هل هي الحرب العالمية الثالثة التي طال انتظارها؟

باسم حسين الزيدي/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

 

هل من المبكر لأوانه الكلام عن تشكل ملامح حرب عالمية ثالثة لاحت في الأفق القريب، ربما طال الحديث عنها في ادبيات الحرب والسلام العالميين؟ ام ان الحديث عنها قد يكون مجرد هوس ينقلنا الى نظرية المؤامرة والجانب المظلم من إدارة الصراعات العالمية؟

في الحربين العالميتين (الأولى والثانية) نشبت الصراعات فيهما لأسباب استعمارية (سياسية) وايديولوجية واضحة، ربما كانت أسباب كلاسيكية في زمن النهم الاستعماري والامبراطوريات التوسعية في اوربا واسيا والشرق الأوسط، وقد كانت تلك الحروب عالمية بمعنى الكلمة (على حد وصف الفيلسوف الألماني أرنست هيكل)، لما خلفته من دمار واسع عانت منه الأجيال التي زامن الحدث، اضافة الى الاجيال اللاحقة، وعلى الرغم من قصر طول الحربين العالميتين نسبيا، في حال تمت مقارنتهما مع حروب اخرى استمرت لعقود من الزمن.

الحرب المفترضة، والتي يجري الحديث اليوم عنها، ووضع الخطط الاستراتيجية طويلة الامد لها، اضافة الى التحشيد والتأييد الدولي غير المسبوق، هي الحرب ضد الارهاب والجهاد العالمي، والذي اثارته قضية صعود نجم تنظيم ما يسمى (الدولة الاسلامية/داعش)، وسيطرته على اراضي واسعة (فاقت مساحة عدة دول مجتمعة) في العراق وسوريا، واعلانه الخلافة الاسلامية على اراضيها، اضافة الى تحول انظار المتطرفين حول العالم الى الانتصارات العسكرية التي حققها ضد جيوش عربية، والتي عززت من رغبة الانضمام اليه (تحت حلم الخلافة)، من دون ان يغيب عن البال، المكانة المالية الجيدة التي يتمتع بها التنظيم، والتي فاقت كل توقعات الخبراء ووكالات الاستخبارات العالمية، بعد ان اصبح بإمكانه الحصول على الاستقلال المادي، من دون الخوف من فرض حصار على مصادر التمويل الخارجي التي عادة ما تلجأ اليها التنظيمات الجهادية الاخرى.  

ربما المفارقة (في حال تم ادراجها في سياق حرب عالمية ثالثة قادمة) تكمن في اوجه الشبه والتقارب الكبيرة مع الحربين السابقتين، والتي اكتشفها من يدعو الى هذه الفرضية في بطون الكتب، ودروس التاريخ المستقاة من هذه الاحداث العالمية، والتي يمكن ذكر بعضها:

1. لم تقتصر الحربين على دولتين محددتين، وانما كان هناك تحالف دولي واخر مضاد له، ومن هنا جاءت عالميتهما، بالمقابل فان التحالف الدولي الذي دعت اليه الولايات المتحدة الامريكية ضم العشرات من الدول، (وما زال يتسع بمرور الوقت)، في قبال تنظيم الدولة الاسلامية التي بدئت تكسب هي الاخرى تحالفات جهادية، بعد ان اعلنت عدد من التنظيمات في اسيا وافريقيا والشرق الاوسط، تأييدها او مبايعتها للتنظيم، بوجه ما اسمته "الهجمة الصليبية التي تستهدف الاسلام"، اضافة الى التقارب الحاصل بينها وبين اعداء الامس (جبهة النصرة، طالبان، وربما قريبا القاعدة) بسبب استهدافها من قبل التحالف الدولي.

2. صحيح ان الصراع في الحربين العالميتين كان لأسباب استعمارية او توسعية، الا ان المحرك لهذه الاسباب حركات ذات أيديولوجيات متطرفة (حركات دينية، قومية، عرقية)، وهو ما نراه في وقتنا الراهن، مع بروز حركات الجهاد العالمي، التي تحاول فرض عقيدتها الدينية المتشددة وفق تصوراتها الخاصة بالقوة، إضافة الى تنامي العداء الطائفي والعرقي، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط.

3. غالبا ما رافق الحديث عن تنظيم الدولة الاسلامية قدرته الواقعية على تغيير خرائط الشرق الاوسط واتفاقية (سايكس-بيكو عام 1916)، وان هناك شرق اوسط جديد، بعد ان محى التنظيم الحدود الفاصلة بين العراق وسوريا، اضافة الى طموحاته (بعد ان نشر التنظيم خرائط جديدة لطموحاته التوسعية وشملت معظم قارات العالم مصبوغة باللون الاسود لعلم التنظيم) التوسعية التي لا تعترف بالحدود الادارية بين البلدان، وهو امر مشابه لما حدث قبل وبعد الحربين العالميتين، والتي انتهت بإعادة تقسيم الغنائم (الدول) بين المنتصرين بعد ان تم اقتطاعها بالقوة من الخاسرين.

حقيقة ام وهم

طبعا ليس المقصود في فرضية المؤيدين لانحدار العالم نحو حرب عالمية ثالثة، ان تنطلق أسلحة الدمار الشامل من مكامنها لتفنى البشرية بعدها، ويتحول كل شيء الى رماد، كما الحرب النووية التي تخوف منها الكثير (مع العلم ان التنظيمات الجهادية لن تتردد في فعل ذلك لو وجدت اليه سبيلا)، وانما المقصود هو البحث عن تقارب النتائج والمعطيات التي قد تخلفها هكذا حروب اكتسبت صفة العالمية مع مثيلاتها التي غيرت مسار التاريخ، لأنها استطاعت تغيير واقع سياسي واقتصادي واجتماعي الى واقع جديد فرضته من خلال شمولية الصراع وإرادات المنتصرين.

ويبدو ان طبيعة الصراع بين الإرهاب والتحالفات التي شكلت، وبحسب التصريحات الرسمية واراء الباحثين والخبراء، لن تكون من النوع العابر او السهل (اذ ان الولايات المتحدة الامريكية أعلنت الحرب على الإرهاب بعد استهداف برجي التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001، وغزت لأجلها أفغانستان في 7 أكتوبر 2001، والعراق عام 2003، من دون ان يصل المدى الى الحرب المفتوحة على كل الاحتمالات كما يحدث الان)، خصوصا بعد ان تمكن تنظيم الدولة الإسلامية من مفاجأة خصومة وتغيير طبيعة التكتيكات التي عادة ما تلجا اليها هكذا تنظيمات متطرفة في صراعاتها التقليدية ضد الانظمة والدول، إضافة الى وجود العديد من القضايا العالقة، والتي من شأنها ان تزيد من تعقيد المشهد العام، وقد تأتي بنتائجها العكسية على خصوص الشرق الأوسط والعالم عموما، فما زالت ايران وملفها النووي يتأرجح بين السلب والتعقيد، وما زالت تركيا تحاول اللعب على طريقتها الخاصة، إضافة الى المشاكل الكبيرة التي يعاني منها الشرق الاوسط في البحرين واليمن ولبنان ومصر وليبيا وغيرها، ومن دون نسيان الحروب التي تجري بالنيابة بين دول اقليمية، اشار نائب الرئيس الامريكي (بايدن) الى اسماء البعض منها، وتحفظ على اسماء البعض الاخر.

بالنتيجة فان منطقة الشرق الاوسط، وبحسب المعطيات والمؤشرات التي تتجمع في كل لحظة، يمكن القول انها قابلة للاشتعال، مثل برميل البارود، (كما اشار بعض المحللين)، وقد تصل تداعيات هذا الانفجار الى مناطق واسعة من العالم، مثلما يحدث راهنا، بعد ان فقدت اوربا السيطرة على مواطنيها المتطوعين في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية، اضافة الى عموم القارات الاخرى، والذي دعاها للخروج من هذا المأزق لتشكيل تحالفات اخرى، على غرار التحالف الدولي الذي دعت اليه الولايات المتحدة الامريكية (بعد ان تعهدت نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون في الثامن من اكتوبر الجاري، بتشكيل تحالف للتصدي للخطر الذي تشكله جماعة بوكو حرام المتشددة في نيجيريا، فيما اعلن زعيم بوكو حرام أبو بكر شيكاو دعمه وتأييده لأبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الاسلامية)، الامر الذي قد يعني الايذان بحرب التحالفات المفتوحة على كل الاحتمالات.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث/المنتدى السياسي

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/تشرين الأول/2014 - 18/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م