الحركة الفوضوية

فلسفتها وروادها

د. عدنان عباس علي

 

لا شك في أن الكثير منا يفكرون، حينما يتناهى إلى سمعهم اسم "فوضوي" بشخص يُحدث البلبلةَ ويَخُلُ بنظام الأمور، ويمارس الفوضى.

ومع تسليمنا بصواب هذا التصور، إلا أن علينا أن نأخذ بالاعتبار أيضاً، أن الحركة الفوضوية حركة سياسية تسعى إلى تحقيق المجتمع المنشود، مجتمع الحرية والعدالة، حالها في ذلك حال الحركات الإصلاحية والاشتراكية، التي سادت الساحة السياسية والاجتماعية، في نهاية القرن الثامن عشر وخلال القرن التاسع عشر.

والفوضوية ليست مذهباً اشتراكياً صرفاً، وإن كانت تلتقي مع الفكر الاشتراكي في رفض النظام الرأسمالي القائم وتدافع عن حقوق الطبقة المظلومة، الطبقة الكادحة. كما أنها ليست مذهباً ليبرالياً خالصاً بالرغم من التقائها مع الفكر الليبرالي في تمجيد الفرد والحرية الفردية.

ونقطة البداية في الفكر الفوضوي هو ما نادت به فلسفة التنوير من إعلاء لشأن الفرد وتمجيد للعقل وتحريم لتدخل الدولة في شؤون الإنسان العاقل بطبيعته، والذي لا يطوي في داخله أي شر عدا تلك الشرور المكتسبة، من وسطه الاجتماعي، لأن الشر ليس جزءاً أصيلاً، من النفس البشرية.

ونالت هذه المبادئ دفعاً جديداً في أعقاب الثورة الفرنسية الكبرى، حين نادت هذه الثورة بفكرة حقوق الإنسان، وأكدت على المساواة بين كل الأفراد، بغض النظر عن انتمائهم الديني أو العرقي، وحين حاولت تحويل هذه المبادئ، إلى برنامج عمل سياسي يقوم عليه المجتمع. فالفكر الفوضوي آمن إيماناً عميقاً بهذه المبادئ، وجعل منها، مشعلاً يضيء له الطريق. وهو إلى هذا القدر لا يختلف كثيراً عن حركة التنوير والفلسفة الليبرالية.

إلا أن ما كان بالنسبة لهؤلاء مجرد مبادئ فاضلة، إنسانية، يحلمون بتحقيقها في الحياة العملية، أصبح بالنسبة للفوضويين مطلباً يرمون لتحقيقه فوراً ودون أي انتظار، فهم لا يؤمنون بفكرة الانتظار إلى حين نضوج العوامل الكفيلة. فهم يعتقدون أن الإطاحة الفورية بالهياكل الاجتماعية السائدة، أمر ممكن تحققه الآن، وليس على شكل مراحل، وأنه سرعان ما يتم، فسيبزغ فجر الأخوة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية والحرية المطلقة.

وتتمثل الهياكل الاجتماعية التي يرمي الفوضويون للإطاحة بها:

أولاً، بالمِلكية الفردية، التي هي وسيلة للسيطرة الاقتصادية، بحسب وجهة نظرهم،

وثانياً، بالدولة، التي هي أداة تسلط سياسية،

وثالثاً، بالقانون على اعتبار أنه الوسيلة التي تعتمد عليها الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج لتبرير مِلكيتها وحمايتها.

وكبديل لهذه الهياكل الاجتماعية يقترح الفوضويون إحلال الاتفاق الحر بين الأفراد على إقامة حياة اجتماعية تعتمد على أهداف ومصالح إقليمية ومحلية وإنتاجية كبديل عن الدولة.

هذا وتبين لنا دراسة الفكر الفوضوي وتطوره عبر التأريخ أن هناك اتجاهين رئيسيين:

الاتجاه الأول، والذي غالباً ما يسمى بـ"الفردية المتطرفة" وهو في الواقع التطبيق المغالي للفلسفة الاقتصادية والسياسية الليبرالية. إذ يرى هذا الاتجاه أن الذات أو "الأنا" هي الحقيقة الوحيدة في هذا العالم وأن كل ما عداها من أفكار كالأخلاق والدولة والمجتمع والإنسانية، لا تعدو أن تكون سوى تجريدات وهمية خلقها الإنسان ذاته وجعلها مثلاً عليا يخضع لها طيلة حياته مستبدة على مقدراته ومحددة لسلوكه. ومن هذه النظرة اشتق هذا الاتجاه الحق المطلق وغير المحدود لكل فرد في أن "يتمتع بذاته" وبمعزل عن المجتمع وبدون أي ارتباط به. ولربما تفسر لنا هذه النظرة للفرد أسباب عجز هذا الاتجاه عن تكوين حركة اجتماعية متناسقة. إذ كان كل مفكر من هؤلاء الفوضويين يعيش لذاته فقط ولا يريد أن يقيم أي نوع من العلاقات الفكرية والانتماءات الإيديولوجية. ولعل خير ممثل لهذا الاتجاه هو ماكس شترنر (Max Stirner) (1806-1853) الألماني وويليام غودوين الإنجليزي. إلا أننا سنهمل في عرضنا اللاحق ماكس شترنر، على الرغم من أهمية آرائه بالنسبة لهذا الاتجاه وكلنا أمل أن نفلح في تناول آرائه في مقالة مخصصة له فقط.

أما الاتجاه الآخر فهو ما جرت العادة على تسميته بـ"الفوضوية الثورية". إن هذا الاتجاه رافق هو الآخر مساعي الطبقات المظلومة ونضالها من أجل تحقيق تطلعاتها المشروعة، إلا أنه ظل في الواقع العنصر الفوضوي في الحركة الاشتراكية. ولقد تبلور هذا الاتجاه في روسيا وفرنسا في بادئ الأمر ولا تزال بذوره موجودة إلى يومنا هذا في بعض الأقطار الأوربية مثل إسبانيا وإيطاليا، كما أنه لا يزال على درجة من الأهمية في الحركة الاجتماعية في أمريكا الجنوبية. ومن أهم منظري هذا الاتجاه هم برودون الفرنسي وباكونين وكروبوتكين الروسيان.

أولاً: وليم غودوين (William Godwin)

عاش وليم غودوين في إنجلترا عام 1756. وكان في بادئ الأمر رجل دين إلا أنه انشق عن الكنيسة وأصبح في نهاية المطاف ملحداً منكراً لوجود الخالق تعالى. وكان للثورة الفرنسية تأثير كبير عليه فأيدها بحماس وناصرها بوحي من المبادئ التي نادت بها، كما أنها ألهمته أهم كتبه "بحث في العدالة السياسية" الذي نشره عام 1793.

لقد جلب له هذا الكتاب شهرة لم يكن يحلم بها أبداً. ويصف ماكس بير في كتابه القيم "تأريخ الاشتراكية البريطانية" الشهرة التي حظي بها غودوين بعدئذ، حيث يقول "واستيقظ غودوين ذات صباح فجأة ليجد نفسه أشهر فلاسفة عصره الاجتماعيين. وكان شباب الشعراء من مثال كولردج وردزورت - وكلهم من طلاب الجامعات - ينظرون إلى دراستهم الجامعية كأنها كومة تراب لا قيمة لها، في حين يقرؤون غودوين في نهم."[1]

وأُتِهِمَ كتابُ غودوين هذا بالتطرف في نقد النظام الرأسمالي السائد وفي المطالبة بالمساواة الكاملة وإقامة الشيوعية الفوضوية، مما تسبب في التساؤل عما إذا كان يسمح بنشره أم لا. ولقد كُلِفَت لجنةٌ للنظر في هذا الأمر. إلا أن هذه اللجنة وافقت في نهاية الأمر على نشره مبررة ذلك بأن كتاباً يباع بثلاثة وستين شلناً لن يُشترى من الطبقات الكادحة ومن ثم فإنه لن يُحدث الثورة التي يسعى لتفجيرها.[2]

وفي الفترة اللاحقة كتب غودوين الكثير من المؤلفات. إلا أنه لم يستطع أن يحقق شيئاً من شهرته التي نالها إثر كتابه الأول. وهكذا ظل غودوين في وظيفة متواضعة لدى الحكومة حتى وفاته عام 1836.

وفي الواقع لم يدعو غودوين في كتابه هذا للثورة، كما لم يطالب بإلغاء حق المِلكية الفردية. ومن هنا فإنه لم يكن داعية لنسف النظام الرأسمالي من جذوره بقدر ما كان مصلحاً يحاول توجيه أنظار مجتمعه للمشاكل التي يضمها هذا المجتمع في أحشائه وسبل علاجها.

إن الفكرة الأساسية التي يدور حولها تفكير غودوين هي أن زيادة حجم السكان ليست خطراً يهدد المجتمعات البشرية، فحجم السكان بإمكانه أن يزداد بدون حدود إذا ما تم إجراء التغيرات المناسبة على النظام الاجتماعي السائد وعلى صرح الدولة التي يعيش في كنفها الأفراد.[3]

ولربما تجدر الإشارة هنا إلى أن من المحتمل أن روبرت مالثوس ما كان قد جاء بنظريته المشهورة في السكان، لو لم يؤكد غودوين على أن بإمكان الإنتاج الزراعي أن ينمو بنفس السرعة التي ينمو بها حجم السكان وأن الفقر والبؤس اللذين تعاني من وطأتهما الطبقات المسحوقة هما ليسا حصيلة قوانين طبيعية، إنما النتيجة المنطقية لعدم العدالة ولفقدان العقلانية في توزيع الدخل القومي على طبقات المجتمع المختلفة.

فالمطلوب برأي غودوين هو إذن إعادة توزيع الدخل القومي على طبقات المجتمع المختلفة بحيث تتحرر الطبقات المسحوقة من وطأة الفقر والمعاناة.

وكما فعل المفكرون المعاصرون له، فإن غودوين ينطلق هو الآخر من فلسفة بنتام ومبدئه القائل: "أكبر سعادة ممكنة لأكبر عدد من الأفراد" للتأكيد على أن إعادة توزيع الدخل القومي لصالح المحرومين لن تحقق العيش الكريم لهؤلاء فحسب، إنما سترفع من رفاهية المجتمع ككل.[4] إن نفس الكمية من السلع في يد العامل البائس الفقير تمن عليه بسعادة أكبر من تلك السعادة التي يجنيها أبناء الطبقة المرفهة من هذه الكمية. وهذا يعني أن إعادة التوزيع ستكون حسب رأي غودوين خير وسيلة لتعظيم الرفاهية الاقتصادية للمجتمع.

وهذه هي نواة الفكرة التي واجهناها عند مفكرين آخرين عاصروا غودوين والتي ستتعمق في السنين اللاحقة من خلال تبيني المدرسة الحديثة لها بحيث أصبحت الفكرة الأساسية لنظرية الرفاهية الاقتصادية في القرن العشرين.

وهكذا يمكننا إيجاز الأسس التي سيقوم عليها نظام توزيع الدخل القومي على أفراد المجتمع طبقاً للعاملين التاليين: أولاً، بحسب حاجة الفرد إلى السلع والمنتجات وثانياً، طبقاً للعمل الذي يبذله الفرد في عملية الإنتاج.

أما المجتمع المثالي الذي يتصوره غودوين فإنه مجتمع يقوم على جماعات صغيرة مستقلة الواحدة عن الأخرى بقدر الإمكان وحسب ما تتطلبه ضروريات الحاجة والتبادل. وتفضيل غودوين للجماعات الصغيرة يتأتى من اعتقاده بأن العدالة والمساواة لا يتحققان إلا ضمن فئات محدودة العدد من الأفراد.

وفي سياق هذه الفكرة لا يرى غودوين ضرورة حتمية لوجود الدولة، لا بل على العكس فإن هذا التنظيم سيجعل من وجود الدولة أمراً ليس ذي جدوى، وغير ضروري، وإن وجدت الدولة فما ذلك إلا لغرض منع محاولات الاعتداء التي يقوم بها أحد الأفراد ضد أفراد آخرين من المجموعة التي يعيش في كنفها ومن أجل صد الاعتداءات الخارجية.

ثانياً: جوزيف برودون (Pierre Joseph Proudhon)

كان جوزيف برودون ولا يزال إلى يومنا هذا من أكثر الاشتراكيين الفرنسيين مدعاة للنقاش والمجادلة. وسبب هذا يعود إلى أنه لم يوجه نقده اللاذع للنظام الرأسمالي والمِلكية الخاصة التي يقوم عليها هذا النظام فحسب، إنما شن هجوماً لا يقل عنفاً على النظريات التي كانت تدعو إلى إقامة الحياة الشيوعية، ناقداً كل النظريات والمناهج الاشتراكية معتبراً إياها تسلطية وأضغاث أحلام لا غير.

أضف إلى هذا، أن مؤلفاته الكثيرة، ما كانت نقاشات علمية، بل كانت مساجلات غلبت عليها صفة الحروب الكلامية، واتسمت بطابع المعالجة الذكية للقضايا اليومية أكثر من طابع التحليل العلمي الموضوعي والنظرة البعيدة القائمة على دراسة الماضي والحاضر للتعرف على اتجاهات المستقبل. وغني عن البيان أن غلبة هذا الطابع على كتاباته لم يكن عاملاً مساعداً على دفع معاصريه لأن يروا فيه مفكراً من مفكري القرن التاسع عشر.

ومما عزز من هذا الشعور لدى معاصريه كثرة التناقضات التي كان يتخبط بها، كما سنوضح ذلك فيما بعد. أى أن الأمر الأهم الذي يتميز به برودون، هو أنه كان - إذا استثنينا بلانكي - الاشتراكي الفرنسي الوحيد الذي ظل يلعب دوراً مهماً في الحركة الاشتراكية بعد ثورة عام 1848 ومناوئاً لا يلين لكارل ماركس مما جلب له لعنة ماركس التي لا زال اسم برودون يئن تحت وطأتها إلى يومنا هذا.

وإذا ما تتبعنا حياة برودون وانتمائه العائلي وقارنا ذلك بحياة الاشتراكيين الآخرين وانتماءاتهم العائلية، فسيمكننا القول وبدون أدنى شك أن برودون كان الاشتراكي الوحيد الذي يمكن اعتباره من أبناء الطبقة البروليتارية فعلاً. فبرودون ولد عام 1809 في بيزانسون الفرنسية، موطن فورييه، لأبوين معدمين حيث كان والده عاملاً في صناعة الجعة وأمه تعمل طباخة. فأضطر وهو لا يزال صبياً أن يكسب عيشه من خلال العمل اليدوي، فرعى في بادئ الأمر الماشية ثم اشتغل نادلاً في أحد المطاعم واستمر على هذا العمل حتى حل به المطاف في العمل لدى أحد المطابع.

وفي أثناء هذا كله كان برودون طالباً مجداً في المدرسة ويواصل تثقيف نفسه بنفسه بالقراءة المتواصلة. وتميزه هذا بين أقرانه مكنه، بعدَ اجتيازه امتحان البكلوريا، من الحصول على منحة دراسية لدراسة الفلسفة والاقتصاد السياسي في أكاديمية بيزانسون على مدار ثلاث سنوات. ولقد أغدقت عليه هذه المنحة الاستقرار والأمان ومكنته من أن يخصص جزءاً أكبر من وقته للدراسة والتعلم. بعد ذلك ترك برودون بيزانسون متوجهاً إلى باريس للمشاركة في كتابة الموسوعة الكاثوليكية التي كانت الكنيسة تعمل على إخراجها. وفي هذه الفترة طرأ أمرٌ كان له تأثير على حياة برودون اللاحقة. إذ طلبت أكاديمية بيزانسون من مثقفي فرنسا ومفكريها المشاركة في مسابقة حول السؤال عن "ما هي المِلكية؟" وشارك برودون بهذه المسابقة بكتيب يحمل نفس العنوان. ونال هذا الكتيب شهرة واسعة في أوساط المثقفين الفرنسيين وجعل من بردون بين ليلة وضحاها علماً في الوسط الثقافي الفرنسي. لا بل حتى كارل ماركس نفسه، الذي سيتحول بعد فترة وجيزة من الزمن إلى عدو لدود لبرودون، لم يبخل بإغداق عبارات مديح وتقدير كان يحلم بها برودون، إذ أنه وصفه بأنه "بيان يعبر عن خلجات البروليتارية الفرنسية."[5]

وبعد الشهرة العريضة التي نالها، أصدر برودون كتابه الثاني "فلسفة البؤس" وذلك في عام 1946. وهذا الكتاب، الذي رد عليه ماركس بكتابه الشهير "بؤس الفلسفة"، وهو رد كلفه صداقة برودون لما تضمنه من هجوم قاس وعنيف، وفي الواقع محق، على برودون.

توفي برودون عام 1856 بعد أن نال شهرة واسعة تعدت حدود فرنسا.

ومن هذين الكتابين تتضح لنا أفكار برودون برمتها، ويتبين لنا ميله الطبيعي إلى التأمل الفلسفي وحبه للجدل تماماً مثلما يظهر لنا تأثره الكبير بالفلسفة الألمانية وخاصة فلسفة هيجل التي تبحر بها بتأثير من ماركس.

كتيبه الأول "ما هي المِلكية؟" يتضمن عبارته الشهيرة والتي أدخلته التأريخ والتي كثيراً ما افتخر بها مدعياً أنه عرف المِلكية بكلمتين لا غير، لكن مثل هاتين الكلمتين لا تقالان إلا كل ألف عام: "المِلكية سرقة".

وبعد أن عرف المِلكية بهذا الإيجاز، راح يسعى بكل ذكائه لتحطيم وتفنيد الحجتين اللتين كان الاقتصاديون يستخدمونها لتبرير حق المِلكية: أولهما الحيازة (Besitzrecht) وثانيهما العمل.[6]

فحسب رأيه لا يوجد أي منطق سليم وراء هاتين الحجتين. فلو أخذنا حق الحيازة كقاعدة لتبرير حق المِلكية، فإن هذا سيعني أن بإمكان كل فرد أن يضع يده على كل شيء لا يخص أحداً من الناس ويحوله إلى ملك خاص به، وبالتالي فإن هذا سيعني بالضرورة أن ما سيمتلكه الفرد يعتمد على عامل الصدفة، صدفة الجيل الذي ينتمي إليه. فما دامت هناك أرض لا تزال غير مستولى عليها، فسيكون بإمكان من يشاء أن يمتلكها. ولكن كيف ستكون الأمور إذا كانت الأرض بأسرها قد تم الاستيلاء عليها؟ كيف ستتمكن من العيش الأجيال اللاحقة، التي ستولد في عصور قد تم بها الاستيلاء على الأرض؟

