تركيا في سوريا... عين على الاكراد واخرى على الاخوان

 

شبكة النبأ: ذكرت صحيفة الفايننشال تايمز تحليلا، لديفيد غاردنر، حول ما اعتبرها فرصة الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) الأخيرة في إبرام معاهدة سلام مع الأكراد، وقال إن "أردوغان الذي شغل منصب رئيس الوزراء في تركيا لعقد من الزمان، قبل أن يتولى منصب رئاسة البلاد خلال الصيف الفائت، يخاطر بإقحام بلاده في أزمة ودفن مبادرته الأولى بتحقيق السلام مع الأقلية الكردية في تركيا إلى الأبد"، وأوضح الكاتب أن السبب يعود في ذلك إلى غضب الاتراك الأكراد من موقف الحكومة التركية التي نشرت العديد من دباباتها على حدودها الجنوبية القريبة من مدينة عين العرب (كوباني) السورية من دون أن تهتم لمساعدة الأكراد السوريين ووقف المجازر التي يتعرضون لها على أيدي "تنظيم الدولة الاسلامية" التي تحاصر المدينة الحدودية، وأشار إلى أن وقف اطلاق النار الذي أعلنه حزب العمال الكردستاني منذ 18 شهراً والذي يعتبر جزءاً من مفاوضات لإنهاء 30 عاماً من حربه ضد الدولة التركية مهدد بالانهيار، وقال غاردنير إن أردوغان سيواجه مخاطر جمة بسبب مواقفه التي ستؤدي إلى تقسيم تركيا، كما أنه في حال لم يكن حذراً فإن هذا القائد صاحب الثقة العالية جداً قد يجر تركيا إلى حرب طائفية.

وتأتي هذه التحذيرات مع ازدياد الضغوط الداخلية (الاحتجاجات المستمرة في داخل تركيا والتي وصفها الرئيس التركي بمجموعة من الارهابيين ومثيري الفتن) والخارجية التي تطالب تركيا بفعل المزيد تجاه كوباني، وعدم المساومة او فرض الشروط مقدما (بعد ان ربط تركيا تدخلها بسقوط نظام الاسد)، والتي يخشى حلفاء اخرون للولايات المتحدة الامريكية، من نواياها باستبدال نظام الاسد بإسلاميين مقربين من تركيا (الاخوان المسلمين) والذين حاربتهم دول الخليج خصوصا في مصر، الامر الذي اغضب اردوغان كثيرا واعتبره انقلاب على الحكومة الشرعية.

واشارت تركيا بإقامة منطقة عازلة داخل سوريا الامر الذي لم يلقى ترحيبا كبيرا (باستثناء فرنسا)، وذكرت وكالة الانباء الرسمية (سانا) ان دمشق "ستتخذ بالتشاور مع اصدقائها كل الاجراءات الضرورية لحماية سيادتها الوطنية ووحدة وسلامة اراضيها"، واضاف البيان ان دمشق "ترفض رفضا قاطعا اقامة مناطق عازلة على اي جزء من الاراضي السورية تحت اي ذريعة كانت كما ترفض اي تدخل عدواني لقوات اجنبية فوق اراضيها"، ورات وزارة الخارجية في بيانها ان "المحاولات التركية لإقامة منطقة عازلة على الاراضي السورية تشكل انتهاكا سافرا لمبادئ واهداف ميثاق الامم المتحدة ولقواعد القانون الدولي كما تشكل انتهاكا لقرارات مجلس الامن ذات الصلة بمكافحة الارهاب وضرورة تجفيف منابعه"، وهو امر ينذر بالمزيد من التدخلات الاقليمية، في حال لجأ التحالف الى تفعيل المقترح التركي.

ويبدو ان الصراعات التي تجري بين اعضاء التحالف الدولي من جهة وبين الدول المؤيدة لسوريا من جهة اخرى، ينذر باتساع دائرة العنف في منطقة الشرق الاوسط نحو مديات غير مسبوقة، بحسب ما يراه مراقبون.

اتساع دائرة العنف

فقد تجسدت مخاطر امتداد الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا الى تركيا مع ورود تقارير عن قيام السلاح الجوي التركي بقصف مواقع مقاتلين أكراد غاضبين من رفض أنقرة تقديم يد العون لحماية الاكراد في سوريا، وقتل 35 شخصا على الاقل في أعمال الشغب التي وقعت مؤخرا حين هب أفراد الاقلية الكردية التركية التي يقدر عددها بنحو 15 مليونا في غضب احتجاجا على رفض الحكومة التركية المساعدة في الدفاع عن بلدة كوباني السورية التي تقطنها غالبية كردية والتي تتعرض لهجوم من مقاتلي الدولة الاسلامية.

وهدد الزعيم المسجون لحزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان بالانسحاب من محادثات سلام لانهاء التمرد الكردي المستمر في تركيا منذ عقود اذا لم يتحقق تقدم، وقال الموقع الالكتروني الاخباري لصحيفة حريت إن الطيران الحربي التركي هاجم أهدافا لحزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا في أول عملية جوية كبيرة منذ بدء عملية سلام قبل عامين، كما نقلت أنباء الغارات وسائل اعلام متعاطفة مع الحزب الكردي، ويشن تحالف تقوده الولايات المتحدة هجمات جوية على مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية الذي يسيطر على مناطق كبيرة في سوريا كما استولى على مساحات واسعة في شمال العراق خلال الاشهر القليلة الماضية، وما يحدث في تركيا من اضطرابات يظهر خطر امتداد حربين أهليتين معقدتين يشارك فيهما الكثير من الاطراف وهو ما ينطوي على مخاطر لكل دول الشرق الأوسط بلا استثناء.

ورفضت أنقرة الانضمام الى التحالف العسكري الذي تقوده واشنطن ضد الدولة الاسلامية الا اذا تصدى ايضا للرئيس السوري بشار الاسد، وفي ضربة للآمال الأمريكية نفت تركيا أنها توصلت لاتفاق يسمح للولايات المتحدة باستخدام قاعدة انجيرليك الجوية في حربها ضد متشددي الدولة الإسلامية وقالت مصادر في مكتب رئيس الوزراء التركي إن المحادثات بهذا الشأن لا تزال جارية، وفي خضم كل هذا واصل مقاتلو الدولة الاسلامية تقدمهم في بلدة كوباني الحدودية السورية وقالت الامم المتحدة ان الالاف قد يذبحون على مرأى من الدبابات التركية التي لم تتدخل، ويمكن ان يقضي مصير كوباني على جهود الحكومة التركية لانهاء 30 عاما من تمرد حزب العمال الكردستاني في صراع أودى بحياة 40 الف شخص والذي انتهى بدرجة كبيرة مع انطلاق عملية السلام عام 2012. بحسب رويترز.

ولم يرد تعقيب فوري من الجيش التركي على تقرير شن غارات جوية على المواقع الكردية ولم تحدث ضربات جوية لهذه المواقع منذ نحو عامين بعد ان كانت متكررة في جنوب شرق البلاد، وقال موقع حريت إن الضربات الجوية ألحقت "ضررا كبيرا" بحزب العمال الكردستاني، وأضاف أنها جاءت بعد قيام حزب العمال بقصف موقع عسكري في إقليم هكاري قرب الحدود العراقية على مدى ثلاثة أيام، وقال موقع حريت "أمطرت مقاتلات إف-16 وإف-4 التي أقلعت من (قواعد في اقليمي) ديار بكر وملطية أهداف حزب العمال الكردستاني بالقنابل بعد ان هاجم موقعا عسكريا في منطقة داجليكا".

وذكر الموقع ان حزب العمال الكردستاني هاجم الموقع طيلة ثلاثة ايام بالاسلحة الالية وقاذفات الصواريخ، وقالت الهيئة العامة للاركان في بيان انها "فتحت النار فورا في رد قوي" بعد هجمات الحزب الكردي في المنطقة لكن البيان لم يشر الى الغارات الجوية، وقال اوجلان ان محادثات السلام بين حزبه والدولة التركية، وبعد ان زاره شقيقه محمد في السجن قال للصحفيين ان زعيم حزب العمال الكردستاني قال "سننتظر حتى 15 اكتوبر، وسننقل الى الوفود الزائرة آراءنا، بعد ذلك لن يكون هناك شيء لنفعله"، وعبر مسؤولون أمريكيون عن خيبة أملهم من رفض الرئيس التركي رجب طيب اردوغان المشاركة في محاربة مقاتلي الدولة الاسلامية.

وتدور رحى معركة كوباني منذ نحو شهر ويتقدم مقاتلو الدولة الاسلامية ببطء ويسيطرون الان على معظم البلدة، وتطالب وحدات الحماية الشعبية وهي قوات كردية متحالفة مع حزب العمال الكردستاني تركيا بالسماح بنقل الاسلحة عبر الحدود لمساعدتها على التزود بالسلاح، وقال اوجلان ايسو نائب رئيس مجلس الدفاع عن كوباني "هناك اشتباكات عنيفة دون تقهقر او تقدم (الدولة الاسلامية)، وفجرت (الدولة الاسلامية) ثلاث عربات ملغومة في هجمات انتحارية بشرق كوباني"، وفي بلدة سروج التركية التي تبعد عشرة كيلومترات فقط عن الحدود السورية شيعت جنازة أربع نساء من مقاتلي وحدات الحماية الشعبية الكردية، وردد المئات بالتركية "اردوغان القاتل" كما هتفوا بالكردية "تحيا وحدات الحماية الشعبية".

وضرب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مواقع الدولة الاسلامية في كوباني وحولها لكنه فشل في وقف تقدمها، وسمع من الجانب التركي من الحدود دوي ست غارات جوية على الاقل، كما سمع ايضا تبادل اطلاق النار وقصف في الجانب التركي من الحدود حيث تجمع أكراد كثيرون منهم لهم أقارب يحاربون في كوباني لمتابعة المعارك من التلال القريبة، ويناقش الرئيس الامريكي باراك أوباما مع القادة العسكريين من نحو 20 دولة من بينها تركيا والسعودية استراتيجيته لمواجهة الدولة الاسلامية مع تزايد الضغوط على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لفعل المزيد لوقف تقدم مقاتلي التنظيم المتشدد، ويحضر اوباما اجتماعا يرأسه الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الاركان الأمريكية المشتركة مع وزراء دفاع الدول الأجنبية المتحالفة في قاعدة اندروز الجوية خارج العاصمة واشنطن.

وقال أكراد العراق الذين يقاتلون بعنف الدولة الاسلامية انهم ارسلوا ذخيرة لمساعدة اخوانهم الاكراد في سوريا على الصمود في كوباني، وقال مسؤول كردي عراقي بارز إن إدارة إقليم كردستان العراق قدمت مساعدات عسكرية للمقاتلين الأكراد في مدينة كوباني السورية، وقال حميد دربندي مسؤول الملف السوري في رئاسة إقليم كردستان العراق "ساعدناهم على جميع الساحات تقريبا، أرسلنا إليهم مساعدات تتضمن مساعدات عسكرية"، وقال آلان عثمان المسؤول الإعلامي في المجلس العسكري الكردي بشمال شرق سوريا ان الامدادات عالقة في منطقة اخرى من سوريا ولا يمكن ان تصل الى كوباني الا اذا فتحت تركيا ممرا أمام الامدادات.

تقوية المعارضة السورية

من جهته دعا رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو الى تعزيز القدرات العسكرية "للمعارضة المعتدلة" السورية بغية جعلها "قوة ثالثة" بين النظام السوري وجهاديي تنظيم الدولة الاسلامية، وقال داود اوغلو في مقابلة مع صحيفة صباح الموالية للحكومة "نحن بحاجة الان الى قوة امن تحمي الشعب السوري من تنظيم الدولة الاسلامية ومن النظام"، واضاف ان "الحل يكمن في قوة ثالثة غير النظام وتنظيم الدولة الاسلامية، تمثل الشعب السوري وتكون مكونة من سوريين وليس من مقاتلين اجانب"، موضحا ان "هذه القوة الثالثة يجب ان تمثل كافة الاطراف في سوريا، والائتلاف الوطني السوري والمعارضة تتوفر فيهما هذه الشروط".

وقالت الولايات المتحدة ان تركيا قبلت، تحت ضغط واشنطن، تدريب وتجهيز معارضين من المعارضة السورية المعتدلة، وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية ماري هارف اعلنت ان "تركيا موافقة على دعم جهود تدريب وتجهيز المعارضة السورية المعتدلة"، وعلى الرغم من موافقة البرلمان التركي على التدخل، ترفض الحكومة الاسلامية المحافظة في تركيا التدخل عسكريا ضد الاسلاميين المتطرفين الى جانب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وخصوصا مساعدة مدينة عين العرب (كوباني بالكردي) التي يحاصرها مسلحو تنظيم الدولة الاسلامية، وترى تركيا ان غارات التحالف غير كافية وتخشى ان تؤدي الى تعزيز عدوها اللدود الرئيس السوري بشار الاسد، وتستمر في المطالبة باقامة منطقة عازلة في شمال سوريا بالتوازي مع منطقة حظر جوي بهدف حماية اللاجئين والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية المعتدلة، وباستثناء فرنسا، تلقى باقي حلفاء تركيا هذا المقترح بكثير من التحفظ، وقال داود اوغلو ان "قوة اخرى ستسيطر على الارض بفضل الحماية الجوية التي ستقدم لها، هذه القوة ستكون المعارضة المعتدلة". بحسب فرانس برس.

وأعلن مصدر حكومي تركي طلب عدم كشف هويته إن تركيا لم تبرم "اتفاقا جديدا" مع الولايات المتحدة يجيز فتح قواعدها أمام طائرات التحالف الدولي التي تشن غارات ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق، وقال المصدر، "لا يوجد اتفاق جديد مع الولايات المتحدة بخصوص قاعدة انجرليك"، في إشارة إلى هذه القاعدة الجوية الواقعة جنوب تركيا، وكان مسؤول أمريكي في وزارة الدفاع أعلن أن حكومة أنقرة سمحت للجيش الأمريكي باستعمال منشآتها لشن غارات على تنظيم "الدولة الإسلامية".

وشدد المصدر الحكومي التركي أن "موقفنا واضح، ليس هناك اتفاق جديد"، مذكرا بأن الاتفاق الساري حاليا بين تركيا والولايات المتحدة لا يسمح للجيش الأمريكي بالوصول إلى قاعدة انجرليك، قرب اضنة (جنوب) ألا ليقوم بمهمات لوجستية أو انسانية، وأضاف أن "المفاوضات مستمرة على أساس الشروط التي وضعتها تركيا سابقا"، يذكر أن تركيا ترفض في الوقت الراهن الانضمام إلى التحالف العسكري الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لأن الغارات الجوية ضد مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" قد تعزز معسكر الرئيس السوري بشار الأسد العدو اللدود للحكومة التركية الإسلامية المحافظة، واشترطت السلطات التركية قبل المشاركة إقامة منطقة عازلة ومنطقة حظر جوي في شمال سوريا وتدريب وتسليح مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة وإعادة التأكيد على أن الهدف هو قلب نظام دمشق.

منطقة عازلة

الى ذلك انتقدت دمشق تاييد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اقامة "منطقة عازلة" في شمال سوريا اقترحها نظيره التركي رجب طيب اردوغان، ونقلت وكالة الانباء الرسمية (سانا) عن نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد قوله "ان سورية تستنكر بأشد العبارات موقف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حول دعمه لما تسعى اليه تركيا بشأن المنطقة العازلة"، وصدر عن الرئاسة الفرنسية بيان جاء فيه ان "رئيس الجمهورية أصر على ضرورة تجنب مجزرة لسكان الشمال (السوري) وعبر عن دعمه للفكرة التي قدمها الرئيس اردوغان" في شأن المنطقة العازلة.

ودعا اردوغان مرارا الى اقامة منطقة عازلة ومنطقة للحظر الجوي في شمال سوريا لحماية المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة والسكان الذين يفرون من الحرب في بلدهم، الا ان الامين العام لحلف شمال الاطلسي ينس ستولتنبرغ اعلن في انقرة ان اقامة منطقة عازلة في شمال سوريا "ليست مدرجة بعد" على جدول اعمال الحلف وشركائه، واعتبر المقداد ان "هذا الموقف الفرنسي يعري سياسات هولاند وحكومته المؤيدة للارهاب والداعمة لسياسات اردوغان وحكومته المعادية للشعب السوري"، مشيرا الى ان اردوغان " قام طوال الازمة فى سورية بتسليح الارهابيين الاجانب وتسهيل انتقالهم اليها لسفك دماء شعبها". بحسب فرانس برس.

واكد المقداد "ان هذا الدعم الفرنسي لتركيا هو عدوان على سورية"، معتبرا ان "المسؤولين الفرنسيين يتخذون مثل هذه المواقف المعادية لمصالح الشعب السوري منذ بدء العدوان الارهابي على سورية ما ادى الى اطالة معاناة الشعب السوري والى سفك دماء الالاف من السوريين الابرياء"، وبدأ النزاع في سوريا في منتصف آذار/مارس 2011 بتظاهرات سلمية ضد النظام قمعت بقوة، وما لبث ان تحول الى نزاع دام اوقع اكثر من 180 الف قتيل، ولا يقر النظام بوجود حركة احتجاجية ضده، بل يؤكد منذ البداية انه يتعرض لمؤامرة خارجية تنفذها "مجموعات ارهابية" بتمويل من الخارج، ولا يميز بين مقاتلي المعارضة، ويدعم الغرب وبعض دول الخليج المعارضة السورية ضد نظام بشار الاسد الذي تدعمه ايران وروسيا.

ويتطلب إنشاء منطقة عازلة على الحدود بين تركيا وسوريا، استجابة لطلب متكرر من أنقرة ومدعوم من باريس، سلسلة من الشروط ينبغي أن تتوافر قبل تنفيذ المشروع، إنها منطقة "تفصل بين طرفي نزاع وتقيم مساحة تحظر فيها الأسلحة"، بحسب تلخيص دومينيك ترينكان الخبير العسكري السابق لدى الأمم المتحدة، والمنطقة العازلة تكون برية، كما يمكن أن تقترن بمنطقة حظر جوي، والهدف يكون حماية السكان المحليين وكذلك تخفيف الضغط عن تركيا التي تستقبل أكثر من مليون شخص، وسبق أن أقيمت مناطق عازلة في الماضي بين الكوريتين (منطقة منزوعة السلاح منذ العام 1953 تمتد على عرض 4 كلم وطول 241 كلم تجوبها دوريات من الطرفين) وفي قبرص ("الخط الأخضر" منذ 1974) وفي الجولان بين سوريا وإسرائيل تحت إشراف قوة دولية، وبين إريتريا وإثيوبيا (25 كلم عرضا وألف كلم طولا منذ العام 2000).

