صناعتنا، لازالت تعاني من علة لم يشفع لها كل ما يتم إنفاقه من اجور
وتخصيصات إستثمارية وتشغيلية في إنتشالها في واقعها المؤلم، مئات
الشركات الصناعية التي تنتمي على مضض الى القطاع العام ومثلها تلك التي
تنتمي الى القطاع الخاص.. لم تسطع أحد منها أن تتخطى بإنتاجها أو
خدماتها حدود مدينة عراقية واحد أو حتى حي من أحياءها الى الإقليمية
والعربية والدولية، ومجلة فوربس Forbes الشرق الأوسط التي تعنى، في جزء
من تخصصها، تقييم الشركات العربية، ففي أخر قائمة لأقوى 500 شركة في
العالم العربي.. خلت تلك القائمة من شركة عراقية واحدة تمكنت
بستراتيجيتها الصناعية من تخطي الحدود المحلية لتتجاوز المحيط العربي
والإقليمي والعالمي حتى ليكون لها تأثير مباشر حتى على حركة الأسواق
العالمية.
شركات بتخصصات مختلفة منها في مجالات البتروكيمياويات والإتصالات
والإستثمار والنقل والبنوك، النصيب الأكبر، والطاقة والإستثمار
والصناعات الغذائية تخطت في أرباحها السنوية الـ 70 مليار دولار
بإيرادات فاقت الـ 380 مليار دولار ولـ 11 بلداً عربياً هيمنت العربية
السعودية على أغلبها مع دول الخليج العربي وبالطبع لم يكن العراق ضمن
تلك البلدان، فأين نحن الآن من سياسات الإغراق الخفية التي تجتاح
الأسواق العراقية والتي أدت الى ضمور شديد في طموحات شركاتنا المتواضعة
والتي تستهلك بقسوة كل التخصيصات التشغيلية والإستثمارية بلا عائدات أو
قيمة سوقية مضافة تشكل قفزة نوعية لإيراداتنا السنوية في الموازنات.
قد يكون ذلك ضرباً من الخيال أن تدخل الصناعة العراقية أو القطاع
المصرفي العراقي ضمن حسابات مجلة فوربس لأسباب نعرفها جميعا وشخصت من
أمد بعيد فالهالة التي صنعت حول الصناعة العراقية ومدى تطورها جعلتنا
نعيش وهماً كبيراً وبغياب الخطط الصناعية الطموحة زاد التخبط وفقدنا
وقت طويل كان بإمكاننا فيه أن نحاول أن نعبد الطريق أمام الفرص
الصناعية أن تنمو في بيئة سليمة لتأخذ مجال تطورها لنشهد بعدها قفزاتنا
النوعية في هذا المجال أو حتى لنعيد مجداً كان وهماً أضاعنا.
كما أن الأخبار التي تناولتها صحف يوم 24/9، صحيفة الصباح تحديداً،
عن تحذيرات من تعرض بعض المصارف الأهلية للإفلاس في المناطق الساخنة
ومطالبات للبنك المركزي ووزارة المالية بخطط إنقاذ.
تتعاقب السنين وكل سنة تمر تجعل ولوجنا الى الصناعة العالمية أصعب
فالتطور الكبير الذي يشهده العالم في كافة مجالات الصناعة والخدمات
المصرفية ؛ جعلت من الصعوبة اللحاق به بسهولة فنحن أمام معضلة أكبر في
مواكبة موجات التطور تلك والوصول الى خط الشروع الذي يجب أن يتطابق وما
وصلت إليه، هذا التطور التقني الهائل يحتم علينا أن نقفز بخطوات واسعة
بأقدام يكبلها الواقع الأمني والفساد والتخلف الصناعي.
المئات من الشركات الصناعية العراقية اليوم تعيش حالة الضياع ونحن
كشعب ننظر الى الصناعة على قدر ما تملئه من فراغ في حياتنا واحتياجات
مواطنينا وقدر ما تضيفه من قيمة مضافة.
على الرغم من أن القطاع الخاص يستحوذ على 98.3% من إجمالي عدد
الوحدات الصناعية العاملة في العراق والبالغة 17752 وحدة بمستويات
تكنولوجية مختلفة، إلا إن العمود الفقري للإنتاج الصناعي في العراق من
نصيب النسبة المتبقية 1.5% المملوكة للدولة والتي تنتج ما نسبته 90% من
الإنتاج الصناعي، الكثير من تلك المصانع تعمل بمكائن قديمة جداً أدخلت
التأهيل لعشرات المرات وتجاوزت عمرها الإندثاري بسنين.
وقبل أن نتحدث عن الخطة الإستراتيجية الصناعية في العراق حتى عام
2030 علينا أن نتحدث عن ما حققته الخطة الخمسية من عام 2010 ولغاية
2014 التي صرح السيد وزير التخطيط السابق علي الشكري "لم تحقق اهدافها
في الوصول الى الحد الذي رسمته الأمم المتحدة في تقديم الخدمات
الإنمائية للمواطنين، عازياً السبب الى عدم الاستقرار الأمني والسياسي
".
مئات الآلاف من الفنيين والمهندسين لا عمل لهم ومعدل ساعات عملهم
مخجل جداً وسبب ذلك يعود الى غياب التخطيط وغياب الحرفية لدى القائمون
على تلك الشركات ومجالس إدارتها.. لا أعتقد أن لا أحد قادر على إستقدام
المصانع والمعامل من الغرب أو من الشرق بطريقة نقل التكنولوجيا.. ولا
أعتقد أن الموازنات الخاصة بالوزارات الصناعية والإنتاجية غير كافية
لذلك.. انما هو الفساد بعينه الذي يعيق كل خطوات تقدمنا والمحاصصة من
تكبل إقدامنا على المستقبل.. وهنا لا نقصد بالفساد المالي لأننا لانملك
دلائل عليه ولكننا نتحدث عن ما هو أخطر منه.. متمثلاً في إدارات تلك
المصانع والشركات ممن لا يملكون القابلية الكاملة على الإنطلاق
بشركاتهم التي أضحت بفعل بعض السياسات التجارية عبارة عن موّرد لبضائع
القطاع الخاص وشركاته وبيعها لشركات القطاع الحكومي والحصول على فائدة
منها يسدون بها رمق رواتب موظفيهم الذين بدورهم يعانون الإحباط بسبب
جلوسهم بلا عمل.
الكثير من الخطط والإستراتيجيات تحمل رؤى قوية نحاول بها إجتياز
محنة الصناعة لدينا ولكنها تصطدم بالواقع الأمني والسياسي والإجتماعي،
فنحن لغاية اليوم لم نسطع أن نوفر البيئة المناسبة لتحقيق الخطط وحالنا
اليوم ليس بأفضل من حالنا خلال السنوات الماضية.. مآس كثيرة صنعتها
البنادق والمدافع وصواريخ الطائرات.. وقد يكون القادم أصعب، لا سمح
الله، ومستقبل الصناعة لازال في غيابت الجب وسوف لن يعرف له مصير واضح
حتى تنجلي الغمامة التي تلبدت بها سماء الوطن أو أن يأتي من هو أهل
لإخراجها من ظلمتها.. هذا ما يأمله الجميع.. حفظ الله العراق.
zzubaidi@gmail.com
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |