تتضح أكثر فأكثر مؤشرات السير قدما في المؤامرة الكبرى التي فشل
جورج بوش في تنفيذها، هي الآن على جدول العمل قبل نهاية ولاية الرئيس
أوباما، فهو مصمم على السير بها حتى النهاية تنفيذا لعهد قطعه على
مايبدو للسلطة العليا التي ساندت ترشيحه ومن ثم تجديد ولايته الثانية.
لاندعي معرفة ما لايعلم به كثيرون، بدون شك ان هناك قوى في أمريكا تعمل
لضمان المصالح الكبرى لرجال المال وشركات النفط وصناعات السلاح وغيرها
التي تحافظ على وجود أمريكا واستمرار نفوذها في العالم التي يسعى أي
رئيس أمريكي للحفاظ عليها.
انهاء العراق كدولة موحدة قوية قرار تم اتخاذه، لذا يتطلب تقسيمه
وتوزيعه بقسمة دولية جديدة يكون لكل من الدول الاستعمارية السابقة
والحالية والصاعدة تركيا تحديدا حصصا فيه، تراعى فيه موارد الغاز
والنفط ومصالح اسرائيل في التمدد داخل سوريا والعراق وصولا الى ايران
التي تنتظر التفتيت ربما الآن وربما في ولاية الرئيس الأمريكي القادم.
الخريطة التي تتحرك وفقها داعش هي خير دليل على التقسيم القادم، وهي
باقية هناك رغم ما يشاع عن عمليات عسكرية لطردها منها من قبل قوات
التحالف. وما يؤكد ذلك أنباء شبه مؤكدة بأن تركيا قد سمحت لدولة
الخلافة الاسلامية بفتح قنصلية لها في أنقرة تستطيع منح تأشيرات المرور
للمتطوعين في جيش المرتزقة الذي تقوده، وسيحق لمنتسبي دولة الخلافة
التحرك في تركيا دون أية قيود ولنا في جمهورية شمال قبرص التي قامت
بقرار تركي وما تزال قائمة.
قتل الرهائن البريطانيين والأمريكان اذا لم يكن مسرحية لكسب التأييد
للحرب المعلنة فانها ربما تمت دون تخطيط من قادة الدولة الاسلامية
ونتيجة تصرف فردي من قبل بعض المنظمات الارهابية العاملة مع داعش في
سوريا. فقادة داعش لا يمكن أن يسمحوا بذلك فهم جميعا عملاء مهمين
للاستخبارات الأمريكية ولهم معها اتفاقيات ملزمة بطاعة الوكالة التي
جندتهم للمهمات التي يقومون بها حاليا سواء في العراق أو في أي مكان في
العالم. فالخليفة البغدادي متخرج من معسكر بوكا، فقد دخله في عام 2004
وبعد خروجه وبإيحاء من الأمريكيين أسس ما يسمى بمجلس شورى المجاهدين في
العراق.
العضو المهم الآخر في المجلس العسكري لداعش هو أبو أيمن العراقي وهو
ضابط سابق في جيش صدام السابق وتخرج من سجن بوكا ايضا. عدنان اسماعيل
نجم وهو ضابط سابق في جيش صدام وايضا خريج سجن بوكا الأمريكي وعضو
المجلس العسكري لداعش. سمير عبد الحميد الدليمي وهو ايضا خريج سجن بوكا
بعد اعتقاله عام 2005 ويقال انه قتل. الحقيقة ان سجن بوكا كان بمثابة
مدرسة يدرس فيها السجين ما يتطلبه منه بعد خروجه من السجن ويتعهد بخدمة
اهداف وكالة الاستخبارات الامريكية وان رفض يبقى في السجن وان وافق على
العمل مع الوكالة يطلق سراحه، وان اختفى وتنصل عما تعهد به تبحث عنه
الوكالة وتعيده الى واحد من سجون الولايات المتحدة المنتشرة في العالم
الموزعة بين كوانتنامو في كوبا وبعض الدول الاشتراكية السابقة.