أما بالنسبة للحدود التركية السورية، فإن أي منطقة عازلة يجب أن تصل إلى أربعين كلم من العمق بحسب دومينيك ترينكان وأن تشمل ضريح سليمان شاه الأب المؤسس للإمبراطورية العثمانية، الموضوع تحت السيادة التركية في محافظة حلب بسوريا والذي يحرسه جنود أتراك، ويشدد جميع الخبراء الذين تم استجوابهم على الضرورة المطلقة لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية الذي يجيز اللجوء إلى القوة قبل إقامة منطقة عازلة، ولا يعرف موقف روسيا بهذا الشأن، فتركيا هي التي طرحت فكرة المنطقة العازلة منذ العام 2011 وفي حينها أيدت فرنسا والولايات المتحدة أنقرة، لكن بدون قناعة قوية لأنهما كانتا تعتقدان أن روسيا ستمارس حق الفيتو ضد المشروع، لكن مع تبدل الظروف وقيام تهديد تنظيم "الدولة الإسلامية"، هل يمكن أن تلين موسكو موقفها؟

ويمكن أن تقترن المنطقة العازلة بمنطقة حظر جوي ما سيعني منع دخول المنطقة برا والتحليق فوقها جوا، ومنطقة الحظر الجوي تتطلب تنظيم دوريات لطائرات رادار ومقاتلات، كما تتطلب التثبت من أن سوريا لن تلجأ إلى استخدام دفاعاتها الجوية، وواشنطن وباريس لا تقيمان علاقات مع نظام دمشق، فهل تقبل موسكو أن تقنع الرئيس بشار الأسد بعدم استخدام مضاداته الجوية؟، وعلى الأرض، كيف يمكن منع دخول المنطقة بدون نشر قوات؟ ومن يتكفل بمثل هذه المهمة؟ الأتراك؟ قوات دولية؟ يذكر كل الخبراء بأن دول الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة، حين تعهدت بالانضمام إلى الائتلاف، استبعدت بشكل قاطع إرسال قوات على الأرض، ورأى ديدييه بيليون، الخبير في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، أن الأتراك الذين نشروا دبابات على الحدود يمكن أن يساهموا في منع الدخول إلى منطقة عازلة، ولكن بشكل محدود جدا أو بشكل موضعي، وفي مطلق الأحوال، فإن إقامة منطقة عازلة سيستغرق وقتا.

مواجهة برية

بدوره اعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاوش اوغلو انه "من غير الواقعي" التفكير بان تشن تركيا لوحدها تدخلا عسكريا بريا ضد تنظيم الدولة الاسلامية الذي يحاصر مدينة عين العرب السورية (كوباني بالكردية)، وقال الوزير التركي للصحافيين في ختام لقاء مع الامين العام لحلف الاطلسي ينس ستولتنبرغ في انقرة "من غير الواقعي التفكير بان تشن تركيا لوحدها عملية برية"، وتشهد تركيا تظاهرات عنيفة لاكراد يطالبون الحكومة الاسلامية-المحافظة التركية بالتدخل عسكريا لمنع سقوط مدينة كوباني في ايدي تنظيم الدولة الاسلامية. بحسب فرانس برس.

من جانب اخر اعتبر جاوش اوغلو ان الضربات الجوية التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد اهداف جهاديين "ناجحة"، واضاف "لكن كل العمليات العسكرية الاخرى بما يشمل عملية برية، يجب التفكير بها"، واعطى البرلمان التركي موافقته الرسمية على عملية عسكرية تركية ضد الجهاديين في العراق وسوريا، لكن الحكومة رفضت المشاركة حتى الان خشية ان يعزز التدخل ضد الدولة الاسلامية نظام الرئيس السوري بشار الاسد الذي تطالب بإسقاطه، وكرر وزير الخارجية التركي القول ان "السلام لن يعم ابدا بشكل فعلي في سوريا بدون رحيل بشار الاسد ونظامه".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/تشرين الأول/2014 - 21/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م