كما أن المبرر الثاني، الذي يرى أن العمل هو أساس المِلكية وهو الذي يضفي عليها الشرعية، لا يمكن الأخذ به كسبب منطقي كما يرى برودون. فمثلما يعطي اصطياد السمك الحق للصياد بالسمكة التي اصطادها فقط وليس بالبحر، كذلك فإن العمل يثبت الحق بتملك الإنتاج وليس بأداة الإنتاج. ونفس الأمر ينطبق على الأرض. ولذا فإنه يقرر، مستنتجاً من نظرية العمل ذاتها، أن المنطق القائم على نظرية العمل يتطلب إلغاء المِلكية وليس الاعتراف بشرعيتها حتى يتيسر لكل فرد الحصول على الأرض وعلى وسائل الإنتاج الأخرى التي يحتاجها في عملية الإنتاج.[7]

ولكن وعلى الرغم من كل هذا الهجوم الذي يشنه برودون على المِلكية الفردية، فإنه لا يسعى لإلغائها نهائياً، إنما ظل متمسكاً بها. وتمسكه بالمِلكية ينبع من رفضه الشديد للشيوعية والرأسمالية على السواء. فكلا النظامين يقودان، باعتقاده، إلى مجتمعات استبدادية، وهذا ما لا يتفق مع أسس مجتمعه المنشود، مجتمع الحرية والعدالة.

فالشيوعية حسب رأيه بعيدة عن العلم، خيالية، وعلاوة على هذا منافية للحياة العائلية، وهي بالتالي ليست أفضل من الرأسمالية حيث تفقد الغالبية من أفراد المجتمع حريتها لصالح الفئة الضئيلة التي تمتلك وسائل الإنتاج وتبسط سيطرتها وتفرض استبدادها على هؤلاء.[8]

إن المجتمع المنشود لا بد أن يوازن بين النظامين، ومن هنا فإنه لا بد أن يحتفظ بالمِلكية الفردية ولكن مجردة من عيوبها ومن طابعها العدواني. وهذا سيتم إذا ما جعلنا المِلكية في متناول الجميع، أي إذا اعترفنا بحق حيازة كل فرد لوسائل الإنتاج التي يحتاجها: عندئذ سيصبح المزارع حراً وسيداً على أرضه التي يستغلها بنفسه ويتصرف بمنتجاتها دون قيود، والعامل سيحصل على القيمة الكلية لنتاج عمله دون أن يستغله الرأسمالي.[9]

إلا أن ثمة تناقضاً في آراء برودون. فهو يطالب بتجزئة المِلكية وتولي عدد كبير من صغار المنتجين النشاطات الزراعية والصناعية. ولكن حتى وإن أهملنا أن نشاطات صغار المنتجين لم تعد تتفق مع طبيعة تقسيم العمل في إطار أساليب الإنتاج الصناعية الحديثة، فإن هؤلاء المنتجين الصغار لن يكون حظهم أفضل من حظ أقرانهم في السنين الماضية. فكما توصل برودون نفسه في سياق تحليله للطريقة التي حطم بها الإنتاج الصناعي الرأسمالي صغار المنتجين في العصور الماضية، فإن تركز رأس المال من جديد لا بد أن يقود إلى نفس النتيجة التي انتهت إليها الأمور في السابق، إذ سيتحطم عالم المنتجين الصغار ثانية.

إن عفوية هذا التطور لن يكون في الإمكان كسر طوقها وإلغاء مفعولها إلا إذا كانت ثمة دولة، أي حكومة قوية ومسيطرة ولها القابلية على الحركة والتدخل في النشاطات الاقتصادية بحيث يمكنها تحييد مفعول القوى العفوية التي ترافق عملية التطور الصناعي والتي تقود إلى تركز المِلكية، وهذا لا يتفق مع آراء برودون. فالفوضوي برودون يطالب أساساً بإلغاء الدولة.

فبحسب اعتقاده، فإن إلغاء الدولة شرط أساسي لتحقيق الحرية. فالكفاح ضد وسائل السيطرة الاقتصادية لن يحقق الحرية الكاملة، الحرية التامة، إنما لا بد من استكماله بالقضاء على كل الأساليب الاستبدادية وصور السيطرة السياسية أيضاً، وهذا لن يتحقق كما يعتقد برودون إلا إذا قام المجتمع الخال من الحكومة، إذ في إطار مثل هذا المجتمع فقط ستتخلص البشرية من الظلم الناتج عن سيطرة الإنسان، أي الحاكم، على الإنسان الآخر. إن الفوضى، أي عدم وجود السيد أو الحاكم الآمر الناهي، هي صيغة الحكم الأمثل الذي يجب على الأفراد الكفاح من أجل تحقيقها.[10]

وإذا كان ماركس قد تطلع إلى قيام النظام الاشتراكي من خلال سيطرة الطبقة البروليتارية على مقاليد الحكم وفرضها الدكتاتورية البروليتارية، فإن برودون يرفض الدكتاتورية وكل أنواع السيطرة السياسية والاقتصادية طبعاً، سواء كان مصدرها الطبقة العاملة أو أية طبقة اجتماعية أخرى.

وإذا كان ماركس عل اعتقاد بأن قيام النظام المتحرر، العادل، يشترط مسبقاً فرض الدكتاتورية البروليتارية، فإن برودون كان يرى أن هذا النظام سرعان ما سيتحقق بمجرد إلغاء الدولة وقيام الاقتصاد الذي يقر بحق المنتجين الصغار بحيازة وسائل الإنتاج التي يحتاجونها في عملية الإنتاج ويضمن خلق علاقات مترابطة بين هؤلاء المنتجين ذات طابع الند للند وليست هرمية.

إن إلغاء العلاقات الهرمية السائدة وتحقق العلاقات المترابطة بين الأنداد لن تتحقق حسب ما يعتقد برودون، إلا من خلال تحرير المبادلات الاقتصادية من سيطرة النقود، أي من سيطرة رأس المال النقدي وإنشاء بنك التداول.

وتنطوي فكرة بنك التداول على خلق مؤسسة تجارية تقوم باستلام كل السلع التي أنتجها المنتجون الصغار وحسب أسعار يتم تحديدها من قبل البنك. بيد أن هذا البنك لا يعطي المنتجين نقوداً بدل السلع التي استلمها منهم، إنما شهادة إقرار تخول حاملها الحصول على سلع تتجسد بها نفس القيمة التي كانت تتجسد في السلع التي سلمها لبنك التداول.

لقد اعتقد برودون أن هذه هي خير وسيلة لإلغاء الربح التجاري كما أنها أفضل السبل لخلق نظام تعاوني تنمو وتزدهر في ظله العلاقات المترابطة بين المنتجين.[11]

ولما كان المجتمع الأمثل الذي يسعى برودون لتحقيقه يتكون أساساً من عدد كبير من صغار المنتجين، لذا يهمل برودون في منهجه موضوع الاستثمارات والطريقة التي تمول بها هذه الاستثمارات في اقتصاد يخلو من الربح. ولكي يتمكن العمال أيضاً من الخلاص من واقعهم البائس ويصبحوا منتجين صغاراً، لذا فإنه يتوجب على بنك التداول أن يمنحهم قروضاً بلا فائدة.

ومن هذا يتضح لنا في الواقع أن برودون كان يسعى للقضاء على العمل المأجور وجعل كل أفراد المجتمع يمتلكون، أو بتعبير أدق، حائزين على وسائل الإنتاج التي يحتاجونها في عملية الإنتاج.

وبعد هذا العرض لآراء برودون فإن من حق المرء أن يسأل عن المصادر التي ستزود بنك التداول بما يحتاجه من رؤوس أموال لإقراض صغار المنتجين. فإذا كان بنك التداول لا يحتسب فائدة على القروض التي يمنحها، فإنه لن يستطع استقطاب الودائع الضرورية لتمويل القروض التي سيمنحها، فالأفراد يفضلون إيداع ما لديهم من رؤوس أموال فائضة لدى البنوك المستعدة لإعطائهم فوائد على ودائعهم.

وثمة خطأ آخر في منهج برودون. فهو يطالب بإلغاء النقود عن طريق إصدار شهادات إقرار تخول صاحبها الحصول على سلع تتجسد بها نفس القيمة التي كانت تتجسد في السلع التي سلمها الأفراد إلى بنك التداول، متناسياً أن شهادات الإيداع هذه ستصبح هي الأخرى نقوداً أيضاً حالما تكون وسيلة للدفع. وما من شك في أنه سيكون بالإمكان أيضاً ادخار شهادات الإقرار هذه، أي النقود، مما سيعني تكون رأس مال نقدي جديد، يمكن إقراضه أيضاً لقاء فائدة معينة.

كما تخللت مؤلفاته تناقضات كثيرة. وكتابه "فلسفة البؤس" هو خير دليل على ذلك، وهذا هو الأمر الذي جعل منه أداة سهلة بيد ماركس للهجوم على برودون.

ففي هذا الكتاب يحاول برودون دراسة العديد من الظواهر الاجتماعية: القيمة والمنافسة والمِلكية والدولة وغير ذلك من المقولات الاجتماعية، محاولاً إظهار الجوانب الإيجابية والجوانب السلبية لكل مقولة من هذه المقولات. إلا أنه وهو يحاول نقد هذه المقولات، لا يستطيع أكثر من نقد المظاهر التي تتجلى بها هذه المقولات وهذا ما يدفعه في الكثير من الحالات إلى الموافقة على الأسس العامة التي تقوم عليها المقولات ذاتها.

إن نقده الأدبي الخلاب وأسلوبه الرصين في التعبير لا يمكن أن يحجبان عنا أن نقده قد انصب على اسم الشيء أكثر من أن ينصب على الشيء ذاته. أضف إلى هذا، أن النتائج الأخيرة لنقده هذا كانت تنقض المحصلات التي توصل إليها هو نفسه. وما من شك في أن السبب في تناقضاته هذه كان يكمن أساساً في المنهجية الهيجلية التي اتبعها بصورة خاطئة. فهو حينما كان يسعى لدراسة الفكرة (Thesis) والفكرة المضادة (Antithesis) وذلك من أجل التوصل إلى الفكرة التوفيقية (Synthesis)، كان يقع في الكثير من التناقضات. فلم يتمكن مثلاً من دراسة السوق ووضع نظرية معقولة ومنطقية في القيمة السوقية. إلا أنه لم يجد القصور في منهجيته. ولذا وبدلاً من أن يقول أنه هو الأحمق راح بدعي أن "القيمة حمقاء".

وبرودون هو الذي أطلق مصطلح لغز أو مفارقات أو تناقض القيم (Wert-Paradoxen) على السؤال الذي سبق لآدم سمث أن طرحه من حيث أن ثمة سلعاً لها قيمة استعمالية كبيرة جداً إلا أن قيمتها التبادلية منخفضة، كالماء، وأن هناك سلعاً لها قيمة استعمالية منخفضة جداً إلا أن قيمتها التبادلية مرتفعة جداً كالذهب والأحجار الكريمة.

فالكلاسيك لم يتمكنوا أبداً من إيجاد الجواب الشافي والصحيح لهذا السؤال وظل لغزاً حتى ظهور الفكر الحديث.

ثالثاً: باكونين (Bakunin)

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر اتخذ المذهب الفوضوي طابعاً يختلف في العديد من جوانبه مع الفوضوية التي نادى بها برودون. فلم تعد الفوضوية حركة سلمية إنما انتهت أسلوباً ثورياً ونحت منحاً اشتراكياً أكثر مما كانت عليها الحال عند برودون. ففي حين كان برودون يطالب بإبقاء المِلكية الفردية سائدة، راحت الفوضوية في ثوبها الجديد تطالب بإقامة الحياة الجماعية. وكان من أشهر أقطاب هذا الإتجاه الفوضوي ميشيل باكونين.

 وُلد ميشيل باكونين عام 1814 لأسرة نبيلة ومن كبار ملاكي الأراضي. ولقد التحق في طلع شبابه بالجيش الروسي، إلا أنه ما لبث أن استقال منه بعد فترة قصيرة من الزمن. بعد ذلك عكف على الدراسة المتأنية والقراءة المتواصلة وأصبح عضواً في جماعة أدبية كانت مغرمة بالمثالية الهيجلية. وحتى هذه الفترة كان باكونين لا يزال مخلصاً للقيصر. إلا أن سفرته إلى برلين في الأربعينات واتصاله بالشبان الهيجليين ووقوعه تحت تأثيرهم اليساري جعلت منه من الآن فصاعداً ثورياً ناقماً وفوضوياً متمرداً ليس على أبيه فقط، وإنما على القيصر وعلى كل أنواع الحكم أينما كانت، وهذا ما حدا بالقيصر الروسي نيقولا الأول أن يقول عنه "إنه شاب طيب القلب، إلا أنه إنسان خطر إلى أبعد مدى".[12]

ولقد وصفه أحد الكتاب وصفاً دقيقاً حين قال عنه: "إن باكونين، بقامته الفارعة، وهيئته التي تبعث الهيبة في النفوس، وعبقريته في الخطابة الجماهيرية، كان يجب أن يكون كغاليباردي ومازيني، قائداً لقضية قومية عظيمة، ولكن في روسيا لم تكن هناك حركة قومية ليقودها، وفي الخارج لم يكن باستطاعته أن يجعل نفسه جزءاً من صميم الحركة القومية في البلاد الأخرى. لذلك فقد كان محكوماً عليه أن يبرر حياته في سلسلة من محاولات فاشلة في التدخل في الثورات الأجنبية."[13]

فقد شارك في الثورات التي حدثت في أوربا في ذلك العصر ووهب نفسه لها. ودخل السجن العديد من المرات واستطاع أن يهرب منه. فلم يستقر به المقام في بلد واحد وظل يطبق التعاليم الفوضوية في حياته الخاصة وحتى وفاته في سويسرا عام 1879.

وكان باكونين في بداية الأمر عضواً فعالاً في الدولية الاشتراكية الأولى التي انتهى إليها عام 1869 وبلغ تأثيره على الحركة الاشتراكية إلى درجة أنه أصبح يشاطر ماركس قيادتها لا بل حتى أنه استطاع أن يقلل من نفوذ ماركس داخل الحركة.