تصميم ادارة أوباما على الاطاحة بحكومة الأسد قد تدفع الى حروب
اقليمية يمكن أن تسبب صداما بين روسيا وأمريكا. ولهذا فهي مجازفة
محفوفة بمخاطر جدية فلا يمكن ان تسمح روسيا لتدمير سوريا كما دمرت
ليبيا عبر استخدام حيلة الحظر الجوي التي استغلها حلف الناتو لاحداث
انقلاب انتهى بليبيا الى ما هي الآن حيث تعيش حروبا بين عشرات
المليشيات الارهابية بعضها على علاقة بداعش وقد تم نهب الكثير من
الأسلحة الليبية التي كانت بحوزة الجيش الليبي قبل مقتل القذافي وجرى
نقلها ببواخر أمريكية الى الأردن وتركيا وثم تهريبها الى المنظمات
الارهابية في سوريا.
انضمام تركيا أخيرا الى التحالف الأمريكي بعد تصويت البرلمان التركي
بأكثرية ساحقة على السماح للحكومة التركية للمساهمة العسكرية في
التحالف ضد الارهاب ينبغي دراسته بدقة. الرئيس التركي قال بوضوح ان
انضمام تركيا للحشد العسكري والمشاركة في العمليات العسكرية ليس بدون
ثمن، وان " الثمن هو ازاحة الأسد ". لكنه يكذب. ففي تصريح له نشرته
صحيفة حرية التركية جاء فيه : " نحن منفتحون لأي تعاون ضد الارهاب ومع
ذلك يجب أن يكون واضحا للجميع أن تركيا لا تسعى لحلول مؤقتة ولن تسمح
للآخرين لتحقيق مكاسب على حساب تركيا، وقال : تركيا ستحارب الارهاب لكن
ليس لحلول مؤقتة." داعش لن تكون هدفا لتركيا في الحرب بل حليفا لها
لتحقيق أهدافها في العراق وللاطاحة بالأسد.
يفهم من كلمات الرئيس التركي سعيه غير المساوم لتحقيق الاطماع
التركية التي يحلم بكسبها من خلال دوره في حرب الغنائم المقبلة على
سوريا اذا ما تم تحقيق الخطة الامريكية بإطاحة الأسد وتنصيب حكومة دمية
في مكانه تنفذ السياسة الامريكية في المنطقة وفي مقدمتها فصم الحلف غير
المعلن بين روسيا وسوريا وبين سوريا وايران. يجب التمعن بخطاب أردوغان
في البرلمان التركي، كقوله " يجب أن يكون واضحا للجميع أن تركيا لا
تسعى لحلول مؤقتة ولن تسمح للآخرين لتحقيق مكاسب على حساب تركيا".
والسؤال، عن أي مكاسب يتحدث أردوغان اذا لم تكن أراضي وموارد نفطية
وغاز ونفوذ. والسؤال أين ستكون تلك الموارد والآراضي، بالطبع ليس في
أمريكا أو بريطانيا ولا حتى في فلسطين أو في الصحراء الكبرى، ألا يعني
اراضي سورية وعراقية، وألا يحق لنا نحن العراقيون أن نقلق مما يحاك في
الخفاء والعلن، وان خطرا يهدد وجودنا على أرضنا..؟؟
لقد رحب البيت الأبيض بقرار تركيا الانضمام للتحالف وكنتيجة للموقف
التركي انتشرت وحدات عسكرية تركية على الجانب السوري من الحدود
التركية\السورية في تطور خطير في الأزمة الراهنة. القوات التركية التي
انتشرت على الجانب السوري تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي بدخولها
الأراض السورية دون موافقتها وبدون مبرر فهي لم تدخل مثلا بحجة الدفاع
عن أكراد سوريا التي تحاصرهم داعش. بل بالعكس لم تقم بأي فعل يفسر ذلك
فقواتها تنتشر على بعد عشرات الامتار عن مواقع داعش دون أن تفعل شيئا
وهذا يعني ان هناك تنسيقا بين تركيا وداعش وربما مع قوات المعارضة في
مناطق أخرى من سوريا بانتظار اشارة التحرك من الأمريكيين ضد مواقع
القوات الحكومية السورية في دمشق. وليس بدون معنى تحتشد في الكويت أكثر
من خمسة عشر ألفا من قوات التدخل السريع للانقضاض على دمشق عند الضرورة
وبخاصة اذا تدخل الطيران السوري لاسناد القوات الوطنية السورية.
التوقيت لذلك الهجوم ما يزال غير محدد لكن المتفق عليه هو الذهاب الى
الحرب ضد سوريا لا داعش كما أعلن. انها الخديعة التي لا يخجل من
اخفائها الرئيس أوباما عن الشعب الأمريكي والعالم.
الموقف الروسي من هذا المخطط الذي ينتظر التنفيذ في أي لحظة لم
يعلن بصورة واضحة وكاملة، لكن ليس هناك أدنى شك بأن للروس مشروعهم
المضاد وانهم يراقبون ما يجري على الأرض وفي الجو ووراء الكواليس، وقد
توجه روسيا انذارا الى تركيا باحترام سيادة سوريا والا فالعواقب وخيمة
وما علينا الا الانتظار لنرى. ومن جانب آخر يبدو واضحا للعراقيين
والمراقبين في الدول الأخرى من خارج التحالف الامبريالي الجديد ان
الطائرات الأمريكية وغيرها توقفت عن قصف مواقع داعش في العراق باستثناء
تدمير عربة هنا وعربة هناك، بينما ركزت غالبية طلعاتها على سوريا. ولن
يحتاج المراقبون لتلك المشاهد المسرحية في العراق الى أدلة أخرى
ليكتشفوا زيف الوعود التي قطعتها الولايات المتحدة لمساعدة العراقيين
في وقف داعش عن قتل الأبرياء وارتكاب الجرائم ضد شعبنا.
لقد كنا مع الرأي الذي يقول ان داعش ليست الا غطاء لوضع اللمسات
الأخيرة لخطة تفتيت العراق، ويؤسفنا ان نقول ان الخاسر الأكبر في لعبة
الغدر هذه هو الرئيس مسعود برزاني فلولاه ما طرح ابدا موضوع تقسيم
العراق. ومع كل الألم والحسرة نقول انه هو وبسبب قصر نظره وأنانيته
وتفرده وضع كل بيضه في سلة اسرائيل فخسر السلة والبيض. لقد قاد الى غرق
السفينة التي أقلتنا جميعا وحتى لو شعر بخطأ خططه وغدره فلا فائدة فكل
أخذ حقه أما هو فسيجبر على العيش مع السلطان العثماني قبل أم لم يقبل.
وهاهي الأدلة أمام ناظريه فبالأمس فقط قتلت قوات الجندرمة العثمانية
تسعة من الشباب الكرد فقط لأنهم يريدون الدفاع عن أشقائهم في كوبال
بينما تمنعهم تركيا عن ذلك. لعبة المصالح هي من اختصاص اليهود لا الكرد
ولا العرب ولذلك ربحوها على مر التاريخ لسبب واحد أساسي هو اعتبارها
أولوية ولذلك لا يثقون بأحد حتى بأقرب حلفائهم وهي أمريكا.
لقد قدم لنا الأمريكيون الحرية على طبق ملوث بالدم والسم، فعلوا ذلك
مرات كانت أولها عام 1963، ثم مجازر الحرب الايرانية العراقية، فحرب
الكويت وحروب أسلحة الدمار الشامل التي رددها حتى أطفال الشوارع في
أزقة بيوت الصفيح. أما حرب تحريرهم العظمى في 2003 فلم تنتهي بعد،
وهانحن على موعد مع داعش هدية عيد الميلاد لنا من رئيسهم باراك أوباما.
حرب تحرير جديدة مع دولة هبطت علينا من أحد أقمارهم الفضائية كاملة
بسيوفها وسيافيها ومجاهدات ومجاهدي النكاح. ياله من زمن أغبر لانتمناه
حتى لأعدائنا.
وأخيرا أخوتنا السوريون، رحمة بمن تبقى من الأحياء في بلادكم
الحبيبة، لتكن ديمقراطيتكم التي تأتي بها الصديقة أمريكا أكثر رحمة من
ديمقراطيتنا، وأبقوا معا كما كنتم أن تمكنتم واذا لا وحدث الشقاق فلا
تقسوا بأقلياتكم كما فعلنا، واذا القت القوات الامريكية القبض على
رئيسكم بشار الأسد فلا تسمحوا للقتلة بقتله كما قتل الليبيون رئيسهم
ولا كما قتلنا رئيسنا برغم كل مافعل، كونوا أرحم منا بخصومنا فقد
بالغنا بقسوتنا انتقاما لقسوتهم فينا، فلا تأخذوا منا درسا بالتطرف فقد
كنا مثالا لا يقارن فيه.
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |