حرب أسعار الذهب الاسود تنذر بكارثة اقتصادية

 

شبكة النبأ: أسعار النفط التي هوت الى أدنى مستوياتها منذ أربع سنوات، لا تزال محط اهتمام وترقب لدى العديد من الدول، وخصوصا الدول المصدرة التي تعيش اليوم حالة من القلق والخشية من استمرار انخفاض أسعار النفط الذي يعد أهم مصدر اقتصادي لتك الدول كما يقول بعض الخبراء، الذين اكدوا على ان هذه الأسعار يمكن ان تنخفض الى مستويات أدنى في ضوء تراجع الطلب العالمي ووفرة المعروض في الاسواق العالمية خصوصا وأن بعض الدول المصدرة ومنها المملكة العربية السعودية التي تعد أكبر وأهم منتج للخام في العالم، ترفض خفض إنتاجها لكبح جماح التدهور في أسواق النفط ولاسباب تثير الكثير من الأسئلة والتكهنات.

خصوصا وان التراجع الحالي في أسعار النفط وكما يقول بعض المراقبين سيؤثر وبشكل سلبي على اقتصاد السعودية التي تعتمد بشكل اساسي على واردات النفط الذي يشكل أكثر من 92٪ من اقتصادها، حيث تنتج المملكة نحو 10 ملايين برميل نفط يومياً، ما يعني أن ايراداتها النفطية تراجعت في ظل الأسعار الراهنة بواقع 300 مليون دولار يومياً، حيث كان برميل النفط يباع في الأسواق بـ115 دولاراً قبل ثلاثة شهور ليهوي الى 85 دولاراً في الوقت الحالي. ويشار ايضا الى أن هبوط أسعار النفط قد يشكل أزمة لدى كثير من الدول النفطية التي تبني موازناتها على أساس أسعار متوقعة للنفط، وهو ما يعني أن دخول تلك الدول في أزمة مالية إذا استمرت الأسعار على حالها.

يضاف الى ذلك التحديات الاخرى التي تشهدها اسواق الطاقة العالمية ومنها زيادة إنتاج النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي اصبحت تعتمد على إنتاجها المحلي بشكل أكبر وهو ما دفعها الى الاستغناء عن النفط المستورد، الأمر الذي أسهم بتراجع الطلب العالمي على النفط، حيث تعد الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم.

ونزل سعر مزيج برنت الخام عن 88 دولارا للبرميل وهو أقل سعر فيما يقرب من أربعة أعوام بعدما أشارت السعودية والكويت إلى عزمهما الابقاء على مستوى الانتاج المرتفع حتى وإن كلفهما ذلك انخفاض الأسعار. وأبلغت مصادر مطلعة على الموقف السعودي أن السعودية أوضحت لمشاركين في السوق أنها مستعدة لقبول أسعار بين 80 و90 دولارا للبرميل. واستبعد وزير النفط الكويتي أن تخفض أوبك انتاجها لتعزيز الأسعار.

خفض التوقعات

وفي هذا الشأن قالت وكالة الطاقة الدولية إن العالم سيشهد نموا أضعف بكثير من المتوقع في الطلب على النفط في عام 2015 مضيفة أنها تتوقع أن تسجل أسعار الخام مزيدا من الانخفاض. وقالت الوكالة التي تمثل الدول الصناعية في تقرير شهري "يبدو أن الانخفاضات التي شهدتها الأسعار في الآونة الأخيرة سببها العرض والطلب. قد تدعو الحاجة إلى مزيد من الانخفاض في أسعار النفط للحد من المعروض - أو لتعزيز نمو الطلب."

ونزلت أسعار النفط في سبتمبر أيلول للشهر الثالث على التوالي وهبطت أسعار خام برنت القياسي هذا الشهر إلى أدنى مستوياتها في نحو أربع سنوات قرب 88 دولارا للبرميل بفعل وفرة المعروض وتباطؤ نمو الطلب وصعود الدولار. ونزل سعر برنت أكثر من 20 بالمئة منذ يونيو حزيران حين اقتربت الأسعار من 116 دولارا للبرميل بدعم من الاضطرابات في العراق.

وقالت وكالة الطاقة إنها خفضت تقديراتها لنمو الطلب على النفط في 2014 بواقع 200 ألف برميل يوميا إلى 0.7 مليون برميل يوميا. وتتوقع الوكالة ارتفاع الطلب في 2015 بواقع 1.1 مليون برميل إلى 93.5 مليون برميل يوميا بزيادة 1.2 بالمئة ولكن بما يقل 300 ألف برميل عن التوقعات السابقة.

وذكرت وكالة الطاقة أن "نمو الطلب... ربما وصل إلى القاع. وبينما تم خفض التوقعات الاقتصادية إذ قلل صندوق النقد الدولي توقعاته للمرة الثالثة هذا العام يتمسك الأخير برؤيته لاستمرار التعافي الاقتصادي - رغم أنه أبطأ وأكثر 'هشاشة' من المتوقع." وأضافت أن الانخفاض الشديد في أسعار النفط منذ الربع الثاني من عام 2014 قد يوفر بعض الدعم لنمو الطلب العالمي على الخام لكن ربما تكون الغلبة للمناخ الاقتصادي العام الضعيف.

في الوقت نفسه زاد معروض النفط العالمي بنحو 910 آلاف برميل يوميا في سبتمبر إلى 93.8 مليون برميل يوميا مع ارتفاع الإنتاج داخل وخارج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). وزاد إجمالي المعروض 2.8 مليون برميل يوميا عن مستواه قبل عام مع عودة معروض أوبك إلى النمو والارتفاع الكبير في إمدادات المعروض من خارج المنظمة بواقع 2.1 مليون برميل يوميا.

وأشارت وكالة الطاقة إلى أنها تتوقع نمو المعروض خارج أوبك إلى 1.3 مليون برميل يوميا في المتوسط عام 2015. وقالت "ما زال إجمالي إنتاج السوائل في الولايات المتحدة يتجاوز إمدادات النفط الروسية والسعودية. نتوقع أن يزيد إجمالي الإنتاج من السوائل الأمريكية على 12 مليون برميل يوميا الشهر المقبل وسيظل فوق هذا المستوى حتى ديسمبر كانون الأول 2015."

وزاد إنتاج أوبك من الخام في سبتمبر أيلول إلى أعلى مستوياته في 13 شهرا بدعم من تعافي الإنتاج في ليبيا ونمو الإمدادات العراقية. وارتفع الإنتاج بواقع 415 ألف برميل عن أغسطس آب إلى 30.66 مليون برميل يوميا. وقالت وكالة الطاقة إنها خفضت تقديراتها للطلب على خام أوبك بواقع 200 ألف برميل في 2015 إلى 29.3 مليون برميل يوميا بسبب ضعف آفاق الطلب العالمي. بحسب رويترز.

وأضافت وكالة الطاقة "قالت الكويت إن خفض الإمدادات أمر مستبعد وتلمح السعودية أكبر المصدرين (للنفط في العالم) إلى استعدادها لتقبل انخفاض الأسعار لفترة." وزادت إمدادات السعودية أكبر منتج للنفط في أوبك بواقع 50 ألف برميل في سبتمبر أيلول إلى 9.73 مليون برميل يوميا. وقالت وكالة الطاقة إن التدفقات قد تقل بسبب تباطؤ الطلب الموسمي على الوقود في المملكة. وقالت الوكالة "يبدو أن الرياض عازمة على حماية حصتها في السوق الآسيوية التي يحتدم فيها التنافس إذ خفضت أسعارها الرسمية للشهر الرابع على التوالي."

الوليد بن طلال يحذر

على صعيد متصل قال الملياردير السعودي الوليد بن طلال إن موجة الهبوط الأخيرة في أسعار النفط العالمية يجب أن تثير قلق المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم وحذر من التأثير السلبي لهذا الهبوط على إيرادات الدولة. وقال الوليد في رسالة مفتوحة إلى وزير البترول السعودي علي النعيمي ووزراء آخرين "نود أن نعبر عن دهشتنا واستغرابنا بل واستنكارنا" لتصريحات نقلت عن النعيمي وتهدف إلى "التقليل أو التهوين من الآثار السلبية الكبيرة التي ستلحق بميزانية واقتصاد المملكة العربية السعودية من جراء التراجع الكبير في أسعار النفط."

وكان الوليد يشير في رسالته المؤرخة إلى تصريحات أدلى بها وزير البترول السعودي في الكويت وقلل فيها من أهمية المخاوف من نزول أسعار النفط عن 100 دولار للبرميل. وبلغ سعر خام برنت أكثر قليلا من 88 دولارا للبرميل وهو أدنى مستوياته في نحو أربع سنوات مع انحسار التوقعات بأن تخفض منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إنتاجها في مسعى لدعم الأسعار والحد من تخمة المعروض التي بدأت بوادرها في الظهور. وكرر الأمير الوليد تحذيراته السابقة من أن المملكة تحتاج لتقليص اعتمادها على النفط الخام وتنويع مصادر إيراداتها.

وقال في الرسالة التي نشرت على حسابه بموقع تويتر إن ميزانية المملكة لعامي 2014 و2015 قد تتكبد خسائر تقدر قيمتها بمليارات الريالات. والوليد هو صاحب شركة "المملكة القابضة" الدولية للاستثمار ويتحدث بصراحة غير معتادة من كبار رجال الأعمال السعوديين. غير أن تحذيره قد يعكس قلقا متزايدا غير معلن لدى كثير من السعوديين بشأن تأثير تراجع أسعار النفط على اقتصاد المملكة واعتمادها على إيرادات الخام. وكتب في رسالته "90 بالمئة من ميزانية الدولة لعام 2014 تعتمد عليه (النفط). فهذا التهوين هو بحد ذاته كارثة لا يمكن السكوت عليه."

وعلى مدى العامين الأخيرين اتخذت الحكومة السعودية بعض الخطوات الأولية لتنمية الاقتصاد وتقليص اعتماده على النفط. ومن بين هذه الإجراءات على سبيل المثال تحرير قطاع الطيران وتقديم تمويلات للشركات الصغيرة ورواد الأعمال في قطاعي الخدمات والتكنولوجيا. وكان النعيمي قال في الماضي إن السعودية يجب أن تقلص اعتمادها على إيرادات النفط الخام وتطور قطاع أنشطة المصب لحماية اقتصادها من تقلبات الأسواق العالمية.

وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن سعر النفط الذي يصل بالميزانية السعودية إلى نقطة التعادل يبلغ 86.1 دولار للبرميل في عام 2014. وبلغ متوسط سعر النفط في معظم هذا العام نحو 106 دولارات للبرميل ومن المستبعد أن يتسبب الهبوط الأخير لأسعار الخام في الضغط على المملكة بفضل الاحتياطات المالية التي جمعتها المملكة على مر السنين.

وقال صندوق النقد إن الميزانية العامة للسعودية قد تسجل عجزا في العام المقبل وربما تبدأ البلاد في السحب من احتياطاتها الأجنبية إن لم تكبح نمو الإنفاق الحكومي. لكن إذا سجلت السعودية عجزا فإنه لن يكون أمرا كارثيا للحكومة. ويرى خبراء اقتصاديون أنه علاوة على استخدام الاحتياطات التي قد تساعد في الحفاظ على الإنفاق عند مستوياته الحالية لسنوات يمكن للسعودية بسهولة اقتراض أموال من الأسواق مثلما تفعل معظم الحكومات الأخرى في العالم. بحسب رويترز.

ونزلت ديون الدولة إلى 2.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2013 وهو أحد أدنى مستويات الديون الحكومية في العالم. ولن يؤدي انخفاض أسعار النفط مباشرة إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي لن يتباطأ إلا إذا انخفض الإنتاج أيضا. وعلاوة على ذلك بدأ القطاع الخاص غير النفطي بالسعودية في الازدهار. وأظهر متوسط تقديرات 18 محللا أن من المتوقع نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 4.2 بالمئة هذا العام و4.3 بالمئة في العام المقبل. وتبلغ قيمة الاقتصاد السعودي 748 مليار دولار وهو الأكبر بين اقتصادات الدول العربية.

هبوط الأسعار

في السياق ذاته قال مصدر مطلع على السياسة النفطية الإيرانية إن طهران يمكنها تحمل انخفاض أسعار النفط مع صعود الدولار الذي ساهم في تعويض التراجع في الإيرادات. وقد تشير هذه التصريحات إلى انحسار الضرورة الملحة لخفض إنتاج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). وقال المصدر "من الطبيعي أن تشهد الأسعار في هذا الوقت من العام بعض الضعف ... وقد عوض ارتفاع قيمة الدولار ضعف أسعار النفط."

الى جانب ذلك نقلت موقع وزارة النفط الإيرانية على الانترنت (شانا) عن نائب وزير النفط الإيراني ركن الدين جوادي قوله إن هبوط أسعار النفط لن يدوم طويلا ومن المستبعد أن يضر بميزانية البلاد. ونسب الموقع إلى جوادي الذي يتولى أيضا منصب العضو المنتدب لشركة النفط الوطنية الإيرانية قوله "انخفاض سعر النفط لن يدوم طويلا." وأضاف جوادي "أعتقد أن التكهنات بشأن مستقبل المسار النزولي لأسعار النفط في السوق تستند أساسا إلى تقييمات من السوق." وردا على سؤال بخصوص ما إن كان انخفاض أسعار النفط سيضر بموازنة إيران قال "لا اعتقد ذلك." بحسب رويترز.

على صعيد متصل قال مسعود أحمد رئيس ادارة الشرق الاوسط واسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي ان هبوط اسعار النفط العالمية من غير المتوقع ان يؤثر على خطط الانفاق للدول المنتجة للخام في الشرق الاوسط في الاجل القصير بالنظر الي ما لديها من إحتياطيات مالية كبيرة. وابلغ أحمد الصحفيين انه في كل الدول المنتجة للنفط في المنطقة مع استثناء مجلس التعاون الخليجي يوجد عجز في الميزانية وهبوط اسعار النفط سيفاقم هذا العجز.

لكنه قال ان امتلاك تلك الدول لاحتياطيات مالية كبيرة سيسمح لها بان تواصل خططها للانفاق في الاجل القصير رغم ان هبوط سعر النفط يثير مشكلة في الاجل الطويل. وقال أحمد ان تراجع اسعار النفط العالمية يخفف الضغوط على الميزانية وميزان المدفوعات في الدول المستوردة للخام.

الكويت تراهن

من جانب اخر اعتبر وزير النفط الكويتي ان الشتاء قد يدفع الى عودة اسعار النفط الى الارتفاع بعد هبوطها منذ عدة اشهر، لكن منظمة اوبك لن تتوصل الى تغيير اتجاه الاسعار على الامد القصير. ونقلت وكالة الانباء الكويتية الرسمية عن الوزير علي العمير قوله "نتوقع الا تواصل الاسعار الانحدار وذلك نظرا لعوامل عدة منها موسم الشتاء وعوامل اخرى ستساهم في ارتفاع الاسعار"، مؤكدا ان "الكويت لن تقدم تنازلات تضر بمصالحها وبسياساتها النفطية وان الامر قائم على عرض وطلب".

واعتبر الوزير ان سعر برميل النفط لن ينخفض الى ما دون 76-77 دولارا وهو ما يتناسب مع كلفة الانتاج في روسيا والولايات المتحدة. وكان انخفاض اسعار النفط متوقعا بسبب عوامل جيوسياسية وكذلك زيادة المخزونات والتوقعات السلبية للنمو الاقتصادي العالمي، بحسب الوزير الكويتي. بحسب فرانس برس.

وقال ان الكويت لم تتلق دعوة الى اي اجتماع عاجل لمنظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) بهدف بحث اسعار الذهب الاسود، مؤكدا ان الكويت "ستلبي الدعوة اذا دعت دول اوبك الى اجتماع لمناقشة اي قرار يتخذ". وقال ايضا ان خفض انتاج اوبك "لا يرفع مستوى الاسعار بالضرورة"، لافتا الى ان "هناك دولا تنتج بغزارة وتغذي السوق العالمي وربما تخفيض الانتاج لن يساهم في تعديل الاسعار".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/تشرين الأول/2014 - 23/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م