وظل باكونين عضواً في الدولية الاشتراكية إلى أن اختلف مع ماركس عام 1872 حول القيادة التسلطية والاستبدادية التي انتهجها المجلس العام للدولية الذي كان يخضع لنفوذ ماركس. وفي المؤتمر الذي عقد في لاهاي في أيلول/سبتمبر من عام 1872 استطاع ماركس السيطرة على المؤتمر وحصل على قرار من المؤتمرين يطرد باكونين وأنصاره من الدولية الاشتراكية.

يمجد باكونين الحرية الفردية باعتبارها الغاية والوسيلة. والحرية عند باكونين مرادفة للكرامة الإنسانية. وتتحقق الحرية عندما لا يطيع إنسان إنساناً آخر وعندما لا يقوم بأي عمل إلا ما يمليه عليه ضميره. فإكراه الإنسان من قبل إنسان آخر على الطاعة أو قيام الإنسان بعمل لا يمليه عليه اعتقاده الخاص ولا ينبع من إرادته يعني تنازل هذا الفرد المكره عن نفسه ذاتها وتحوله إلى حياة العبودية. والحرية الفردية هذه لن تتحقق - كما يرى باكونين - طالما كان ثمة أفراد آخرون في المجتمع لم يستطيعوا أن ينالوا حريتهم الكاملة المطلقة. فحرية الآخرين هي شرط ضروري وتأكيد كامل للحرية.

وإذا كان باكونين يمجد الحرية الفردية ويرفعها إلى هذا القدر، فإنه لا بد وأن يرفض كل أشكال السلطة باعتبارها تهديداً خطيراً للحرية الفردية. وأول أشكال التسلط والاستبداد هي الدولة. فالدولة هي أداة قمع واضطهاد بيد فئة من الأفراد ضد باقي أفراد المجتمع، إنها وسيلة لتحجيم المستغَلين وإخضاعهم لمشيئة المالكين لوسائل الإنتاج. لا بل يتطرف باكونين أكثر ويدعي أن الدولة ستبقى أداة اضطهاد حتى وإن عملت الخير، ما دامت هي تستخدم قوتها في فرض هذا الخير على الأفراد. وهذا ينطبق على كل الأشكال التي تتخذها الحكومة، سواء كانت مَلَكية مطلقة أم دستورية جمهورية ديموقراطية أم أرستقراطية، فكل الحكومات تمثل تسلط الحاكم على رقاب الأفراد.[14]

ومن هذا التقييم للدولة يستخلص باكونين أن الثورة الحقيقية هي الثورة التي تقضي على الحكومة القائمة وتهدم أسس السلطة والتسلط ذاتها.

ولما كانت الدولة ما هي إلا أداة لحماية المِلكية الفردية ضد رغبات وتطلعات المجردين من المِلكية، لذا يرى باكونين أن القضاء على المِلكية الخاصة شرط أساسي للقضاء على الدولة. فمتى ما تم القضاء على المِلكية الخاصة، فلن تكون هناك حاجة لوجود الدولة أساساً.

إن آراء باكونين هذه ستلعب دوراً مهماً في الفكر الماركسي، وستجد صداها ولو بصيغة معكوسة عند ستالين. فستالين كان قد قال فيما بعد وانطلاقاً من تفسير وتبرير هيجليان زائفين، أنه ومن أجل القضاء على الدولة، لا بد من تقوية الدولة في بادئ الأمر.

* أستاذ جامعي من العراق

.............................................

[1] ماكس بير: تاريخ الاشتراكية البريطانية، الجزء الأول، مصدر سابق، ص 146.

[2] روبرت هيلبرونر: قادة الفكر الاقتصادي، مصدر سابق، ص 85.

[3] G. Stavenhagen, Geschichte a.a.o. P. 82.

[4] Henri Denis, Geschichte, Bd I, Folge 2, a.a.o. P. 19.

[5] W. Hofmann: Ideengeschichte a.a.o. P. 60.

[6] هاري ليدلر: الحركات الاشتراكية، الجزء الأول، ص 105.

[7] فيليسان ثالاي: تاريخ المِلكية، ترجمة صباح كنعان، بيروت، بدون سنة نشر، ص 102.

[8] H. Denis: Geschichte a.a.o. P. 27

[9] فيليسيان شالاي: تأريخ المِلكية، مصدر سابق، ص 103.

[10] جوزيف لاجوجي: المذاهب الاقتصادية، ترجمة: ممدوح حق، بيروت 1970، ص 60.

[11] J. Schumpeter: Geschichte a.a.o. P. 567.

[12] J. F. Wittkop: Bakunin, Reinbek 1979, P. 138.

[13]

[14] J. F. Wittkop: Bakunin, a.a.,o. P. 125.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/تشرين الأول/2014 - 23/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م