبة الشعب بالإصلاح الشامل في البلاد، ووصل الأمر إلى اصدار
الحكم بالإعدام على قادة المطالبة بالإصلاح السلميين الذين يرفضون
العنف واستخدام السلاح.
الحريق الكبير
لا يمكن التكهن ماذا سيحدث في المستقبل بعد الحريق الكبير الذي تسبب
فيه النظام السعودي، في ظل استبعاد ان يقوم وجهاء وشخصيات الشيعة بدور
فرقة الاطفاء كما هي العادة، لان السلطة السعودية احرجتهم بقرارها -
الحكم بالإعدام على الشيخ النمر –، وحرقت اوراق من يتواصل معها ويؤمن
بسياسة التواصل معها في حل ومعالجة المشاكل الوطنية بطريقة سياسية وعبر
الحوار الوطني؟.
بل ما حدث يمثل فشل لمن راهنوا على علاقتهم مع السلطة بعدم لجوئها
للتصعيد والأقدام على إصدار حكم الإعدام ضد النشطاء وبالخصوص ضد الشيخ
النمر.
وكدليل على سياسة الفوضى والتخبط والتصعيد وغياب العقل لدى السلطة
واصرارها على كتم الأصوات وقطع التواصل والحلول السلمية، قيامها
باعتقال الناشط المعروف محمد النمر شقيق رمز الحراك والتغيير في
السعودية الشيخ نمر النمر، بعد إعلان حكم الإعدام مباشرة، حيث إن
الناشط محمد النمر يمثل الصوت المدافع عن أخيه وعن ابنه المحكوم
بالإعدام كذلك، وعن كافة المعتقلين وعن حقوق الشعب بالطرق السياسية
والتواصل مع الجهات المسؤولة. وهذا يؤكد على عدم الثقة في السلطة.
استمرار القبصة البوليسية القمعية والاعتقالات التعسفية والأساليب
الدموية من قبل السلطة السعودية ووصول الأمر إلى صدور احكام الاعدام
للنشطاء والحقوقيين السلميين في الوطن نتيجة طبيعية لأن السلطة لم تجد
من يمنعها أو من يرفض أساليبها، ولأن الشعب لم يتحرك بشكل جماعي في
كافة المناطق وبشكل سلمي للمطالبة بحقوقه والإفراج عن المعتقلين
للنشطاء والحقوقيين السلميين مثل: الشيخ توفيق العامر وشباب الأحساء،
والشيخ نمر النمر وشباب القطيف، والدكتور محمد القحطاني والدكتور
عبدالله الحامد وافراد حسم، وفي كل أرجاء الوطن.
عملية انتحارية للنظام
النظام السعودي ربما لايدرك أن الاعتقالات التعسفية والمحاكمات
الظالمة وسقوط الشهداء تجعل الشعب أكثر إصرارا على نيل حقوقه، وسيعض
النظام اصابع الندم على هذه الخطوة الجنونية، فهو في ورطة كبيرة، في
كيفية التعامل مع قضية الشيخ النمر، اعدام الشيخ النمر عملية انتحارية
للنظام، وستجعل الشيخ النمر ومشروعه هو المنتصر في اي حال، وستزيد من
شعبية الشيخ البطل!!.
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |