العراق وتناسل الازمات

 

شبكة النبأ: استعادة الدولة سيطرتها على منفذ ربيعة الحدودي مع سوريا، الواقع شمال محافظة الموصل، وانتزاعها من تنظيم "داعش" كان بثمن محدد أعلنه للإعلام الشيخ عبد الله الياور شيخ عشائر شمّر القاطنين في المنطقة بعد لقاء جمعه مع وفد عشائري، مع رئيس الحكومة حيدر العبادي في بغداد، حيث أفصح الياور أن "الرئيس وافق على سلسلة المبطالب"!. حيث كان لهذه العشيرة المعروفة دوراً بارزاً واساسياً في إعادة هذا المنفذ الاستراتيجي الى الدولة والجيش العراقي. ومن المفيد ملاحظة المطالب لمعرفة ثمن تحقيق الامن والاستقرار في العراق.

وحسب الياور الذي اتفق كلامه مع بيان مكتب رئيس الوزراء، فان العبادي وافق على تعويض العوائل عن المساكن المدمرة في ربيعة، وإعطاء المنح للعوائل المهجرة منها، وتعويض "شهداء" عشائر شمّر الذين قاتلوا تنظيم "داعش"، وتوجيه وزارة التجارة باستلام محصولي الحنطة والشعير الذي لم يسلم الى الوزارة بسبب احتلال "داعش" لهذه المنطقة اثناء الحصاد، هذا فضلاً عن الإشادة والمديح والإطراء الذي حصل عليه وفد عشيرة شمّر من قبل رئيس الحكومة لمشاركة ابنائه في قتال "داعش" الى جانب القوات العسكرية.

بغض النظر عن الدوافع التي أفضت الى انتزاع منفذ ربيعة الحدودي من "داعش" وهي أقصى منطقة عراقية في الشمال، على تخوم الحدود السورية، ولا علينا بالاهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة لدى الاميركيين الذين يديرون حرب ليّ الذراع مع "داعش" في العراق وسوريا. إنما الذي يهمنا في هذه البرهة الزمنية الحرجة التي يعيشها العراق والعراقيون، الثمن الذي يجب ان ندفعه لقاء تحقيق شيء من الأمن والاستقرار، ثم المسؤولية الحقيقية الملقاة على عاتق الحكومة والمؤسسة العسكرية والامنية.

ان العناصر الارهابية، بأيّ مسمّى كان، تحتل العشرات من امثال "ربيعة" في العراق، لاسيما وانها تحظى باهمية استراتيجية، مثل "جرف الصخر"  القريبة من كربلاء المقدسة، و الفلوجة ومناطق عديدة في محافظة صلاح الدين القريبة من المراقد المقدسة، وهي مناطق تقطنها الغالبية السنية، اضافة الى مناطق في محافظات ديالى والانبار والموصل، وهي عبارة عن مزارع ومراتع – على  الاغلب-. فهل المطالب التي حصل عليها ابناء عشيرة شمّر في منطقة ربيعة، من المطالب التعجيزية والكبيرة والمصيرية، فهل تتميز مطالب هذه العشيرة عن المطالب التي تتحقق لمعظم المواطنين العراقيين من قبيل تسويق المحاصيل الزراعية وتسجيل ضحايا الارهاب في سجل الشهداء، وتوزيع المنح للنازحين؟.

هنا سؤال يثور في وسط الاحداث.. ما الذي يمنع الحكومة والمعنيين في الدولة من تغطية كل حاجات المناطق الغربية او غيرها؟، هل وجود الجماعات الارهابية في هذه المناطق او بين المجتمع السنّي هو الذي يمنع الحكومة ويجعلها تعد لحسابات معينة، فتمتنع عن إيصال الرواتب والحقوق وأي نوع من التعامل الرسمي مع هذه المناطق؟، لكن ماذا عن الدماء التي تسيل يومياً دون توقف في المدن العراقية بفعل السيارات المفخخة والعبوات الناسفة، وهي تحصد العشرات بين شهيد وجريح؟.

في مقابل ما يجري على الارض من تداعيات امنية وسياسية من جهة، وانسانية من جهة اخرى، نلاحظ المطالبة المستمرة من ساسة العراق بالتدخل الاجنبي للمساعدة على قتال "داعش". ربما يتصور المسؤولون العراقيون أن تدويل الارهاب الطائفي، يفيد في تطويق التحركات الارهابية والتقليل من مخاطرهم، بيد ان المثير حقاً بعد كل المطالبات والمناشدات العراقية بالتدخل الجدّي والمؤثر في الحرب على "داعش"، توجيه الضربات الجوية للطائرات الامريكية والمتحالفة معها، لمواقع معينة لعناصر "داعش" بعيدة عن الأمن القومي العراقي – ان صحت العبارة- وحسب المصادر الموجودة فان هنالك سدود و مدن ومعسكرات وقواعد عسكرية مهددة من قبل هذا التنظيم، ولا نرى أي تدخل امريكي يهددهم ويثير مخاوفهم، لذا نراهم ماضون في تقدمهم هناك وهناك، بل يمارسون الحرب النفسية الى جانب الحرب الدموية (القذرة).

واكثر من ذلك، فان تذكير المسؤولين العراقيين بمسؤوليتهم الحقيقية والتاريخية إزاء شعبهم، جاءت هذه المرة على لسان كل من وزير خارجية بريطانيا والولايات المتحدة، عندما اعلنا أن الحرب على "داعش" إنما هي حرب عراقية وليست امريكية، بل ان الوزير "كيري" كان واضحاً جداً في هذا السياق عندما قال: "العراقيون في محافظة الانبار هم الذين يتوجب عليهم الدفاع عنها ضد تنظيم "داعش".

من هنا يلاحظ المراقبون نوعاً من التسابق بين الحكومة المركزية في بغداد وبين المكون السنّي بشكل عام نحو واشنطن ولندن تحديداً، بما يوحي للعراقيين أن لا خط رجعة في العلاقة بين الاثنين، وإن كانت ثمة نوايا في هذا الاتجاه، فانها لن تتم إلا بتحقيق مطالب من قبيل المطالب التي حصلت عليها عشيرة شمّر في ربيعة!، كما لو أن هنالك حاجز غير مرأي كبير يحول دون وصول يد العبادي والمسؤولين في بغداد الى المناطق ذات الغالبية السنّية، أو ان هنالك طرف في الصراع خلف الستار يقول: "ليس من حقك تلبية حاجات هذا المكون او الاتفاق معه بشكل نهائي" يضع حدّاً لحالة الاستفزاز والانتقام وإراقة الدماء بشكل يومي.

لذا يرى الكثير من المحللين ان مايجري في العراق يثير الكثير من التساؤلات اهمها هو: الى متى تبقى الحكومة العراقية تسير في خط متوازٍ مع المكون السنّي في طريق الموت والتوتر واللااستقرار في العراق؟، وهل تبقى تعتمد الاجندات الخارجية وتسعى لمطابقة المصالح العراقية مع المصالح الاقليمية والدولية؟.

انه سؤال يدور يومياً في العراق، لاسيما في المناطق التي تقدم الشهداء من الاطفال والشباب والنساء الى جانب عشرات ومئات الجرحى والمصابين وخسائر لا تنتهي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/تشرين الأول/2014 - 20/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م