قيم التخلف: المظهرية المزيّفة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الجانب الذي سنهتم به في هذا المقال من القيم، هو مظهر الانسان وجوهره، علما أن الموجودات كلها سواءً كانت حيّة أو جماد، لها شكل يميزها عن الآخر، ولكن في حقيقة الامر، يبقى الجوهر هو الأكثر قدرة على منح الشيء - أي شيء- امتيازه الخاص الذي يرفع من شأنه وقيمته، ولكن ثمة مشكلة غالبا ما تتلبس منظومة العلاقات في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، تتعلق بتعامل الناس مع المظهر وإهمالهم لما هو أبعد من ذلك.

لذلك نحن في الواقع نعاني بوضوح من قضية المظهرية المزيفة، إننا نلاحظ بوضوح نوعا من المجاملات الفارغة للشكل على حساب مضمون الشيء وافكاره وسلوكه، إنه مرض خطير ينخر مجتمعاتنا، ويبعدنا عن الحقائق كثيرا، ويشيع في اوساطنا العملية وأنشطتنا المتنوعة، نمطا من الزيف المقنّع، وهو أمر يجعلنا نجامل البعض على حساب الحقيقة، الامر الذي يجعل منا مجتمعا يمنح الشكل المزيف قيمة لا يستحقها، فيما يتم من جانب آخر، إهمال الجوهر بطريقة خرقاء لا تدل على الذكاء في التعامل، بقدر ما تدل على مداراة المصالح الفردية بالدرجة الاولى.

بمعنى أكثر وضوحا، أنك قد تهتم بشكل الانسان مع معرفتك المسبقة، أنه فارغ من العلم والفكر الجيد والرأي السديد، بل انه ربما يكون فارغا من الانسانية، ومع ذلك قد ينحو البعض الى مجاملة الشكل المقنّع أو المزيف، والسبب أما نوع من المجاملة للحفاظ على المصالح، أو نوع من الجبن والخوف غير المبرر، وفي جميع الاحوال تبقى قيمة المظهرية المزيّفة، هي التي تقف وراء مثل هذا التواطؤ السلبي مع الزيف على حساب الجوهر.

وهكذا قد يساعد الانسان نفسه والمجتمع عموما، على نمو المظهرية المزيفة، ويمنحها زخما في التحكم بمعظم الانشطة العملية والعلاقاتية التي تربط بين أبناء ومكونات المجتمع الواحد، فتغدو هذه القيمة المتخلفة احدى القيم التي يتعاطاها الافراد في علاقاتهم المتنوعة، فتدخل ضمن منظومة السلوك المجتمعي، وهنا تكمن الخطورة الكبيرة، إذ تصبح مثل هذه القيم المتخلفة مقبولة من لدن الفرد والمجتمع، على الغم من انها تدمر العلاقات السليمة كونها تقوم على المحاباة وعلى التملق أحيانا والمجاملات غير الصحيحة، وبهذا يسود نوع من التعاملات الفردية والجماعية يقوم على الزيف، ويعتمد المظهر الخارجي لا أكثر.

كمثال عن ذلك، هناك أناس نقابلهم في حياتنا اليومية العملية وسواها، يرتدون الملابس الفاخرة ويتعطرون بعطور فاخرة، ويظهرون بحلة جميلة تنم عن الترف والذوق، ولكن هذا ما يظهر منهم على الملأ، بمعنى اوضح هذا هو شكلهم الخارجي، ويبقى الاهم جوهرهم، فهل هؤلاء يحملون فكرا انسانيا راقيا، وهل يتعاملون مع الاخرين وفق رؤية انسانية لا تقوم على الاستخفاف او الاستصغار او التعصّب وما شابه؟!.

إن الجوهر الحقيقي السليم للانسان، يتمثل بما يمتلكه من خزين انساني راق في التعامل مع الآخرين، ليس في مجال الكلام او اللفظ المجرد فحسب، وليس في تبادل الآراء والحوارات فقط، إنما يتشكل جوهر الانسان ويظهر في جميع الانشطة التي يقوم فيها بالتعاون والتشارك، بما في ذلك تعامله الربحي والعملي والاخلاقي مع الناس، وبما يؤكد أو ينفي انسانيه والتزامه بحقوق الاخرين والحفاظ عليها، تماما مثلما يحافظ على حقوقه ومصالحه.

لذلك لا ينبغي أن يسمح المجتمع وأعضاؤه ومكوناته في اي حال من الاحوال، بانتشار هذه القيمة التي تقوم على الزيف، ونعني بها، تقديم الاحترام للشخص على اساس شكله وما يلبسه من ملابس فاخرة وما يتعطّر به من عطور مستوردة!، تسبغ عليه مظاهر الترف، إنما ينبغي أن نعامل الانسان وفق معيار انساني بحت، ينطوي على معرفة و وعي وذكاء ومؤهلات يستحق كل من يحملها مكانة جيدة في المجتمع.

بهذه الطريقة التي ينبغي أن تشكل سلوكا جماعيا لنا، يمكن أن نحد من نمو وانتشار هذه القيمة المتخلفة، ولابد أن يعمل الجميع على تنبيه اولئك الذين يتصورون أن المظهرية المزيفة هي التي تمنحهم الاحترام والتميّز وما شابه من صفات قيّمة، لا يمكن أن تنتمي للزيف في اي حال، ويتم التنبيه على قيمة المظهرية المزيفة من خلال رفضها بصورة جماعية وفردية، والتعريف بأنها تسء للفرد والمجتمع، بدلا من أن تجعله من المتميزين، فليس هناك من يمنح الانسان قيمة انسانية حقيقية اكثر من الجوهر الانساني القويم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 12/تشرين الأول/2014 - 17/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م